على غلاف النسخة الفرنسيَّة من كتاب بنجامن باربر “الجهاد في مواجهة عالم
ماك” وضعت صورة مفارقة، تظهر امرأة منقّبة، تحمل علبة “بيبسي”.
تختزل هذه الصورة مسارين متعارضين: مسار التشدّد الإسلامي ومسار عالم ماك، الأمركة،
وإن شئت العولمة.
برز الحديث في المنطقة العربيَّة في العقدين الأخيرين الحديث عن “ضرورة مواجهة العولمة” ويكفي أن تكتب عبارة “الإسلام والعولمة” في محرّك البحث غوغل حتى يوضع بين يديك حوالي مليون نص بين “مقالة” و”رأي حر” و”ندوة” أمّا إذا كتبت العبارة نفسها بالإنكليزيَّة فسيكون ناتج البحث ضعف العدد بالعربيَّة، ولا يغيب حضور كتّاب عرب وباحثون عنها أيضاً، أما لو بحثنا بالفرنسيَّة لوجدنا أن العدد لا يتجاوز الخمسمائة، غالبيتها نصوص أو تعليقات كتبها عرب أو من أصول عربيَّة.
تنطلق مقالات أو آراء حرّة كثيرة من بين هذا العدد الهائل من رؤية “إسلاميَّة” تتباين درجة تشدّدها وقراءتها لواقعها في السياق العالمي الحاضر. واللافت أن الكثير منها، بخاصَّة العربيَّة، تعدّ “المجتمعات” العربيَّة “مجتمعاً واحداً” لذا فهي تدعو، بنحوٍ أو بآخر، هذا “المجتمع العربي” إلى مقاومة العولمة أو رفضها بسبل تقترحها. كل هذا والمجتمعات العربيَّة، على تنوّعها ثقافيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً، تستعمل نتاجات الحداثة الغربيَّة، التي أشيعت بفضل العولمة، بخاصّة وسائط الاتّصال الإلكترونيَّة. وتكفي الإشارة إلى أنّ دولة الإمارات العربيَّة المتّحدة تعدّ أنجح أنموذج عربي للاندماج بالعولمة. ولا تكاد دولة عربيَّة تخلو من وجود لشركات متعدّدة الجنسيّات، هذا هو واقعنا العربي المسلم؛ مفارقة.
اللافت أن غالبيَّة تلك المقالات والآراء
الحرّة، لا سيما العربيَّة، توحي بأنّها تتعامل مع تعدّد المجتمعات العربيَّة في
المستويات كلها على أنها “جماعة اجتماعيَّة واحدة يربطها حسّ مشترك وغايات
وجوديّة واحدة. أي أمّة Community، أو مجموعة اجتماعيَّة متلاحمة مع بعضها مرتبطة بأنشطة الحياة
كلها acluster of people، ولا تتعامل معه بمفهوم المجتمع Society، الذي ينطوي
على مفهوم التنظيم وأسلوب الحياة المنسجم والصالح العام بالمعنى الحديث؛ بمعنى
أنها تتجاهل خصائص المجتمعات العربيَّة المتباينة، بالضبط كما تريد العولمة تذويب
تلك الخصوصيّات، بفتحها المجتمعات على بعضها”.
المجتمعات العربيَّة المسلمة اليوم جزء من مجتمعات العالم المتعدّدة وليس جزءا من بعضها، لذا لا يتاح للعرب وللمسلمين “نفي” هذا الواقع، وهذا ما يحيلنا إلى المفارقة التي يوجدها تعارض الواقع بالحلم: واقع استعمال منتجات الحداثة وحلم الثقافة المتمركزة على ذاتها المنقطعة عن الآخرين. هذا التعارض يحيل دوماً إلى دلالة تلك الصورة على كتاب باربر.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.