فضل الرحمن مالك؛ الحداثة جوهر التعليم الديني
فضل الرحمن مالك المعروف بفضل الرحمن، كان عالماً مرموقاً في الإسلام وباحثاً متميِّزاً في التعليم الديني، فضلاً عن أنّه كان مسؤولاً تربويّاً باكستانيّاً.
ولد فضل الرحمن في منطقة الهزارة التي تحوّلت لاحقاً إلى باكستان، كان والده، مولانا شهاب الدين باحثاً ذائع الشهرة آنذاك. درس فضل الرحمن في ديوبند وحقَّق رتبة العليم، من خلال دراسته للشريعة الإسلاميَّة (الفقه، الحديث، التفسير القرآني، المنطق، والفلسفة) انتقل بعدها إلى جامعة البنجاب لدراسة اللغة العربيَّة، ثمَّ أكمل تعليمه في جامعة أكسفورد، حيث نال شهادة الدكتوراه عن ابن سينا، ليمتهن التدريس للمرّة الأولى في جامعة دورهام البريطانيَّة، حيث علَّم فيها الفارسيَّة والفلسفة الإسلاميَّة، ثمَّ في جامعة ماكغيل الأمريكيَّة، التي علم فيها الدراسات الإسلاميَّة حتى عام 1961.
عاد إلى باكستان بناء على طلب من الرئيس أيوب خان ليرأس المعهد المركزي للبحوث الإسلاميَّة في مدينة كراتشي الذي أنشئ من قبل الحكومة الباكستانيَّة من أجل تنفيذ مبادئ الإسلام في التعامل اليومي للأمَّة. أعاق الوضع السياسي في باكستان، فضل الرحمن، من إحراز أي تقدّم في هذا المسعى، واستقال من منصبه في أيلول (سبتمبر) عام 1968. ليعود إلى التدريس في جامعة كاليفورنيا الأمريكيَّة كأستاذ زائر لسنة واحدة، وانتقل بعدها إلى جامعة شيكاغو عام 1969 وأصبح الأستاذ المتميِّز للفكر الإسلامي.
يعتبر حجر الأساس في بناء قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة شيكاغو، الذي لا يزال من بين الأفضل في العالم. كما أصبح فضل الرحمن مؤيّداً لإصلاح النظام السياسي الإسلامي، وشغل منصب مستشار في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة.
تميّزت كتاباته بالإبداع والأصالة وكتب أنَّ مقاطعة الحداثة من قبل المسلمين دليل على ابتسارهم العقلي، وأن المجتمعات الإسلاميَّة قد بدأت بالانحطاط منذ اللحظة التي فقد فيها “العلماء” المسلمون القدرة على رؤية التماسك العقلاني، وشرعوا بمقاربة الآيات القرآنيَّة بمعزل عن بعضها البعض، وعن سياقها التاريخي.
كان من أعلام الباحثين في التربية والتعليم الديني الإسلامي، ويوضح كتابه المعنون “وفي الإسلام والحداثة” المترجم إلى العربيَّة عام 1982 فقدان النزعة العقليَّة الإسلاميَّة التي تمثّل جوهر التربية الإسلاميَّة في تطوير الأهداف والمعياريَّة والمنظومة الفكريَّة. وتنظر هذه الدراسة للحداثة الكلاسيكيَّة والتربية وتشرع في بداية نشوء المدارس الإسلاميَّة تاريخيّاً وكيفيَّة تطورها، كما ويبحث بعمق الحداثة المعاصرة وأنظمة التعليم الديني في العالم الإسلامي من العالم العربي إلى باكستان والهند وأندونيسيا إلى إيران وتركيا.. من مدارس الدوباني في الهند إلى الأزهر مروراً بالحوزات الشيعيَّة، ويقترح في النهاية مقومات نظام تعليمي ديني حديث في الإسلام.
ومن دراساته الأخرى الإسلام: الفلسفة والعقيدة، والنبوّة في الإسلام: الفلسفة والسلفيَّة، ثيمات الكبرى للقرآن الكريم، المنهج الإسلامي في التاريخ، الصحّة والطبّ في التراث الإسلامي، مفترق طرق حانة المشارك، الربا والفائدة، الدراسات الإسلاميَّة.
نالت كتاباته وأفكاره حتى بعد وفاته الاهتمام الكبير من قبل علماء وباحثي الإسلام والشرق الأدنى، وأطلقت صحيفة “مسلم نيوز” البريطانيَّة اسمه على إحدى جوائزها في “الإبداع في الفكر” ولا تزال إسهاماته في جامعة شيكاغو واضحة في البرامج المتميّزة في دراسات الإسلام وتخليداً لذاكرته، تحمل المنطقة المشتركة في مركز دراسات الشرق الوسط في جامعة شيكاغو اسمه.
رحل فضل الرحمن
في إحدى مستشفيات شيكاغو إثر مضاعفات جراحة لتغيير شرايين التاجيَّة، ودفن في
مقبرة أرلينغتون.
بطاقة:
__
. ولد فضل الرحمن في منطقة الهزارة في مقاطعة الحدود الشماليَّة الغربيَّة (باكستان حاليّاً) في 21 أيلول (سبتمبر) 1921.
. درس في بلاده ثمّ أكمل تعليمه في جامعة أكسفورد، حيث نال شهادة الدكتوراه عن ابن سينا.
. امتهن التدريس في جامعات بريطانيا وأمريكا.
. رأس المعهد المركزي للبحوث الإسلاميَّة في مدينة كراتشي.
شغل منصب مستشارا في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة.
. دوّن العديد من المؤلّفات حول دور الإسلام في الحياة اليوميَّة.
. رحل في شيكاغو في 26 تموز (يوليو) 1988، ودفن في مقبرة أرلينغتون الأمريكيَّة.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.