النجاح في عالمٍ متغيِّر
لا نستطيع الحديث عن الدور التربوي والتعليمي لمؤسّسات المجتمع المدني في المنطقة العربيَّة،دون التوقّف مطوّلًا وبإعجاب أمام تجربة رائدة أخذت على عاتقها بناء الوعي المدني المعاصر لدى الأجيال الشابَّة؛ هي برنامج “النجاح في عالمٍ متغيِّر”.
البرنامج الذي يعوِّل على تطوير بنية الذهن للتحسين النوعي لأداء الفرد، ويراهن على تحديث الثقافة لإنهاض المجتمعات،جاء استجابةً نوعيَّة واستراتيجيَّة لتدهور التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبمبادرة من المنبر الدوليّ للحوار الإسلاميّ في العام 2003 بعد أن توصّل إلى قناعةٍ قوامها أنَّ التغيير المجتمعي والتحوّل الثقافي المنشود في المجتمعات المسلمة يحتاج إلى ما هو أكثر من مؤتمرات ولقاءات نخبويَّة، ومرتكزًا على حقيقة أنَّ فئة الشباب من 18 إلى 30 عامًا بالتحديد، هي الشريحة المجتمعيّة الأكثر قدرة على الاضطلاع بمسؤوليّة حمل الثقافة المجتمعيّة، والتفاعل بواسطتها داخليًّا وخارجيًّا لبناء مسارات البلدان إلى المستقبل.
مرّ برنامج “النجاح في عالمٍ متغيِّر” بأربع مراحل أساسيَّة هي؛ مرحلة الإطلاق التجريبيّة التي بدأت عام 2003 وانتهت في 2007، ومرحلة الانتشار منذ عام 2007 إلى 2012 التي انتشرت خلالها الفكرة في 10 بلدان عربيّة، وبعض المجتمعات المسلمة منها أندونيسيا وماليزيا والفلبين،بالإضافة إلى بريطانيا، ومرحلة التهكيل التي توّجت بتأسيس شبكة نجاح 21 رسميًّا بعد أن نجحت بتكريس البرنامج في 11 بلدًا عربيًّا وتمكّنت من بناء 18 مركزًا وفريقًا تدريبيًّا، ووصولًا إلى مرحلة التمركز التي شهدت استقرار الشبكة الإقليميّة وإطلاق الشبكات والتنسيقيات المحليّة والحملات الوطنيّة التي شملت عشرات الآلاف من الشباب العرب، والبدء في تطوير منصّة التعليم الإلكتروني، والتنويع في النشاطات والمبادرات والفئات المستهدفة؛ وهي المرحلة التي ما زالت مستمرّة حتى الآن.
يبني البرنامج الرائد مقاربته للتعليم المدنيّ على افتراض أنّ التعليم المدني الحديث ضروري وحاسم لتطوير مفهوم المواطنة الراشدة لدى الأجيال الشابة وتعزيز صلتهم بمجتمعاتهم وعصرهم، بما يعزِّز دورهم في صناعة بلدان حديثة مستقرّة ومزدهرة، وأنّ التعليم المدنيّ الموجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أغلبه إمّا قليل الصلة باحتياجات الناس وثقافتهم ومعتقداتهم الدينيَّة الجوهريَّة، أو أنَّه معبّأ بإديولوجيات سياسيّة، أو مترجم عن لغات أخرى ومجتمعات في طور ثقافي وحضاري مختلف، وأنّ بناء المجتمعات الحيويّة والمنتجة رهن بتنشئة جيل من القادة المجتمعّيين ذووي المنظومات القيميّة السليمة والقدرات اللازمة، وبناء المجموعات المدنيّة المحترفة ورفع وعيها بالقيم الحضارية الحديثة وتعزيز صلتها العضويّة بمحيطها والعالم.
“النجاح في عالمٍ متغيِّر” ليس معنيًّا بإطفاء السؤال الوجودي أو المعرفي لدى الفرد بجمل وعبارات مرصوصة، ولا يروِّج لوهم وجود خلطة سحريّة تنقل الفئة المستهدفة إلى النجاح الفوري والمجانيّ، لكنّه يسعى إلى تدريب أفرادها بشكلٍ مستمرّ في سبيل تحقيق أهداف عامّة تتضمّن: رفع وتعزيز ثقة الشباب بأنفسهم وإمكانياتهم،وتحويل عواطفهم من الغضب واليأس والعبثيّة إلى التحفيز والطاقة والغائيّة،وبناء وتطوير قدراتهم النفسيّة والذهنيّة ومهاراتهم للعب دور أساسي ومؤثِّر وهادف في تطوير مجتمعاتهم وازدهارها، بالإضافة إلى بناء وتعزيز وتوسيع بيئات النجاح داخل المجتمعات المستهدفة لتحقيق منجزات ملموسة ذوات أثر تعتمد وتروّج لقيم وثقافة الحرّيّة، والمسؤوليَّة، والتعدّد، والتنوّع، والعلميَّة، والحداثة، والإبداع، والإتقان، مغلّفًا هذا كلّه بإيمانه العميق بدعم الفرادة والأصالة والتمايز كونها عناصر جوهريَّة في معادلة ازدهار المجتمعات وتفوّق الأفراد.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.