التنويريسياسة واجتماع

مع الدكتور علي حليتيم و سؤال من نحن و ماذا يراد بنا؟! 

الإسلام غدا يُدفع تدريجيًا إلى هامش اللامرئي و المسلمون غافلون 

‏ يرى الدكتور علي حليتيم و هو طبيب مختص في الأمراض العقلية و مدير مركز الشهاب للبحوث و الدراسات التابع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن  تفكك البنية الهوياتية داخل المجتمع نفسه، لا بوصفه احتمالًا مستقبليًا، بل كواقع راهن يتغلغل في الوعي واللغة والتمثلات الثقافية، يقول الدكتور علي حليتيم أن الأزمة لا تكمن في تعدد الهويات، بل في غياب مشروع وطني واضح جامع قادر على تحويل هذا التعدد إلى تركيب حضاري متكامل، و بحكم أن الدكتور علي حليتيم طبيب مختص في الأمراض العقلية فهو فيلسوف أيضا بحيث يضع الفكر و الفلسفة على طاولة التشريح الطبي لفهم نوع الفيروس الذي تسلل إلى جسم الهوية العربية و الإسلامية و إيجاد العلاج الأصلح لها  

من وجهة نظره هو ، فإن كان هناك صراع خفيٌّ بين أجزاء الهوية الجامعة ، تتحول هذه الأخيرة إلى هوية مسمومة ، كما تتحول الهويات الجزئية إلى هويات عنصرية حين تبنى على العداء للآخر، مقدما مثالا ببناء الأمازيغية على بغض العرب، وبناء العربية على العداء للأمازيغ، هي عينة فقط و الأمثلة كثيرة طبعا ، فالشبهة كما يضيف الشبهة جاهزة عند هؤلاء وهؤلاء: فالعرب محتلون يريدون أن يمحوا الهوية الأمازيغية عند الأوائل، والأمازيغ فرانكوفونيون موالون لفرنسا عند الأواخر، هو طبعا ينقل الرأي الأخر الذي تبنّى هذه الفكرة التي سعى الاستعمار الفرنسي ترويجها  في اطار سياسة “فرق تسد” ، مقدما حالة “الماك” و كيف استثمر فيها عرّابو التقسيم بأنه يمثل سياسيا كل الأمازيغ عند المتطرفين ومعطوب الوناس يمثلهم ثقافيا بمواقفه المتشنجة من الإسلام.. و أن بومدين كان يعادي الأمازيغ باسم كل العرب، والربيع الأمازيغي هجمه عربية ضد القبائل.

 ويزداد الخطر حين يتحول الإسلام من هوية جامعة لكل الجزائريين إلى هوية جزئية تنأى عنه بعض الأطراف، بل تعاديه وترى فيه خطرا ماحقا، المؤسف بل المحزن أن هذه الأطراف كما يقول قوية و لها نفوذ، ففرنسا لا تريد الإسلام ، و حزب فرنسا لا يريد الإسلام، و الإسلام تحول بفعل فاعل إلى هوية جزئية وغدا يُدفع تدريجيًا إلى هامش “اللامرئي”، عبر نزع شرعيته السياسية ( منذ عقود طويلة) ثم شرعيته الثقافية إلى محاصرته في الأحوال الشخصية عبر فرض اتفاقيات “سيداو” المصادمة تماما للمنظور الإسلامي ثم ربطه في الخطاب السائد بالتخلف أو العنف (بتحويل العشرية السوداء إلى لعنة أبدية تلاحق الإسلام والمسلمين إلى يوم القيامة)، أو اللاعقلانية بل يتحول على لسان أحد الزعامة السياسيين إلى محل للسخرية بما أن الإسلام يمنع الفتيان والفتيات من الخلوة في مغارات الجبال.

 المفارقة حسب الدكتور حليتيم  أن المتمسكين بالإسلام لا يُستبعدون بوصفهم أفرادًا، بل بوصفهم فاعلين ثقافيين محتملين، فهم مغيَّبون عن الفضاءات الثقافية الرسمية، ومُقصون من دوائر النقاش والمشاركة السياسية (منذ عقود) والثقافية، وكأن الانتماء الإسلامي بات وصمة ثقافية تهدد هوية متخيلة يراد بناؤها من جديد.، هو الإنحسار بعينه و هذا الإنحسار يقول علي حليتيم ظهر مع بروز  النخب الفرانكفونية العلمانية بوصفها الفاعل الأكثر نفوذًا داخل مؤسسات الإعلام، والنشر، والثقافة، بل وحتى في تمثيل البلد خارجيًا، وهي نخب لا تكتفي بإدارة هذه الفضاءات، بل تفرض من خلالها منظومة رمزية كاملة، تجعل من اللغة الفرنسية لغة الهيمنة، ومن المرجعية الغربية معيارًا للحداثة والشرعية، وحين يقبل المواطن بهذه الهوية الجامع،  فإنه حر بعد ذلك في أن يكون على مستواه الشخصي ما يشاء: مسلم أو ملحد أو عربي أو أمازيغي، بل إن الهويات المعاصرة تنفتح على المستوى الفردي على كل التنوعات كما نراه رأي العين في الدول الغربية.

يُلاحظ هنا أن الطب العقلي و الفلسفة  كما يقول محللون يتداخلان، بحيث كلاهما تبحثان في طبيعة الوعي، و بحكم  أن الدكتور علي حليتيم طبيب مختص في الأمراض العقلية ، فهو يملك أدوات التشخيص و العلاج ، و من خلال نظرته إلى المريض و سلوكاته و ردود أفعاله، يحدد نوع المرض و حالة المريض إن كان مصاب بالعصاب و أن حالته  وصلت مرحلة الخطر أم أنها تحتاج إلى علاج بسيط ( أدوية مهدئة) ، فهو يقول في الإشكالية التي يعالجها و التي تدور حول “الهوية” : “نحن أمّة عصابية مريضة محرومة من كل شيء: من فهم من هي ومن تكون، ومن إدراك معضلاتها البنيوية والثقافية والتاريخية التي تهددها بالتشظي، ومن الحوار الهادئ المفيد حول مسارها، ومن معرفة عدوّها الذي يرقّصها على حبل الانتحار، ومن الانفتاح على العالم الذي يتغير كل يوم بينما نحن نزداد انغلاقا وشذوذا وعصبية كل يوم..”

يضيف علي حليتيم بالقول: ” نحن أمام مشهد تُدار فيه الهوية بمنطق الصراع لا بين لغات هي كلها آية من آيات الله كما ذكر الله في كتابه، ولا بين أعراق مختلفة خلقها الله عز وجل من أصل واحد وعرفها ببعضها لتزداد قوة وثراء ورفعة، بل بين الشعب الجزائري وعصب نجحت منذ سنوات طويلة في تأزيم الوضع الهوياتي في الوطن لأجل بقاء السيادة لفرنسا ولغتها وحزب فرنسا ومصالحه، بينما الخاسرون هم الأمازيغ والأمازيغية، والعرب والعربية، والإسلام والمسلمون، والجزائر والجزائريون”، و من الأعراض التي يقدمها هذا الطبيب الفيلسوف هي الانفصال، و هو الشعور بفقدان الاتصال مع الذات و هذا يقود كما يقول (و هو سيد العارفين ) إلى خلق أزمة ، و هي أزمة انفصام هوياتي بين هوية رسمية تحاصر وهوية مرفوضة تفرض (العلمانية الفرنكوفونية)، وأزمة سيادة هوياتية داخل الدولة والمجتمع، مقدما في ذلك الجزائر كأنموذج حين قال أن الهوية التاريخية كما عاشها الجزائريون لقرون طويلة تتقلص بفعل العولمة المفروضة، والفرنكوفونية المهيمنة لغة وفكرا التي تنخر في المجتمع.

خلاصة القول يقول الدكتور علي حليتيم  إن  الهوية كالجسد تُغذى وتقوّى ويعتنى بها، وتصح أو تمرض وتشيخ وتموت، فقد يكون من المفيد أن نقيم مسيرات هنا وهناك، لكن مسيرة البناء الهوياتي لا تبنى بالانفعالات وحدها، فترك الحبل على الغارب وترك المجال واسعا للعصب بينما تحاصر الهوية الوطنية التاريخية ، نحن مقبلون على هوية مختلفة أو على هوية ملتبسة، أو على صراع هوياتي أصبحنا نراه رأي العين، و قدم علي حليتيم حلولا لهذه المعضلة، أولها قطع العلاقات فورا مع فرنسا! ثم رفع اليد عن الأمة شعبا وجمعيات ومؤسسات وفعاليات ومثقفين ومؤسسات تعليمية للانطلاق من جديد في عملية ترميم كبرى تُصْلِحُ ما أصاب هويتنا من ضعف و وهن، هي رسالة وجهها لمن يقف ضد هذا التنظير الفكري الفلسفي الممنهج وهم الأكثر سذاجة من الناس، ” بأن تبقى أمة تتفرج بينما الأمة الأخرى تخطط وتنفذ لتقسيمها وتفتيتها! ولو كان عبد الحميد بن باديس حيا لما وقع كل هذا العبث..، لكنهم قتلوه بالصمت والتجاهل ومنع اعتماد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لعامين كاملين، بينما جمعيات الروتاري معتمدة تنشط في ظل القانون والشرعية في الجزائر”

علجية عيش


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى