التنويريفكر وفلسفة

قراءة في ندوة تلمسان و سؤال الفكرة الدينية عند مالك بن نبي في البناء الحضاري

مركزية الدين في فكر مالك بن نبي القوة الدافعة لاستمرار الحضارة (دار الحديث نحو تجديد التواصل مع الفكر البنابي)

هناك دعوات لإرجاع دراسات مالك بن نبي إلى أصلها باعتبارها المحرك الأساسي للعناصر الثلاثة  التي تتشكل منها العقيدة، (الحضارة = الإنسان + التراب + الوقت) و ذلك  من خلال التحليل العلمي العميق، ويُعتبر مالك بن نبي من أبرز مفكري القرن العشرين في مجال التأصيل، حيث  يُركّز في تأصيله على أن المشكلة الحضارية التي تكمن في “مشكلة الإنسان، يقول الدكتور مولاي السعيد أنه حان الوقت لإيصال فكر مالك بن نبي إلى الشباب  و ربط الأفكار الحضارية بالفكرة الدينية و هذا هو التأصيل في نظره هو، فمأسسة الحضارة في المفهوم البنّابي لا يمكن أن تتحقق بدون  الفكرة الدينية  و لذا لابد من تعميق فكر بن نبي  في الدراسات الاستشرافية

يعدُّ التواصل بين الأجيال الخيط الرفيع الذي يربط الفكر البنّابي بالجيل المعاصر في زمن التكتلات ، باعتباره (أي التواصل) امتدادا للفكر الحضاري الذي كرّس مالك بن نبي له حياته للنهوض بالعالم الإسلامي ، و إخراجه من دائرة التخلف ، كانت هذه رؤية فلسفية طرحها أكاديميون تخرجوا من مدرسة مالك بن نبي و هم يتناولون إشكالية معقدة تتعلق بمركزية الدين في فكر مالك بن نبي للرد على دعاة الحضارة و الفلاسفة الذين حاولوا تعريف الحضارة في جانبها المادي لا الروحي ، بأن مأسسة الحضارة في المفهوم البنّابي لا يمكن أن تتحقق بدون  الفكرة الدينية وهو ما أشار إليه الدكتور عبد الحفيظ بورديم ، في “ندوة دار الحديث بتلمسان” نظمها الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية بإشراف من رئيس مشروع الكرسي العلمي الأستاذ عبد اللطيف سيفاوي، ذلك  بالشراكة مع مؤسسة آفاق للدراسات و التدريب و جمعية  “دار الحديث” للتربية و الثقافة و العلم،  و كما هو معلوم فدار الحديث أسسها الشيخ البشير الإبراهيمي الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تلمسان لمواجهة المد الإستشراقي في الجزائر أيام الاحتلال الفرنسي و مشروعه في  محاربة الإسلام و طمس الهوية العربية الإسلامية للجزائريين.

فمالك بن نبي كان روحاني، حيث ارتكزت أفكاره على الدين، و هذه الروح يقول الدكتور عمار طالبي رئيس الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية  تدفعه إلى العمل  فتحركه لتغيير التاريخ، فالدين هو الأصل الجوهري الذي يغذي و ينمي الحضارة،  لكن مالك بن نبي جعل من الحضارة الإسلامية النموذج محاولا إقناع بها الناس، لارتباطها بالهوية، فالنصوص الدينية وحدها التي تحدد هوية الفرد و الجماعة التي ينتمي إليها و تحدد أبعادها التاريخية و المستقبلية، و ماهي الأثار التي تخلفها العولمة و كذلك الحداثة، فمن وجهة نظر الدكتور عكاشة شايف، فإن “الهوية” كمحرك ، تعمل على ترسيم القومية ضمن منطق رأسمال فكري، صناعي وإنساني وهذا يقتضي إعادة النظر في فكرة “القومية” من خلال التراث الجماعي القديم، لمواجهة الحركات التي تطالب بالقضاء على الدين، و البحث عن مخرج لتحرير الإنسان من كل القيود الدينية، التي أدخلت الإنسان في مرحلة تحوّل وانقلاب المقاييس في فهم الأمور  و معالجتها، فما من شك أن ما كان للحضارة الإسلامية أن توجد و تسود بدون الفكرة الدينية ، وهي الفكرة التي عالجها مالك بن نبي في كتابه الظاهرة القرآنية ، يقول الدكتور عكاشة شايف أن الهوية الروحية لا يقيّدها مكان و لا زمان و هو ما جاءت به الرسالة المحمدية، التي منها دأب المفكرون  والفلاسفة و رجال الدين أن يحددوا العلاقة الجدلية بين المعنى الديني لهوية الامّة و معناها الاجتماعي التاريخي في التكوين النفسي و الثقافي، و معرفة كذلك سبب تأخر المسلمين في الوقت الذي تقدم فيه غيرهم ( الغرب)، فمالك بن نبي كما يقول الشيخ آيت سالم بن يونس رغم أنه  لمّا التقى مالك بن نبي بالشيخ عبد الحميد ابن باديس و البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة عام 1913 ، درسوا الواقع الجزائري ، كان له تصور ابن باديس و الشيخ البشير الإبراهيم ، لكنه لم يتكلم عن الإصلاح  بقدر ما تحدث عن الحضارة و شروط بنائها، واضعا بذلك مشروعا ثقافيا نهضويا، و لعل نقطة التقاطع الكبرى بين بن نبي و الإمامين ي أن الثلاثة ركزوا على  “الإنسان” باعتباره العنصر المحوري في كل عملية نهضوية و بناء حضاري، إلا أن مالك بن نبي انتهج مسلكا يختلف عن الشيخ الإبراهيمي ، فالإبراهيمي  خصّ في كل خطبه  أن تحرير الإنسان يسبق تحرير الأوطان ، أما مالك بن نبي  كان همّه ما آل إليه أمر الأمّة العربية و الإسلامية، و هو ما يؤكد أن الدين كان حاضرا بقوة في مشروع مالك بن نبي الحضاري ، و قد ظهرت بذور هذا المشروع في كتبه التي أصدرها ،على غرار الفكرة الأفريقية الأسيوية و مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي،القضايا الكبرى، حيث أولى عناية خاصة في بناء الحضارة بالجانب الكوني و الهدائي.

و هنا نقف على السؤال الذي طرحه الدكتور عبد الحفيظ بورديم الذي نشّط الندوة حول القابلية للاستعمار عند القوميّين، و هل سببها نقص التديّن؟  و  سؤال آخر: هل فهمنا مالك بن نبي؟ هو سؤال لم يتطرق إليه المفكرون والباحثون ، و يحتاج إلى تسليط عليه الضوء و وضعه في مخبر البحث الفلسفي و التاريخي، فمالك بن نبي ذهب إلى أبعد من ذلك و هو يضع علم الاجتماع الاستعماري من خلال تكوين الإنسان، و هذه كما يقول الدكتور ماحي ثابت تتطلب  قراءة جديدة القرآن و دمج علوم  إضافية كالمناجمنت ، مشيرا أن المعادلة التي وضعها مالك بن نبي ( الحضارة = إنسان+ تراب+ وقت) لم تخضع إلى التطبيق ميدانيا في المجتمع الجزائري ( كعينة) و كأن مالك بن نبي مخفي عن الأنظار،  أراد ماحي ثابت القول أن هناك  من شيّد “جدار” يمنع المهتمين بفكر بن نبي  من تطبيق فكره و توظيفه ميدانيا ، و هو سؤال يُطرح على مستوى الدولة ، وعلى ما يبدو فإن المشكلة المطروحة هي كيف نُحوّل فكر مالك بن نبي إلى ثقافة، أي بناء إنسان قادر على إنتاج الأفكار، و بالتالي يكون مُحَرِّكًا للحضارة، يلاحظ أن الدكتور ماحي أول من يدعو إلى إنشاء مدرسة خاصة بفكر مالك بن نبي، و إنشاء مشاريع اجتماعية ، ثقافية، نهضوية ، طالما  المجتمع هو أساس النهضة و المشكلة هي كيف نحرك المجتمع ؟ و كيف نوصل فكر مالك بن نبي للشبيبة؟

سؤال يجيب عليه الدكتور هشام شراد عضو المجلس العلمي للكرسي العلمي ، إذ يرى أن المشكلة الحضارية مرتبطة بالنهضة،  لكن مُعَوِّقَات كانت و لا تزال نشكل  حائط/ جدار  يفصل فكر مالك بن نبي عن المجتمع، خاصة الشباب ، ففكر مالك بن نبي حسبه لا يزال  يدور في فضاء التأملات و لم تكن هناك  الجرأة لإخضاع  مفاهيم مالك بن نبي للتحليل و النقاش الفكري المثمر، خاصة و أن بن نبي كان يدعو إلى الانتقال من الفكرة إلى الفعل، هي رؤية نقدية للباحثين الأكاديميين الذي ركنوا إلى السلبية في طرح القضايا التي كان مالك بن نبي يطرحها  بجرأة  من أجل التغيير، لاسيما الأفكار و المفاهيم القابلة للقياس (المنطق) ، فظلت أفكاره مجرد شعارات أو تأملات ، بحيث لا أحد وضع معامل للتحول الحضاري، يعود ذلك إلى غياب الدراسات لمعرفة مدى فاعلية الإنسان، و كم من الباحثين الذي يهملون جوهعر القضايا و يهتمون بقشورها.

علجية عيش


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى