ابن حزم وعلم الأصول
ابن حزم الأندلسي: رائد الأصول وتحديات المذهب المالكي في حضارة الأندلس

تقديم
على الرغم مما كتب على الأندلس من بحوث ومن دراسات ،ومن كتب جامعية وأكاديمية باللغة العربية أو باللغات الأجنبية، وعلى الرغم ما أنجز من لقاءات وندوات فكرية وعلمية حول حضارة الأندلس،وحول تراثها العلمي والحضاري والفكري، فمازالت الأندلس بحاجة إلى مزيد من التعريف والعناية والبحث والمتابعة ،في تراثها العلمي والحضاري والفكري والفلسفي ،في جميع المراحل والامتدادات التي قطعها البحث الأكاديمي حول التراث الفكري الأندلسي ،وهذا الاهتمام كان من أجل استكشاف الجهات العلمية ،و القطاعات الفكرية المشكلة للنسيج الحضاري والفكري والعلمي والفلسفي للأندلس .
– المذهب المالكي في الأندلس
لقد نهض الاندلسيون والمغاربة بخدمة الفقه المالكي،منذ أن اختاروه مذهبا رسميا لهم ،حتى إن جل ما كتب وصنف من الكتب والمؤلفات والمصنفات في الفقه والأصول والنوازل وكتب الاقضية ،كان في هذا المذهب،وكانت المدونة في الفقه للإمام مالك من محفوظاتهم ومن مروياتهم ينقلونها بينهم”..
وقد بدأ المذهب المالكي في أخذ طريقه الى الأندلس أيام عبد الرحمان بن هشام “الذي ألزم الناس جميعا بمذهب مالك ،وصير القضاء والفتيا عليه”.
وعرفت الأندلس بتمسكها الشديد بمذهب الإمام مالك، ورفضها للمذاهب الأخرى ،وهو المذهب الذي لقي قبولا من لدن علمائها الذي اعتنوا به من جهة الرواية والدراية،حتى صار هذا المذهب من تجليات مكونات الشخصية الأندلسية والمغربية ،وهو ما مكن أرض الأندلس أن تكون أرضا بعيدة عن الفلسفة ،وعن الخوض في المسائل والقضايا الكلامية والعقلية ،وفي منأى عن الصراعات المذهبية والفكرية.
وكانت الأندلس ميالة الى العلوم النقلية أكثر من ميلها الى العلوم العقلية بمختلف شعبها.
ومما يؤكد مدى عزوف الأندلسيين عن علمي الجدل ،وعلم الكلام وعن العلوم المنقولة والوافدة من الحضارات والثقافات الاخرى ،أنهم نعتوا هذه العلوم بالعلوم غير النافعة ، وهي العلوم التي لا تتوافق ولا تنسجم مع المذهب المالكي ،وتتعارض مع أصوله.
وفي هذا قال الإمام ابن حزم الأندلسي في رسالته المشهورة ” رسالة في فضل أهل الأندلس :”فإن بلادنا ،وان كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ولا اختلفت فيها النحل، فقل لذلك تصرفهم في هذا الباب، فهي على كل حال غيرعرية عنه “ .
ومن علماء المالكية الأندلسيين المشهورين الذين عاشوا في القرن الخامس الهجري ، الإمام الباجي ت474ه صاحب كتاب ” إحكام الأصول في أحكام الأصول “،وهو من أهم المصادر المعتمدة في علم أصول الفقه عند المالكية .
-الرحلة وأثرها العلمي على الأندلس
شكلت الرحلة جسرا للتواصل العلمي الثقافي بين المشرق والأندلس بل ظلت ممرا لنقل علوم الشرق الى الغرب الإسلامي ،فهي “وثيقة حضارية ثقافية” ربطت بين الشرق والأندلس، وعكست تنقلات الرحالة الأندلسيين طلبا للعلم مشافهة من علماء الأندلس.
ومن أبرز علماء الأندلس الذين رحلوا إلى الأندلس،ودونوا رحلتهم في كتاب خاص القاضي المالكي ابن العربي الإشبيلي ت :543هـ ،صاحب رحلة “ترتيب الرحلة للترغيب في الملة”.
إذ رحل مع والده سفيرا للدولة المرابطية وربط بين الدولة العباسية روابط ونقل الكثير من العلوم المشرقية إلى الأندلس .
وهذه الرحلة رغم أنها لم تصلنا كاملة ،إلا أن جزءا منها موجود في كتاب قانون التأويل للشيخ ابن العربي .
وهو القائل “كل من رحل لم يأت بما أتيته به من العلم، إلا أبا الوليد الباجي “
– كتب الأصول
لقد احتفظت لما المكتبة الأندلسية بموسوعات كبيرة ، وبمصنفات عديدة مدونة ومؤلفة في علم أصول الفقه ، و من أبرزها مؤلفات ابن حزم الأندلسي في علم أصول الفقه ومنها كتاب “الأحكام في أصول الأحكام “،وهو يعد موسوعية علمية كبيرة، أسهمت في وضع الأسس والقواعد المنهجية الكبرى لعلم أصول الفقه بالأندلس.
وكتاب ” الاحكام في أصول الأحكام “هو من قبيل الكتب الأمهات التي ذكرها ابن خلدون في المقدمة ،وقيدها في أربعة وهي : المستصفى لأبي حامد الغزالي ت505ه، و البرهان لإمام الحرمين ت478ه والعمد للقاضي عبد الجبار الهمداني الأسد آبادي ت415ه والمعتمد لأبي الحسين البصري ت(436هـ):” .
وقد اعتبر ابن خلدون هذه المصنفات الأربعة من :”قواعد هذا الفن وأركانه”.
وكتاب “الاحكام في أصول الأحكام ” ،وان لم يذكر مع هذه المصنفات ، فإنه يبلغ شأنا رفيعا ،وموقعا كبيرا بين مدونات كتب الأصول ،وهو في مستوى هذه الكتب الأربعة التي اعتبرها ابن خلدون من أساسيات علم أصول الفقه.
ومن أبرز الشخصيات الأصولية التي عاصرها ابن حزم ، شخصية أبي الوليد الباحي ت474ه ،الذي كان من أكثر علماء المالكية معارضة ورفضا للمذهب الظاهري ،وهو المذهب الذي عرف في القرن الخامس الهجري انتشارا قويا بالأندلس وامتد إلى أرجاء الأندلس ، وقد جرت بين الباجي وابن حزم مناظرة كبيرة في أصول الشريعة ،وفي فروعها ،وكانت هذه المناظرة موضوع بحوث ودراسات جامعية وأكاديمية عديدة .
ومن قبيل هذه البحوث والدراسات الجامعية:
– أطروحة الباحث التونسي عبد المجيد تركي وهي بعنوان :مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي ،وقد حققها عبد الصبور شاهين ومحمد عبد الحليم محمود وصدرت عن دار الغرب الإسلامي سنة 1986.
-أطروحة الباحث المغربي مصطفى الوظيفي قدم بحثا جامعيا إلى كلية الآداب في موضوع “المناظرات في أصول التشريع: ابن حزم وأبي الوليد الباجي الاندلس ،وقامت وزارة الأوقاف المغربية بطبع هذه الرسالة الجامعية.
-تراث ابن حزم:
اشتغل المستشرقون الإسبان بشكل كبير ومثير على تراث ابن حزم الأندلسي، ومن أبرزهم المستشرق الاسباني اسين بلاتيوس Asin palacios هذا المستشرق عمل على تحقيق جزء كبير من تراث ابن حزم الأندلسي ،وقام بترجمته من اللغة العربية إلى اللغة الاسبانية ،وهو بهذا العمل الكبير فإنه قدم خدمات جليلة وكبيرة للمكتبة الأندلسية والعربية.
ومن أهم المؤلفات التي أقدم على ترجمتها كتاب “الفصل في الملل والأهواء والنحل “وقدم له بدراسة وافية وجامعة عن شخصية ابن حزم وتراثه ومؤلفاته والمسار العلمي الذي مر به سماها: “ابن حزم الأندلسي القرطبي IBNHAZM DE GORDOBA”.
كما اهتم المستشرقون الاسبان بكتاب التقريب لحد المنطق ،وهو لابن حزم الأندلسي 454ه ،وهذا الكتاب يقع في الجزء الرابع ضمن رسائل ابن حزم التي حقها الدكتور إحسان عباس وصدرت عن منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت 1996.
ونظرا لأهمية هذا الكتاب فقد قال محققه في شأنه الدكتور إحسان عباس “أنه علقة مهمة في تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي عامة ،وتاريخ الفكر الأندلسي خاصة ،وأنه لا ريب سيفتح أمام الدارسين آفاقا جديدة في دراسة المصطلح المنطقي.
محمد بنعمر
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


