المذهب الخامس في الإسلام شكّل أزمة بين العلاّويين والإصلاحيين في الجزائر
جريدة البلاغ الطرقية وصراعها مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

هكذا تعرض عبد الحميد ابن باديس لمحاولة اغتيال في مسقط رأسه
يعتمد العلويون في تفسير القرآن على المذهب الباطني و يعتقدون أن كل القضايا محققة بتوقيتها و بتوفر شروطها في عالم الشهادة بما فيها قضايا الحرية و الاستقلال للشعوب المستعمرة و يستمد العلويون أورادهم من الفكر الشيعي، وبأفكارهم دخلوا في معارك مع التيار الإصلاحي خاصة فيما تعلق بقضية “المذهب الخامس”، ( الظاهري) الذي تزعمه ابن حزم الأندلسي وعرفت الطريقة العلاوية في الجزائر على يد الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي الذي نقلها عن الشيخ محمد بن قدور الوكيلي الكركري ، و تعلم على يديه الطريقة العلاوية أو كما سمّاها هو” الاسم الأعظم”
بعد وفاة الشيخ الوكيلي عاد الشيخ البوزيدي إلى مسقط رأسه بمدينة مستغانم ، و فيها اتصل بوجهاء المدينة ليلقنهم الطريقة الموصلة إلى الله أمثال الشيخ بن عودة بن سليمان الذي أصبح من مريديه و من مساعديه في نشر الطريقة ، كذلك الشيخ أحمد العلاوي الذي تولى مشيخة الطريقة بعد وفاة الشيخ البوزيدي و كان أحمد العلاوي قد ارتقى إلى أعلى المراتب الروحية على يد شيخه البوزيدي، و بدأ الإقبال على الطريقة يعرف توسعا لا مثيل له من المريدين، و بعد وفاة أحمد العلاوي خلفه تلميذه المقرب إليه ” عدة بن تونس”، و بعد وفاة هذا الأخير خلفه ابنه محمد المهدي، كان الشيخ محمد المهدي يطمح لتأسيس جامعة و معهد لتعليم الدين والقرآن على الطريقة العلاوية و تكوين “جمعية الشبيبة الإسلامية العلاوية للتربية الروحية للشباب” و لكن الأقدار سبقته ليفاجئه الموت في 24 أفريل 1975 و لما يبلغ سن الخمسين من العمر، ليخلفه نجله الشيخ خالد بن تونس، و أضحت الطريقة العلاوية منذ سنة 1991 تنشط في إطار جمعية ثقافية تحت اسم جمعية الشيخ العلاوي للتربية و الثقافة الصوفية بمقرها الكائن بالزاوية العلاوية بمدينة مستغانم.
وتحليل الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية في مسألة “التبليغ” انطلق من تفسيرهم سورة الفتح معتمدين في ذلك على نموذج رومان جاكبسون roman Jakobson ) ) الأدبية في نظريته التبليغية في مفهومها الديني، وهي إيصال الحق والحقيقة للناس، والمتصفح لكتابات الطرقيين العلاويين يلاحظ أنهم يميلون إلى الفرق “الشيعية” بترديدهم عبارة ” قدس الله روحه” و هم يخاطبون إخوانهم، خاصة الإسماعيلية ، و هي عبارات اعتاد “إخوان الصفاء” ترديدها كعبارة ( أيّدك الله وإيانا بروح منه) في كل خطاباتهم اليومية، كما يعتقد العلاويون أن أوراد الشيخ سيدي عدة بن تونس هي بمثابة همزة الوصل بين العبد و ربه و عن طريقها يمكن الاتصال الروحي مع الله و قد يمكنه الورد من رؤية الله، و هو العارفين بشؤون التصوف و خطورته أن مثل هذه المعتقدات تدخل في باب الكفر و الإشراك بالله، بحيث يقولون أن من أراد رؤية الله عليه بالخلوة مع الصوم و تغميض البصر و جمع الحواس و تخييل الاسم و ملاحظة معناه عند جريه على اللسان و هكذا إلى أن تنقطع هواجس النفس و يطمئن فؤاد الذاكر و ترسم حروف الاسم في مخيلته فيأمره حينئذ بالخروج عن هذا المظهر خروجا روحيا، أي إلى ما وراء المادة.
يكشف العلاويون أن هذه الأوراد أخذوها عن الشيخ الروحي للطريقة العلاوية محمد بن الحبيب البوزيدي الشريف المستغانمي و قد أخذها هو عن أستاذه أبي المواهب محمد بن قدور الوكيلي، عن محمد بن عبد القادر الباشا و عن أبي يعزى المهاجي وهما عن الشيخ الدرقاوي، عن..عن..عن أبي الحسن الشاذلي الذي أخذها بدوره عن الشيخ الشاشي عن إسحاق بن محمد النهرجوري الملقب بأبي يعقوب أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الرابع الهجري، عن… عن.. عن الشيخ المشيشي نسبة إلى بني مشيش من طنجة و هو من أعلام الصوفية، و عبد الرحمن العطار الزيات عن ..عن القزويني عن إبراهيم البصري كبير المتصوفين إلى أن يقول عن علي بن أبي طالب ، كما يجعلون شيوخهم وسطاء بينهم و بين الله و الاستغاثة به كما جاء في التذييل القائل: “بشيخك الشاذلي أبي الحسن يا رب أحفظنا و بالمشيش، و قد اتخذ الطرقيون العلاويون من التصوف ” حزبًا” بقولهم في كل نهاية تذييل: ” وارحم حزبنا و جميع المؤمنين”,
فهم عادة ما يسمون طريقتهم بحزب “الرحمن” في اعتقادهم أن سورة الرحمن نزلت فيهم، كما يصفون أنفسهم بأنهم باب الله و أن من أحبهم فقد أحب الله و هم بذلك يضعون أنفسهم في مرتبة الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، يقول الدكتور يحي بعيطيش في كتابه: ” دراسات في الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية” الطبعة الأولى الصادرة في 2009 المطبعة العلاوية، أن الشيخ أحمد العلاوي قد أدلى بدلوه في تجربته الصوفية و تطلعه في أنوار الذات المقدسة خاصة عند مخاطبته ربه أو عندما يهم بالكلام مع الله، ( الكلام هنا يعني المناجاة ) ، و يطلق على هؤلاء الشعراء المتصوفة اسم: ” عُشَّاقُ الله ” كما نراه في مناجاة رابعة العدوية و هي تخاطب الله بـ: حبيبي، و قد سار على هذا المنهج دعاة العقيدة الصحيحة.
جريدة البلاغ و صراعها مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
للعلاويين طرق خاصة في تفسير القرآن الكريم، فهم يفسرونه تفسيرا “باطنيا” رمزيا و من ذلك عبارة ” خلع النعلين” التي تشير إلى قصة موسى عليه السلام لما أمره الله تعالى أن يخلع نعليه ، إذ يقول تعالى في الآية الكريمة: ( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى..) الآية 12 من سورة طه فقد اعتبرها الصوفية خلعا للنفس و الوجود، أي التخلي عن النفس كلية من جهة و خلع الوجود بمحو العالم المحسوس من جهة أخرى، تقول الروايات أن الدعوة العلوية نشأت في اليمن على يد علي بن محمد الصليحي أبو الحسن مؤسس الدولة “الصليحية” و أحد ملوكها باليمن و”الباطنيون” حسب الكتابات ينتمون إلى القرامطة نسبة إلى إسماعيل القرمطي و يؤمنون بفكرة الحلول، حيث مالت هذه الفرقة إلى الانحراف و الكفر خاصة بعد ظهور “عبد الله بن ميمون القدّاح” الذي عمل عند جعفر الصادق ، و بعد وفاة إسماعيل ساق ميمون و شعبه الإمامة إلى محمد بن إسماعيل و آخرون إلى جعفر موسى الكاظم، و كان الباطنيون يفسرون القرآن حسب قانون المماثلة عند قولهم تعالى: ( مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، يخرج منهم اللؤلؤ و المرجان..الخ) في سورة الرحمن، فقالوا إن المقصود بالبحرين علي وفاطمة، و بالبرزخ محمد (ص) و باللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسي، للإشارة أن الشيخ بن عليوة أسس صحيفة اسمها “البلاغ” .
و منذ صدور عددها الأول في 24 ديسمبر 1962 من مدينة مستغانم شنت جريدة البلاغ الناطق الرسمي للطرقيين العلويين حربها على رائد الإصلاح الشيخ عبد الحميد ابن باديس و الدفاع عن التصوف و الطرقيين من قبل مديرها عدة بن تونس، و من أيدوه من الكتاب التابعين لهم و حتى بعدما تولى إدارتها الأخضر عمروش عندما حول مقرها إلى العاصمة و سميت بالبلاغ الجزائري لأن أصحابها كانوا يعتمدون على المنهج التبليغي في تفسير القرآن و عليه سميت بالبلاغ، و كانت قد دخلت في صراع مع صحف “الإصلاحيين” ، منها صحيفة لسان الدين و صحيفة المرشد و خاضت معارك مع صحف التيار المعاكس للإصلاحيين كالشهاب و الإصلاح و البصائر، و انتقل العداء بين الطرفين إلى حد تبادل السب و الشتم و التنابز بين الفريقين و أشياء أخرى لا يجيزها الدين و لا تقبلها المروءة خاصة بعد محاولة اغتيال العلاّمة الشيخ عبد الحميد ابن باديس من قبل المدعو الشريف ميمان و هو ينتمي إلى الطريقة العلوية، دون أن تتبرأ جريدة البلاغ و أقلامها من الفعلة الشنيعة التي قام بها أحد تابعيها ، كما كانت لصحيفة البلاغ عداءات مع صحف أخرى وصلت الأمور إلى العدالة بخصوص قضية المذهب الخامس ، و هو المذهب الظاهري الذي أسسه داود بن علي و تزعمه ابن حزم صاحب ” المحلى” و طوق الحمامة.
لهذه الأسباب تعرض ابن باديس لمحاولة اغتيال
كانت حرب طائفية و خلافات بين المسلمين منذ حرب “صفين” ولا تزال إلى اليوم قائمة بين مختلف الطوائف و المذاهب، و كان الخلاف بين الطرفين سياسيا حول الزعامة و الخلافة ، و كما يقول الدكتور محمد الصبيحي لبست السياسة ثوب الدين و تعمّمت بعمامته من أجل حشد الأنصار و الأتباع، و ظهرت ما يسمى بـ: الإمامة كركن من أركان الدّين و وقع صراع بين الشيعة و أهل السنّة و الجماعة، و قد حارب ابن باديس “الطرقية” التي كانت تعتبر مصنع الخرافات و البدع و أصحاب المواقف المتعصبة للتمذهب الممقوت الذي يؤدي إلى تشتت المسلمين و هدم وجدة صفهم و هم أصحاب الرسالة المحمدية، فابن باديس سار على نهج محمد الغزالي و القرضاوي بعد التطرق إلى الصراع السني الشيعي لكي لا تحدث الفتنة، كما خاض ابن باديس حربا كلامية مع المفكر المصري سلامة موسى في العديد من القضايا خاصة ما تعلق بالصور و التماثيل و موقف الإسلام منها ، كان لجمعية العلماء المسلمين برئاسة ابن باديس دورها الريادي و تأثيرها الإصلاحي في الشمال الإفريقي ، و كانت لابن باديس مراسلات مع علماء الأزهر و الزيتونة و القرويين و شيوخ الفتوى، لوضع حد للبدع و المنكرات الفاشية بين المسلمين باسم الدين، و كاد ابن باديس ان يدفع حياته ثمنا لهذه الثورة في محاولة 24 ديسمبر 1926، عندما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في مدينة قسنطينة، حين تهجم عليه شخص مسلح و طعنه بسكين لكنها كانت محاولة فاشلة ، و تبين أنه المُعْتَدِي من أنصار إحدى الزوايا الصوفية، كان هذا الاعتداء لمقالة كتبها ابن باديس انتقد فيها الطرق الصوفية.
هل تأثر ابن باديس بالشيخ محمد النخلي و ابن عربي؟
تشير دراسات أن ابن باديس تأثر ببعض العلماء حين التقى بهم بجامع الزيتونة على غرار أستاذه الشيخ محمد البشير صفر، الذي كان له الفضل في اطلاع ابن باديس على أمته و وطنه و بث فيه الروح التي جعلت منه عالما مصلحا، كما تأثر ابن باديس بالفكر الخلدوني ، حيث حرص حرصا شديدا على دراسة مقدمته الشهيرة و تدريسها لتلامذته بعد كل صلاة الفجر، كذلك الشيخ محمد النخلي المتوفي عام 1824، و كان هذا الأخير قد وجّه ابن باديس إلى التركيز على التاريخ الأصولي في الأندلس، و كتابات ابن العربي، ومن هذا المنطلق عكف ابن باديس على دراسة كتاب “العواصم و القواسم” ، الذي ألفه ابن عربي، و تكفل بنشره عام 1928 على نفقته ، بالمطبعة الإسلامية بقسنطينة و هو يقع في جزئين، و الذي كما يقال أقام إمبراطوريات وأسقط أخرى وهي واحدة من مخطوطات ابن العربي و هي إحدى الدلائل التي تجعل من ابن باديس محققا و مدققا، حينما عكف على دراسة مرحلة النبوة و ما بعد النبوة، و تحليله مجتمع الخلافة الراشدة، بعدما رأى أن التصورات المذهبية و السياسية مسّت التاريخ الإسلامي في محطاته الواسعة ، و بالخصوص المرحلتين الأموية و الأندلسية، و ما شهدته من صراعات قومية شعوبية.
و قد تحدث الباحثون عن المشروع النهضوي عند ابن باديس و بخاصة هذه المخطوطة و قالوا أن الوعي التاريخي هو حالة الشعور بالذات و الهوية في إطار ما سمّاه ابن باديس بالإسلام الذاتي الذي هو حالة من التحقيق و النقد في مناهج العلوم، مشيرا أن ابن باديس لم يستمد وعيه التاريخي من الفلسفات النظرية، و إنما هناك دوافع جعلته يقف على التاريخ العربي الإسلامي في القرن السادس هجري أي العاشر للميلاد و سمّاه إنسان ما بعد الموحدين، لقد لعبت المدرسة الباديسية دورا هاما في تربية النشء و برز منها كتاب و مؤرخون و أدباء و فلاسفة و أصبحت شهرتها إلى جانب المدرسة العبدوية ( نسبة إلى محمد عبده) عالمية في الشرق و الغرب، و كان الدكتور عبد الرزاق قسوم قد أشاد بفكر ابن باديس و بمنهجه الإصلاحي حيث قال أن عبد الحميد ابن باديس كان من النخب التي دافعت عن فلسطين و الشعب الفلسطيني ودعا الى نصرة القضية الفلسطينية ، و أشار إلى أن أول هجرة كنعانية كانت إلى قسنطينة عام 1450 قبل الميلاد، و هذه العلاقة تمتد الى ما قبل التاريخ.
علجية عيش
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


