فولتير ولايْبِنتز أو في نقد التفاؤل
"يجب أن نشتغل في بستاننا": فولتير ونقد "أفضل العوالم الممكنة" في "كانديد"

«كونديد أو التفاؤل»، رواية فلسفية حاولت أن تُقوّض ذلك النوع من التفاؤل الذي دافع عنه الفيلسوف الألماني «غُوتفريد لاَيْبنتز»؛ رواية تروم نقد ما يلي: إن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة.
«كانديد» هو الشخصية الرئيسية، واسمه يوحي بالبراءة والصفاء. كان خادما شابا أحبّ بجنون ابنة سيده، كونيجوند، لكنه سيطرد من قصر أبيها عندما ضُبط في وضعية غير أخلاقية معها. وانطلاقا من تلك اللحظة وبحكي سريع وعجائبي، يسافر عبر دول حقيقية وخيالية مع معلمه في الفلسفة الدكتور «بانغلوس»، حتى يلتقي بحبه المفقود مرة ثانية، على الرغم من أنها أصبحت كبيرة في السن وقبيحة المنظر.
في مجموعة من المشاهد الكوميدية، يشهد «بانغلوس» و«كانديد» أحداثا فظيعة ويلتقون بمجموعة من الشخوص على طول الطريق، وكانوا كلهم تعرضوا لأحداث مؤسفة.
استعمل فولتير معلم الفلسفة ليتحدث بطريقة كاريكاتورية عن فلسفة «لاَيْبنتز»، والتي كان الكاتب يسخر منها في ذلك الوقت. كان «كانديد» يعتبر كل ما يحدث من كوارث طبيعية؛ من تعذيب، حروب، اغتصاب، عبودية، واضطهاد ديني تأكيد على أننا نعيش في «أحسن العوالم الممكنة». كانت كل كارثة تزيد من اقتناعه بأن كل شيء هو للأحسن، وأن الأمور يجب أن تكون كذلك لتنتج الوضعية الأكثر كمالا.
كان «فولتير»، صاحب الرواية، يستمتع بالكشف عن رفض «بانغلوس» رؤية ما يوجد أمامه، وكان هذا سخرية من تفاؤل «لايبنتز». غير أن سخرية «فولتير» توحي أن هناك شر كثير جدا في هذا العالم، وأنه من الصعب قَبُول رؤية «لايبنتز»؛ لأن ما يحدث ليس أقل شر ممكن لتحقيق أحسن العوالم الممكنة. إن وجود الكثير من الألم والمعاناة في هذا العالم يقوّض تفاؤل فيلسوف ألمانيا، لايبنتز.
في سنة 1755 حدثت كوارث طبيعية (زلزال لشبونة، والتسونامي الذي ضرب المدينة لاحقا، حرائق)؛ كل ذلك خلخل اعتقاد «فولتير» في الإله. لم يستوعب كيف يمكن أن يكون ذلك جزءا من خطة أوسع؟ لماذا يسمح إله طيب لهذا بالحدوث؟
خلافا لـ«بانغلوس» الذي لم تزحزحه أي تجربة عن معتقداته، تغير «كانديد» تدريجيا بما عاينه من أحداث، على الرغم من أنه كان في البداية يشارك أفكار معلمه، ومع نهاية الكتاب جعلته تجاربه مرتابا تُجاه الفلسفة واختار حلا أكثر واقعية لمشاكل الحياة.
اجتمع «كانديد» و«كونيجوند» ثانية، وعاشا مع «بانغلوس» وشُخُوص آخرين في ضيعة خاصة. اقترح «مارتن»، أحد الشُّخوص، أن الطريقة الوحيدة لجعل الحياة محتملة هي «التوقف عن التفلسف والاهتمام أكثر بالعمل». بدأوا لأول مرة بالتعاون وكل منهم بدأ يعمل ما يتقنه. وعندما بدأ «بانغلوس» بتوضيح أن كل شيء حدث في حياتهم كان شرا ضروريا للوصول إلى هذه النتيجة السعيدة، قال له «كانديد» بأن ذلك جيد، لكن «يجب أن نشتغل في بستاننا».
كانت هذه آخر كلمات الرواية: «يجب أن نشتغل في بستاننا»، وكان القصد منها تمرير رسالة قوية للقارئ. لقد كانت هذه الجملة درسا أخلاقيا من الرواية. لقد كان «كانديد» يقول ببساطة أنه يجب عليهم أن يشتغلوا في البستان وأن يبقوا أنفسهم منشغلين بالعمل. بيد أنه في مستوى أعمق، فإن الاشتغال في البستان بالنسبة لـ«فولتير» هو استعارة عن فعل شيء مفيد للبشرية عِوض الكلام فقط عن مسائل فلسفية مجردة. ولعل «فولتير» إنما يلمح إلى أنه ليس «كانديد» وأصدقاؤه من يحتاجون إلى فعل ذلك، بل يجب علينا جميعا فعله.
نايجل واربُرتون، مختصر تاريخ الفلسفة، ترجمة: محمد مفضل، دار الكتب العلمية، العراق – بغداد، ط١، ٢٠١٩.
رحو اليوسفي
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.






