التنويريفكر وفلسفة

أوراق ثقافية.. حديث عن حرب المثقفين

المثقف بين التهميش والمسؤولية: صراع الأفكار ودور الوعي في بناء الأمة

كثير من المثقفين وحاملي الأفكار يفضلون الهجرة خارج الوطن ليستفيد منهم الغير، فبعض المثقفين الأحرار، لا يؤخذ برأيهم و هم مُبْعِدون عن الساحة لمواقفهم، بسبب سياسة التهميش التي كرست الرداءة، و غياب التواصل و الحوار بين المثقفين و المجتمع ليصنعوا الحدث و يعيشوا همومه و أحزانه،  وآخرون فضلوا الانطواء والعزلة و الصمتُ أحيانا بسبب الاستبداد الفكري ومصادرة الحريات، وهي نزعة فرعونية وجب محاربتها

المثقف هو الصورة الحية للأمة، و عينه التي ترى بها الواقع، و ارتباطه بالمجتمع و احتكاكه بالواقع مربوط بهذه الأمة و لا يمكن الانفصال عنها ، إلا أن ما نتابعه من منشورات في كل محطات الكتابة و بخاصة فيالفضاء الأزرق نرى أن الطبقة المثقفة في وادي و الجمهور و الطبقة السياسية في وادي آخر، ما يدعنا إلى طرح السؤال التالي: هل المثقف مُغَيَّبٌ أم أنه غيَّبَ نفسه بنفسه؟، وماهي السبل لإعادة الطبقة المثقفة للبناء و الإصلاح و إشعارها بمسؤوليتها العظمى التي يجب أن تتحملها أمام الأمة، و توجيه الجهود في مختلف التخصصات لمد جسور التعاون بين الطبقتين المثقفة و السياسية لبناء  المستقبل، فالمشكلة الثقافية ظهرت منذ  العصر الروماني ، حين فرضت روما ثقافتها على المجتمع الأمازيغي، و الصراعات الدموية التي دارت بين الأمازيغيين و القديس أوغسطين الذي كان ضد الثقافة الأمازيغية نظرا لقربهم من التوحيد خلال الفتوحات الإسلامية ثم الصراع بين الإندماجيون و الوطنيون في بلاد المغرب العربي في مرحلة الاستعمار الفرنسي؟

  وقد أثارت المشكلة الثقافية اهتمام  كثير من المفكرين العرب و منهم مفكرنا الجزائري مالك بن نبي رحمه الله ، و ربطه المشكلة الثقافية بمشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، فمثلا يقول في الفصل السابع من كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” تحت عنوان “جدلية الفكرة و الشيء”، أن للعالم الثقافي بنية (ديناميكية) تتوافق مظاهرها المتتالية مع علاقات متغيرة بين العناصر الثلاثة الحركية: ( الأشياء، الأشخاص و الأفكار)، و  قد شكلت هذه العناصر الثلاثة عند مالك بن نبي ثورة، و هذه الثورة – كما يقول هو  – هي في جوهرها عملية تغيير، غير أن لهذا التغيير أسلوبه و طبيعته، فأما الأسلوب فيتسم بالسرعة ليبقى منسجما مع التنسيق الثوري، و أما طبيعة التغيير فإنها تجدد في نطاق الجواب على السؤال  التالي: ما هو الموضوع الذي ينبغي تغييره؟ ليبقى التغيير متماشيا مع معناه الثوري ،  ربما هو السؤال نفسه الذي ينبغي أن يُطرح على المثقف حتى لا يبقى مجال للخلط، من هنا نقول ان الصراع هو صراع  أفكار و صراع أشخاص و صراع أشياء، صراعٌ حول من ينتج أكثر ؟، و ما هو نوع  إنتاجه، لأن الصراع أيضا يدور حول النوع لا الكم.

 فالفكرة تأتي عن طريق شخص، والأشياء لا تأتي إلا بوجود الفكرة، هي الفكرة التي يبتكرها المثقف و يطرحها للنقاش،  فمن الأفكار نشأت حرب المثقفين، فكاتب ياسين مثلا كان في عيون النُقّاد مثقفا منسلخا عن ثقافته الأم، لأنه أراد أن ينشأ مجتمعا افتراضيا ، و لو كانت له القوة و الإمكانيات لحقق حلمه في الانسلاخ عن اللغة العربية و استبدالها بلغة دخيلة و يحقق بذلك مطامع الاستعمار الذي سعى إلى تغيير المجتمع، و ربما هي الأسباب التي أدت إلى نشوء الأزمة الثقافية في الجزائر كنموذج ، يقول الداعية السوري الدكتور حسن رمضان فحلة المتوفي في عام 2019 في الجزائر، إنه غالبا ما تكون علاقة المثقف بالمجتمع علاقة مجاملة، و كثير من المثقفين يثيرون إشكاليات و لا يقدمون لها الحلول، أي انهم يطرحون سؤالا ليثيروا مشكلة دون تقديم لها الحلول،  و لذا فهو مطالب ( أي المثقف)  بأن يُعَمِّقَ دوره المؤثر في المجتمع ، و مطالب أيضا بأن يقرأ التاريخ ، فالمثقف الذي يتغنى بالأحداث تماشيا مع الجو المحيط ، هو بلا هوية، بل هو صاحب قلم منافق، و ينتقد الدكتور فحلة المختصين بقوله: ” هم يخربون أكثر مما يبنون لإبراز شخصيتهم.

 يصنف الدكتور حسن رمضان فحلة المثقف إلى أصناف، حيث يوجد المثقف المتفرج، المتشائم، الانتهازي، الوصولي الذي يستغل الأحداث لإبراز اسمه، والمثقف الفاعل الغيور على وطنه و شعبه و أمته و يسعى إلى التغيير، و صنف آخر  هو المثقف الهروبي وهو المثقف المتراجع، المثقف المستعدي، و المثقف الموالي و الإعتذاري، و هؤلاء  ورد ذكرهم  في كتاب “المثقف العربي و السلطة” وهو بحث في روايات التجربة  الناصرية ، كما يوجد مثقفو السلاطين و الحكام، و مثقفو الجماهير، الذين يشكلون روح الثورة و الطغيان و التمرد على السلطة، و المثقف المستخفي و هو المثقف المجهول و المستغنى عنه اجتماعيا ، في حين يوجد ما سُمِّيَ بمثقف “الإنتلجانسيا” و المثقف “النرجسي” الذي يؤكد أسبقيته على الآخر، و المثقف “المدرسي” الذي ينقل ما يكتبه الأخر من دون تحليل و تمحيص و نقد، وهناك من تجاهل دور المثقف “المتحزب” و المثقف الثوري، و المثقف التقليدي و المثقف الحداثي كذلك، إذا قلنا أن الآلاف من المثقفين تم اغتيالهم لمواقفهم و جرأتهم في طرح القضايا.

علجية عيش


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى