اجتماعسلايدر

هل يعرف شبابنا العربي عن صديقنا اليهودي؟

اليهودي الذي انحاز للعدالة: شهادة فينكلشتاين على جريمة العصر في غزة

في زمنٍ أصبح فيه اسم إسرائيل مرادفًا للاضطهاد والإبادة بحق الفلسطينيين، قد لا يُفاجأ البعض بوجود أصوات يهودية ترفض الظلم وتقف إلى جانب الحق الفلسطيني. نورمان فينكلشتاين هو أحد أبرز هذه الأصوات؛ أكاديمي يهودي أمريكي بات صديقًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية، وصوتًا شجاعًا ينتصر للضحايا بدل أن يصطف مع أبناء جلدته من اليهود الصهاينة الذين تحولوا في نظره إلى صورة جديدة من الجلّاد الذي اضطهد أسلافهم.

من هو نورمان فينكلشتاين؟

نورمان غاري فينكلشتاين (مواليد 1953) هو مفكر وعالِم سياسة يهودي أمريكي، وابن ناجين من المحرقة النازية. شكّلت مآسي والديه تحت حكم النازيين ونجاتهم من معسكرات الإبادة وعيه منذ الصغر، وزرعت فيه إدراكًا عميقًا لمعنى الظلم ومعاناة الضحايا. حصل فينكلشتاين على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة برنستون، وانخرط في العمل الأكاديمي باحثًا ومدرّسًا في عدة جامعات أمريكية. لكن أكثر ما يُعرف عنه هو نشاطه الفكري والدفاعي عن القضية الفلسطينية، ونقده الجريء للسياسات الإسرائيلية والقراءات التاريخية المزيفة التي تبرر سلب حقوق الشعب الفلسطيني. لقد كرّس أكثر من أربعة عقود من عمره لدراسة “الصراع” العربي-الإسرائيلي، منها خمسة عشر عامًا مركّزة على غزة وما عانته تحت الحصار والعدوان. ألّف عددًا من الكتب المهمة في هذا المجال، أبرزها كتاب “غزة: بحث في استشهادها” الذي يعتبره “التاريخ الموضوعي الوحيد لغزة” في ظل شُحّ الدراسات المحايدة عن معاناة أهلها. عُرف أيضًا بكتابه “صناعة المحرقة” الذي انتقد فيه استغلال ذكرى الهولوكوست سياسيًا وماليًا من قبل منظمات يهودية لتبرير جرائم إسرائيل. مواقفه هذه كلّفته غاليًا في الوسط الأكاديمي والإعلامي؛ فقد تعرض لحملة شرسة قادها أستاذ القانون الشهير آلان ديرشوفيتز لمنعه من الحصول على التثبيت الوظيفي في جامعة ديبول عام 2007 بسبب نقده الصريح لإسرائيل، واضطر للاستقالة رغم دعم طلابه وزملائه له آنذاك. ومنذ ذلك الحين تفرّغ للتأليف وإلقاء المحاضرات دفاعًا عن الحقيقة والتاريخ العادل.

“لا تسمّوها حربًا؛ إنها ليست حربًا… إنها إبادة جماعية.”

يصف نورمان فينكلشتاين نفسه بأنه مدفوع بـ”هوس الحقيقة” وإحقاق العدالة. لذلك، عندما اندلعت حرب إسرائيل على غزة (2023) وما رافقها من مجازر مروّعة، لم يتردد في تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية. يقول فينكلشتاين: “لا تسمّوها حربًا؛ إنها ليست حربًا… إنها إبادة جماعية.” في نظره، الفرق شاسع بين الحرب والإبادة الجماعية: الحربُ تستهدف جيوشًا ومقاتلين، أما الإبادة فهدفها القضاء على شعبٍ بأكمله. يؤكد نورمان أن ما ارتكبته إسرائيل في غزة طوال عامين لم يكن سوى حملة تدمير ممنهج للسكان المدنيين الفلسطينيين. ويستشهد بإحصائيات صارخة: 92% من منازل قطاع غزة دمّرتها آلة الحرب الإسرائيلية، وأكثر من 20 ألف طفل وامرأة ومدني استُشهدوا تحت القصف المتواصل، مقابل مقتل عشرات قليلة من الجنود الإسرائيليين. هذه النسبة (حوالي 1 إلى 240 بين قتلى الإسرائيليين والفلسطينيين) لا يمكن أن يقبلها عقلٌ على أنها “تبادل نيران في حرب”؛ فهي أقرب ما تكون إلى حملات الإبادة الاستعمارية التي شهدها التاريخ في أسوأ صفحاته. ويذكّر فينكلشتاين بأن معدل القصف على غزة بلغ في بعض الأيام أكثر من عدد القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة على أفغانستان في عام كامل، مما جعل أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة شبه مستحيل في ظل هذا الاختلال المهول لموازين القوى. فالجيش الإسرائيلي — كما يقول — لا يترك حجرًا على حجر قبل أن يتقدم، فلا مجال لقتال متكافئ؛ بل عملية إبادة تهدف لمسح غزة عن وجه الأرض، لا أقل.

الأخطر من ذلك في نظر فينكلشتاين هو تورط المجتمع الإسرائيلي نفسه في مشروع الإبادة هذا. فهو يرفض رواية بأن ما يحدث مجرد انحراف من حكومة يمينية متطرفة، ويؤكد أن ما يجري في غزة هو مشروع قومي إسرائيلي عام، تشارك فيه قطاعات واسعة من الإسرائيليين أو تؤيده بصمت. ويكشف عن نتائج استطلاعات رأي صادمة داخل إسرائيل: أحد الاستطلاعات سأل الإسرائيليين إن كان ينبغي قتل جميع سكان أي مدينة في غزة يدخلها الجيش، فوافق على ذلك حوالي 47% من المستطلعين! كما أن أغلبية كبيرة (حوالي 70% من اليهود الإسرائيليين) ترى أنه “لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة” وأن كل سكانها إرهابيون مستحقون للموت. هذه العقلية الجمعية المتوحشة هي ما يصفها فينكلشتاين بـ “تفوق يهودي” جديد، معادلٍ لفكر النازية ولكن بضحايا مختلفين. حتى أحد قادة المعارضة الإسرائيلية أفلتت منه الحقيقة مؤقتًا حين قال: “جنودنا يقتلون الأطفال كهواية في غزة.” ورغم تراجعه عن التصريح تحت الضغط، يرى فينكلشتاين أن الواقع يؤكده؛ فالأطباء الأجانب الذين عملوا في مستشفيات غزة وثّقوا نمطًا مفزعًا لإصابات الأطفال: رصاصات قناصة في الرأس والصدر بشكل متكرّر. هل هذا دفاع عن النفس أم استهداف متعمد للأطفال؟ وحتى تقارير الأمم المتحدة الأخيرة تحدّثت عن أدلة على جرائم مروعة ارتكبها الجنود الإسرائيليون، بما فيها اعتداءات جنسية واغتصاب معتقلين فلسطينيين من الرجال في معسكرات الاحتجاز. ويتساءل فينكلشتاين بمرارة: “هل يبدو ذلك كحرب دفاعية ضد مقاتلي حماس؟ أم أنه سعي لسحق روح شعب بأكمله؟”.

كيف يمكن لمن عرف سياق غزة وسكانها أن يطلب منهم الخنوع إلى الأبد؟

عرف العالم خلال هذه الحرب نفاقًا واسعًا في الخطاب الإعلامي والسياسي: فالجميع يطالب بإدانة المقاومة الفلسطينية والترحم على كل إسرائيلي قبل السماح بانتقاد الجرائم في غزة. كان اختبار الولاء الأول لأي شخصية عامة هو أن تبدأ بالقول “نندّد بما فعلته حماس في 7 أكتوبر…” ثم بعد ذلك يحق لك الكلام عن غزة. ​لكن نورمان فينكلشتاين تمرد على هذه القاعدة الزائفة منذ اللحظة الأولى. يقول بوضوح إنه يرفض إدانة هجوم 7 أكتوبر (الذي قُتل فيه حوالي 1200 إسرائيلي) في السياق الذي تريده إسرائيل. لا يعني ذلك أنه ينكر وقوع أعمال قتل ذلك اليوم. لكنه في الوقت نفسه يؤكد: “كان من المستحيل أن أدين هؤلاء الناس على ما فعلوه،” إذ وضع نصب عينيه خمسة عشر عامًا من الحصار والإذلال والتجويع الذي فُرض على أهل غزة قبل 7 أكتوبر. كيف يمكن لمن عرف سياق غزة وسكانها أن يطلب منهم الخنوع إلى الأبد؟ يذكّر فينكلشتاين بأن الفلسطينيين في غزة جرّبوا كل وسيلة سلمية قبل انفجارهم الأخير: جرّبوا الانتخابات بإشراف دولي عام 2006 فجاءت النتيجة غير مرضية لإسرائيل والغرب ففرضوا عليهم حصارًا خانقًا عقابًا لهم؛ جرّبوا الاحتكام للقانون الدولي مرارًا عبر تقارير أممية وتوثيق الانتهاكات فلم يتغيّر شيء؛ جرّبوا المقاومة الشعبية السلمية في مسيرات العودة عام 2018 فقوبلوا برصاص القناصة الذي حصد أرواح المئات وترك الآلاف من المعاقين؛ جرّبوا الهدن والمفاوضات غير مرة فاستمرت إسرائيل في التنكّر لحقوقهم. بعد كل ذلك، يتساءل فينكلشتاين: “ماذا كان على أهل غزة أن يفعلوا؟” هل كان مطلوبًا منهم أن يموتوا ببطء بصمت لكي يرضى العالم عن أخلاقهم؟ إن ثورة 7 أكتوبر – رغم مآسيها – كانت في نظره صرخة المظلوم الذي لم يبقَ لديه خيار آخر. وقد شبّهها بـثورة نات تيرنر عام 1831، حين انتفض العبيد في أمريكا وقتلوا عائلات بيضاء بأكملها بشكل دموي. التاريخ الأمريكي أدان تيرنر ورفاقه في حينه، لكنه اليوم – بعد قرن ونصف – يفهم حنقهم وظروفهم بل ويتردد في إدانة أفعالهم نظرًا لوحشية العبودية التي ثاروا ضدها. وكذلك الحال مع فلسطينيي غزة بالنسبة لفينكلشتاين: مَن حُكم عليه أن يعيش في قفص بلا حاضر ولا مستقبل، من وُضع في “معسكر اعتقال” منذ عام 1948 – كما وصف مسؤولون دوليون غزة مرارًا حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي – ثم زاد خنقه بحصار مستمر منذ 2006؛ مثل هذا الإنسان لا نستطيع أخلاقيًا أن نلومه إذا انتفض في وجه جلاديه مهما كانت الوسيلة. بل يرى نورمان أن اللوم الحقيقي يجب أن يوجّه إلى من أوصل الأمور إلى هذه اللحظة الرهيبة: أي إسرائيل ومن دعمها في تجريد الغزيين من إنسانيتهم على مدى عقود.

ينطلق فينكلشتاين أيضًا من مبدأ أخلاقي مهم في القانون الدولي: الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لها حق المقاومة بكل الأشكال، بينما قوة الاحتلال المعتدية لا يحق لها ادعاء “الدفاع عن النفس” وهي أصلاً من يمارس العدوان. لذا يعتبر سؤال “هل تملك إسرائيل حق الدفاع عن نفسها؟” سؤالاً مضللًا من الأساس. فإسرائيل ليست ضحية تدافع عن وجودها كما تزعم، بل هي جلاد يحتل أرضًا ليست له ويقمع شعبًا أعزل. وحتى على المستوى الأخلاقي المجرد، يقدم نورمان تشبيهًا بليغًا: رجلٌ اعتاد ضرب زوجته بوحشية يوميًا لعشرين عامًا، وحين أمسكت سكينًا لتدافع عن نفسها في إحدى نوبات عنفه وطعنته بها، أطلق عليها النار فقتلها مدعيًا أنه كان يدافع عن نفسه! ربما يجد هذا الرجل مخرجًا قانونيًا في المحاكم، لكن هل يُعقل أخلاقيًا أن نقول إنه كان محقًا؟ يقول فينكلشتاين: لقد أسقطت إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها بعد كل ما فعلته بالشعب الفلسطيني المستضعف؛ فمن يقترف جرائم متواصلة كهذه يفقد أي ذرائع أخلاقية للحديث عن الأمن والدفاع.

ثمن الحقيقة وصوت الضمير

يدرك نورمان فينكلشتاين أن مواقفه هذه لن ترضى عنها المؤسسات الصهيونية في الولايات المتحدة أو أوروبا. وهو بالفعل دفع ثمنًا شخصيًا لقاء تمسكه بالحقيقة: فبعد فصله من الجامعة تحت الضغط السياسي عام 2007، تعرّض لحملة تجفيف إعلامي؛ إذ تجاهلته تمامًا كبرى الصحف والقنوات الغربية خلال حرب غزة الأخيرة رغم كونه خبيرًا معروفًا في هذا الشأن. ويذكر بأسف أنه لَم يُستَضَف ولا مرة واحدة في أي وسيلة إعلامية أمريكية أو أوروبية سائدة منذ اندلاع الأحداث، مع أنه صاحب أفضل دراسة تاريخية عن غزة ومعروف بوفرة معلوماته ودقتها. وحتى عند صدور كتابه عن غزة من جامعة مرموقة (مطبعة جامعة كاليفورنيا)، لم تُوصِ به أي صحيفة أو مجلة كما تفعل عادةً مع الكتب التأسيسية في موضوعها! هذا التعتيم المتعمد يشير إلى خوف دوائر النفوذ من صوت فينكلشتاين، لأنه يكشف زيف الروايات التي يروّجون لها. ويؤكد نورمان أن ظهوره عبر ما يُسمى الإعلام الجديد كان أيضًا محدودًا، فبعض المنصات المستقلة التي استضافته تعرّضت لضغوط. فعلى سبيل المثال، استضافه الإعلامي البريطاني المعروف بيرس مورغان عدة مرات في الأسابيع الأولى للعدوان على غزة، ووجده ضيفًا مطّلعًا يصعب مجادلته، لكن سرعان ما توقف عن دعوته تمامًا. يقول فينكلشتاين إن منتج البرنامج أخبره صراحةً أنهم لن يستطيعوا استضافته مجددًا لأن الجهات الراعية لا ترغب بذلك بعد أن أدلى بمواقفه القاطعة على الهواء. هكذا تحوَّل برنامج “بيرس مورغان غير المراقَب” إلى برنامج مراقَب عندما تعلق الأمر بالحقيقة عن فلسطين. ورغم ذلك، تمكن نورمان من إيصال صوته عبر منصات بديلة وحوارات مطوّلة على يوتيوب ووسائل التواصل، ولاقت كلماته صدى واسعًا بين الجمهور الغربي كذلك؛ فكثيرٌ من المقاطع التي يتحدث فيها حققت مئات الآلاف من المشاهدات خلال أيام، في دلالة على تعطش الناس لسماع رأي مختلف مؤسَّس على مبادئ إنسانية بدلًا من البروباغندا المعتادة.

“لا تملك أن تسامح من قتل شعبك؛ وحدهم الموتى يمكنهم المغفرة لو نطقوا”

لم ينجُ فينكلشتاين أيضًا من سهام لوبيات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الغرب. فقد جرى وسمه بصفات قاسية مثل “اليهودي المعادي للسامية” و”المنكر للهولوكوست”، فقط لأنه انتقد استغلال المحرقة في السياسة الإسرائيلية. لكنه يبتسم إزاء هذه الاتهامات ويعتبرها أوسمة شرف على صدره، ما دامت تأتيه بسبب دفاعه عن المظلومين وانتقاده للمنافقين. بل إنه يستشهد بمقولة شهيرة للمفكر برتراند راسل: “حين يتحداك الجميع بفظاظة، فاعلم أنك على وشك اكتشاف الحقيقة.” وهو يرى أنه لولا فعالية منطقه وخطورة حقائقه عليهم، لما أزعجهم إلى هذا الحد. إن ضميره الحيّ هو دافعه الأول والأخير؛ هذا الضمير الذي صقلته تجربة عائلته في معسكرات الموت النازية. يروي نورمان أن والدته (وهي ناجية من محرقة أوشفيتز) علّمته درسًا بليغًا: حين يكون الظلم أمامك صارخًا، لا يجوز لك أن تغضّ الطرف وتقول “هذا ليس شأني”. وقد تمثّل نورمان هذه القناعة طوال حياته؛ فآلى على نفسه أن يكون نصيرًا لكل ضعيف، كائنًا من كان الجلاد. وهو يرفض منطق “التسامح مع الجميع” على إطلاقه، إذ يؤمن بأن الغفران ليس حقًا للأحياء بل هو حق للضحايا وحدهم. لذلك يردد عبارته الأخلاقية العميقة: “لا تملك أن تسامح من قتل شعبك؛ وحدهم الموتى يمكنهم المغفرة لو نطقوا” – أي أن واجب الأحياء هو تحقيق العدالة وعدم التنازل عن حقوق الضحايا تحت أي ذريعة.

لماذا يجب أن يعرفه شبابنا؟

إن نورمان فينكلشتاين يمثل نموذجًا ملهمًا للإنسان الذي رفض أن يتقمص دور الجلاد، اختار أن يقف في الجانب الصحيح من التاريخ، مساندًا لشعبٍ آخر يذكّره بمأساة شعبه. فينكلشتاين بالنسبة لنا هو صديق صادق، لأن صداقته تجسدت بالأفعال لا بالكلمات: عرف الحقيقة فكشفها، عرف الظلم فشجبه، لم يخف من لوم أبناء ملّته إذا كانوا مخطئين. ومثل هذه الشخصية تستحق أن يعرفها الشباب العربي حق المعرفة. فبينما يحاول الإعلام الغربي طمس صوتها، ينبغي لنا أن نُصغي ونطّلع على أفكارها. قراءة كتب فينكلشتاين والاستماع إلى محاضراته تكشف لنا كنزًا ثمينًا من المعلومات الموثقة والحجج المنطقية التي تدحض أكاذيب الصهيونية. والأهم من ذلك، نتعلم من تجربته معنى النزاهة والشجاعة الفكرية؛ كيف يستطيع المرء أن يكون مخلصًا للمبدأ فوق أي اعتبار عرقي أو قومي أو ديني ضيق.

في زمن الاستقطاب الحاد، يبرز نورمان فينكلشتاين كمثقف حرّ يذكرنا بأن القضية الفلسطينية ليست صراعًا دينيًا بين مسلمين ويهود بقدر ما هي معركة بين العدل والظلم، بين الضحية والجلاد. وقد اختار هو بلا تردد الوقوف مع العدل والضحية، رغم أن الضحية ليست من قومه والجلاد من بني جلدته. هذا الموقف النبيل كلّفه الكثير، لكنه أكسبه احترام كل صاحب ضمير حول العالم. فهو يخاطب جرائم إسرائيل بلسان العارف الخبير: يدحض مزاعمها بالتوثيق والأرقام، ويفضح وحشيتها بصرخة أخلاقية مدوية يستحيل إسكاتها. ومن خلاله نجد سندًا معنويًا ومعرفيًا يثبت أننا لسنا وحدنا في معركة الحقيقة؛ هناك أصوات من قلب المجتمع اليهودي ذاته تنحاز إلينا لأنها ترى الحق معنا.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

عبيدة فرج الله

خبير وباحث في شؤون الإعلام والصحافة والاتصال السياسي، رئيس التحرير المسؤول لمجلة التنويري.

مقالات ذات صلة

اترك رد