أدب

أدب الخيال العلمي في العالم العربي: جدلية الغياب والحضور

بين الترجمة والتهميش: هل آن أوان انطلاقة الخيال العلمي العربي؟

في النسق الثقافي المعاصر

الخيال العلمي: تخمين واقعي لأحداث مستقبلية (روبرت هاينلاين).
إن ترابط العنصرين: العلمي والاجتماعي خلق فضاءً جديدًا مبدعًا لما سيعرف بالخيال العلمي (روجيه بوزيتو).
كاتب الخيال العلمي كثير الأحلام، كثير الهواجس، والخوف من المستقبل (طالب عمران).

تمهيد
حاول عدد من الكتّاب ربط هذا الأدب القصصي بالعلم، بل واستخدامه كوسيلة لترويج المعرفة العلمية، وهو اتجاه مستمر لوقتنا هذا فيما أصبح معروفًا بالخيال العلمي الصارم. لقد نوقشت العلوم التطبيقية (التكنولوجيا) على نطاق أوسع بكثير في الخيال العلمي، لأن كل ابتكار تكنولوجي يؤثر على بنية مجتمعنا وطبيعة سلوكنا. وقد ربط الخيال العلمي التكنولوجيا مرارًا وتكرارًا بالمستقبل، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن قصص الخيال العلمي تحكي عن المستقبل.

وعلى أية حال، يعتبر أدب الخيال العلمي أحد أكثر الأنواع الأدبية تطورًا وإبداعًا في العصر الحديث، حيث يجمع بين التخيل والإبداع من جهة، وبين الرؤية المستقبلية والعلمية من جهة أخرى. يتميز هذا النوع الأدبي بقدرته على استكشاف المواضيع التي تتجاوز حدود الواقع الملموس، مما يجعله أداة فعالة لطرح الأسئلة الفلسفية والاجتماعية والعلمية حول مستقبل البشرية. منذ بداياته الأولى وحتى الآن، ظل أدب الخيال العلمي مرآة عاكسة للتحديات الإنسانية الكبرى، سواء كانت تقنية، أو بيئية، أو اجتماعية. بناءً على ما سبق، سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أدب الخيال العلمي، وبالأخص في العالم العربي، من خلال مناقشة العناصر التالية:

مقالات ذات صلة

أولًا – مفهوم الخيال العلمي
التخيل العلمي… زاده الخيال. ويمكننا تعريف مفهوم الخيال العلمي Science Fiction بأنه نوع من الأدب والفنون التي تعتمد على استكشاف المواضيع والسيناريوهات التي تتجاوز حدود الواقع المألوف، مستندًا إلى مفاهيم علمية أو تقنية حقيقية أو محتملة. يهدف هذا النوع الأدبي إلى تقديم رؤى خيالية حول المستقبل البشري، التكنولوجيا المتقدمة، العوالم الأخرى، أو الظواهر الطبيعية غير المألوفة، مع الحفاظ على درجة من الواقعية العلمية أو المنطقية. بمعنى آخر، هو نوع أدبي وفني يعتمد على الخيال مع استخدام العلم كأداة أو خلفية للأحداث، ومن هنا جاءت تسميته، حيث يمزج بين الخيال الجامح والإبداع اللامحدود مع الحقائق والنظريات العلمية، ليقدم لنا قصصًا وروايات تأخذنا إلى عوالم أخرى، أو إلى المستقبل، أو حتى إلى الماضي البعيد.

ومن أبرز خصائصه أنه يعتمد على نظريات علمية لكنه يوسعها خياليًا، وقد تدور الأحداث في الفضاء، أو المستقبل البعيد، أو عوالم متوازية. بالإضافة إلى أن الخيال العلمي يناقش العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية، مثل تأثير العلم على المجتمع، ومستقبل البشرية، واستكشاف بعض القضايا الإنسانية مثل الأخلاق، والهوية، والسلطة، ومصير البشرية.

تصورات جديدة للخيال
وظف يوهانس كيبلر رحلة خيالية للقمر لعرض رؤية لنظام شمسي في المركز في روايته الحلم. وسيتطلع سيرانو دي برجيراك أيضًا، في إطار عملية برهنة علمية (فيزيائية)، إلى تخيل في شكل تجربة فكرية، فتحدث عن معراجٍ مكتشف فوق مدينة باريس وبقائه في سمائها دون حراك، وبعد ساعات وجد نفسه فوق مدينة كيباك الكندية. النتيجة: لقد دارت الأرض، رغمًا عما كانت تفكر فيه الكنيسة آنذاك.

هذا هو أحد العناصر التي ستكون رحمًا لما سيعتبر فيما بعد أحد مكونات الخيال العلمي. وهناك عنصر آخر يرجع إلى نفس العصر، يتمثل في ابتكار توماس مور لحل هو في نفس الوقت عقلاني ومستحيل التطبيق للأزمة الاجتماعية الأوروبية التي ظهرت منذ العصر الوسيط الإقطاعي. يتمثل هذا الحل في ابتداع دولة خيالية ولكنها تسير بطريقة عادلة: الطوباوية. المسألة هي تجربة فكرية في إطار أزمة اجتماعية.

إن ترابط العنصرين (العلمي والاجتماعي) خلق فضاءً جديدًا مبدعًا لما سيعرف بالخيال العلمي. وفي القرن الثامن عشر، اتخذ ل. س. مارسييه الحلم وسيلة للإبحار في المستقبل لينقد مجتمعه عن بعد، وذلك في روايته العام 2440. وهذا يعتبر عنصرًا آخر يُضاف إلى التحولات التي ستكون هي ذاتها تحولات الخيال العلمي، أي تسمح بإعطاء رؤية نقدية في إطار خيالي.

وهكذا بدأ يعتمد الخيال العلمي على مفاهيم علمية أو تقنية موجودة أو قيد البحث، مثل: الفيزياء، الفضاء، الذكاء الاصطناعي، الهندسة الوراثية، والسفر عبر الزمن. رغم أن بعض هذه المفاهيم قد تكون افتراضية أو نظرية، إلا أنها غالبًا ما تستند إلى أسس علمية معقولة. كما يتميز الخيال العلمي بقدرته على بناء عوالم خيالية متكاملة، سواء كانت في المستقبل أو في أماكن بعيدة عن الأرض، مما يسمح للقارئ بالانغماس في تجارب جديدة ومثيرة.

وهنا يجب أن نشير إلى التمييز بين الخيال العلمي واللاعلمي، حيث يعتمد العلمي على مفاهيم علمية أو تقنية، حتى لو كانت افتراضية، ويحاول تقديم تفسيرات منطقية للأحداث. أما اللاعلمي (الفانتازيا)، فيعتمد على السحر والعوالم الخارقة للطبيعة دون الحاجة إلى تفسيرات علمية أو منطقية.

كما أن الفرق بين مصطلحي الخيال الأدبي والخيال العلمي، هو الفرق بين العلم والأدب، بين القصيدة التي تدغدغ المشاعر، وبين الواقع الذي يشدك إلى رحاب المنطق العلمي، حيث لا يعترف العلم بالشعر كأفكار قابلة للتطبيق. فالأدب يعطيك الحلم والخيال المجنّح، والعلم يعطيك المكننة والآلة والدواء الشافي للمرض، وكلاهما لا يمكن الاستغناء عنه.

ربما كان لوقيانوس السوري السميساطي (Lucien de Samosate) هو الأب الحقيقي للخيال العلمي. كتب حوارياته وقصصه الخيالية المقرونة بعلم تخيّل آفاقه في شخوص وأحداث، ليكون أول رائد لهذا النوع من الأدب. ويمكننا أن نرى مصطلح الخيال العلمي في “رسالة الغفران” للمعري، وفي “آراء أهل المدينة الفاضلة” للفارابي، ثم في “حي بن يقظان” لابن طفيل. ونرى ملامح هذا المصطلح – إن اتفقنا عليه – في بعض قصص “ألف ليلة وليلة” كالحصان الطائر، والبساط السحري، والمرآة السحرية، ومصباح علاء الدين، وغير ذلك، رغم عدم التجانس التام بين هذا المصطلح وتفاصيل تلك القصص.

ثانيًا – ماهية أدب الخيال العلمي
الأدب، وبتعريف مبسط، وبعيدًا عن أي تعقيد، هو مجموعة التصورات والمشاهدات والملاحظات والرؤى التي يراها شخص ما، والأقوال التي يودّ قولها للناس، وينقل كل ذلك ضمن وعاء لغوي جميل، يختلف كثيرًا أو قليلاً عن لغة الحياة اليومية، وبأسلوب سلس وجذاب، فيه الصور الجميلة، والألحان العذبة، والكلمات المعبرة، بحيث يأسر السامع أو القارئ، ويصل إلى أحاسيسه ومشاعره بيسر وسهولة.

ويقسَّم الأدب إلى أجناس عدّة استنادًا للوعاء اللغوي الناقل وشكله، وعموماً نجد للأدب جنسين رئيسين هما: الشعر والنثر، ولكل منهما فروع وأغصان. فإذا ما أخذنا النثر، رأينا من فروعه القصة والرواية، والفرق بينهما هو طول زمن الأحداث وتعدد الشخوص. وهذا تعريف ناقص أذكره لحاجتي إليه فيما أود توضيحه، إذ إن معظم ما كتب تحت بند الخيال العلمي كتب ضمن هذين الفرعين، ولكن ما كتب في الخيال العلمي يختلف كثيرًا أو قليلاً عن جنس القصة والرواية الأدبية المعروفة.

ففي القصة والرواية تؤخذ الأحداث والشخوص والمقولات من الواقع أو تستمد أحداثها منه أو ترمز إليه، وهي تتناول الواقع المعيش أو المفترض، وتتناوله بجوانبه العديدة: المنير منها والمظلم، الماضي منها والحاضر. وإن كانت تنتقد الواقع المعيش وتظهر عيوبه أو حسناته، فهي في الوقت نفسه ترسم صورًا لما يجب أن يكون عليه. وباختصار، فهي لا تخرج من تحت عباءة الواقع.

أما الخيال العلمي، فهو لا يرسم الواقع ولا يتحدث عنه، بل يجعله منطلقًا لينطلق منه إلى عوالم مجهولة متخيَّلة، بل قد تكون مفرطة في تخيلها، إلى عوالم لم يشاهدها بشر، ولم يعشها أحد، تراها بخيال الكاتب، أو يقدّرها وفق رؤيته.

واستنادًا لما سبق، نستطيع القول: إن أدب الخيال العلمي هو جنس أدبي خاص، يتميز أو يختلف عن الأجناس الأدبية الأخرى، وإن كان يشاركها بعض السمات، ما يبرر أن يُفرد له فرع خاص به.

يُعرّف معجم أكسفورد أدب الخيال العلمي بأنه: “خيال يتعامل مع مكتشفات ومخترعات علمية حديثة بطريقة متخيّلة”.
ويعرّف سعيد علوش في كتابه “معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة” رواية الخيال العلمي بأنها: “تستبق الأحداث العلمية بتخيلها، وهي تصوّر أحداث الغد، مع التأكيد على عنصر التحولات الإنسانية”.
ويدرجه مجدي وهبة وكامل المهندس في “معجم مصطلحات العربية في اللغة والأدب” تحت مصطلح “القصص العلمي التصوري”، ويعرّفانه بأنه: “ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا”.
ويعد هذا النوع ضربًا من قصص المغامرات، إلا أن أحداثه تدور عادةً في المستقبل البعيد أو على كواكب غير كوكب الأرض.

يحاول جون أنتوني كودون في “معجم المصطلحات الأدبية والنظرية الأدبية” أن يضع تعريفًا أشمل، فيذكر أن أدب الخيال العلمي “يتعامل جزئيًا أو كليًا مع موضوعات الغرائب والخوارق والمخاطر”، وهذا يتيح لنا إدخال كتّاب مثل بورخيس وكافكا وآخرين ضمن هذه الفئة.

في واقع الأمر، تعود جذور أدب الخيال العلمي إلى قرون مضت، حيث يمكن تتبع بعض ملامحه في الأعمال الأدبية القديمة مثل “أوديسة” لهوميروس و”ألف ليلة وليلة”.
ومع ذلك، فإن النشأة الحقيقية لهذا النوع بدأت في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية (1850)، وظهور الكتابات التي تتناول الابتكارات التكنولوجية.

ويُعتبر الكاتب الفرنسي جول فيرن (1828–1905) والكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز (1866–1946) من أهم رواد أدب الخيال العلمي.
يُنظر إلى فيرن على أنه أول من أسس لهذا النوع من الأدب، وأعطاه المعنى والشكل الحقيقيين. أصدر الكثير من الأعمال التي مزج فيها بين العلم والخيال.

بدأت أولى أعماله التي اتسمت بالخيال المجنح وتغليب المنطق العلمي برواية “خمسة أسابيع في منطاد” عام 1863، ثم “رحلة إلى جوف الأرض” عام 1864، وبعدها “من الأرض إلى القمر” عام 1865، و”عشرون ألف فرسخ تحت الماء” عام 1870، إضافةً إلى عشرات المؤلفات الأخرى.

أما ويلز، الذي وصفه النقاد بـ “شكسبير الخيال العلمي”، فقد كتب “آلة الزمن” عام 1895، وهي واحدة من أهم روايات الخيال العلمي. تدور أحداثها حول رجل يخترع آلة تستطيع السفر عبر الزمن.
ثم كتب “حرب العوالم” عام 1898، و”رجال القمر الأوائل” عام 1901، و”اليوتوبيا الجديدة” عام 1905، وغيرها من الأعمال الكلاسيكية في هذا المجال.

وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، شهد الخيال العلمي انتشارًا واسعًا، وبلغ مرحلة النضج والازدهار، خاصةً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وظهر أدباء وسينمائيون كان لأعمالهم تأثير كبير في تطور هذا الفن.

من أبرز هؤلاء، الكاتب الروسي الأمريكي إسحاق عظيموف (1920–1992)، الذي كتب عشرات الكتب للكبار والأطفال، وركز على علوم المستقبل، حيث ظهر في رواياته “الروبوت” كشخصية مركزية.
من أشهر أعماله: “أنا الإنسان الآلي” عام 1950، وسلسلة “الأسس” (1951 – 1986)، التي شكّلت ملحمة علمية أدبية متكاملة.

وهكذا، أصبح أدب الخيال العلمي يفرض نفسه على النماذج الأدبية يومًا بعد يوم، خاصة تلك الموجهة للأطفال، مستفيدًا من الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي المتسارع.
وبات هذا الأدب يلقى إقبالًا كبيرًا، لأنه يخاطب خيالهم ويستثمر في فضولهم وتساؤلاتهم حول الإنسان والكون.

يعتمد الخيال العلمي على مفاهيم علمية وتكنولوجية حقيقية أو محتملة، ويستخدم هذه المفاهيم كأساس لبناء عوالم خيالية.
ورغم أن بعض الأعمال قد تتجاوز حدود العلم الحالي، إلا أنها غالبًا ما تحافظ على درجة من الواقعية العلمية.
كما يقدم أدب الخيال العلمي رؤى متعددة حول مستقبل البشرية، بما في ذلك التحديات التي قد تواجهها المجتمعات نتيجة للتقدم التكنولوجي أو التغيرات البيئية.

كثيرًا ما يستخدم هذا النوع الأدبي السيناريوهات الخيالية لمناقشة قضايا أخلاقية وفلسفية، مثل:
– طبيعة الإنسان
– العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا
– المسؤولية الأخلاقية تجاه البيئة والمجتمع

وأخيرًا، يتيح أدب الخيال العلمي للكتّاب حرية التجريب في بناء الشخصيات والعوالم والأحداث، مما يجعله مجالًا غنيًا للإبداع الأدبي.

كما لعب أدب الخيال العلمي دورًا مهمًا في تشكيل الثقافة الشعبية والوعي الاجتماعي، فقد ساهم في تعزيز الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا لدى الجمهور العام، وألهم العديد من العلماء والمفكرين والمخترعين.

على سبيل المثال، كان لسلسلة أفلام “ستار تريك” (1966–2020) تأثير كبير على تطوير التكنولوجيا الحديثة، حيث ألهمت العديد من الابتكارات مثل الهواتف الذكية وأجهزة الترجمة الفورية.

ومن جهة أخرى، يعكس أدب الخيال العلمي المخاوف والآمال البشرية المتعلقة بالمستقبل، حيث تناولت العديد من الأعمال موضوع الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المجتمع، مما أثار نقاشات عميقة حول كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا بطريقة أخلاقية ومسؤولة.

خلاصة القول:
أدب الخيال العلمي هو الضوء الكاشف للعلم، والذي يمهّد الطريق نحو المستقبل.

ثالثًا – أدب الخيال العلمي العربي: بين الترجمة والخجل

من حيث المبدأ، يمكن القول إن الخيال العلمي العربي تأخر في الظهور مقارنة بنظيره الغربي، وظل لفترة طويلة يعتمد على الترجمة، دون أن يكون هناك إنتاج محلي غزير أو مؤثر.
وقد يعود هذا التأخر إلى أسباب متعددة، أبرزها ضعف البحث العلمي، وغياب ثقافة التكنولوجيا في المجتمعات العربية، وندرة مؤسسات النشر المهتمة بهذا النوع الأدبي.

لكن، لا يعني هذا الغياب الكامل. فقد ظهرت محاولات عربية مبكرة، أهمها ما كتبه فرج فودة في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك روايات نبيل فاروق (رجل المستحيل، ملف المستقبل)، وكتابات طالب عمران، وأحمد خالد توفيق، الذي يُعد من أبرز من كتب في أدب الخيال العلمي والغرائبيات باللغة العربية.

كما ساهمت المجلات العلمية والثقافية مثل “العربي” و”الدوحة” و”الوعي الإسلامي” و”العالم” في نشر قصص قصيرة مترجمة أو مأخوذة عن الخيال العلمي الغربي، لكنها لم تكن كافية لتشكيل تيار حقيقي أو حركة أدبية قائمة بذاتها.

في السنوات الأخيرة، ومع ظهور المدونات والمنصات الرقمية، بدأنا نرى أقلامًا عربية شابة تكتب في الخيال العلمي بأساليب حديثة، لكن لا يزال هذا اللون الأدبي يعاني من التهميش، ولا يحظى بالاهتمام الأكاديمي أو الإعلامي الكافي، ولا يوجد له جوائز مخصصة أو دور نشر متخصصة، كما هو الحال في الغرب.

رابعًا – نحو فضاء جديد للخيال العلمي العربي

إذا أردنا لأدب الخيال العلمي العربي أن يزدهر، فلا بد من خلق بيئة حاضنة للإبداع العلمي والأدبي، تبدأ من المدارس والجامعات، وتمر عبر الإعلام والثقافة العامة.
نحتاج إلى أن نربط العلوم بالتخيل، واللغة بالتجريب، وأن ننظر إلى الخيال العلمي ليس كترف أدبي، بل كأداة تفكير، ومحفّز على الابتكار، وشكل من أشكال النقد الاجتماعي والسياسي والثقافي.

ففي ظل التحولات الرقمية والتغيرات المناخية، والذكاء الاصطناعي، والتحولات الجينية، لم يعد الخيال العلمي مجرد تسلية، بل صار ضرورة لفهم مستقبلنا ومواجهة تحدياته.

وإذا كان الغرب قد قدّم رؤاه المستقبلية بلغته وقيمه، فإننا كعرب نحتاج إلى تقديم رؤيتنا نحن، بلغتنا، ومنظورنا الثقافي، لنكون شركاء في بناء العالم القادم، لا مجرد مستهلكين أو مقلدين.


خاتمة:

أدب الخيال العلمي هو الأدب الذي لا يكتفي بوصف ما هو كائن، بل يتطلع لما سيكون، ويخلق احتمالات لم تُكتب بعد.
هو التقاء العلم بالحلم، والواقع بالتخيّل، واللغة بالمستقبل.

ولعلنا بحاجة إلى أن نعيد لهذا الأدب مكانته في ثقافتنا، لا ليكون بديلاً عن غيره، بل ليكمل ما ينقصنا من أدوات الفهم والتأمل والتجديد.

_________
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

حسام الدين فياض

د. حسام الدين فياض الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة قسم علم الاجتماع - كلية الآداب في جامعة ماردين - حلب سابقاً.

مقالات ذات صلة

اترك رد