
ارتبط فكر مالك بن نبي بمشكلة الحضارة وما بعد الحضارة وهذه المرحلة يسميها مالك بن نبي بالتخلف، هي مرحلة يفقد فيها الإنسان إنسانيته وشخصيته ويريد أن يعيش في دائرة مغلقة لا تخرج عن حدود حياته البيولوجية، فتجده يعتمد على غيره في كل مجالات الحياة، ومالك بن نبي وهو يعالج هذه الظاهرة ركّز على العالم الإسلامي وبخاصَّة مجتمع ما بعد الموحّدين، أي بعد سقوط دولة الموحّدين بعد أن تمكن الأوروبيون التعرف على الدولة من الداخل عن طريق ترجمة أعمال ابن تومرت، حيث اتسمت تلك المرحلة بالركود ، أصبح المجتمع الإسلامي متخلفا، كان هناك تقارب في الأفكار بين الثلاثة الذين شاركوا الندوة (الرقمية) فالتخلف حالة مرضية تصيب المجتمع البشري لكنها حالة مؤقتة، والمجتمعات حسب الدكتور بومنجل تبدأ عندما تنتظم ، في محاولة منهم الإجابة على تساؤلات مالك بن نبي التي كان يطرحها عن سبب التخلف في العالم الإسلامي وما هي عوامله في جانبه الذاتي والموضوعي ، خاصة في المجال العلمي وهو الذي شهد مرحلة الإستعمار ومن هذا المنطلق بدأ يتحرك فكره انطلاقا من فكرة القابلية للإستعمار، وخص بالذكر النخبة المثقفة التابعة للمنهج الحداثي، وهذه الأخيرة كانت منبهرة بالحضارة الغربية، وكان مالك بن نبي يشير إليها بالأفكار الميتة والمميتة القادمة من الخارج.
و كما يقول الدكتور عمار طالبي رئيس الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية ، فمالك بن نبي عاش في القرن العشرين وكان يتميز بالفطنة والذكاء والملاحظة الدقيقة وبالواقعية، اكتسب المنهج العلمي، فهو يحلل الظواهر إلى عناصرها، كما استعمل المنهج الفلسفي وهو يعالج الظاهرة القرآنية واجه فيه الفلسفة الغربية المادية، أدرك الفرق بين المعمرين والمستعمرين، ففي القرن العشرين كاد المجتمع الجزائري أن يكون مستقبله مظلما، لكن مالك بن نبي كانت له رؤية استشرافية واستخلص لما يكون في المستقبل خاصة مع بداية 1925 التي كانت بداية فجر جديد، وهي المرحلة التي وصفها الدكتور عبد اللطيف سيفاوي بالحركية على المستوى الفكري والسياسي، ليشير كيف ساير مالك بن نبي مرحلة الإصلاح، فقد كان مالك بن نبي حسبه متشبعا بالفكرة الإصلاحية داخل وخارج الجزائر، وبذلك كان ملك بن نبي يرى قضية التخلف بأنها حالة طبيعية، يشبه الدكتور عبد اللطيف سيفاوي هذه الحالة بحياة الإنسان وهو ينتقل من الطفولة إلى الشيخوخة ، وفي هذه المراحل يصاب بالضعف والوهن وهو ما يحدث للحضارات أيضا، فالحضارة الإسلامية كانت فيزمن ما بلغت الريادة ، لكنها انتقلت إلي مرحلة الركود وستبرز من جديد، أراد عبد اللطيف سيفاوي القول أن مالك بن نبي شَخَّصَ مشكلة التخلف واعتبرها حضارية ، لكن التشخيص وقع فيه خطأ من جهات عدّة.
و السؤال: هل تشخيص مالك بن نبي لمشكلة التخلف في العالم الإسلامي حاولت جهات تأويله أو تمييعه؟ أو منحه بعدا أخر؟، فمسألة التخلف خاض فيها كثير من المفكرين العرب والجزائريين بالخصوص ومنهم المفكر محمد أركون، فإذا وقفنا على فكر محمد أركون في مسالة التخلف ( من باب المقارنة فقط) عندما تحدث عن المشكلة الثقافية وهي المشكلة التي عالجها مالك بن نبي باعتبارها العنصر الأساسي في بناء الحضارة، فمحمد أركون يرى أن الثقافة هي كل الإيديولوجيات التي تخترق مجتمعاتنا بعنف وقد سمّاها محمد أركون بالعنف الإيديولوجي ، الذي اتسم بحرب الأفكار ، وهي الفكرة ( حرب الأفكار) التي ناقشها مالك بن نبي في مشكلة الحضارة، إلا أن محمد أركون يتجه اتجاها أخر عندما قدّم المعتزلة كنموذج، وهي حركة من المثقفين تعرضوا للاضطهاد ، فوضعوا أنفسهم جانبا واعتزلوا المجتمع بمحض إرادتهم للتأمل والتفكير، فمحمد أركون يرى أن المجتمعات الخالية من الحريات تتحول إلى مجتمعات متخلفة، لأن الحرية عندها مفقودة ، وهي المشكلة التي وضع مالك بن نبي نظرياته وهي القابلية للإستعمار، بدليل كما يقول محمد أركون أن الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان في اليونسكو في بداية الثمانينيات ( 1980 ) لم يكن ثمرة جُهْدٍ قامت به الطائفة الإسلامية أو خاتمة نضج داخلي، وإنما هو عبارة عن تطفل على أفكار ولدت في الخارج، وأُلْحِقَتْ كجزء من التراث الإسلامي القديم.
السبب يضيف محمد أركون أن العقلية الإسلامية كانت ولا زالت معجبة بهذه الأفكار وتريد إدخالها في المجتمعات الجديدة، ولذا يرى محمد أركون أن المعركة في داخل كل تراث، ينبغي أن تمتد عن طريق حوار الثقافات، والمقارنة بين الساحات الفكرية المختلفة في إشارة منه إلى الساحة الفكرية والساحة الثقافية هما مختلفتان، لأن الأولى أقرب إلى الفلسفة في حين تشمل الثانية النشاطات الفنية، وهذه المعركة الفكرية الأصيلة ( المعتزلة) مرتبطة بالأطر الإجتماعية للمعرفة وليس بالإسلام كدين، ولهذا تعرضت المعتزلة إلى تشويهات وأصابت الفكر الإسلامي بالوهن ، بدءًا من القرن الحادي عشر وليس القرن التاسع عشر، وهذا يعني أن التخلف والانحطاط ليس عائدا إلى فترة الإستعمار، وإنما من قبلها بزمن طويل، وبالطيع جاء الإستعمار وزاد الوضع تفاقما، لكن الإيديولوجية العربية المعاصرة ضيف محمد أركون لا تحب أن تبحث عن الأسباب العميقة للتخلف العربي فتلقي كل التبعية والمسؤولية على الإستعمار ، للإشارة أن مالك بن نبي سبق محمد أركون بسنوات من حيث الولادة ، ولذا يكون مالك بن نبي قد سبقه من حيث التجربة الفكرية، رغم أن كلاهما عاشا فترة الإستعمار ، والإثنان يكتبان باللغة الفرنسية، فمالك بن نبي من مواليد 1905 بقسنطينة وتوفي في 1973 وارتط فكره بمشكلة الحضارة ونظرية القابلية للإستعمار، ومحمد أركون من مواليد 1928 بمنطقة القبائل (الجزائر) ودرس الفلسفة في فرنسا، وأصبح أستاذًا لتاريخ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون. كرّس حياته لإعادة قراءة التراث الإسلامي نقديًا من منظور حداثي وإنساني، توفي عام 2010 م ، وخلاصة القول أن مشكلة التخلف في العالم الإسلامي سببها “الانقسامية” التي ما زال العالم الإسلامي يعاني منها إلى اليوم بسبب الفكر الطائفي، والصراعات بين طائفة وأخرى التي جعلت الأمة الإسلامية بعيدة عن الركب الحضاري وقد عادت بها هذه الصراعات إلى الوراء فتراجعت وأصابها الوهن والضعف والتخلف فغرقت في وحل الإنحطاط.
__________
علجية عيش بتصرف
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.