مع المفكِّر حسن حنفي وأزمة الحرّيَّات

هل العيب فينا أم في الغرب؟ وهل نحن كما يقول المفكِّر حسن حنفي شعوبٌ تراثية تهوى الحضارة وتعشق التاريخ وتعيش في الدين؟ من يلمس ثقافتها يحركها ويثيرها، فقد عرف حسن حنفي بمشروعه “التراث والتجديد”، فاهتم بالفلسفة، وأراد عن طريقها أن يسهم في نهضة الإسلام والمسلمين من خلال تقديم صياغة جديدة للإسلام، ما جعل كتاباته تتعرَّض للتَّحليل والنقد.
يقول المفكِّر حسن حنفي إنَّ العالم الإسلامي لم يشغل نفسه كما شغلنا في الوطن العربي بحوار الحضارات لا في ماليزيا ولا في إندونيسيا، لأن طموحهما الحضاري في التفوق الصناعي في إطار مشروع “النمور الأسيوية” ( فعل أكثر كلام أقل، وإبداع أكثر ونقل أقل)، فإيران مثلا قابلت حوار الحضارات بصدام الحضارات كرد فعل وليس كفعل، حيث استطاعت أن تتفوق في السلاح النووي ، ومن يملك السلاح اليوم يملك القوة، حتى في الهند والصين لا يوجد حوار حضارات أو صراعها ولا حول العولمة ولا حول نهاية التاريخ، لأنهما مشغولتان بالتفوق الصناعي والسبق العلمي، والاكتفاء الذاتي وتصدر فائضا في الإنتاج، ولذا يدعو حسن حنفي الباحثين إلى اتباع المنهج الأفضل والسليم وهو تحليل الخبرات الحيّة الفردية والجماعية، الذاتية والمشتركة، من أجل وصف ماهية الحوار بين الحضارات واسترجاع التجارب القديمة عن طريق الذاكرة التاريخية ووصف التجارب المعاصرة، وهو ما يسمي بالمذهب الظاهرياتي في الغرب المعاصر، وهو مذهب يهتم بفهم كيفية إدراكنا للعالم من خلال خبراتنا الشخصية والذاتية، بدلاً من البحث عن حقائق موضوعية مجردة، ويُعتبر إدموند هوسرل المؤسس الرئيسي لهذا المذهب، كما تعتبر تجارب حوار الحضارات ردود أفعال بالرفض والمعارضة والاستهجان الديني والأخلاقي والسياسي والتاريخي عن مقال هانتنجتون بعنوان: “صدام الحضارات” ، استطاع هانتنجتون في مقاله أن يؤثر في الشعوب وهذا يعني إخفاء صراع المصالح وهي نوع جديد من الحرب الباردة بين الغرب والشرق، من أجل حصار الشرق، أو بين الشمال والجنوب من أجل نهب ثروات الجنوب ( النفط).
كانت كلمة السرّ كما يقول حسن حنفي لقيام الحرب العالمية الثالثة، التي بدأت بشائرها في العدوان على أفغانستان ثم العراق وإيران، ثم سوريا ولبنان، ثم اليمن والسودان لتأتي السعودية ومصر في محاولة إجهاض احتمال ولادة قطب ثاني ضد القطب الواحد، ليبقي هذا القطب كنظام عالمي لا أحد وتكون له القوة والعزمة والهيمنة يمارس نفوذه الثقافي والاقتصادي والعسكري والسياسي، وعلى مستوى العالم كله ، هي رسالة وجهها حسن حنفي لباحثين الذين يعتمدون على اسلوب العنعنة وهو بذلك يسأله متى تكتب متنك؟ ومتى تؤلف نصّك؟ متى تبدع دون أن تكون شارحا ناقلا ومهمشا لإبداع الغير؟ نعم متى تأتي المبادرة التاريخية من العرب لا من الغرب؟ ومتى يقضي العرب علي إحساسهم بالنقص أمام الأخر فيكون هو صاحب العمل او المشروع وليس الغرب؟ ونحن بدورنا نتساءل اهي مشكلة العالم العربي والإسلامي؟ ولماذا نحن متأخرين؟ أقول: إن الصين مثلا تشجع المبادرات وتدفع بمواطنيها إلى الإبداع وخوض التجربة، تعلم الطفل كيف يبدع ويصنع منذ الصغر حتى لو فشل المرة الأولى والثانية، تعلمه كيف يصعد سُلَّمَ النجاح درجة درجة بثقة وأمل وعزيمة، ولا تشلُّ إرادته وعزيمته، توفر له إمكانيات التعلم والتمدرس، ولا تتركه يجوع أو يعرى ، حققت التفوق الصناعي وحافظت علي هويتها وثقافتها وتراثها الديني، أما العربي فهو يمارس العنصرية، ينجح بالوساطة ويوظف بالوساطة والرشوة وفي إنجاز مشروع من مال الدولة، يعمل بمبدأ الاحتكار على العرب إذن أن يعترفوا بهزيمتهم وإفلاسهم الفكري والحضاري، لأنهم لم يبنوا أوطانهم، لا يمكن للعالم العبي والإسلامي أن ينهض ويعيد حضارته المفقودة وهو منقسمٌ بين سُنِّي وشيعي، وبين تيارات إسلامية متفرقة ، متناحرة ومتصارعة ، فالأنظمة العربية تفرض هيمنتها على الشعوب ولا تسمح بأن تكون الأحزاب الإسلامية في الحكم ، مثلما حدث مع الإخوان المسلمون في مصر وجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر ومع راشد الغنوشي في تونس ، ولو اعترفت هذه الأنظمة بشرعية الأحزاب الإسلامية وحقها في إدارة شؤون البلاد بعد أن فازت في الانتخابات كما رأيناه في الجزائر لكانت حققت تفوقها الصناعي ومشروعها الحضاري في تلك المرحلة الدموية ، رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة ، لكن الصراع من أجل التموقع حال دون تحقيق الهدف.
ولو وقفنا على ما ينجز من مشاريع فبعضها لا يشرف الجزائر التي هي قادرة على إنشاء مصانع كبرى لتوظيف الشباب من خريجي الجامعة والمعاهد، ولنقف على شوارعنا كلها محلات صغيرة ( بيتزيريات) ودور الثقافة مغلقة وبلا مدير، وتلاميذ يتعاطون المخدرات داخل المؤسسات التربوية وفي الجامعات، فلماذا لا نعترف ونقول: ” العيب فينا وليس في الغرب” ، لأننا تركنا الأخر يتحكم فينا، أصبحنا مستهلكين لا منتجين، نستورد القمح والحليب واللحوم والأغنام والدواء وحتي اللباس لنستر به عوراتنا ونتباهى به أمام الناس، ولنقارن بيننا وبين بلجيكا، كيف اهتمت بالبقرة ( الفلاحة) وسبّقتها على المحروقات، ذات يوم قرأت مقالا تحليليا لكاتب غير مسلم، اسمه “جوليو ميو” صحفي ومؤلف إيطالي حول مشروع الدولة الإسلامية في بلجيكا التي يسعى حزب الإسلام تأسيسها في أفاق 2030 ، واعتمد هذا الصحفي على ما نشرته بعض الصحف الغربية، منها صحيفة لو فيغارو، التي قالت أن العاصمة الأوروبية بروكسل سوف تصبح مدينة إسلامية في غضون عشرين عاما، وما نشرته كذلك مجلة كوزور الفرنسية Causeur، وعبروا عن تخوفهم من هذا الحزب الذي حقق نتائج مثيرة في انتخابات 2012 ، لدرجة أن الخبراء في الشؤون الإسلامية ومن بينهم مايكل بريفو حذروا من حدوث انفجار في المجتمع البلجيكي من الداخل، بل ذهبوا إلى حد المطالبة بحظر الحزب، لأنه يشكل خطورة على عقيدة البلجيكيين، خاصة ما تعلق بمحاربة الاختلاط والسماح للفتيات ارتداء الحجاب داخل المؤسسات التربوية، والتوصل كذلك إلى اتفاق بشأن الأعياد الدينية الإسلامية، وفقا لدراسة مسحية أجراها عالم الاجتماع يان هيرتوجن ، فإن عدد المسلمين في بلجيكا يفوق عددهم اليوم 780 ألف مسلما حسب إحصائيات 2016 ، ويشكلون 07 بالمائة من مجموع السكان في بلجيكا.
هل ستحقق أمريكا مشروعها المسيهودي؟
إن أمريكا صاحبة المشروع العالمي تريد أن تكون كل الشعوب تحت سقف عقيدة واحدة هي: ” المسيهودية” أي لا هي ( أي الشعوب) مسيحية ولا هي يهودية، وقد آلت هذه “المسيهودية” كما يقول الدكتور طه جابر العُلواني من جامعة فرجينيا إلى ما يعرف اليوم في أمريكا بـ: الجودوكرستيان”، هي أمريكا التي ورثت عن الرومان والإمبراطورية الرومانية فكرة تأسيس مجتمع عالمي بديلا عن عالمية أو مركزية الإمبراطورية الرومانية في ظل تعاليم المسيهودية، فأمريكا ترى أن الإسلام الذي أسس دولة هي دولة محمد النبي، أصبح ينافس الكنيسة التي أسست دولة هي الأخرى، ولأن الكنيسة لم تفلح في أن تجعل من دولتها دولة عالمية ، وفشلت محاولتها في السيطرة والهيمنة والتخلص من الأديان كالإسلام، اندفعت لتغيير أنماط حياة الناس وذهنياتهم، وتكسير بناهم الإجتماعية والإقتصادية، أضحت تتخوف من وصول الإسلام إلى العالمية، و تعتبر الإسلام دين يهدد مصيرها ومستقبلها، إن أزمة الحريات في دول العالم كما يقول حسن حنفي هي سيطرة الدولة على المجتمع وهي تعرف متى وكيف تذله وتستعبده؟ فتجبره على الصمت، والاستعباد عندما ترفع الأسعار في المواد الغذائية وتفتح المدال للمضاربات، هكذا ظلت شعوب العالم الإسلامي وبخاص العالم الثالث ، متخلفة عن الركب الحضاري ومتأخرة في كل المجالات، حتى الإعتراف بحقوق الإنسان جاء متأخرا في العالم الثالث، ففي الغرب أعلن عن حقوق الإنسان في 1948م وفي الجزائر (كمثال) في 1971م بعد أن قام الغرب بتفتيت المجتمع المسلم ودعوة المرأة المسلمة إلى التحرر فأغرق المجتمع المسلم في وحل الفساد وجرّه إلى الحروب الأهلية، أصبح المسلم يقتل اخاه المسلم والغرب يتفرج ويضحك.
__________
*علجية عيش بتصرف.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.