التنويريتربية وتعليم

المرافقة الوالديَّة؛ آليَّة الدعم التربوي الفعّال للتلاميذ

1 – التربية وقيمتها عند الأمم

التربية هي فعل تأطيري متواتر يمارسه المجتمع على أبنائه لمدد معلومة وفي مراحل متدرجة بغاية تنمية ملكاتهم ومواهبهم وتهذيب سلوكياتهم وضبطها. يزوّدهم من خلالها بالعلوم والمعارف في مختلف الإختصاصات فتتطور مؤهلاتهم الذهنية وتنموا مدركاتهم العلمية ويستوعبون القيم الأخلاقية والإجتماعية ويبنون فعلهم وممارساتهم على أساس مبادئ وقيم يهتدون بها وتنير دروب حياتهم.

ومن تخلفت من الأمم في مجال التربية، تخلفت عن ركب الحضارة ولن تقدر على المنافسة في أي ميدان، ومن تخلف عنها من الأشخاص فوّت عن نفسه مصعد الترقي الإجتماعي وأضاع سبيله. لذلك تعوّل الأمم كثيرا على التربية وتخصها بجزء من مداخيلها وإمكانياتها، كما تعول عليها الأسر وتبذل من أجلها الغالي والنفيس. ومن أجل إنجاز مهمة التربية على أكمل وجه، لا تقتصر المهمة على مؤسسات التعليم والتكوين، بل تلحق المسؤولية أوّلا بالأسرة قبل غيرها.

والأسرة هي من يتابع هذا الفعل ويصونه ويتعهده بالدعم إن اقتضى الأمر. ومداومة هذا التعهد والصيانة وإثراؤه هو فعل المرافقة التربوية التي تتكفل بها الأسرة في أي مرحلة دراسية وفي أي مستوى يبلغه التلميذ.

ونحن نخصّ هذا الفعل ببحثنا مستعيضين بمصطلح المرافقة الوالدية عن غيره وذلك تحديدا لمجاله وتدقيقا لضمنياته باعتبار أن القول بالمرافقة الأسرية أكثر شمولا وعمومية… بينما مصطلح الوالدية، الحديث نسبيا في مجالات العلوم الإجتماعية، يشير في بعض جوانبه إلى المهام التربوية للآباء وبقية أفراد الأسرة المضيقة تجاه الأبناء.

فإذا كانت المؤسسة التربوية واعية بمسؤولياتها وبمختلف الرهانات المطروحة عليها، وتجتهد يوميا في رعاية تلاميذها ومرافقتهم بيداغوجيا وتربويا موظفة لذلك عديد الآليات، فإنها تنتظر المزيد من الأسر ومن بقية المؤسسات الإجتماعية والحكومية.   

2 – المرافقة وأنواعها

المرافقة التربوية هي جملة العمليات والأنشطة المنجزة خارج الحصص الدراسية المبرمجة في المقررات التي يؤمنها المدرسون. وهي تهدف إلى دعم التلميذ وشد إزره في أدائه التربوي ومساعدته على النجاح خلال مساره الدراسي. بينما المرافقة الوالدية التي نقصدها تحصر هذا النشاط في أدوار الأولياء فقط.

ويشرّع هذا القول للتمييز بين المرافقة البيداغوجية التي تجري في الأقسام، يؤمنها المدرسون على أساس برامج ومقررات متدرجة ويمارسونها وفق مناهج مضبوطة، والمرافقة التربوية التي تجري بشكل مواز لذلك ويمكن أن تشرف عليها أطراف عديدة في مقدمتها الأسرة التي توفر لنا فرصة القول بمرافقة والدية.

وتؤكد المرافقة التربوية بشكل عام على قدرات الأشخاص على تطوير مؤهلاتهم واستقلاليتهم، وحثهم على المبادرة والإختيار وبناء المشروع الشخصي، بدل انتظار الحلول والوصفات الجاهزة التي يقدمها الآخرون فتكرس لديهم التواكل وتغيب معها المواجهة الشخصية للصعوبة.

تلتقي هذه الملاحظات مع التعريف الأكاديمي الذي اقترحه جان قيشار J.Guichard للمرافقة بما “هي ممارسة تربوية غير موجهة، تهدف إلى مساعدة التلميذ الإنسان على التفكير منطقيا وعقليا في كل سلوك أو تصرف يريد القيام به عموما وفي إطار مشروعه الدراسي والمهني خصوصا”(1) وليس تلقينه سلوكيات جديدة تؤخذ على أنها وصفة نهائية للتنفيذ. وهنا تلتقي المرافقة مع مبدأ تربوي هام جدا هو مبدأ التعلم الذاتي.

 ويعول على المرافقة التربوية، بما هي دعم إضافي أو مواز، لتجاوز مظاهر اللاتكافئ التي تبرز خلال السعي إلى المعرفة وإلى الثقافة والتي يمكن أن تتعمق عبر الزمن إذا لم يجد الأطفال من يعتني بهم داخل الأسر والبيئات الموازية للمدرسة.

 3 – المرافقة الوالدية وإلزامات الواقع 

لفهم الحاجة إلى المرافقة الوالدية والوعي بقيمتها، لابد من فهم الواقع التربوي وتشخيص نقائصه وسلبياته وحصر المخاطر المحدقة به. وينقسم هذا الواقع إلى ذاتي يخص تركيبة التلميذ النفسية والفيزيولوجية، وموضوعي يتعلق بالمحيط وما يتفاعل داخله من عناصر خطرة على التلاميذ .

 ففي المستوى الأول ، يعلم الجميع أن التلاميذ هم المستفيدون وهم المستهدفون بهذه الجهود التربوية وهم أداة تحقيق النتائج أيضا. غير أن واقع التلميذ، طفلا كان أو مراهقا، ينوء بتحولاته الفيزيولوجية والنفسية وبأحلامه الطامحة وتقييماته المحدودة للواقع. فهو يعاني مشاكل كثيرة بسبب تحولاته العمرية المحيّرة له والمؤثرة على توازنه الإنفعالي والنفسي بفعل بلوغه مرحلة المراهقة وتجاوزه للطفولة وخسارة ما يصاحبها من حماية لصيقة ودائمة من طرف أوليائه ومعلّميه. وكذلك بسبب إنتقالاته من محيط مدرسي لغيره. لذلك هو في حاجة أكيدة إلى المساعدة وإلى توضيح عديد الأمور التي تعتمل في ذهنه.

وبالمحصلة يظل التلميذ، في سنواته الأولى خاصة، صغيرا، قاصرا، محدود الخبرة بالحياة المدرسية في مختلف مراحلها وبالحياة عامة ومستلزماتها، وهو يحتاج إلى المرافقة ولا يجوز تركه لمصيره تحدده له الظروف والأحداث.

– أما في المستوى الموضوعي الخارجي فإن حياة التلميذ تعج بالصعوبات إذ تحيط بالمؤسسة التربوية اليوم، مجموعة من المخاطر المتربصة بالتلاميذ كثيرا ما تسببت في المآسي التي تجاوزت أحيانا مشكلة الإخفاق والهدر المدرسي، ومن ذلك :

أ – العنف المدرسي، وهو مجموع السلوكيات الخطرة المتفشية في الوسط المدرسي وتتمظهر في عديد الصيغ والأشكال اللفظية والمادية.

ب – الإدمان، أي إقبال التلاميذ على استهلاك بعض المواد الخطرة والمضرة بالصحة والمانعة للتركيز على الواجبات المدرسية، وينضاف إلى ذلك حاليا إدمان المواقع الإجتماعية والرقمية التي تروّج للشذوذ وللممارسات الجنسية المنحرفة وغير المحمية.

 ج – الإستقطاب الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تسعى يوميا لزيادة عدد أنصارها بتجنيد أبناء الفئات الهشة في عملياتها الإرهابية، لاستهداف أطراف مختلفة.  

د – الفشل المدرسي وضعف النتائج المدرسية إذ أن نسبة التلاميذ الذين ينهون كل مراحل التعليم بنجاح لا تتجاوز ثلث المسجلين عند انطلاق العملية في المرحلة الأساسية.  

4 – أشكال المرافقة الوالدية : 

أ – المرافقة الدائمة للإيفاء بالحاجيات الحياتية المؤكدة للطفل بحكم عدم قدرته على الإستقلال بذاته وعلى توفير حاجياته في مرحلة الطفولة والتكوين، وعلى الأسرة أن تتولى السهر عليه وتضمن حاجياته الحياتية والدراسية. فهذه المرافقة الإجتماعية تعني بالتأكيد توفير جملة من الشروط والمتطلبات التي تخص :

– إعفاء التلميذ من الواجبات العائلية وعدم إثقال كاهله بها حتى يتفرغ كليا للدراسة.

– توفير المناخ الأسري الهادئ للطفل داخل المنزل وتجنيبه تأثيرات الأجواء المشحونة والمشاكل العائلية وعدم حشر الأبناء فيها. فذلك يفقدهم التركيز داخل القسم ويعيق حسن الإستيعاب لديهم ويمنعهم من المراجعة والإستعداد الجيد.

– كما يؤثر ذلك على سلوك الطفل خارج المنزل فتبدو عليه الحيرة والضياع وشرود الذهن أو يصبح حاد المزاج ناقما…. بل قد يولد لديه ذلك التفكير في الإنقطاع وفي الإبتعاد عن الأسرة وعندها سيتلقفه الشارع بكل ما فيه من مخاطر. التلميذ في حاجة إلى الشعور بالإستقرار وبالراحة النفسية حتى يقبل على دروسه وعلى إعداد واجباته براحة بال وبطمأنينة.

– كما يستدعي هذا، التخفيف من التعليمات والأوامر الضاغطة على التلميذ.

– والمرافقة التربوية متعددة الأوجه وتذهب في اتجاهين ، مادي يخص ضروريات الدراسة ومعنوي يهم جانب السلوك المدرسي وكيفية التعامل مع الواقع ، ومن ذلك نذكر :

– توفير فضاء خاص داخل المنزل يضمن الهدوء والسكينة ، ويكون مؤثثا بكامل التجهيزات الضرورية والمراجع الدراسية المؤكدة للعمل. وهو ما على الأسرة أن تتدبره ، كما تتدبر المصاريف اليومية التي يحتاجها التلميذ لنفقاته الخاصة.

– المتابعة بالمنزل والمساعدة على فهم الدروس وإعداد الواجبات مستوجب على الأسرة أيضا ، ولكن ليس الإعداد بدلا عن التلميذ أو توفير الإجابات الجاهزة بأي طريقة كانت، ولابد من التشجيع على المراجعة والتذكير بالواجبات المدرسية اليومية والتوعية بقيمة الإيفاء بها وبتأثير ذلك على النجاح وعلى مكانة التلميذ عند معلميه وأساتذته بما يمكنه من بناء علاقات ايجابية ومثمرة معهم.

– توعية التلميذ بنوعية العلاقات التي عليه ربطها مع زملائه وأصدقائه ومع المسؤولين والإطارات التربوية بمؤسسته وبالمؤسسات التربوية والثقافية والشبابية التي يرتادها… الخ . 

– تساعد الأسر منظوريها على تنظيم الوقت وعلى توزيعه بشكل مفيد ومعتدل يأخذ بعين الإعتبار نسق العمل اليومي والحاجة إلى الراحة وإلى الترفيه بمقدار كاف لدفع السأم وتجديد النشاط والدافعية.

– الأولياء مطالبون أيضا بالتفاعل الإيجابي مع المنظمات والجمعيات الناشطة داخل المعهد والتي تقدم خدمات مساعدة ومرافقة للتلاميذ بدل الإستقالة واللامبالاة وبأن يشجعوا أبناءهم على الإنخراط في جميع الأنشطة الداعمة المتوفرة بالمعهد أو بمحيطه وحسن التصرف في أوقات الفراغ وكذلك حسن اختيار الأصدقاء والحرص على ربط علاقات مفيدة … الخ.

– كما يحتاج التلميذ إلى المرافقة الأسرية الداعمة والمفيدة في كل المناسبات المدرسية، وكذلك المساعدة على الإستعداد النفسي للإمتحانات والتخلص من الرهبة منها. وهنا لابد من الإستماع الجيد للأبناء ومحاورتهم ومساعدتهم على كشف مؤهلاتهم ودعم ثقتهم بإمكانياتهم .

– يتعين على الأسرة الإحتياط في تعاملها مع نتائج التلميذ السلبية ، فتركز تدخلها على رفع المعنويات والدعم والتحفيز على التدارك مع التركيز على النجاح المدرسي والإجتماعي أيضا، وليس على التأنيب والتبخيس لأن ذلك محبط للعزيمة.

– ومن جهة أخرى، يحتاج التلميذ إلى  المرافقة في تمثل المستقبل ورسم الأهداف وتطوير المؤهلات وتعديل الرغبات وغرس الطموح. وتنجز الأسرة ذلك من خلال التربية على الإختيار والمساعدة على تحديد الوجهة. وتأطير التلاميذ بالمساعدة على توضيح مواهبهم ومؤهلاتهم وتركيز مجهوداتهم على العمل والتحصيل الدراسي وتوجيههم للمسلك الأصوب .

– في الجانب الأخلاقي فإن مرافقة الأسرة للتلميذ تضمن له التأطير الجيد والتنشئة على القيم والأخلاق والمبادئ السامية مثل الإحترام ، التوقير ، التطوع وحب الخير للجميع وفعله وكذلك نبذ الغش والعنف وغيرها من السلوكيات الجانحة . وهذا يعني غرس روح المواطنة والقيم الصالحة والتزام السلوك الحضاري مع الجميع ودعم روح الإنتماء لدى التلاميذ وتحفيز شعورهم بالمسؤولية .   

– توعية التلميذ بقيمة العمل والإنضباط وأهمية الإجتهاد الدائم لضمان النجاح المدرسي والإجتماعي وتنظيم حياته داخل المنزل وخارجه وإشعاره بأنه متابع دائما عن قرب.

ب – المرافقة المخصوصة وإنجاح المحطات الدراسية الحاسمة:

من الأكيد جدا أن تتواصل المرافقة الأسرية على مدى السنة دون كلل أو توقف ، ومع ذلك فإن حاجة عديد التلاميذ إلى المرافقة والدعم تشتد وتكبر في بعض الوضعيات الخصوصية الحرجة كالإعاقات أو المرور ببعض الظروف الإجتماعية والدراسية والنفسية المعسّرة أو المناسبات الدورية الحاسمة مثل العودة المدرسية وبداية الثلاثيات وفترة الإمتحانات، أي عندما تضيق بهم السبل ويتهددهم الشعور بالغبن والإحباط. ففي هذه المواعيد والوضعيات تتكثف حاجتهم للمرافقة وتصبح ملحّة، ومنها المساعدة على الإندماج المدرسي:

أ – عند الإلتحاق لأول مرة بالمدرسة :

– مخاوف من هذا العالم الجديد. وهو ما يولد الرفض لهذا الإلتحاق لدى عديد التلاميذ فيتشبثون بتلابيب أمهاتهم كل صباح.

– مسؤولية كبيرة للأسرة في تثبيت أبنائها بالدراسة. والمرافقة العائلية ضرورية جدا في هذه المرحلة.  

ب – عند الإرتقاء من الإبتدائية إلى الإعدادية :

– يحتاج التلميذ إلى المرافقة والدعم عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة أو أيضا عند انتقاله من مرحلة لأخرى مثل انتقاله من الإبتدائي إلى الإعدادي أو من الإعدادي إلى الثانوي أي من وسط مدرسي إلى آخر يختلف عنه بشكل جذري وكثيرا ما يسبب الإنبهار للتلميذ وحتى الإنزعاج ويتسبب في عدم إندماجه وعدم تأقلمه التربوي.

وهذا كثيرا ما يكون سببا في عدم تركيزه وفي تدني نتائجه في بداية السنة الدراسية،وهو ما يؤثر بشكل كبير على نتائج آخر السنة. ويمكن إجمال بعض هذه الإختلافات كما يلي:

– في مستوى الفضاءات ونوعية القاعات وعددها.

– في مستوى المدرسين والإطارات التربوية المسيرة للمؤسسة.

– في مستوى البرامج ونوعية المواد وكيفية تدريسها.

– في مستوى الإمتحانات ومختلف الإختبارات وكيفية انجازها. 

– في مستوى شروط النجاح وكيفية احتساب الفروض والمعدلات.

– في مستوى التواصل والعلاقة التربوية بين مختلف الأطراف.

إن إستيعاب هذه الإختلافات العميقة والوعي بها والتآلف معها يتطلب مدة زمنية قد تطول عند الكثيرين، وهنا مكمن الإشكال في هذا المستوى الدراسي وهو موجب للمرافقة الفعلية للتلميذ من طرف الأسرة أيضا.  

ج – المرافقة عند اختيار المسلك الدراسي للتخصص وبناء المشروع المستقبلي الشخصي أي عند التوجيه المدرسي. فللأسرة أدوار في ذلك أيضا يحتاجها التلميذ ولن يستغني عنها. والمرافقة الوالدية هنا تعني مساعدة التلميذ على اتخاذ القرار السليم بكل نضج ودراية وليس الإختيار بدلا عنه وإسقاط رأيه والتعسف عليه. فالأسرة تنبه إلى الإمكانيات وتوفر المعلومة عن الذات وعن المستلزمات في المراحل القادمة الجامعية منها والشغليّة فيما بعد ، وتتعاون في ذلك مع المختصين والمربين. ولما كانت هذه العملية تتم على مراحل فلا بد أن تكون هذه المرافقة الأسرية مواكبة لذلك ، مسترسلة على مدى سنوات التوجيه المدرسي والجامعي أيضا والمهني كذلك إن لزم الأمر وقرر التلميذ أن يواصل في هذا المسلك .

وهذا يتطلب أن يكون للتلميذ مشروع حياتي متكامل العناصر المدرسية منها والجامعية والمهنية وأن تكون له أهداف واضحة خاصة به. وبناء هذا المشروع يستدعي جهدا كبيرا ورأيا متبادلا وتوثيقا ثريا ودراية كاملة بجميع الجوانب، أي مبنية على تمثل صحيح ومنطقي للذات وقدراتها وللمستقبل وفرصه ومستلزماته. وفي ذلك يحتاج التلميذ إلى مرافقة جميع الأطراف وفي مقدمتهم أفراد أسرته.

د – المرافقة عند الإستعداد للباكالوريا والإلتحاق بالتعليم العالي:

يمثل إمتحان الباكالوريا آخر عقبة أمام تحقيق الجميع لأحلامهم ولاسترجاع الأنفاس. وأمام قيمة هذه الرهانات وخطر الإنزلاقات التي يمكن أن تظهر خلال السنة، تتحمل الأسرة مسؤولية كبيرة في تصريفها. وتنطلق في ذلك من عملية تهيئة نفسية للتلميذ وإفهامه طبيعة هذا الإمتحان وحقيقته حتى لا يهوّل الأمر ويعسر عليه التعامل معه، وبالتالي النجاح فيه. بل هو يستدعي فقط تعاملا خاصا في مستوى تقسيط المجهود وتنظيم الوقت ، بما يتطلب نظاما حياتيا وغذائيا ملائما ومتوازنا، وبالتالي توزيعا للوقت يراوح بين العمل والمراجعة والترفيه، أي العمل بنسق مبرمج وغير مرهق.

وبهذا فإن مرافقة الأسرة لابنها في هذا الوضع تمتد على كامل السنة، من بدايتها بتهوين الحدث ووضعه في إطاره الموضوعي إلى نهايتها في فترة الإمتحان وما بعدها، ويوميا في كامل الوقت من الصباح الباكر إلى أوقات المراجعة الليلية والنوم. وتنمية ثقته بنفسه في كل مرحلة هي من واجبات المرافقة التي تخصه بها والتي يجب أن تعلمه أن وصفة النجاح في الإمتحانات ، لكل التلاميذ، هي الموازنة النفسية والجسدية والعمل المنتظم والثقة بالنفس مع الحذر من الإجهاد المفرط ومن الإنهاك وبالتالي من الإنهيار البدني والعصبي الذي يمكن أن تسببه أدوية تقوية الذاكرة وبعض المشروبات المنشطة التي يقبل عليها التلاميذ بكثرة في فترات المراجعة خاصة مع عديد المنبهات الأخرى بغاية المساعدة على السهر وإدامة القدرة على المذاكرة دون مراعاة لأضرار ذلك وعواقبه.

5 – الخاتمة:

وهكذا تتراءى المرافقة الوالدية على أنها جهد تربوي دائم يجمل مسؤوليات الأسرة ذاتها ويراكمها، تباشر من خلاله عملية تأطير الأبناء والرقي بفعلهم إلى مستوى النضج والإيجابية، وترسخ لديهم قيم العمل والمثابرة بجدية واجتهاد وتبصر. ويتأكد بذلك أن المرافقة الوالدية فعل تربوي مفيد ينضاف إلى عمل بقية المؤسسات التربوية والثقافية والتنشيطية ليثمر للأبناء النجاح المدرسي وتحصيل النتائج الجيدة، ويضمن تميزهم الأخلاقي وتشبعهم بالقيم السامية. 

_________

1 –  خالد الشابي ، مقال مرافقة التلميذ : المفهوم والآليات ، ج 1 ، الصباح 9 جانفي 2005 ص7

محمد رحومة العزّي   

الجمهورية التونسية، قابس – 2025  


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد