
مفتتح:
نتعمد كثيرًا البعد عن حديث السياسة، لكن “خطاب الفكرة” يغرينا بإجالة النظر مليئًا في عمق مضامينه. فقد شغلتنا في منتدى الفكر العربي من قبل “الأوراق النقاشية” لجلالة الملك عبدالله الثاني، فنظمنا حولها ما يقرب من العشرين ندوة، افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، رئيس المنتدى وراعيه، برؤية ضافية حملتها إلى مقاصدها المتوخاة. وجالت نقاشات الجلسات الموسعة، التي شملت كل أطياف الرأي الأردني، بالنظر في كل مكونات الأوراق ومرتكزاتها وعطاءاتها للبنية المعرفية والعمران الاجتماعي للدولة الأردنية. وتجاوز تفريغ الحوارات على الورق الألفين وأربعمائة صفحة؛ لُخِصَت وصدرت في كتاب جامع في وقت لاحق.
ففي إطار العولمة المتزايدة وتعميق التجاذبات الثقافية والدينية، وما يرافقها من نزاعات وصراعات وحروب، يبرز خطاب الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي، يوم الثلاثاء 17 حزيران 2025، كلحظة انتباه ثانية، تؤسس لفكرة تتخطى ظاهرات المناسبة؛ بزمانها ومكانها، رغم أهمية دلالتيهما. فالخطاب يحسن اعتماده كمرجع أساس يدعو إلى إعادة تقييم القيم الإنسانية، التي تبدو مهددة نتيجة لشهوة الإنسان المتزايدة للشر، وسعيه المحموم لتدمير ميراث أخلاقه وقيمه الإنسانية. فهذا الخطاب لم يكن مجرد عرض دولي، أو سياسي، بل تجسيد للفكر الإنساني، الذي يسعى للحفاظ على التسامح والمعرفة، وسط الأزمات، التي تهدد الهوية الإنسانية بشكل عام، خاصة بعد أن واجهت المجتمعات المعاصرة تصاعدًا في ظاهرة التعصب، الذي تغذيه المصالح الذاتية والسلوكيات المتطرفة، وهو ما يشكل تهديدًا فعليًا لقيم التضامن وحقوق الإنسان الأساسية.
سياقات متغيرة:
ويُظهر السياق العالمي اليوم، الذي يتسم بتفشي النزاعات والحروب، مدى الحاجة الماسة لتهيئة بيئة قائمة على الحوار والمشاركة، حيث تأثير القوى السلبية يظهر في أعمال العنف والكراهية، التي تعصف بمجتمعات متعددة الثقافات. لذلك، دعت كلمات جلالته بوضوح ومن دون مواربة، إلى ضرورة تعزيز الروابط بين الأمم والشعوب، محذرًا من العواقب الوخيمة المترتبة على انحراف القيم الإنسانية. وبالتالي، يتطلب الأمر من قادة العالم الالتزام بالاستقامة الأخلاقية وإعادة الرؤية إلى القيم النبيلة، التي تشكل نسيج المجتمعات المتنوعة.
وفي تقديرنا، تتجاوز الرسالة في خطاب الملك عبدالله الجوانب السياسية، بل تحمل في طياتها دعوة للتفكر الجاد في طبيعة العلاقات الإنسانية وأدوار الأفراد في صياغة مستقبل أكثر أمنًا. فقد عكف الخطاب على تسليط الضوء على مسؤولية الدول في خلق ظروف تحفز على الانفتاح والتفاهم، وليس الانغلاق والانزلاق نحو صراعات الهوية. ولذلك، فإن هذا التوجه، الذي ينم عن أخلاق هاشمية، يؤكد على أهمية العمل الجماعي في مواجهة شهوة الشر، التي يمكن تحويلها إلى إبداع إنساني والارتقاء بقيم التسامح والتقدير المتبادل.
من خلال هذه الأخلاق الهاشمية، وامتلاكه رؤى استراتيجية، لعب الملك عبدالله دورًا محوريًا في تعزيز القيم الإسلامية والإنسانية، التي تواجه تهديدات نتيجة للتهور البشري وشغف الإنسان بالشر. وتُعتبر الأخلاق الهاشمية تجسيدًا قويًّا لمجموعة من القيم والمبادئ، التي اتخذت أيضًا شكلًا مميّزًا يتماشى مع العدل والكرامة الإنسانية. وتنبع هذه الأخلاق من الهويّة الثقافية والدينية للعائلة الهاشمية، حيث تركزت على تعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية والتعاون بين الأفراد ومجتمعاتهم. فهي ليست مجرد قيم نظرية، بل تجسدت في سياسات وعلاقات اجتماعية، مما يعكس رؤية واضحة للمجتمع المستدام المبني على أسس الأخلاق والتقاليد الراسخة.
لهذا، فإن عكس هذه القيم من على منصة البرلمان الأوروبي، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز المنصات الحوارية، التي تمثل إرادة الشعوب الأوروبية. ويُظهر خطاب الملك عبدالله كيف يمكن للسياقات السياسية المختلفة أن تتخللها قيم تتعلق بالعدالة والمساواة، مما يجسد الحاجة الملحة لتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المتزايدة، التي تطرأ على النظام العالمي. ويدعونا الخطاب إلى استثمار هذه المنصة لتسليط الضوء على القيم الإنسانية المتعالية، التي غالبًا ما تتعرض للتحديات نتيجة لشهوة الإنسان للشر، مما يجعل البرلمان الأوروبي بوتقة حقيقية للحوار الدائم والاستجابة للتغيرات العالمية. إذ إن تعميق الفهم حول الفجوات القائمة في الحقوق والواجبات الإنسانية ينطوي على ضرورة تعزيز الحوار على كافة الأصعدة لترسيخ قيم التضامن والعدالة.
رؤية تحليلية:
يعكس تحليل خطاب الملك عبدالله عمق اللغة والأسلوب ودقة وصدق الدعوة للعمل في الرسائل المودعة في منصة البرلمان الأوروبي حول القضايا الإنسانية، التي تناولها، والتحديات المُعيقة لسيادة القيم الأساسية في المجتمع المعاصر، إذ هو بمثابة استجابة لدعوة عالمية للتأمل في المخاطر، التي تتهدد الكرامة الإنسانية، حيث تمحور الحديث حول أنماط الشر وآثارها المدمرة على العلاقات بين المجتمعات والشعوب. ويمكن من خلال تحليل الرسائل الرئيسة للخطاب أن نستشف رؤية الملك عبدالله حول أهمية تعزيز التسامح والتفاهم بين الثقافات المختلفة، وهي دعوة مفتوحة للتصدي للنفوذ السلبي، الذي قد يسهم في تفاقم الصراعات وانعدام الأمن.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس الخطاب وعي الملك عبدالله بالتحديات العالمية الراهنة، مثل مطلوبات التنمية، مع التطرف، والتهجير، حيث يتطلب التصدي لهذه المخاطر تعزيز التحالفات الدولية والتعاون المشترك. كما يظهر تحليلًا دقيقًا للمسؤولية المنوطة بالأجيال الحالية في حماية القيم الإنسانية، مما يحدد مسارًا واضحًا للتنمية المستدامة والأمن العالمي. وهذه الدينامية التبادلية المتحركة بين الرسائل السياسية والقيم تكتسب أهمية أكبر في ضوء الظروف السياسية والاجتماعية المتغيرة، مما يجعل الخطاب ليس مجرد مقال سياسي بل دعوة للإنسانية للتوحد في مواجهة الشرور المتوقع ظهورها في المستقبل.
لغة الخطاب:
يعتبر خطاب الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي نموذجًا بارزًا للغة والأسلوب الرائعين، حيث يعبّر عن قضايا ثقافية وسياسية عميقة من خلال أسلوب يجمع بين العمق الفكري والوضوح البلاغي. فقد استخدم الملك مفردات ذات طابع إنساني تلامس الأبعاد النفسية والاجتماعية للمتلقين، إذ حرص على أن تكون لغته مفعمة بالاحترام والاعتبار، معزّزة لقيم التسامح والدعوة للعمل المشترك. ولعلّ استخدامه لتراكيب بليغة وصور استعارية ساهم بشكل كبير في توصيل الرسائل المعقدة بطريقة تسهل استيعابها، مما يعكس ذوقًا رفيعًا في أيجاد توازن بين الرسمية والحميمية.
وتعكس الأساليب الأدبية، التي اعتمدها الملك عبدالله أيضًا تأكيدًا على طبيعة الخطاب، حيث استعمل التكرار والدلالات العميقة لكلمات معينة مثل ًالكرامة والسلام”، مما يضفي على نصه أبعادًا متعددة تحفز التفكير لدى الجمهور. كما اتسمت العبارات بدقة فنية، حيث تم توظيف صيغ من اللمحات الذكية والبلاغة، مما يعكس انفتاحًا على الثقافات المختلفة، ويعيد التأكيد على أن المصالح الإنسانية المشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية والدينية والمذهبية. ويُظهر الأسلوب قدرة الملك عبدالله على توظيف لغة هادئة من أجل التحذير من التهديدات المتزايدة للقيم الإنسانية، دون أن يفقد التركيز على الحلول الممكنة للمشكلات المعقدة.
جانب مهم في خطاب الملك عبدالله هو استخدامه للغة الداعمة للتعاون الدولي، وهو أسلوب يشير إلى الرؤية الاستراتيجية لديه في العمل على بناء جسور التواصل بين الشعوب. فقد تميز الخطاب بعدم اختزاله للمشكلات في نقاط معينة، بل قدم عرضًا شاملًا لأبعاد الأزمة الإنسانية، مما يعزز من مصداقية الرؤية المقترحة. فاللغة والأسلوب المتبعان في الخطاب يعكسان حرص الملك على أن تكون رسائله مؤثرة، مستنيرة وموجهة نحو الإيجابية، وهو ما يُشجع على الحوار البناء ويدعو إلى المساهمة الفعّالة في تحقيق السلام والاستقرار العالمي.
فاللغة والأسلوب المستخدم في الخطاب يؤشران على اتقان الملك عبدالله لفن الإقناع والقدرة على مخاطبة جمهور متنوع. فقد استخدمت لغة واضحة ومباشرة، مع توظيف الاستعارات والتعبيرات الجمالية، التي تخدم تعزيز المعاني العميقة للخطاب. وهذا الأسلوب يجعل المحتوى أكثر قابلية للتفاعل مع الحضور، حيث تتداخل القيم الإسلامية، التي يستند إليها الخطاب مع دعوة عالمية لإدراك المخاطر، التي تهدد القيم المشتركة مثل العدالة والاحترام والحرية. إلى جانب ذلك، يُلاحظ أن الملك عبدالله عمد إلى الربط بين التراث الثقافي العربي والإسلامي والعالمية، مما يعزز فكرة أن القيم الإنسانية ليست محصورة بجغرافية معينة، بل هي خيوط نسيج إنساني متكامل.
رسائل الخطاب:
تظهر في الخطاب مجموعة من الرسائل الرئيسة، التي تعكس قضايا إنسانية وثقافية تهتم بمواجهة التأثيرات السلبية لشهوة الإنسان للشر. أولى هذه الرسائل هي دعوة للتعاطف والتضامن بين الشعوب، حيث يشدد الملك على أهمية الحفاظ على القيم الإنسانية، التي تمثل جوهر التواصل بين الثقافات المختلفة. ويتناول الخطاب خطر الانقسام في المجتمعات ويبرز الحاجة إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين الأمم كوسيلة لمواجهة التحديات المشتركة، مثل التعصب والكراهية، التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
علاوة على ذلك، يسلط الخطاب الضوء على مسؤولية القادة في توجيه مجتمعاتهم نحو القيم الإيجابية، حيث يتم التأكيد على دور الأخلاق كقاعدة أساسية للتقدم. فمن خلال تعزيز التعليم والقيم النبيلة، مثل التسامح والعدل، يمكن تقوية النسيج الاجتماعي للبلدان والحد من الانجراف نحو السلوكيات السلبية الناتجة عن الرغبات الضارة. ويعد الملك عبدالله أن هذه القيم لا تقتصر فقط على الأبعاد الشخصية وإنما تمتد أيضًا إلى السياسات العامة، التي يتوجب على الدول تبنيها لتفادي احتمالات التصعيد والنزاع.
في إطار متصل، يتطرق الخطاب إلى الرسالة العالمية المتعلقة بالتعاون الدولي، إذ يعرب الملك عن أهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات العديدة؛ من بينها الفقر، والتغير المناخي، والأزمات الإنسانية. وتجسد تلك التحديات الحقيقية فشل الإنسان في استخدام قدراته لصالح الخير، مما يتطلب جهدًا موحدًا بين الدول. بناءً على ذلك، يُعد هذا الخطاب بمثابة دعوة للسعي من أجل عالم أكثر إنسانية، يحرص على كرامة جميع الأفراد ويعلي من قيم العدل والمساواة. وفي مجمل الرسائل، يعكس الخطاب رؤية شاملة للتحديات، التي يجب أن نواجهها بشجاعة وعزم، مؤكدًا أن القيم النبيلة هي السلاح الأقوى لمواجهة الرغبات المدمرة.
دعوة للعمل:
في خطاب الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي، تم التأكيد بشكل واضح على أهمية تعزيز القيم الإنسانية والديمقراطية في وجه التحديات المعاصرة. وهذا الخطاب يمثل دعوة للعمل وليس مجرد حديث؛ إذ يدعو القادة وصناع القرار في جميع أنحاء العالم إلى استجابة جماعية لمواجهة الظواهر السلبية، التي تهدد تلك القيم. وتجسد هذه الدعوة الحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود لمكافحة التطرف، والفقر، وظاهرة الهجرة، التي تسهم جميعها في تقويض الاستقرار العالمي. وبشكل عام، حفز الخطاب تفاعلات إيجابية تكشف عن وعي عالمي بالأهمية المتزايدة للقيم الإنسانية كعنصر أساس للتعايش السلمي، مما يوجب ضرورة التزام المجتمع الدولي بالعمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق السلام الدائم.
وأشار الملك عبدالله عبر الخطاب إلى ضرورة التعاون الدولي، مستعرضًا كيف أن التفكك والتباعد بين الثقافات يزيدان من حدة الأزمات الحالية. وتهدف هذه الدعوة إلى إنشاء تحالفات، تتجاوز الحدود الوطنية، لتأمين توافق في الآراء حول القضايا، التي تهم الإنسانية جمعاء. ومن خلال تبني مناهج شاملة تشمل جميع الفاعلين الاجتماعيين، بما في ذلك الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، يمكن تحقيق نتائج فعالة تسهم في بناء عالم أكثر أمنًا وعدلًا.
علاوة على ذلك، يشدد الخطاب على أهمية التعليم والتوعية، كأدوات حيوية في هذه المساعي. عبر نشر الوعي والالتزام بالقيم الإنسانية، يمكن خلق جيل جديد من القادة الذين سيحملون على عاتقهم مسؤولية تعزيز التسامح والتفاهم بين الثقافات. ومن هنا، فإن الخطاب يأتي بمثابة منارة تضئ طريق العمل الجماعي، مشددًا على أهمية الانخراط الفعّال من قبل جميع الفئات كوسيلة لفرض التغيير المنشود، وبالتالي تحقيق سلام دائم وازدهار مستدام ليس فقط في المنطقة، بل على مستوى العالم أجمع. وهذا التذكير يأتي في وقت باتت فيه هذه القيم مهددة بشكل متزايد بفعل النزعات الجشعة والتطرف، ما يثير تساؤلات عميقة حول الاتجاه المستقبلي للمجتمعات الإنسانية وما تحمله من مسؤوليات.
من خلال التحليل الدقيق للمحتوى، يمكن استنتاج أن الخطاب يمثل نداءً مشحونًا بالقلق والوعي حول المخاطر، التي تحيط بالقيم الإنسانية. الملك عبدالله يسلط الضوء على الأثر السلبي، الذي ينجم عن غياب الحوار والتفاهم بين الثقافات، حيث تؤدي النزاعات البشرية إلى تفكك المجتمعات وزيادة التوترات. إن تأكيده على أهمية التعاون الدولي كوسيلة لمواجهة تحديات العصر الحديث يعكس انفتاحًا على الحوار الانساني الشامل، والذي يُعتبر وسيلة أساسية لاستعادة التوازن وتعزيز السلام. كذلك، يُشير الخطاب إلى ضرورة وضع السياسات العالمية، التي تضع القيم الإنسانية في المقدمة، بعيدا عن الأجندات السياسية الضيقة، التي غالبًا ما تؤدي إلى تفتيت الروابط الاجتماعية.
بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن خطاب الملك عبدالله يمثل دعوة إلى العمل يبدأ باستعادة الوعي بالقيم الإنسانية، التي تتعرض للاختبار في مواجهة التحديات المعاصرة. ويرتكز التحليل على استنتاجات تفيد بأن الدعوة إلى الوحدة والاتحاد في وجه الانقسام هي خطوة حاسمة من أجل استعادة المعنى الحقيقي للتعايش السلمي في عالم متنوع. هذا الإطار الفكري يجب أن يُعتمد كمبادئ توجيهية لدعوة صانعي السياسات والمجتمعات على السواء، لأهمية تعزيز القيم المشتركة والتفاهم المتبادل في عالم يعاني من الفجوات المتزايدة.
مسك الختام:
يُعتبر خطاب الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي بمثابة دعوة ملحة للنظر في التحديات، التي تواجه القيم الإنسانية الجامعة في زمن تتفاقم فيه النزعات الأنانية والشغف للسلطة. فقد عكس الملك، من خلال خطابه، الصراع الأزلي بين الخير والشر، الذي يتجلى في الجماعات الإنسانية، مما يستدعي التفكير في كيفية تصحيح المسار، الذي تتخذه المجتمعات العالمية. وتصبح القيم النبيلة مثل التسامح، والعدالة، والشراكة، عرضة للتهديد بسبب هذه الشهوات البشرية المتزايدة. ويستعرض الخطاب الأهمية الفائقة لتعزيز القيم الأخلاقية في العصر الحديث، وكيف أن الوعي الجماعي بشأن هذه القيم يمكن أن يشكل حاجزًا دون الانزلاق نحو الفوضى والشر.
لذا، تُعتبر رؤية الملك عبدالله، في سياق التاريخ الحديث، رمزًا لمنظور معتدل يتسم بالتوافق بين القيم الأخلاقية لأنها تُشدد على ضرورة التعاون الدولي. فقد دعا في خطابه إلى تطلعات لتعزيز الحوار بين الثقافات، مستندًا إلى فكرة أن التفاهم المتبادل يمكن أن يصبح سلاحًا فعالًا لمواجهة التيارات السلبية. ويبرز الخطاب دور المؤسسات الدولية، لاسيما البرلمان الأوروبي، كمراكز تأثير رئيسة في تشكيل السياسات العالمية، التي تحمي القيم الإنسانية من الانتهاكات والنزاعات. لذلك، فإن أهمية الأخلاق في هذه السياقات تتطلب من الدول توظيف مواردها ليس فقط لتحقيق الرفاه الاقتصادي، بل أيضًا لتعزيز ممارسات تحمي حقوق الإنسان وتصون كرامته.
ولهذا، يؤكد خطاب الملك عبدالله على الحاجة الملحة لتجديد الالتزام بالقيم، التي تشكل أساس التعايش السلمي. إذ إن هذا الالتزام يتطلب تجميع الجهود العالمية لمواجهة القضايا المعقدة؛ مثل التطرف والعنف، التي تهدد استقرار المجتمعات. لذا، فإن النهوض بتلك القيم هو ليس مجرد استجابة تاريخية، بل هو كذلك استشراف لمستقبل زاهر يتسم بالسلام والتعاون، مما يضمن للأجيال القادمة عالمًا يسوده الاحترام المتبادل والانفتاح على الآخر.
* الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
الخميس، 19 حزيران 2025
عمان، المملكة الأردنية الهاشمية
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.