أثر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري على تفاسير الغرب الإسلامي

-تقديم
- تفسير الطاهر ابن عاشور من التفاسير ، الرائجة والذائعة في العصر الحديث ، وهو ما يظهر من حجم البحوث والدراسات الجامعية والأكاديمية التي ألفت وأعدت حول هذا التفسير.
بسبب ارتباط “تفسير التحرير والتنوير” بالقرآن الكريم ،باعتبار القرآن الكريم “بديع النظم في أسلوبه ،عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه، وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه، وتباين مذاهبه، خارج عن المعهود من نظام جميع كلام البشري.
ولا بد من الذكر أن مدرسة التفسير بالأندلس عادة ما تمتد بدايتها مع تفسير بقي بن مخلد الاندلسي :ت 276هـ الذي قال عنه ابن حزم ت 456 ه في رسائله: “رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها “و في تفسير القرآن كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد ، فهو الكتاب الذي أقطع قطعا أنه لم يؤلف في الإسلام تفسير مثله ،و لا تفسير محمد ابن جرير الطبري و لا غيره[1] .
و من أبرز خصوصية المتن التفسيري في الغرب الإسلامي هو محافظته على الوحدة المذهبية التي كانت عليها الأندلس والمغرب في التمسك بمذهب الامام مالك ومناصرة العقيدة الأشعرية ، والبعد عن تفاسير المذاهب المنحرفة التي تتعارض أصولها مع مذهب أهل السنة ،وأصوله في العقيدة ، فأكبر إساءة تعترض النص القرآني هو أن يفسر النص القرآني وفق المذهبية التي يناصرها ويتبناها المفسر لهذا النص،لا سيما إن كانت هذه المذهبية لا تخدم العملية التفسيرية ،وتتعارض مع مبادئ وأصول وتعاليم الإسلام الكبرى.
فوجهة التفسير في الغرب الإسلامي هي كانت هي المعارضة العلنية، ورفض الاتجاهات التفسيرية التحريفية التي اختارت حمل القرآن على غير مقتضاه الذي ينسجم مع طبيعة اللغة العربية ،وعادتها في التخاطب ،مع إخضاع هذا النص لميول ورغبات شخصية وعقدية،بصرف الآيات القرآنية عن معانيها، وتحميلها معان أخرى تتوافق معانيها مع أهواء أصحابها ومفسريها.
من ذلك أن المفسر أبا بكر ابن العربي المعافري الاشبيلي ت543ه صاحب كتاب احكام القرءان الكريم ، رد دعاوي الباطنية التي تخطت الأصول، ولم تتقيد بالقواعد التفسيرية كما هي مؤصلة ومعهودة في كتب التفسير ،قال ابن العربي الاشبيلي في كتابه قانون التأويل:” أما علم الباطن فقد ظلت فيه الأمم فأوغدوا في هذا الباب وواعدوا حتى كفرت منهم طائفة “.[2]
ويذكر في موضع آخر في كتابه قانون التأويل ” أن الناظر في القرءان يجب أن يلحظه بعين التقوى، ولا يميل به إلى رأي احد للهوى،وإنما ينظر إليه من ذاته ابتغاء علم الله ومرضاته.[3]
ومما يدعم هذا الطرح ما أورده المؤرخ عبد الواحد المراكشي وهو عبارة نص يحمل نقدا شديدا وجهه عالم أندلسي إلى أحد معاصريه، وقد عاد من رحلته المشرقية فادخل إلى الأندلس كشاف الزمخشري ت 538ه :الكشاف عن حقائق التنزيل “فقال “كانت الأندلس منزهة عن هذا وأشباهه ولم يزل أهلها على مرور الأيام أغنياء عن النظر في مثله، وان في غيره من تصانيف أهل السنة في التفسير غنية عنه”[4].
إضافة إلى هذه الخاصية التي تميز بها المتن التفسيري في الغرب الإسلامي، فهناك خاصية أخرى لها حضورها في هذا المتن التفسيري، وهي العناية بالمقتضيات والشروط ولأصول التي تعين وتساعد على الفهم لكتاب الله.
وهذا ما جعل الاشتغال يتجه إلى العناية بالآليات الضابطة للفهم ،والمسالك المعينة والمرشدة على التلقي السليم ، والمساعدة على التأويل السديد للنص الشرعي عند مفسري الغرب الاسلامي …[5].
ولقد تأثر عدد من مفسري الغرب الاسلامي بشخصية الامام الزمخشري وبتفسيره الكشاف ،ومنهم أبو حيان الأندلسي تـ:754 هـ صاحب تفسير “البحر المحيط” فقد نقل عددا من النقول من كتاب الكشاف ،واعتمدها في تفسيره وبيانه لكتاب الله .
كما اعتمد على كتب الامام الزمخشري في النحو والمعجم والبلاغة وعلوم اللغة ،فقد صرح بأن “النظر في تفسير كتاب الله تعالى يكون من وجوه – أولها – علم اللغة اسما وفعلا وحرفا، والحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة، فيؤخذ ذلك من كتبهم، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة”. [6]
وقال عن علوم اللغة العربية ” فاعلم انه لا يرتقي من علم التفسير ذروته،ولا يمتطي صهوته ،إلا من كان متبحرا في علم اللسان”[7].
وهذا السند الى تفسير الزمخشري ، يجد اعتباره في أن القرءان الكريم نزل بلغة العرب ، وعلى معهودهم جرى اسلوب التخاطب فيه ،فطلب فهمه وبيانه يجب أن يكون من جهة اللغة العربية ،كما قال الامام الشاطبي في الموافقات: وغيره من علماء اللغة والنحو .[8]
أما المفسر ابن جزي الكلبي الغرناطي ت741ه فهو الاخر كانت له نقول مستمدة من تفسير الكشاف في اعتمدها تفسيره التسهيل الى علوم التنزيل : ومن نقوله المستخلصة من تفسيرالكشاف تصريحه بتوقف التفسير على اللغة العربية “وأما اللغة فلابد للمفسر من حفظها …”.[9]
ومن الحواشي التفسيرية لمفسري الغرب الإسلامي على تفسير الزمخشري ،حاشية ابن البناء المراكشي العددي ،فقد وضع حاشية كبيرة على تفسير الامام الزمخشري عدت من ابرز الحواشي على تفسير الزمخشري.
لأن صاحبه الشيخ الطاهر ابن عاشور قد تعرض في تفسيره لمختلف المستويات اللغوية التي تعد عنصرا اساسيا في اظاهر المعنى المراد من كلام الله، وقديما قال ابن قتيبة الدينوري”انما يعرف فضل القرآن من كثر نظره ،واتسع علمه ،وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب “[10].
- أثر تفسير الزمخشري على تفسير الطاهر ابن عاشور
يعد تفسير التحرير والتنوير لصاحبه الشيخ الطاهر ابن عاشور موسوعة تفسيرية،فهذا التفسير يكشف ويجلي عن الفهم العميق ،وعن القدرة الكبيرة في فهم النص القرآني،وفي إدراك مقاصده من خلال إخضاع هذا النص للقواعد اللغوية والدلالية والتفسيرية ،والاستعانة بالبلاغة في البيان والاستمداد .
ومما يمتاز به هذا التفسير أيضا ،أن الشيخ الطاهر ابن عاشور صدره بمقدمات منهجية اشتهرت بالمقدمات العشرة، ذكر فيها الأسس والمرجعيات والمنطلقات والمبادئ المنهجية التي سار عليها واخذ بها والتزمها في تفسيره، وهو ما عبر عنه بقوله “وها أنا أبتدئ بتقديم مقدمات تكون عونا للباحث في التفسير، وتغنيه عن معاد كثير”.[11]
ومن أبرز التفاسير حضورا في هذا التفسير – التحرير والتنوير-تفسير الزمخشري بحيث كان الشيخ الطاهر ابن عاشور كثير الاحالة على تفسير الزمخشري وعلى شواهده المعتمدة في تفسيره.
[1] رسائل ابن حزم :رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها :ص: 170 بتحقيق إحسان عباس المؤسسة العربية للدراسات والنشر السنة 1987
[2] قانون التأويل لابن العربي الاشبيلي تحقيق محمد السليماني : ص:196
[3] المصدر نفسه: ص : 660.
[4] الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لعبد المالك المراكشي تحقيق إحسان عباس ومحمد بنشريفة وبشار عواد دار الغرب الإسلامي المجلد الأول السفر الأول :224
[5] – -اللفظ والمعنى في البيان العربي للدكتور محمد عابد الجابري مجلة فصول المصرية المجلد-5-العدد-11-السنة1985 ص:36
[6]-البحر المحيط” ج:1، ص :105
[7] المصدر نفسه نفسه ج:1ص: “17
[8] في مقدمة ابن خلدون:”ان القرءان الكريم نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا يفهمونه” المقدمة :326
[9]– مقدمة التسهيل :1/8
-[10] تأويل مشكل القرءان لابن قتيبة الدينوري تحقيق احمد صقر دار التراث الطبعة -2- السنة :1987ص: :123
[11] التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشر: 1/24
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.