اجتماعالتنويري

البربريَّة إيديولوجيا صنعها الاستعمار الفرنسي في الجزائر

ليس غلوّا إذن إن قلنا أن جوهر الصراع في الجزائر كان حول “القومية” إن كانت قومية أمازيغية أم قومية عربية أم قومية إسلامية، وكما قال مؤرخون، كانت فكرة القومية وما تزال القضية المحورية في الفكر القومي الذي ترك أثارا سياسية، فمثلما وقع في العديد من الدول العربية (سوريا، مصر) فقد هبت أقوام لنصرة القومية الأمازيغية في الجزائر دون التنكر للقومية العربية، وقالوا: إن كانت الأمة العربية حية في مشاعر أبناء الأمة العربية وفي إرثهم الثقافي وموجودة في الواقع العربي فالأمة الأمازيغية حية في واقع الشمال الإفريقي، ولا أحد يمكن أن يتجاهل تاريخ البربر في العهد القديم، فقد كان لهم تراث ولغة وثقافة بل لهم حضارة، وإن كان الإسلام جمع بين العرب والأمازيغ و وحد صفوفهم، فهذا لا يعني التنكر لثقافة الآخر وتراثه وعاداته وتقاليده، لأن الصراع سياسي لكنه جاء تحت غطاء الهوية..

نعم كانت الأطماع السياسية سببا في إسقاط مشروع بناء أو تأسيس نهضة جزائرية التي دعا إليها مفكرون كمالك بن نبي، لتتطور الأحداث وتتوسع، حيث ظهرت مطالب أخرى تبنتها جماعات لتحقيق القومية الإسلامية، رفعت هذه الجماعات شعار “الجزائر دولة إسلامية والقرآن دستورها”، كانت النتيجة أن ضاعت الوحدة الجزائرية وتشتت أبناؤها وحدث ما حدث، لأنه لا أحد حاول تحليل ثقافة الآخر وفهمها، وبالتالي يصعب جمع ثقافات في ثقافة واحدة، تجدر الإشارة أن قضية ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب العربية لم تكن في الجزائر فحسب، فقد تأسست في المغرب الأقصى الأكاديمية الأمازيغية وطالب البربريون بأن ترسم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، حسب المؤرخ عثمان سعدي فإن المسألة الأمازيغية في المغرب الأقصى تجري وبخطورة أكثر منها في الجزائر، لأن نسبة الأمازيغ للشعب المغربي عالية جدا، للعلم أن المؤرخ عثمان سعدي ينتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية بالمنطقة المنتشرة بها اللهجات الأمازيغية وهي قبيلة النمامشة، يقول أن الأمازيغية لهجة منحدرة من العربية الأم مثل الآرامية والكنعانية والبابلية والأشورية وغيرها.

من الأجدر إذن أن نقرأ للمؤرخ أبو القاسم سعد الله وموقفه من الأمازيغية، وقد تحدث عنه الدكتور محمد أرزقي فراد في كتابه “المؤرخ أبو القاسم سعد الله و الأمازيغية.. من الإجحاف إلى الإنصاف” حيث يقول: “إن المؤرخ أبو القاسم سعد الله مَرَّ بمرحلتين: مرحلة رفض الإعتراف باللغة الأمازيغية كمكوّن أساسي في الشخصية الجزائرية ثم راجع المؤرخ موقفه فأنصف الأمازيغية حين دعا في سنة 1994 إلى إنشاء مجمع علمي لترقيتها وتطويرها بكيفية تنسجم مع سياقها التاريخي المرتبط بوعاء الحضارة العربية الإسلامية”.

ومن الأجدر بنا أيضا أن نقرأ لسليمان الصيد المحامي وهو يتحدث عن الشخصية الجزائرية عبر التاريخ إذ يقول: فملوك البربر العظماء لعبوا أدوارا هامة في سياسة البلاد بحيث لولاهم لكان التاريخ غير التاريخ في شمال افريقيا، هذا في الجانب التاريخي والسياسي، أما في الجانب الثقافي الإبداعي يجدر بنا أن نقرأ “يوميات في بلاد القبائل” للأديب الجزائري مولود فرعون، ترجمها الدكتور عبد الرزاق عبيد، جمع فيها مولود فرعون بين الأدب و الاثنوغرافية، هي شهادات كتبتها أقلام جزائرية تعبر عن الأصالة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ لبلاد القبائل، ونقف الآن مع المؤرخ الجزائري عثمان سعدي في قوله: و إن كانت بعض القوى المعادية للعربية تريد أن تخلق للغة العربية ضُرّة لها كما يقال، فالعيب في العروبيين الذين أهملوا لغة “الضاد” في خطابهم اليومي.

و يُفْهَمُ من هذا التحليل أن العرب تنكروا أو تجاهلوا لغتهم إن صح القول، بحيث لا نجدهم يتحدثون باللغة الفصحى، ليس في البيت فقط بل حتى في المؤسسات التربوية و في الجامعات، يقول المؤرخ عثمان سعدي أن من مآسي الأمة العربية أن لغاتها غير معتنى بها، وهذا ما شجع الاتحاد من أجل المتوسط إلى التفكير في إنشاء تجمع فرنكفوني بالمغرب العربي مرتبطا بفرنسا، كما دعا إلى وجوب التفرقة بين البربرية berbérité والنزعة البربرية  berbérisme، الأولى عنصر من تاريخ المغرب العربي، و الثانية إيديولوجيا صنعها الإستعمار الفرنسي منذ 1830 من باب فرق تسد.

نرى أن سياسة التقسيم والتفرقة لم تكن في جانبها اللغوي فقط بل حتى في الجانب الجغرافي، فماذا يعني المشرق العربي والمغرب العربي؟ طالما الجميع عرب، ولماذا لا يتفق بعض المشارقة والمغاربة، بحيث يرى بعض المشارقة أن لهم الفضل في تعريب المغاربة، ومن هذا المنطلق يقول مفكرون ومنهم الدكتور عبد الله عبد الدايم أنه “لا نهضة بلا قومية ولا قومية بلا نهضة”، هذه الأخيرة بكل أبعادها الحضارية لا يمكن أن تتفجر ينابيعها في أمّة من الأمم إلا إذا تمت في إطار تعبئة قومية حارة مؤمنة تجعلها حية ومستمرة، و لنا خير دليل في فلسفة المفكر ماك بن نبي عندما قال: إن النهضة الحقة لا تتأتى لأمة من الأمم إلا إذا اجتمع العلم والوجدان أي أن تجتمع المعطيات العلمية مع المعطيات الروحية.

علجية عيش الجزائر


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد