وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية

بصدد حاضريةِ الكلامِ الإلهيِ في منظومة ملَّا صدرا الفلسفية
ملخّص إجماليّ:
تتوخى هذه الدراسة تظهير نموذج مفارق في تاريخ الفلسفة الإسلامية جاز القول فيه انه يترجم «وحيانيّة الفلسفة» وأفُقَها على نحو شديد الفرادة. ما ذاك إلا لبيِّنة تحتاج إلى تأصيل ومفادها أن الحكمة المتعالية التي أرسى مبانيها الكبرى الحكيم الإلهي ملَّا صدرا الشيرازي تشكل النموذج الأكثر بياناً على ما يمكن أن نصطلح عليه بـ «الفلسفة الدينية». ولتظهير هذه الخاصِّية التي تميِّز الحكمة المتعالية عن المدارس الفلسفية على اختلاف أزمانها وألوانها ووجهاتها، سوف يكون هذا البحث مركوزاً حول صلة الفلسفة الصدرائية بالقرآن والكلام الإلهي.
تأسيساً على الدائرة القرآنية سوف نجد كيف تنجلي خصوصية المسار الفلسفي الذي ابتكره صاحب الحكمة المتعالية وظهر في تآلف خلّاق بين البرهان والقرآن والعرفان كمثلث معرفي غايته التعرُّف إلى حقيقة الوجود. ذاك يدل على أن الجمع بين أركان هذا المثلث هو الذي سيمنح الميتافيزيقا الصدرائية صفة التعالي والتجاوز، ويميزها بالتالي عمّا سبقها منذ الأرسطية الى الأفلوطينية الجديدة الى حكمة الإشراق، ثم الى سواها من الانعطافات الكبرى التي شهدها تاريخ الفلسفة. عند هذا التخصيص على وجه الحصر سوف تتخذ الميتافيزيقا الصدرائية نعوتها المنفردة ليتأتَّى تعاليها من قدرتها على الوصل الجوهري بين طورين مفارقين في علم الوجود: هما: علم الواقع وعلم الغيب.
* * *
مفردات مفتاحيَّة: وحيانيّة الفلسفة – الحكمة المتعالية – الحكمة البالغة – علم الواقع – علم الوحي – ملَّا صدرا.
تمهيد:
تشتغل هذه الدراسة على تظهير حقيقة شديدة البداهة في حقل العلاقة بين الأمر الديني والشأن الفلسفي في منظومة ملَّا صدرا. الداعي إلى ذلك يعود أولاً، إلى الجدل المستأنف في الفلسفة المعاصرة حول ثنائيات الغيب والحضور، والعقل والنقل، والاستدلال والكشف، ناهيك عن العلم والدين.. وثانياً إلى ضرورة إجراء تسييل معاصر للمنجز المعرفي الكبير الذي برع صدر المتألهين الشيرازي في بلورة قواعده ومبانيه، في مقدمها توحيد القول المتشظِّي في مباحث الوجود ولمُّ شملها وتجاوز ثنائياتها[1].
وإذا كانت غاية الحكمة المتعالية، تشكيل منظومة إدراكية لحقيقة أصالة الوجود، فإن تلك الحقيقة تبين الحكمة نفسها، لا يمكن أن تُنال عند الساعي لإدراكها إلا بالآيات والتجليات. ولما لم يكن للعقل القيَّاس من سبيل إلى إدراك ذات الله، كان النهي عن التفكير في بها: كقوله تعالى: «ويحذركم الله نفسه». ولهذا لا نجد فيما يشتمل عليه القرآن من معرفة الذات في الأغلب، إلاّ على تقديسات محضة وتنزيهات صرفة كقوله تعالى: Nلَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَM[2] ولقوله: Nسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَM[3] وكما يبيّن ملَّا صدرا أن لا نزاع بين العقلاء لجهة عدم إمكان إدراك ذات الحق الأولى بالكُنْهْ أي (بالذات)، لأنه تعالى لغاية إحاطته وسلطته على الأشياء لا يمكن إدراكه، لأن إدراك الشيء بكُنْهِهِ فرعٌ على الإحاطة به. والله تعالى لا يصير محاطاً[4].
تمهيدات كهذه سوف تحمل صاحب الحكمة المتعالية على قول فلسفي قوامه إخراج المباني العقلية والقواعد النظرية من كونها فلسفة صرفة واستدلالاً نظرياً بحتاً، إلى فضاء أكثر سعة ورحابة، وذلك بوساطة الكتاب الإلهي وتأييد الذوق والكشف والشهود. وسيرسم هذا الإعتقاد سبيله إلى مقام التحقق عبر مجمل مصنّفات وحواشي الحكمة المتعالية. وهو ما ألفيناه أيضاً في سيْريَّات التوفيق بين القواعد العقلية والحقائق الواردة في الكتاب والسنَّة[5].
وما من ريب، أن قاعدة التوفيق هذه، ذات منزلة محورية في إبداعات صاحب الحكمة المتعالية. وهي تظهر في طائفة واسعة من أركانها النظرية والعملية، من أصالة الوجود واعتبارية الماهية، إلى البرهان على المعاد الجسماني. وما كانت هذه القاعدة التوفيقية بين العقل والشريعة لتكون، لولا حاضرية القرآن في تسديد الجهود التنظيرية المفارقة عند ملَّا صدرا. فالحكمة عنده صنو الشريعة. وما بينهما عروة وثقى وعلاقة مِنِّية توالدية، لا انفصام لها. فإذا كانت الحكمة النظرية، أو الفلسفة بما هي علم رؤية الأشياء كما هي في الواقع، فالشريعة هي العلم الهادي إلى واجبية إدراك الوجود وفق ما جاءت به الحكمة القرآنية البالغة. سيكون لنا بدءاً من هذا المحل، أن نشير إلى الميثاق المبرم بين الكلام الإلهي والحكمة المتعالية. وهنا بالذات يمكن جلاء المفارقة التي أجراها ملا صدرا في عالم الميتافيزيقا. على الأخص، لمَّا دفع بمشروعه إلى التموضع في المنطقة التوسطية بين حكمة الطبيعة وحكمة الوحي. غير ان هذه المنطقة التوسطية لا تعني – كما قد يُظن – التباين أو الفصل بين الحكمتَين، بل التكامل بينهما على نشأة التعالي والإنسجام. من ذلك جاء الصدرائية بفلسفة متعالية يراد منها، رفع التعقُّل بالوجود والارتقاء بفهمِهِ إلى فضاء معرفي تنتفي فيه الإنفصالات الموهومة بين الواقع والغيب، وبالتالي بين الشريعة الوحيانية والحكمة الفلسفية الباحثة عن معرفة الموجود بما هو موجود. وكما هو معلوم من ملَّا صدرا، فإن الحكمة هي العلم بحقائق الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر، ونظم الوجود نظماً محكماً ومتقناً، وأنه تعالى فاعل بالعناية، وأن النظام الكياني طبقٌ للنظام الربّاني. من أجل ذلك، فحين يُناشَد الله تعالى بالحكيم، أو بالدعاء المأثور عن النبيّs «يا ذا الحكمة البالغة»، فإنما يُراد بذلك الإشارة إلى تطابق نظام الخلق مع نظام الحق. وهو ما نجده في القرآن الكريم بما هو كشف الحق تعالى عن نظام الخلق بالكلام الموحى به إلى النبيّ s.
ولَسَوف يتبيَّن لنا وفقاً لما ذُكر، أن هندسة إدراك الحقائق في الحكمة المتعالية تنبسط على نصاب مفارق للمدارس الفلسفية السابقة عليها ووكذلك المعاصرة لها كالمشائية والفهلوية والهندية والإشراقية. فلئن كانت المعرفة على ما اتفق عليها الفلاسفة – وفلاسفة المشائية على الخصوص- هي الصور والأحكام الحاصلة في العقل نتيجة تأملات فكرية ونظرية في القضايا، فإنها بحسب الإشتغال الصدرائي تبقى مشوبة بالفقر ما لم تُسدّد بالإلهام والحدس، وإشراقات القلب الذي هو مستودع المعارف الأعظم. وعلى أي حال، فإن هذه الهندسة لدى ملاّ صدرا ستسفر عن نهاجية ركَّبت بإتقان، وتقوم على تجاوز تعقيدات الجدل الفلسفي والكلامي حول العلاقة بين الله والعالم.
والآن، نأتي لنسأل ونسائل الحقل الذي أنشأته الصدرائية وجمعت فيه على نحو ودود بين الفلسفة والدين.
1. حاضرية الكلام الإلهي وقيوميته
ظهرت حركة القرآن سيَّالة في متن الحكمة المتعالية، حتى فاضت بها. ولأنها كما شاء واضعها، أن تؤلف نظيراً فلسفياً للكلام الإلهي، فقد كانت أدنى إلى وعاء يُفاض عليه، ثم ليتولى هذا الوعاء بدوره الإفاضة على ما دونه. وكلما كانت قابلية الإفاضة أقوى، اتسع لها الوعاء، ليبدأ طورٌ آخر من الفهم، يشق سيره عبر تلقي المزيد مما تلقيه عليه الحكمة الإلهية البالغة.
لقد دلَّ هذا على أن الخريطة المعرفية للحكمة المتعالية بلغت تمامها بفعل تلك الفيوضات، وبسبب من قيومية الحكمة البالغة عليها نظامها الفلسفي ومبانيها المعرفية. إذ بناء على هذه القيومية ستصبح المرجعية القرآنية عاملاً مكوناً وتأسيسياً لمجمل المسارات الهادية للمشروع الصدرائي. ولما كانت آليات عمل الفلسفة تنطلق من الأدنى إلى الأعلى لفهم العالم، كموجود بما هو موجود، انبرت اشتغالات ملاّ صدرا إلى البناء على نهاجية معاكسة مؤداها الأخذ بالمتعالي، عبر إنجاز فهم الوجود بما هو وجود، من الأعلى إلى الأدنى. وذلك ما يظهر المائز العميق في سيْريّات ومناهج كل من العلم الحصولي والعلم الحضوري لجهة الإختلاف الجوهري في المقدمات والنتائج. ولنا في هذا الصدد تمثيل:
– المتفق عليه أن مقدمات العلم الحصولي تقوم، على الإستدلال العقلي بواسطة المنطق والمفاهيم الكلية، أي بوساطة الماهيات. لذا فإن من المنطقي عندما يكون ابتداء العلم الحصولي بالماهيات أن يكون منتهاه إلى الماهيات. ومدار هذا العلم ينحصر ضمن حدود الإمكان أو عالم الوجود الفقري كما يصفه صدر المتألهين.
– أما مقدمات العلم الحضوري، فهي تقوم على السعي إلى إدراك حقيقة العالم عبر الإتصال بالملكوت، أي من الأعلى إلى الأدنى. وذلك ما بيّنته الحكمة المتعالية، حين اتخذت سبيلها لبلوغ غايتها القصوى، بتنقية الباطن، وتصفية القلب، وتنوير الروح.
مع ذلك يبقى التنبُّه ضرورياً إلى أن إثبات الوجود في العلم الحضوري هو إثبات شخصي (فردي) من جانب المثبِت. وبالنسبة إليه هو حقيقي وإدراكي وحسّي وشعوري، لكن لا يقدر مثبته لنفسه أن يثبتَه لغيره. لأن ما تمّ له عن طريق الكشف لا يستطيع أن ينقله إلى الغير عن طريق البيان باللسان، وبالتالي لا يستطيع الغير أن يتلقّاه بالإدراك الحقيقي والحسي والشعوري إلاّ إذا شَهِدَهُ بالمعاينة.
وبوصف كونها علماً جامعاً للعلم بالماهيات وحقائقها وعلماً حضورياً في الآن عينه كان لنا أن نرى إلى نمو الحكمة المتعالية في إطار حركة مثلثة الأبعاد: تبدأ من الألوهة، ثم إلى الطبيعة، ثم عودة إلى الألوهية.
وليست أسفار العقل الأربعة سوى تأصيل لهذه الأبعاد على مبدأ الظهور والسير من الوحدة إلى الكثرة، ثم الرجوع والسير المعاكس من الكثرة إلى الوحدة.
مع هذه الجدلية يصير كل شيء في الوجود أصيل وحقيقي.
– فالوحدة موجودة (حقيقة)
– والكثرة موجودة (حقيقة)
– وظهور الوحدة في الكثرة (حقيقة)
– ورجوع الكثرة إلى الوحدة (حقيقة)
نفس الجدلية في حركة الوحدة والكثرة هي ثمرة ما ذهب إليه صدر المتألهين، عندما رأى أن للسلاك من العرفاء والأولياء أسفاراً أربعة:
أوّلها من الخلق إلى الحق
وثانيها بالحق في الحق
وثالثها يقابل الأوّل وهو السفر من الحق إلى الخلق بالحق
ورابعها يقابل الثاني لأنه سفرٌ بالحق في الخلق[6].
أما الأطوار التطبيقية لهذه الأسفار فهي تجري، حسب صدر المتألهين، مجرى السير والسلوك المؤيد بالآيات وعلى مبدأ لا إفراط ولا تفريط بل أمرٌ بين الأمرين. وكان ذلك يتطلب بالنسبة إليه إنجاز أربع مراتب سلوكية وهي:
– التخلية: بترك مذمومات الأفعال
– التجلية: بالتزام الإعتقادات (أركان الدين)
– التحلية: بإتباع الصفات المحمودة (الأخلاق)
– الفناء في الله (العرفان والإتصاف بصفات الله) وهي السفر الأخير في الرحمانية.
2. في إشكال الجمع بين الحكمتين
مرّ معنا أن المنهج المُعتمد في الفلسفة هو (المنهج البرهانيّ)، وهو قِوَام الفلسفة وشرطها الجوهري؛ باعتبار أنّ الفلسفة هي علم معرفة الوجود عقلاً لا مُطلق معرفة الوجود. ويترتّب على ذلك، أن معيار كون القضيّة الصادقة فلسفية، لا يرجع إلى ملاحظة مضمونها المُرتبط بمعرفة الوجود فقط، بل يرجع أيضاً إلى المنهج المُعتمد في تحديد صدقها. ولذا لا يمكن النظر إلى القضيّة الصادقة التي تتضمن قانوناً وجودياً بوصفها قضية فلسفية إلاّ إذا كان طريق إثبات صدقها هو طريق البرهان. وبناء على هذا لا يصحّ لنا اعتبار القضيّة الوحيانيّة، أو التي يتم التوصّل إليها عن طريق الكشف العرفاني ، بديلاً للإستدلال الفلسفي، أو بديلاً لمقدّمة من مقدّمات ذلك، ولو كان صدْقُ مثل هذه القضيّة أكثر يقيناً من صحّة الإستدلال المذكور أو صدق مقدماته[7].
هذه المقدمة تفتح الطريق على إجراءات مصالحة ضمن حقول مزمنة من الخلاف. وهو ما سعت الحكمة المتعالية إليه على الرغم من ديمومة الجدل في هذا الشأن. ففي حقل الإشكال بين الحكمة القرآنية والفلسفة، كان يطرح السؤال التالي:
هل منهج الحكمة المُتعالية هو كسائر النُّظُم الفلسفة الإسلامية يعتمدُ على البرهان؟ الجواب كما تقدمه الحكمة المتعالية هو أن البرهان لا يقتصر أمره على كونه طريقاً يُطمأنّ إليه للوصول إلى أحكام صادقة، وطريقاً مرضياً للوصول إلى الحق والحقيقة:
“البرهان طريقٌ موثوقٌ به، موصِلٌ إلى الوقوف على الحقّ”[8]. و”العقل أصلُ النقل، فالقدحُ في العقل، لأجل تصحيح النقل، يقتضي القدح في العقل والنقل معاً”[9].
كما لا يُمكن بموجب هذا الشرط أن نجعل من حاصل الكشف العرفاني – دون أن يكون مُلهَماً من الإستدلال العقليّ الموافق له – مُستنداً للأحكام الفلسفيّة، بل إنّ الكشف الصحيح والتامّ في الأمور العقلية الخالصة لا يتيسّر إلاّ عن طريق الحدس والبرهان. ونعني بالحدس هو الذي يكون نتاجاً للرياضات العقلية والشرعية ونتيجةً للمجاهدات العلميّة والعمليّة.
سؤال آخر يلقى على الإشكال إيّاه:
هل يُمكن لملاً صدرا الإلتزام بهذا الشرط (الحدس والبرهان)، في مقام العمل، مع ما في كُتبه الفلسفية والحِكَميّة من وفرة في الآيات والروايات وكلمات العرفاء والأئمة والمُعطيات الشهودية؟
كان ملا صدرا نفسه يقول بشغف:
“تباً لفلسفةٍ لا تكون قوانينها مطابقةٍ للكتاب والسنّة”[10].
إلاّ أنه من وجه آخر لم يكن يرى من صحة في إطلاق صفة الحكمة على الفلسفة التي لا تكون مؤيَّدة بالكشف، كما لا يُطلق تسمية الحكيم على الفيلسوف الذي لم يصل إلى هذا المقام ذلك أن
“حقيقة الحكمة عند ملا صدرا إنما تُنال من العلم اللدنيّ، وما لم تبلغ النفس هذه المرتبة فلن تكون حكيمة”[11].
هل يستلزم هذا الأمر أن نعتبر أن الحكمة المُتعالية في الوقت الذي ترى صحّة الإستناد إلى الوحي والكشف، لا ترى أن يكون المنهجُ البرهانيّ هو شرط الفلسفة وقِوامَها؟ الجواب هو النفي ذلك لأن طريق الإستفادة من هذا النوع من القضايا في الحكمة المُتعالية يتمُّ بنحو لا يتنافى مع الشرط المذكور، ولا يشكّل نقضاً له. وذلك لأن الشرط المذكور لا يجعل الإستفادة من الوحي والكشف في الفلسفة ضمن دائرة الممنوع مطلقاً، بل يمنع من ذلك في دائرة محدّدة. وهي أن تكون حَكَماً يتمُّ من خلالها تحديد صدْق القضايا وكذِبِها. فبناءً على هذا الشرط لا يصحُّ جعل الوحي والكشف بديلاً عن البرهان أو مقدمة من مقدماته، كما لا يصح جعل ذلك منهجاً في تعيين صدق القضايا الفلسفية، أو بديلاً في النقض العقلي. من هنا يظهر أن الإستفادة من أقوال الأكابر في الحكمة المُتعالية، وفي أيّ نظامٍ فلسفيّ، إذا كان في غير مقام الحُكم، لا تشكل نقضاً لهذا الشرط، وهو لا مانع منه[12].
3. من برهان الأرض إلى برهان السماء:
لم يكن من باب يطرقه صدر المتألهين يستدل منه على حقيقة الوجود، سوى إمعان النظر في المنطقة المعرفية الوسطى. فقد راح يتدبر الكلام الإلهي والسنَّة النبوية، والمأثور من روايات أهل البيت، ليتوصل إلى برهان يقوم على إثبات وجود الخالق من دون توسطات المخلوق. وهذا ما انشهر قبله ومعه بما سمي «برهان الصدِّيقين». وهو الطريق البرهاني الذي كان أخذ به كل من الفارابي وإبن سينا من دون أن يؤصّلاه أو يتوسَّعا به كما فعل صدر المتألهين، إذ جعله ركناً تأسيسياً في مشروعه الفلسفي. و«الصدِّيقون» على ما اتفق عليهم هم أولئك النفر القلائل الذي اعتقدوا أنهم عندما يتأملون الواقع يرون الحق المتعالي قبل أي شيء آخر. ليس فقط أن هؤلاء يدركون أو يعلمون الحق تعالى بالتصور والنظر، وإنما يشهدون وجوده.. ومعادلة نظر الصدِّيقين هي بالترجيح بين العلم المتحصِّل بالتأمل الرياضي المجرد، والشهود المتحصِّل بالكشف والمعاينة. ولأنهم يرجِّحون الثاني ويأخذون بناصية الكشف والشهود، سيكون لهم بالآيات البيّنات مبتدأ السفر الأول باتجاه التصديق. حيث جعل تعالى في كتابه مقام الصديقين بعد مقام النبوة في قوله:Nوَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًاM[13]…
وعلى منشأ الآيات يمضي «الصدِّيقون» إلى الأخذ بالعلوم الكشفية للأنبياء والأوصياء والأئمة. وثمة الكثير مما ورد في هذا المجال: «من عرف نفسه فقد عرف ربه» وفي الدعاء «يا من دلّ على ذاته بذاته» أو ما جاء عن الإمام علي في النهج: توحيده تمييزه عن خلقه. وحكم التمييز بينونة صفة، لا بينونة عزلة «أو «بك عرفتك وأنت دللتني عليك» أو «ما رأيتُ شيئاً إلاّ ورأيتُ الله قبله وبعده وفيه»[14].
في حيز العقلي فإن برهان الصدِّيقين ينطلق من حقيقة أن وجود الله بديهي، والبديهي لا يحتاج إلى دليل عليه، وأن قضية أن (الله موجود) هي قضية أولية.
لم يبلغ صدر المتألهين ما بلغه في حقل العثور على سبيل برهاني مخصوص لاستكمال بيان الحكمة المتعالية إلاّ بعد اختبارات مضنية أجراها مع أهل الإستدلال والكلام والصوفية وأرباب الكشف. من هنا جاءت طريقة ملا صدرا متميزة من سائر الطرق. فهي جمعت بين مسلك الكشف والشهود وطريقة الرأي والفكر. ولهذا جاء كتابه «الحكمة المُتعالية» مشتملاً على أكمل البراهين النظرية وأندر القواعد الكشفية، وكان كمال المطلوب لديه – كما يبيّن في مقدمة الشواهد الربوبية – هو إكمال هاتين الناحيتين. ذلك أن نهاية تكميل القوة النظرية وغايتها، تكمن في تصوير النفس الناطقة بصورة الوجود ونظام عالم الوجود، وبالتالي «صيرورتها عالماً عقلياً» مضاهياً للعالم العيني ومشابهاً «لنظام الوجود». وحقيقة الأمر أن تصور نظام الوجود على ما هو عليه يجعل من النفس مادة ومحلاً لصور الأشياء، ومعدناً لتصوير جميع الحقائق. لا بل تصبح النفس الإنسانية – حسب الحكمة المتعالية- متحدة بحقائق عالم الوجود بناء على اتحاد العاقل والمعقول»[15].
هذا الفن من الحكمة- كما يبيّن صدر المتألهين – هو ما يظهر في دعاء النبيs: ](رب أَرِنا الأشياء كما هي). وهو ما نجده أيضاً في دعاء النبي إبراهيم (ع) “رب هب لي حكماً”. والحكم المطلوب في الدعاء الإبراهيمي هنا، هو التصديق بوجود الأشياء المستلزم والمطابق لتصورها. وأما (الأخذ بهذه) العملية فثمرتها، مباشرةُ عملِ الخير لتحصيل الهيئة الإستعلائية للنفس على البدن، والهيئة الإنقيادية الإنقهارية للبدن حيال النفس. وإلى هذا الفن أشار صاحب الحكمة المتعالية إلى ما جاء في القرآن “ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم “وهي صورته التي هي من طراز عالم الأمر. “ثم رددناه أسفل السافلين” وهي: مادته التي هي من الأجسام المظلمة الكثيفة. “إلاّ الذين آمنوا” وهي الإشارة إلى غاية الحكمة النظرية..” وعملوا الصالحات “إشارة موازية ومتصلة، إلى إتمام الحكمة العملية”[16]. وعند منتهى هذه النقطة تكون النفس الكاملة قد دخلت رحاب الحكمة البالغة لتتلقى منها ما يؤيد القلب ويربط على الفؤاد.
4. سبيل السير والسلوك
يقرر ملا صدرا بعد أن أقام فلسفته على ركن برهان الصدَّيقين، أن بلوغ كمال معرفة التوحيد لا منا ص له من السير والسلوك المسدّد بالتقوى. ذلك أن من أهم الأركان الأساسية لإدراك الحقائق من وجهة نظر ملا صدرا هو تقوية العقل العملي وتكميل النفس عن طريق العبادات والرياضات، وترك المشتهيات، والإعراض عن المعاصي، وتطهير النفس، وتعزيز أسس المعرفة، والإستعداد الروحي لتلقي الأنوار القدسية (…) فالعقل – بحسب الناظر – ليس بمقدوره أن يرتقي إلى درجة معينة في المسائل المتعلقة بعلم الإلهيات وحقائق المبدأ والمعاد ما لم يتنوَّر بنور الشرع؛ لأن إدراك مسائل من هذا القبيل، فقط باستخدام القوة النظرية ليس ميسوراً، رغم كون صاحب هذه القوة يقع في أعلى مراتب الإدراك (…) ومن هنا كانت أمرية التقوى في القرآن الكريم شرطاً لتعلم الحقائق الإلهية «إتقوا الله يعلمكم الله» (…) ومن هذا المنطلق راح صدر المتألهين يستكشف ويختبر ليستنبط أساس المعارف والمباني المتعلقة بعلوم المبدأ والمعاد. وهو ما بيَّنه في كتبه ممّا حصّله من معارف وحقائق تلقّاها من مشكاة النبوة والولاية.
ولبيان الغاية العليا من مشروعه سيمضي صدر المتألهين إلى الأخذ بسبيل السير والسلوك وفقاً لمنظومة الأسفار العقلية.
ومثل هذا السبيل لا يتباين ولا يفارق الصلة الوطيدة الجامعة بين المنازل الثلاثة للحكمة المتعالية: القرآن والبرهان والعرفان. وهو ما يستدل عليه من القاعدة التي تنتظم حركة السير والسلوك:
فالسالك وجود
والمسلك وجود
والسلوك منه وجود
والمسلوك إليه وجود
وإذاً فعلى هذه يتحقق السالكون من حقيقة سلوكهم حين يدركونه بالمعاينة أنه تعالى، واجب الوجود دالٌ على ذاته بذاته»..
وإذاً فإن برهان الصدِّيقين هو برهان ينتسب بولادته ومآله إلى علم الحضور. ربما لهذا السبب كان إبن سينا يقول قولته الشهيرة: «وا عجزاه أن تكون الحركة هي السبيل إلى إثبات الحق الذي هو مبدأ كل شيء»… وعندما علّق ملاّ صدرا على برهان الصدِّيقين للشيخ الرئيس قال: «وهذا المسلك هو أقرب المسالك إلى منهج الصدِّيقين لأن هناك في الحكمة المتعالية يكون النظر إلى حقيقة الوجود وها هنا (أي عند إبن سينا) يكون النظر إلى مفهوم الوجود. ذلك يعني أن الفيلسوف هو الذي يطلب علم اليقين بينما مطلب الحكيم العارف، هو عين اليقين…
5- هرمنيوطيقا الوحي في أفهام العرفاء
عندما يسائل العارف الآيات لا يقع تساؤله ضمن الدائرة التي اعتادها أهل الجدل. من الفلاسفة وعلماء الكلام، وإنما ينطلق من اليقين المشوب بالحيرة في فهم الكلام الإلهي. وسؤال العارف من هذه المنطلق هو ضربٌ من الترجِّي لبلوغ كُنْهِ الآيات وغاية المتكلم. والترجِّي عند العارف داخل في صميم منظومته المعرفية ويؤسس لمنطق مفارق تتغاير مقدماته ونتائجه عما يتبِّعه العقل الاستدلالي في التعرف على معاني الكلمات وحقائق الموجودات. يدرك العرفاء ان معاني الكلام مرتبطة أصلاً بمقاصد المتكلم، لا بحدود ألفاظ كلامه، وهم يفرقون بين فهم الكلام وفق قراءتهم له، وبين الفهم عن المتكلم. ففي تأويله لكلامه تعالى ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾[17] يقول ابن عربي في الفتوحات المكية ان معنى الآية دالٌ على أن الله يفهِّم الناس معاني القرآن فيعلموا مقاصد المتكلم به. والفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكلام، هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك الكلام أو بعضها، لذا لك أن تفرق بين الفهم للكلام او الفهم عن المتكلم وهو المطلوب، فالفهم عن المتكلم ما يعلمه إلا من نزل القرآن على قلبه وفهم الكلام للعامة، فكل من فهم من العارفين عن المتكلم فقد فهم الكلام، وما كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم ما أراد به على التعيين إما كل الوجوه او بعضها»[18]. حسب تأويلية ابن عربي، إن فهم معاني – كلام أي متكلم – ليس محصوراً في وجوه الدلالة اللغوية، التي اتفق عليه أهل ذلك اللسان، فدلالة الكلام مستوى واحد فقط من مستويات الحقيقة عنده، إنما الفهم الحقيقي لمعاني كلام المتكلم هو أن يفهم القارئ ما قصده المتكلم بذلك، فالمعنى ليس بالضرورة متضمن داخل جسد اللغة، فقد يكون المعني يسكن في قلب المتكلم، والقارئ العارف هو من يفهم عن المتكلم ولا يفهم الكلام فحسب.[19] وهكذا فإن التأويل في هذا المورد من الفهم، مرهون بمعرفة قصد المتكلم، وقصد المتكلم مرتبط بشرطية الفناء في صاحب الكلام، عبر التسليك الروحي والتعالي في منازل التقرُّب. وحينئذ يتجلى الله له، ويتولى تعليمه وتفهيمه دقائق التنزيل ورقائق التأويل. ولا شك أن الفهم عن المتكلم هو أوسع وأدق وأصدق وأعمق من فهم الكلام، لا، التأويل الأتم الأكمل، هو ذاك الذي يفهم المخاطب مآلات الخطاب كله، ويفهم جميع ما تؤول اليه إشارات ومقاصد صاحب الكلام. ومن هنا جاء التنظير عند العرفاء لفكرة لا محدودية ولا نهائية التأويل، حيث يصبح كلام الله تعالى مفتوحاً على جميع التأويلات، لأن كلام الله هو علمه تعالى وعلم الله مطلق لا نهاية لتأويله، وجميع التأويلات صحيحة وشرعية في موضعها»، و«علم التأويل – كما يقول أحد شراح الشيخ الأكبر – هو علم الباطن، وهو وجه خاص من وجوه الشريعة الذي لا يعلم إلا عن الكشف الإلهي والذي لا يحصل الا بعد تحصيل الولاية، وهو أصل علم الشريعة وروحه، ولا مخالفة بينهما إلا عند أهل الحجاب[20].
أ- العلم من الله عن الله بالله
من أجل ذلك يأخذ الفهم التأويلي بهذا المنزلة مسلكاً معراجياً من داخل النص الإلهي نفسه. فالفهم هنا من الله وعن الله وبالله، وليس ثمة من رأي مستقل للمتلقي. والآية التي مرت معنا أشارت بوضوح الى ان التقوى هي شرط التعلم، وهي احدى أعظم السبل التي يستهدي بها العارف الى فهم الكلمة الإلهية على حقيقتها. وبهذا المعنى يتاح للذين اتقوا ان يعلمهم الله المنهج الذي يجنِّبهم فتنة التفسير بالرأي، فيأمرهم بالصبر والدعاء كسبيل قويم لفهم كلامه. وهو ما يستدل عليه من قوله تعالى: Nوَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًاM[21]
وسؤال التأويل عند العرفاء مرتبط أصلاً بمعنى القرآن، ومعنى القرآن عندهم مرتبط بمعنى ودلالات كلام الله، وكلام الله يحيل مباشرة الى تصور معنى الله، ومعنى الله عند الصوفية لا يمكن أن نعيه خارج عقيدة التجليات. فالقرآن دال عقيدة التجلي ليس فقط مصحفاً متلواً ومكتوباً بين أيدي الناس، إنما هو «حقيقة مجردة متعالية ترجع الى الذات الإلهية، وتنزلها وتجلِّيها في عوالم الوجود يأخذ أشكالاً تتناسب مع تلك الرتب الوجودية، الى أن يبلغ هذا الكتاب عالمنا المادي فيظهر على شكل ألفاظ ومصحف وكلمات»، وإذا كان القرآن هو كلام الله، فإن الوجود أيضا هو كلام الله، باعتبار أن الكون كله خلق بالأمر الإلهي «كن»، فالكون هو تجلِّ لكلمة «كن» الإلهية، فيكون الوجود كلمات الله المسطورة في الآفاق والقرآن كلمات الله المسطورة في المصحف، ويصبح القرآن في تصور صوفية وحدة الوجود هو كلمات الله المرقومة التي توازي الوجود وترمز إليه، وكما أن كلام الله الوجودي المنظور لا يمكن حصره ونفاذه Nقُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًاM[22]. Nوَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِM[23]. فإن كلام الله المسطور في المصاحف لا محدود ولا نهائي في تأويله، وانطلاقاً أيضاً من مماثلة أخرى يجريها صوفية وحدة الوجود بين لا محدودية التأويل وبين لا محدودية علم الله، الثابتة نصاً وعقلاً في قوله تعالىNوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًاM[24].
ب- التناهي واللاَّتناهي في الكلام الإلهي
بين لا تناهي كلام الوحي ومحدودية المتلقي، يذهب العرفاء الى بيان ان الحقيقة الغيبية في إطلاقها غير متعقّلة ولا متوهمة، فإدراكها هو التحيّر فيها. والحيرة هنا، تأتي في مقام التعقّل والتدبُّر، لا تلك التي ارتكن فيها الإنسان الى قبضة الفكر المحض. فثمة فرق عند الشيخ الأكبر بين حيرة المتدبِّر وحيرة الباحث عن معنى الكلمات في ظاهر الحرف والعبارة. فإن حيرة الأخير تقع في مرتبة ناقصة وعلامتها تعطيل الأفهام والحؤول دون تلقي القول الإلهي على الحقيقة[25]. أما حيرة ا المتدبِّر الذي حرّر قلبه وأطلقه من التعلقات والميول والرغبات الدنيوية، فحيرته عبارة عن تحول القلب وتبدله انسياقاً مع تنوع الحقيقة في صورها المختلفة، أي إدراك الوحدة في الكثرة، والتنزيه في التشبيه، والحقيقة في المجاز. وبالتالي إدراك الثبات في التنوع والتنوع في الثبات. وحده الذي يستطيع إدراك هذا التنوع، كما في قوله تعالى: Nأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاM[26]. وفي آية ثانية: Nأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًاM[27].
ومع ان للتأويل عند ابن عربي منزلة مؤسِّسة لمنظومته المعرفية، إلا أننا نجده في مواقف معينة يحذر من المركب التأويلي الى الحد الذي يخال فيه الناظر ضرباً من التناقض. غير انه سعى إلى حل هذا المشكل من منظور المفارقة التي يختزنها الكتاب الإلهي.
على سبيل المثال يعتقد ابن العربي أن مفارقة «هو ولا» تؤلف أساس الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ومن هذه الآية الكريمة Nوَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىM.[28] التي يقول فيها: ان مبنى الأمر الإلهي أبدا على هو لا هو فإن لم تعرفه كذا فما عرفته وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فهذا عين ما قلناه من انه هو لا هو وهنا حارت عقول من لم يشاهد الحقائق على ما هي عليه… وجدت العالم مع الحق بهذه المثابة موضع حيرة هو لا هو ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فختم بما به بدا فياليت شعري من الوسط فإنه وسط بين نفي وهو قوله وما رميت وبين اثبت وهو قوله ولكن الله رمى وهو قوله ما انت إذ أنت لكن الله أنت… لأنك تنظر اليه من وجه فتقول هو حق وتنظر اليه من وجه فتقول هو خلق وهو في نفسه لا حق ولا غير حق… فإذا هم مظلمون حيارى….. ثم صدق الله هؤلاء الخواص في حيرتهم بقوله لا خص خلقه علماً ومعرفة وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى نفى عين ما اثبت فما أثبت وما نفى فأين العامة من هذا الخطاب فالعالم بالله حيرة والعلم بالخلق حيرة[29].
ج- مفارقات التأويل
مدار المفارقة في فهم الكلام الإلهي، لدى العرفاء يقوم على التلقِّي من المتكلم نفسه. أي من الله لا من فكر المتلقي مهما بلغ من السعة والذكاء. وهم في هذا يتبعون صراط الإنصات والتدبُّر والصبر على الفهم وهذا ما يوحي به قوله تعالى:Nوَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاM[30]. فالقصد الإلهي من الآية هو تعليم الناس وهدايتهم الى ان فهم كلماته على حقيقة الصراط لا يأتي إلا بالصبر والدعاء.
ولا يقبل العارف حصر ظواهر القرآن بهذه المعاني التي تتبادر الى أذهان بعض الأشخاص من ظاهر الكلام. وفي المقابل ثمة من يرى ان «الظاهر» هو معنى محدد لا يجوز نسبة غيره الى القرآن، والعرفاء يرون أن هذا الموقف التفسيري غير صحيح، فإن في دائرة الظاهر وجوهاً ومعاني عدة، ولا ينبغي ان نسد باب استفادتها من القرآن سواء كان هذا المستفيد عارفاً أو غير عارف. وعليه فإن من حق العارف أن يفهم من القرآن معنى ويبني استفادته وفهمه على مبادئ وجودية ومعنائية، حتى لو كان هذا المعنى لا ينسجم مع منهج الأدباء وأهل اللغة في التفسير ونسبة المعاني الى الألفاظ. لذا يؤمن العارف بأنه إذا حصرنا معاني الكلمات وظواهر القرآن بناسوت الوجود والفكر العرفي المحدود، فلن يبقى ثمة مجال لهيرمينوطيقا مقبولة. فعنده ان هذه الطريقة تحصر العلاقة بين المعنى وبين المستوى الحسي والناسوتي للوجود؛ ولكن ثمة مستويات أخرى تتجلى وتظهر «فيها المعاني بطريقة مختلفة. وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الهيرمينوطيقا العرفانية أو التأويل العرفاني يقدم على أنه تفسير ظاهري واستظهار بعض المعاني التي عجز الآخرون عن استظهارها وفهمها من القرآن. وإذا أردنا نقد الفكر الهيرمينوطيقي العرفاني وعرض تأويلات العرفاء على محك النقد، لا يصح لنا أن نبدأ من المرحلة الأخيرة أي مرحلة استفادة المعنى من الألفاظ؛ بل لا بد من البدء من المباني الوجودية التي يبني عليها منهجه ورؤيته التفسيرية. واعتماد الخيار الأول أي البدء من المرحلة الأخيرة والاعتماد على اللغة لنقد تأويلات العرفاء فيه من الخلل المنهجي ما لا يخفى[31].
يعنيتأويل الشيء أو الكلمة كما اتفق اكثر العلماء والعرفاء وإعادته الى «أصله الأول، وهو الرجوع وفي تأويل الكتاب الإلهي يدل على صرف الآية الى ما تحتمله من المعاني، وقيل من الإيالة وهي السياسة كأن المؤول للكلم ساس الكلام ووضع المعنى في موضعه»[32]، أما المدارس الإسلامية على اختلاف مشاربها، من فقهاء ومتكلمين أشاعرة ومعتزلة وغيرهم، يتفقون على حصر حدود التأويل بحدين اثنين الحد الأول مواضعه اللسان، وما تعنيه الكلمة في مجال التداول اللغوي، والثاني حد العقل وما يؤشر عليه من فهومات ومصاديق، خاصة عند التيار الاعتزالي، والفوراق الكبر.
من حيث المنطلقات المنهجية بين أهل التصوف والعرفان وبين أهل اللسان والبيان من الفقهاء ورجال الدين عموما، أن الألفاظ هي فقط السبيل الوحيد لفهم مقاصد المتكلم عند أهل البيان، بينما الامر على العكس من ذلك تماماً عند أهل التصوف والعرفان، فإن فهم مراد المتكلم عندهم هو السبيل لفهم كلامه، يعبر عن ذلك الامام أبو حامد الغزالي حين يقول «والذي تنكشف له الحقائق يجعل المعاني أصلاً والألفاظ تبعاً وأمر الضعيف بالعكس اذ يطلب الحقائق من الألفاظ[33]. وإذا كانت اللغو عند الفلاسفة واللغويين هي “كل نظام علامات يمكن استعماله وسيلة اتصال”[34]، فإنها عند الصوفية صارت تجربة وليست مجرد وسيلة إبلاغ فقط[35]. مع انه قد ثبت في النصوص أن القرآن الكريم له وجه ظاهري وآخر باطني، فقد جاء في الحديث أن رسول الله عليه السلام قال: “أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولك حد مطلع”[36]، وعلق الامام الشاطبي في موافقاته على هذا الحديث فقال «فُسر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة، والباطن هو الفهم عن الله لمراده، لأن الله تعالى قال «فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً»[37]، والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام، كيف وهو منزل بلسانهم؟ ولكن لم يحظوا بفهم مراد الله من الكلام، وحاصل هذا الكلام ان المراد بالظاهر هو المفهوم العربي، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه»[38]، فيكون الظاهر لأهل البيان، والباطن لأهل العرفان[39].
د- المفارقة الإلهية
يستعمل الشيخ الأكبر مصطلحي (التنزيه) و(التشبيه) بمعنى (الإطلاق) و(التقييد)، فالله منزه من حيث 1ذاته، فهو يتعالى عن كل وصف، وكل تقييد، فهو، بهذا الاعتبار، غني عن العالمين، يحيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء، ولا يدركه علم، فلا يصدق عليه بهذا المعنى غير وصف الاطلاق، وفي الاطلاق تنزيه، لكن الله من جهة أخرى مبه، من حيث تعينات ذاته في صور الوجود، فهو السميع البصير مثلاً، لا بمعنى أن له سمعاً وبصراً يشبهان سمع المخلوقات وبصرهم، وإنما بمعنى انه متجل في صورة كل من يسمع ويبصر، أو انه جوهر كل ما يسمع ويبصر.
ولا شك في أن تفسيره للتنزيه والتشبيه يخرجهما عن معناهما الأصلي، ولكنه تفسير لا غنىً عنه في تكوين فلسفته العامة في طبيعة الوجود. والتنزيه والتنبيه، بهذا المعنى، متضايفان متكاملان، لا يقوم احدهما من دون الآخر، فهما وجهان لحقيقة وجودية واحدة[40].
ومن خصائص هذا التجلي الإلهي الخاص «انه تعالى لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين، ولا في صورة واحدة لشخص مرتين»، تنبيها على الاتساع الإلهي، والجد اللامتناهي. إن ابن عربي، بثباته هذا المفهوم الجامع، يكون قد تجاوز مفهوم الحلول، واستبدل به مفهوماً أشمل وأوسع، وأبعد عن الاشكال، وأرسخ من حيث الأصل في الاستعمال القرآني، فهو من الآية: Nفَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّاM[41].
من خلال هذا المفهوم افتتح ابن عربي نافذة غير مسبوقة لتأسيس نظرية معرفة تعين على فهم مفصل من أعقد مفاصل الربط الوجودي بين الوحدة والكثرة وكيفية نشوء الكثرة من الوحدة، وظهور العالم عن الله. فعن طريق التجلي الاقدس ظهرت الأسماء الباطنة في الذات الإلهية، وعن طريق التجلي المقدس ظهر العالم بمراتبه المختلفة، ولا وجود لأي فارق زمني بين تلك المراتب المختلفة، والمستويات الوجودية المتعددة، فالوجود، في حقيقته، واحد، وان تعدد في الذهن، أو العقل، او التصور، ويشبه ابن عربي ذلك تقريباً للفهم بلمح البرق، فيقول: «حقق يا أخي نظرك في سرعة البرق اذا برق، فإن برق البرق إذا برق كان سبباً لانصباغ الهواء به، وانصباغ الهواء به سبب لظهور أعيان المحسوسات به، وظهور أعيان المحسوسات به سبب في تعلق ادراك الابصار بها، والزمان في ذلك واحد، مع تعقلك تقدم كل سبب على مسببه، فزمان اضاءة البرق عين زمان انصباغ الهواء به، عين زمان ظهور المحسوسات به، عين زمان إدراك الأبصار ما ظهر منها، فسبحان من ضرب الامثال، ونصب الاشكال، ليقول القائل: ثم وما ثم، او ما ثم وثم، فوعزّة من له العزّة والجلال والكبرياء ما ثم الا الله الواجب الوجود، الواحد بذاته، الكثير بأسمائه وأحكامه، القادر على المحال، فكيف الإمكان والممكن وهما من حكمه؟ فوالله ما هو الا الله، فمنه واليه يرجع الامر كله». فالوجود حقيقة واحدة تتقسم في الذهن. أما ترتيب مراتب الوجود على التدريج؛ الذي أسهب ابن عربي في شرحه، وبيانه، فما هو الا تدريج عقلي، وترتيب ذهني بحت[42].
هـ- التجلِّي في الجمع بين الأضداد
يوضح الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان في سياق اشتغاله على ما ذهب اليه ابن عربي هذا الصدد لقد أشار الى واحدية المنهج الأكبري في فقه التعرف على النظام الدقيق الذي تنحكم إليه صلات الوصل بين وحدة الحق ووحدة الخلق. «فالقول بأن التجلي الإلهي شيء آخر غير الله-كما يلاحظ كوربان-. لا يعني القدح في ذلك التجلي باعتباره «وهمياً»، بل بالعكس تثمينه وتأسيسه بوصفه رمزاً يحيل على المرموز الإلهي، الذي هو الحق، وبالفعل فإن الظاهر هو خيال وتجل، وفي الآن نفسه فإن حقيقته الباطنة هي الحق. إن الظاهر خيال، ويتطلب ضرورة تأويلاً للصورة المتجلية فيه، أي تأويلاً يؤول بتلك الصور الى واقعها الحقيقي. ليس عالم المنام وحده، بل العالم الذي نسميه عادة عالم اليقظة أيضا بحاجة بالمقدار نفسه للتأويل[43]. ثم يقدم كوربان الفرضية التالية: «إذا كان العالم خلقاً متجدداً وتواتراً للتجليات، وإذا كان من ثمَّ بحاجة للتأويل، فذلك لأن الخلق الجديد، الذي لا تدركه الحواس، والذي يجعل في نهاية المطاف أن العالم خيال وبحاجة الى التأويل مثله مثل الأحلام. والعبارة المنسوبة الى النبي القائلة: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» تجعلنا نفهم أن كل ما يراه بنو البشر في حياتهم الدنيا هو من نفس طبيعة الرؤى المشهودة في الاحلام. إستناداً إلى هذا الفهم يلاحظ كوربان أن مجرد تداعي الخيال يتداعى التأويل، يضيف: ولأن ثمة التأويل، فثمة الرمز: ولأن ثمة الرمز فثمة بعدان للموجودات. ثم إن هذا الادراك المتميز يظهر في كل الثنائيات الاصطلاحية التي تميز تصوف ابن عربي: الحق والخلق، اللاهوت والناسوت، الرب والعبد. وكل زوج اصطلاحي ينمذج وحدة يقترح كوربان تسميتها فناء. ويشكل الجمع بين طرفي كل ثنائية وحدة أضداد، أي تزامنا للمتناقضات لا للمتقابلات التي هي متكاملات. ثم ان خاصية الخيال الفاعل تكمن في القيام بهذا الجمع، الذي يعين حسب الصوفي الكبير ابي سعيد الخراز معرفتنا للألوهة. لكن ما يلزم ملاحظته هو ان هذا الجمع العجيب الذي يجمع بين الضدين هي وحدة تجل، وهي ليست بأي حال من الأحوال «وحدة أقنومية». «فالوجود الكلي هو وحدة الرب مع عبده. من ثم فإن كل وجود، باعتباره كلية، يقدم نفسه ببعدين، فلا يمكننا أن نقول حق – خلق، ولا لاهوت – ناسوت عانين بذلك ان كل بعد يساوي الآخر. فإذا كان البعدان معاً يحيلان على وجود واحد، فإنهما يحيلان الى كلية ذاك الوجود: إنهما يتزايدان (أو يتضاعفان)، ولا يمكنهما أن يعدم أحدهما الآخر، ولا أن يختلط أحدهما بالآخر او يستبدل أحدهما الآخر.
يبدو ان هذا البعد الثنائي، وهذه البنية بوجود ذي بعدين تتعلق بفكرة جوهر او عين ثابتة باعتبارها النموذج الأصل لكل موجود من موجودات العالم المحسوس، وفرادته المضمرة في عالم الغيب التي سيسميها ابن عربي أيضا روحاً، أي «ملك» ذلك الوجود. إن الأفراد «المجوهرة» من قبل الحق وهو يتكشف لذاته، تتولد هكذا أبديا منذ عالم الغيب. وأن يعرف كائن دنيوي عينه الثابتة وجوهره النموذجي الأصل، يعني معرفة «ملاكه»، أي عينه الثابتة كما تنجم عن ظهور الحق وهو يتكشف لذاته. يعني «الرجوع الى الرب» تحقيق هذه الثنائية الأزلية المكونة من المؤمن وربه، الذي هو ليس الحق في عمومه، وإنما تفرده في هذا الاسم أو ذاك من أسمائه. لهذا فإن اسقاط هذا التفريد الحاصل في عالم الغيب، يعني بالنسبة للكائن الأرضي تحطيم بعده النموذجي الأصل او خاصية التجلي لديه، أي تحكيم «ملاكه». وإذا ما عادت الموجودات غير قادرة على الرجوع الى ربها فإنها ستكون تحت رحمة كيان كلي القدرة غير معلوم، متباعدة فيما بينها وفيما بينها وبين الرب ومتمازجة تمازجا في المجموعة الدينية او الاجتماعية. وهكذا يسوغ لهذا أن تخلط بين ربها الذي لا تعرفه من حيث هو كذلك، والحق في ذاته، والادعاء بفرضه على الكل. وقدر رأينا أن ذلك هو «التوحيد الأحادي البعد» الذي من خلاله يمر «الحق الذي في المعتقد». إن كل أنا حين تفقد العلاقة مع ربها النموذج الأصل الخاص (أي حين تفقد وعيها بنفسها) تصاب بالتضخم وتتحول بسهولة الى هيمنية روحانية: من ثم فالمهمة تكمن لا في أن يتحد كل واحد بربه، بل فقط بفرض «الرب نفسه» على كل الناس. من هذه «الامبريالية» بالضبط تحمينا وحدة الأضداد التي عبر عنها ابن عربي بشتى الاشكال، والتي تتمثل كلها في الحفاظ المتزامن على الوحدة والكثرة، وهو التوحيد الذي من دونه لا يمكن أبدا تصور البعد المزدوج لكل موجود أي وظيفة التجي لديه. وإذا ما نحن وزننا كل عبارة من هذه العبارات حق وزنها، فإننا سندرك أن ابن عربي لا يتحدث تماماً كرجل التوحيد الذي عليه أن يكونه ولا كالوثني الذي غالباً ما يتهم بكونه إياه.[44] “إن تلك الحضرة التي يبقى لك الحضور فيها مع الصورة، مثلها مثيل الكتاب الذي قال الله فيه “ما فرضنا في الكتاب من شيء” فهو الجامع للواقع وغير الواقع. ولا يعرف ما قلناه إلا من كان قرآنا في نفسه، Nإِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًاM[45].
لقد أخذ القرآن هنا جناسا بمعنى العطف والاقتران والتزامن، والفرقان بمعنى التفرقة والانفصال. وهكذا فنحن نصادق من جديد الموضوعة المهيمنة. فأن يكون المرء قرآنا يعني حال الإنسان الكامل الذي تتجلى له مجموع الأسماء والصفات الإلهية، والذي يكون واعياً بالوحدة الجوهرية بين الحق والخلق، أي الحق الخلق او الخالق المخلوق. لكنه في الآن نفسه يفرق بين نمطي إيجاد هذه الوحدة الجوهرية، والتي فيها يكون العبد الذي من دونه لا يكون ربه، والتي فيها أيضا من دون هذا الرب لا يكون العبد ايضاً شيئاً يذكر. من ثم التأويل الشخصي جدا الذي يتناول بن ابن عربي الآية القرآنية، آخذاً كلمة المتقِّي لا في معناها الجاري (الذي يخشى ربه) وإنما بجعلها اشتقاقا من كلمة وقاية. ومن ثم فالعبد وربه وقاية أحدهما للآخر، وضمانة أحدهما للآخر. يقابل حال القرآن حال الفناء الذي وقفنا عليه من قبل على أحد المعاني الدقيقة التي يتلبسها لدى ابن عربي. هنا يتوضح أمر جديد. فحال الفناء باعتباره تحطيما للفرق، هو الاختبار الأول، لأن التفرقة الحقيقية لا يمكن ان تأتي الا في منتهى التربية الروحية. وفعلاً، حين يميز المؤمن بين الحق والخلق من دون أن يكون قد جرب الفناء فإن ذلك من باب عدم الوعي بوحدتها الجوهرية بالحق، أي بالترابط بلا شرخ بين اللاهوت والناسوت. لكنه بعد تجربته في الفناء، حين يقوم بالتمييز، فذلك تبعا لوعي حقيقي بما هما الحق والخلق، واللاهوت والناسوت: فبالرغم مما بين الاثنين من وحدة جوهرية، فان الخلق يتميز عن الخالق كما تتميز الصورة عن المادة التي هي صورة لها. فإذا كان المرء قرآنا موافقا لحال الفناء فالقرآن يوافق حال البقاء، أي أن ثمة فرقانا بعد التوحيد. وقد يكون ذلك هو الجانب الأكثر خصوصية الذي يشير اليه مصطلحاً الفناء والبقاء، أي الرجوع الى الذات بعد الفناء، والبقاء بعد الفناء.
و ـ مفارقات القصّ القرآني
لما كانت المفارقات هي الأرض الفسيحة التي حفلت بها النصوص المابعد ميتافيزيقية، فسنأتي في ما يلي الى بيان أبرز المفارقات كما جاءت في القرآن الكريم. في القصّ القرآني يمكننا أن نرى شكلاً للمفارقة هو أقرب شيء إلى المفارقة البنائية[46]، التي تكمن وظيفتها في تدعيم بنية الدلالة في النص الإلهي وتأكيدها. وهذا النوع من المفارقة يجد تمثيله القرآني في سورة الكهف من خلال قصة موسى والعبد الصالح. يقول تعالى: Nوَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا… ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًاM[47]. فبعد قراءتنا للقصة وما جرى فيها من أحداث نجدها تتضمن معنى المفارقة البنائية من خلال الحديث بين نبي الله موسى والخضر(عليهما اسلام) وكذلك الأحداث الثلاثة:
ز- اللطف الإلهي كمصدر للفهم الصدرائي
تنطوي العملية التأويلية عند الفيلسوف الإلهي صدر الدين الشيرازي على أهمية معرفية خاصة لجمعها المنهجي بين البرهان والقرآن والعرفان، حيث يأخذ التأويل تبعاً لهذا الجمع معنى الكشف عن مراتب المعنى وبواطنه[48].
ولكي لا يشتبه الحال على المأخوذ بتعبير الباطن، يرفض صدرا بشدة مصطلح التأويل المشبه بالباطنية، ويؤكد على التفسير بما له من المعنى الشامل للتأويل، ووفق طريقة الراسخين في العلم الذين خصهم الله تعالى بالتأويل. وهذه طريقة تحفظ الظاهر بقدر ما تعتني بالباطن. فتأويل الشريعة يعني أسرار العبادات، وتأويل الطريقة يعني أسرار النفس، وتأويل الحقيقة يعني أسرار الوجود. لا يبتعد صدر الدين الشيرازي في مسلكه التأويلي عن مذاق أهل المكاشفة؛ بل يتابعهم في مقولة الظاهر والباطن، ليرى ان للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطوناً سبعة هي مراتب المعنى القرآني الذي يتصاعد من المعنى الظاهر إلى المعنى المتخيل بالحواس الباطنية ثم الى المعنى العقلي المجرد ثم الى المعنى الأمري الذي هو عالم الروح. وهذان المعنيان الأخيران هما من عالم الآخرة، حيث يرى الشيرازي أن لكل منهما درجات ومراتب ومنازل ومقامات تتجاوز حدود العقل فضلاً عن الحس، وهي معانٍ لا يدركها إلا الأوحدي من الأنبياء والأولياء، أما لو تصاعدنا في المعنى فسنجد مرتبة فوق كل هذه المراتب لا يدركها أحد حتى الأنبياء إلا إذا فنوا عن العوالم وتجردوا عن النشآت وبلغوا مقام الوحدة.
على أن ما يرمي إليه الشيرازي من مقولة البطون، التي تتجاوز السبعة في الواقع الى ما شاء الله تعالى، هو الاشارة الى تكثر المعنى القرآني كثرة لا تقف عند حد لأنها كلمات الحق تعالى التي لا تنفذ: Nقُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداًM[49].
فهم الكلام الإلهي وفق التأويلية الصدرائية ليس مجرد مرتبة مدرجة ضمن الهندسة المعرفية لمراتب الحكمة المتعالية. انه، بحسبها، كل المراتب بوصف كونه حاضراً فيها، محيطاً بها عميق الإحاطة. وهو في الآن نفسه مفيضاً عليها الوجود والعلم والتسديد. والى هذا فإنه لا يغادر أي منها الا لكي ينشيء لها ظلاً وجودياً في القرآن. فالقرآن يتسع للمراتب الوجودية كلها. وضمن هذه الدّالة فهو جامع الوجود. كما في الآية Nمَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَاM[50].
سيكون لنا مع المنجز الهرمنيوطيقي لصاحب الحكمة المتعالية منعطفاً بيِّناً في قراءة الوحي. هي تلك عرَّفها بـ «قراءة الراسخين في العلم». إذ أن فهم الكلام الإلهي عند هؤلاء الذين وصفهم الرسولs بأنهم ليسوا بأنبياء ويغبطهم النبيون – ليس شرطه الظهور بكسوة الألفاظ والحروف ولا بتمثّل المتكلم بصورة شخصية، وإنما القاء معنوي الى قلب مستمع من الله مباشرة أو من وراء حجاب[51].
وكلامه تعالى – حسب ملاصدرا – ليس كما قالت الأشاعرة من أنه معانٍ نفسية قائمة بذاته تعالى، ولا كما ذهبت اليه المعتزلة من أنه خلق أصوات وحروف، دالَّة على المعاني في جسم من الاجسام، والا لكان كل كلام، كلام الله؛ بل ان حقيقة التكلم إنشاء كلمات تامَّات وإنزال آيات محكمات وأخر متشابهات في كسوة الألفاظ والعبارات. والكلام قرآن وهو العقل البسيط والعلم الاجمالي، وفرقان وهو المعقولات التفصيلية وهماً جميعاً غير الكتاب، لأنهما من عالم الأمر وعالم القضاء وحاملها اللوح المحفوظ. واما القلم والكتاب فهما من عالم الخلق والتقدير ومظهره عالم القدر الذهني والقدر العيني والأولان غير قابلين للنسخ والتبديل، لأنهما فوق الزمان بخلاف الثالث؛ لأنه موجود زماني ومحله لوح قدري نفساني هو لوح المحو والإثبات، والكتاب يدركه كل أحد وأما القرآن فـ Nلَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَM[52].
6. معالم التأويل في الفلسفة الصدرائية
تنحو تأويلية الحكيم الآلهي صدرالدين الشيرازي لآيات القرآن الكريم، نحواً لا سَبْقَ لعالم التفسير به من قبل. وبعد القرن العاشر الهجري، وهو الزمن الذي عاش فيه بما يقرب من خمسة وسبعين سنة، لم يأتِ بعده، على ما يظهر، الا اولئك الذين اشتغلوا على نصّه شارحين او مفسرين او مؤوِّلين، وإما ناقدين لبعض اطروحاته الوجودية. ومع ذلك فهؤلاء لم يتجاوزا البناءات المعرفية التي شيدها في فضاء القرون الوسطى ولما تزل على جريانها الإحيائي في الفكر الفلسفي الإنساني والاسلامي المعاصر.
نضع هذا المؤشر في نطاق الكلام على فرادة الحكمة الصدرائية، لجهة اتخاذها صفتها الحداثية في زمنها، وفي الأزمان التي تلت. حتى ان ثمة من ذهب الى توصيف تلك الرؤية، بأنها تمثيل نموذجي لـ «ما بعد حداثة الحضارة الاسلامية». فانطلاقاً من مبدأ ان لكل حضارة لحظة حداثتها، وما بعد حداثتها، فسيكون للحكيم الآلهي في ما انجزه إحاطة العارف باللحظتين الحضاريتين معاً.
ولئن كانت مزيَّتا النقد والتجاوز هما اللتان ربطتا على قلب «النص الصدرائي» لتمنحاه خصوصيته، لاسيما في منجزه المعرفي الضخم «الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة»، فسيُنظر إلى «تأويليته القرآنية» بوصفها ذروة ما وصل اليه فضاء التفكير لديه.
ومع ان كثيرين من قُرَّاء الأسفار أعربوا عن حَيرتهم حيال طابعه المفارق، لجهة كونه نسيج إحالات لا متناهية من منقولات الشريعة ومقامات الحكمة، فقد وجدوا فيه فتحاً معرفياً استثنائياً في عالم الفلسفة الإلهية. من هذا الوجه سيبدو النص الصدرائي عبارة عن تناصٍ يتماهى مع نصوص متعددة ويفارقها في الآن عينه. كأن صاحبه يوحي لك بأنه لا يريد ان ينسب لنفسه أي شيء جديد. خصوصاً حين يتعلق الأمر بلحظة التعامل مع الكلام الإلهي. صحيح ان صاحب الحكمة المتعالية لا يخفي اعتزازه بجودة افكاره وابداعاته التي يعتقد انه لم يسبقه اليها غيره، وهذا ما يجعله يبتعد عن حساسية ما بعد الحداثة، التي تنفر من كبرياء المبدعين القائلين بالخلق والأصالة. غير انه بمجرد ان يعلن انه مبدع هذه الفكرة او تلك، يسرع الى نسبتها الى الحكمة العرشية وبوصف كونها من عطاءات الله. وهو إذ يرتضي لنفسه دور الوسيط لتظهير أسفار العقل الأربعة، صعوداً ونزولاً بين الحق والخلق. وهكذا يكون الشيرازي نجح في الجمع بين التاريخ وما بعد الطبيعة فهو ينص على السابقين عليه، يورد اقوالهم ثم يفسرها وينتقدها. وهو ما تزخر به اعماله حين نَقَدَ كبار الحكماء كالشيخ الرئيس ابن سينا، السهروردي، وقبلهما حكماء المشائية. لكنه عند لحظة الابداع يروح يحيل ما انجزه من اشراقات في مجال اصالة الوجود، والحركة في الجوهر، وسوى ذلك الى الذات العليا التي تلهمه. وانه بدلاً من ان يحبس خياله في عالم من المرايا التي تعكس بعضها بعضاً، عمل على ان ينفتح على آفاق ما بعد الطبيعة.1
ما تقدم هو ضربٌ من قراءة تأخذ مساراتها التجريبية في فضاء التأويل المعاصر حيال تعامل صاحب الحكمة المتعالية مع النص القرآني.
لكن هذا الضرب من القراءة الحداثوية لا يملك ان يحيط بطبقات الحكمة المتعالية ما لم يُحِط بمقاربته للكلام الآلهي. فالقرآن وفق التأويلية الصدرائية ليس مجرد مرتبة مدرجة ضمن الهندسة المعرفية لمراتب الحكمة المتعالية. انه، بحسبها، كل المراتب بوصف كونه حاضراً فيها، محيطاً بها عميق الإحاطة. وهو في الآن نفسه مفيضاً عليها الوجود والعلم والتسديد. والى هذا فإنه لا يغادر أي منها الا لكي ينشيء لها ظلاً وجودياً في القرآن. فالقرآن يتسع للمراتب الوجودية كلها. وضمن هذه الدّالة فهو جامع الوجود Nمَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَاM[53].
إن صفة “الجامعية والوحدة” هي ما ينبغي إضفاؤها على التأويلية الصدرائية. وذلك ما يُضادُّ الصفة التي خُلعت على تيارات ومدارس ما بعد الحداثة، لجهة تعلُّقها بمزايا الفرقة والتشظي. ان هذه الجامعية المستمدة من النص القرآني، لم تغادر المنازل الوجودية للحكمة المتعالية على اختلاف مراتبها.
إن تشييد عمارة الفعل التأويلي على ارض العلاقة المتعالية، شرطها مفارقة الأنا المبتليةُ بالشرك. ذلك ان بقاءها أسيرة نفسها، ولزومها منزل الأنانية، سوف يرتّب كلامها الخاص. وما دامت على كلامها الخاص فلن تفلح بإجراء الاتصال الداخلي الحميم بكلام الحق الذي لا شريك له. فإن في مبدأ «الشركة» هنا فراق يوازي فراق الوجود والعدم. . .
لم يكن صدر المتألهين ليملك اجتياز المصالحة بين الفلسفة والشريعة بغير القرآن. كان عليه لكي يستيسر عبور ضفتي التضاد هذه، أن يغيِّر خط الانطلاق. كأنْن يبتديء أسفاره العقلية ﺒ «سَيْريَّة تفكير» تفارق سابقيه ومعاصريه من المشّاء والصوفية واتباع شيخ الإشراق. فإنه بدل ان يبدأ من «الأنا الفلسفي» المحض الذي سيوصله الى التهلكة، يبدأ بـ «الهو» المتعالي أي الله أحد. فأن كل قول شاء له أن يشرق في سماء الحكمة المتعالية، ينبغي له أن يعتصم بالقول الإلهي ويتسدد به ثم ليعود إليه عند كل ظلمة تصيبه في وعثاء السفر. فلو جئنا الى سورة التوحيد (الإخلاص) (قل هو) لوجدنا الأمرية الالهية بالتوحيد الخالص. ذلك ان شرط التوحيد، حاصل بإقامة الحد على أنانية الأنا، وإلا وقع الشرك. مبتدأ العبور من الثنوية الى الأحدية، ومن التكثير الى التوحيد بهاتين المفردتين الأمريتين. فإنهما تقتضيان صيغة الأمر. أي: لا تقل أنا «قل هو»؛ نفي وإثبات. بذلك يكون فعل الأمر جعلاً إلهياً مقضيَّاً بالتوحيد. والآيات الواردة في توحيده كثيرة منها قوله: «لا تدع مع الله إلهاً آخر لا اله الاّ هو» – القصص- الآية 88-. وقوله «قل إنما يوحى اليَّ «أنَّما إلهكم إله واحد»- الأنبياء- الآية 108- وقوله «لاتتخذوا إلهين اثنين انما هو إله واحد –النحل- الآية51.
واذاً، محوُ «الأنا» تشكل مبتدأ النظر في الكلام الإلهي عند صاحب الحكمة المتعالية. ربما أدرك من خلال مكابداته الاستدلالية والكشفية ان حضور «الأنا» في المكابدات لا يفضي إلا الى توليد الحُجُب. وإذاك تؤبَّد الجاهلية، وينأى الفؤاد من رؤية المقصود من القرآن.
لكن السير بالآيات لدى صدر المتألهين سوف يمضي به الى حدوده القصوى لكي ينجز علياء المحو. ولعل رحلته العقلية المديدة في الأسفار الأربعة، هي التي ستفتح له على فضاءات التأويل المتعالي. وفي «المظاهر الإلهية» و«مفاتيح الغيب» و«الشواهد الربوبية» وهي المنجزات المعرفية المشهودة، سوف نجد ظهورات مسعاه على نحو جلي.
لقد سعى صاحب الحكمة المتعالية، وهو يفكك مذاهب المفسرين، الى بيان حقيقة ان بقاء الأنا المفسِّرة علىعرشها الأرضي، سيؤدي الى انغراسها وسكونها، ثم الى يباسها في تربة الإحتجاب والجهل…
في كتاب مفاتيح الغيب يعرض صدر المتألهين أربعة مسالك تفسيرية للقرآن هي: مسلك أهل اللغة، ومسلك أهل التأويل الذين يصرفون الألفاظ عن مفهومها الأول.. ومسلك أهل الجمع بين التفسير الحرفي والتأويل، ثم ينتهي إلى الأخذ بما يسميه مسلك الراسخين في العلم.
خاصية أهل هذا المسلك الذي يتبناه ملا صدرا، أنهم – كما يقول – ينظرون بعيون صحيحة منوّرة بنور الله في آياته من غير عَوَرٍ ولا حَوَل ويشاهدونه في جميع الأكوان من غير قصور ولا خلل. إذ قد شرح الله صدورهم للإسلام، ونوَّر قلوبهم بنور الإيمان، فلانشراح صدورهم، وانفتاح روزنة قلوبهم يرون ما لا يراه غيرهم. ويسمعون ما لا يسمعون. ليس لهم حرارة التنزيه ولا برودة التشبيه، ولا الخلط بينهما، كالفاتر من الماء. بل كالخارج عن عالم الأضداد كجوهر السماء. فالخارج عن الضدّين ليس كالجامع للطرفين[54]..
تأويلية صدر المتألهين تنتمي إلى الصفات التي وضعها لمسلك الراسخين في العلم هي تأويلية أبدعت مفاتيح جديدة في عالم التفسير تقوم على استنباط طبقات النص عبر استئناف مستمر ودائم لعمليات الفهم. أما التأويل عنده فيرتكز إلى آليات مثلثة الأضلاع هي النص والعقل والكشف. وهو ما لم ينصرف إليه على الجملة جمع المفسرين في عصره.
ولئن كان ثمة ما يستشير الإشكال حول مصطلح التأويل، فلهذا المصطلح عند ملا صدرا معنى خاص، وهو أن التأويل يعني التفسير نفسه ولكن مع استئناف لا ينقطع من أجل استكشاف المزيد من فهم حقائق الآيات.
لكن هذا النوع من التأويل (أي التفسير المستأنف) عند ملا صدرا له قواعده ومعانيه وضوابطه. نذكر منها على وجه الحصر ما يلي:
دحض طرق التفسير التي تفصل بين اللفظ ودلالته.
وصل ظاهر اللفظ بظاهر المعنى، وظاهر المعنى بباطنه وهكذا دواليك وصولاً إلى ما يسميه بالكشف.
دحض ثنائية المجاز والحقيقة في معرض تفسير المحكم والمتشابه من الآيات. إذ ثمة اتصال ووحدة بين المجاز والحقيقة. ذلك أن كل القرآن حقيقة لا مجاز في مقام الكشف.
عند (ملا صدرا) رؤية خاصة في تفسير النص انطلاقاً من تعريفه للتفسير على أنه مسعى لفهم نفس الكلام الإلهي. ونستطيع أن ندرج قراءتنا لفهمه الكلام الإلهي ضمن ما نسميه بالتأويل الجَمْعي. و«التأويل الجمعي»، هو ذلك النوع من العمل التفسيري، الذي يلمُّ بأشتات المناهج والآليات والطرق التفسيرية المتعددة، ثم ليأخذ منها على الجملة، من دون ان يغويه ايٌ منها فيتحيَّز فيه. ذلك ما لم يشأ ملا صدرا أن يفعله وبتعقّل مسبق. فإنما مراده من وراء جمعها أن ينشيء معها صلات إتصال، وتداول، ومخاطبة، ومحاكاة ثم ليفارقها جميعاً، من دون تمام القطيعة معها. إلا أنه سيستأنف رحلته نحو نسميه بـ «الجمع المتعالي». فلا يكون ثمة، بعدئذٍ، مع ما تم جمعه، فصلٌ تام ولا وصلٌ تامٌ. بل جدلية من الفصل والوصل تتسامى فوق التحيُّز، والتحديد، والمجادلة، ثم لتقيم بنيانها على مساحة الكلمات التامّات. ذلك على التعيين ما سنذهب اليه، إذ نرى الى مبدأ الفهم والتفسير عند صدر المتألهين، على أنه فهم نفس الكلام الإلهي. وضوابط العلم الكلي. وربما لهذا السبب صحَّ أن يقال فيه إن: كتبه الدينية، والتفسيرية هي إمتداد لفلسفته في صورة أخرى(. . . ) على حين ان كتاب «مفاتيح الغيب[55] »على سبيل المثال هو نتاج عناصر موحَّدة كثيرة إندمجت في صورة تركيبة واحدة، وهي الفلسفات المشائية والإشراقية، والآراء العرفانية، والمعطيات الدينية ناهيك عن التفسيرات والآراء الكلامية لعلماء ومتكلمين مثل الرازي والغزالي، كما أدرج فيه غير قليل من آرائهم وآراء غيرهم من الفلاسفة والعرفاء (. . . ) وفي هذا المعنى يُنظر الى عمل ملا صدرا في «مفاتيح الغيب» بصفة كونه خلاصة ما آلت اليه الحكمة المتعالية في مسعاها الى تطابق العقل والشريعة وتوافق القرآن والوجود، وتساوق الفلسفة والدين. فكتاب مفاتيح الغيب- كما يقول العلامة محمد خواجوي- كتاب من طراز الفلسفة التطبيقية (المركبة) في حين يحتفظ في الوقت نفسه بأصول الحكمة المتعالية وقواعدها.[56]
7. آليات وقواعد التفكُّر بالآيات
ينطلق ملَّا صدرا في التأسيس لقواعد قراءة القرآن من أن الكتاب المنزَّل هو نسخة عن الوجود. فأصول القرآن وخطوطه ومسائله إنما هي أصول الوجود وخطوطه ومسائله، ولذلك وُصِفَ القرآن على لسان الحق تعالى بـ «الحكيم والمحفوظ والمبين» وغيرها من أسماء المجد وأسماء الجمال. ومن هنا كان تفسير القرآن من وجهة نظر ملا صدار تفسيراً للوجود. وكانت مفاتيحه مفاتيح للوجود. وعلى هذا النحو سنرى كيف يعود ليتصل بأصول القراءة على نشأة التدبُّر والإستيحاء والتلقي وها هو يعرض في «مفاتيح الغيب» للآليات والشروط الضرورية، الفكرية والأخلاقية والسلوكية الواجب اتباعها في محاكاة الكلام الإلهي. وهذه الآليات والشروط أوردها ملا صدرا في كتابه المعروف ﺒ «مفاتيح الغيب» في إطار عشرة إجراءات تدخل على الجملة ضمن الحقل المفتوح للسير والسلوك:
الأول: فهم عظمة الكلام. وفيه يدعو صاحب المفاتيح كل متأمل لينظر في فضلالله ورحمته، وكيف لطف بخلقه في إيصال كلامه الى أفهامهم وأذواقهم، وكيف جذبهم الله اليه بحبل القرآن العظيم على شكل أصوات وحروف هي من صفات البشر.
الأول: فهم عظمة الكلام. وفيه يدعو صاحب المفاتيح كل متأمل لينظر في فضلالله ورحمته، كيف لطف بخلقه في إيصال كلامه الى أفهامهم وأذواقهم، وكيف جذبهم الله اليه بحبل القرآن العظيم على شكل أصوات وحروف هي من صفات البشر.
الثاني: تطهير القلب من خبائث المعاصي وأرجاس العقائد الفاسدة، على أساس القاعدة القرآنية في الآيه 79 من سورة الواقعة «لا يمسه إلاّ المطهرون».
الثالث: حضور القلب وترك حديث النفس، وهذه الصفة تتولد من ما قبلها. وهي طهارة القلب عن شوائب الأغراض النفسانية.
الرابع: التدبُّر. إذ لا خير في عبادة لا فقه فيها، وفي قراءة لا تدبُّر فيها – الإمام علي(ع)
الخامس: الإستنباط، ومؤداه- حسب صدر المتألهين- أن يستوضح القارىء من كل آية ما يليق بها. إذ ما من علم إلا وفي القرآن أصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه.
السادس: التخلي عن موانع الفهم. ومؤدى هذا المفتاح- كما يبيِّن صدر المتألهين- ان لفهم معاني القرآن موانع. إذ أن القلب لجهة إدراك حقائق الأشياء هو بمنزلة المرآة لإنشباح صورها المرئية. وكلما كانت الشهوات أشد تراكماً كانت معاني القرآن أشد احتجاباً. فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن كالصور التي يتراءى فيها، والرياضة للقلب تكون بتمويت الشهوات وهي كتصقيل جلاء المرآه. «وإنما يتذكرَّ اولوا الألباب».
ثم يورد صدر المتألهين أربعة أنواع من الحجب التي تؤلف على الجملة موانع الفهم ويدعو الى مفارقتها كشرط لإستقبال الآيات الى القلب.
أن يكون الإنسان مصروف الهمم الى تحقيق الحروف من العبادات ليصرف وجه القلب عن عالم المعاني.
التقليد لمذهب سمعه من أحد الشيوخ وجحد عليه وثبت في نفسه التعصب له(…)
أن يكون مستغرقاً بعلم العربية ودقائق الألفاظ (اختصار القراءة على ظاهر اللغة وقواعد الصرف والنحو والبيان والخ). في حين ان المقصود الأصلي من إنزال القرآن ليس إلا سياقة الخلق الى جوار الله بتكميل ذواتهم وتنوير قلوبهم بنور معرفة الله وآياته.
الجحود والوقوف على ما قرأه من التفسير. وان يعتقد ان لا معنى لكلمات القرآن إلاّ ما يتناوله على النقل عن ابن عباس وإبن قتادة ومجاهد وغيرهم، وان ما وراء ذلك تفسير بالرأي. ومن فسَّر القرآن برأيه. فقد تبوَّا مقعده من النار. علماً، والتعليق لصاحب المفاتيح- انه لو كان المعنى مقصوراً على الظاهر المنقول، لما وقع فيه الإختلاف بين الناس.
السابع: التخصيص. أي ان يقدِّر العبد انه هو المقصود بكل خطاب. فإذا سمع في القرآن امراً او نهياً او وعداً او وعيداً، قدَّر ان الخطاب موجهٌ اليه فليعمل بمواده «وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يَعِظُكم». «هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين».
الثامن: التأثر والوجد. وهذا المفتاح الشرطي لبلوغ الكلام الإلهي ضروري في التفسير عند صدر المتألهين. أي أن يتأثر القارىء ليتخلّق بكل آية من الآيات. فيكون له بحسب كل فهم. وجدٌ وحالٌ: من الحزن والخوف والخشية والرجاء والفرح. فعند الوعيد يتضاءل من خيفَتَه، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر صفات الله وأسمائه ينحني خضوعاً لجلاله وعظمته. وعند ذكر الكفار ما يستحيل عليه، أي الله. كذكرهم لله ولداً وصاحبه، يغضُّ صوته وينكسر في باطنه حياءً من قبح مقالتهم. وعند ذكر الجنة ينبعث من باطنه شوقٌ اليها. وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفاً منها (. . . ) وهكذا فإن الصلة الأحوالية بالقرآن هي التي تنقل «التالي» (أي القاريء) من طور الحاكي الذي لا يتعدى كلامه حركة اللسان، الى طور معايشة الآية واختبارها في نفسه واختبار نفسه بها. والقرآن إنما يُراد لإستجلاء هذه الأحوال. إذ بهذه الأحوال تزداد درجة القرب والمنزلة عند الله وهي أشد مراتب المعرفة، والمعرفة هي المبدأ والعناية.
التاسع: الترقِّي: ومفاد هذا المفتاح المعرفي التدبُّري، ان يترقَّى القارىء لكي يسمع الكلام من الله لا من نفسه. ومن هذا الوجه يريد صدر المتألهين ان يشير الى الدرجات الثلاث من القراءة وهي:
الأولى ان يقدِّر العبد كأنه يقرأ على الله واقفاً بين يديه، وهو ناظرٌ اليه، ومستمع منه. فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتضرع والإبتهال. وهذه الدرجة يصفها صدر المتألهين بأدنى الدرجات كونها تخص عوام الناس. اولئك الذين لم يتعدوا حروف الآيات الى معناها وطبقاتها، لكنهم يؤمنون بها على سبيل التسليم والتكيف والإلتزام التعبدي.
الثانية ان يشهد العابد بقلبه كأن ربَّه يخاطبه بألطافه، ويناجيه بأنعامه وإحسانه، فمقامه في هذه الدرجة، الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم.
الثالثة وهي أعلى الدرجات. أي درجة القرب. وفيها يكون حال القارىء، او المستمع لكلام الله حال من يرى في الكلام المتكلم. وفي الكلمات الصفات، فلا ينظر الى نفسه، ولا الى تعلُّق الإنعام به من حيث انه منعم عليه، بل يكون مقصور الهمِّ على المتكلم، موقوفُ الفكر عليه، حتى ليبدو كأنه مستغرقٌ بمشاهدة المتكلم عن غيره.
وعن هذه الدرجة التي يصفها صدرالمتألهين بأنها درجة المقربين، يقول الإمام حعفر الصادق(ع): «والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لايبصرون». وعن أحد الحكماء قوله: «كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تَلَوْتُه كأني أسمعه من رسول الله(ص) على أصحابه، ثم رُفِعتُ الى مقام فوقه، فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبرائيل(ع) يلقيه على الرسول. ثم جاء بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلم. فعندها وجدت لذة ونعيماً لا أصبر عنه. وهنا يحقِّق العابد التوحيد الخالص- كما يقول المصنف- بحيث لا يرى في كل شيء الا الله الواحد القهّار.
العاشر: التبرُّؤ. والمراد بهذا المفتاح التدبُّري على ما يبيِّن واضعُهُ – أن يتبرأ القارئ من حوله وقوَّته، والإلتفات الى نفسه بعين الرضا والتزكية. وعندما يتحقق للقاريء هذا المقام (التبرَّؤ) يستطيع أن يفارق مما هو فيه الى ما هو أرقى منه. ودليل القاريء لمعرفة حقيقة الوصول الى مقام التبرؤ، انه إذا «رأى نفسه بصورة التقصير كانت رؤيته سبب قربه، فإن من أشهد البعد (الحضرة الالهية) في القرب لُطِّفَ له الخوف، حتى يسوقه الى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن أشهد القربَ أي (أنانية الأنا) في البعدِ مُكِرَ به الأمن وذلك ما يفضيه الى درجة أخرى في البعد أسفل مما كان فيه. وإذا جاوز حد الإعراض عن نفسه، ولم يشاهد الا الله في تلاوته، انكشف له الملكوت. وبعد أن يتبرَّأ من حول النفس وقوَّتِها، ولم يلتفت اليها، تقع له مكاشفات بحسب أحوال المكاشف، فحيث يتلو آيات الرجاء، يغلب على حاله الإستبشار، وتنكشف له صورة الجنة كأنه يراها عياناً. وإن غلب عليه الحزن كوشف بالنار، حتى يرى أنواع عذابها، وذلك لأن كلام الله مشتمل على السهل اللطيف، والشديد العسوف، والمرجو المخوف، وذلك بحسب اوصافه. إذ منه الرحمة واللطف والإنتقام والبطش. فبحسب مشاهدة الكلمات والصفات ينقلب القلب في اختلاف الحالات، وبحسب كل حالة منها يستعد للمكاشفة بأمر يناسبها، إذ يستحيل ان يكون حال المستمع واحداً والمسموع مختلفاً. ذلك أن فيه كلاماً راضياً وكلاماً غضباناً، وكلاماً منعماً وكلاماً منتقماً، وكلاماً جباراً متكبِّراً، وكلاماً حناناً متعطِّفاً لا يهمل، وهكذا[57]. . .
بين الحكمة المتعالية والحكمة البالغة صلة قيام وتظهير. بالثانية قامت معارف الأولى، وبالأولى ستظهر الآيات البيّنات على حسن مقامها في عالم الفلسفة ومسارات التفكير.
قائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن عربي، الفتوحات المكية، تصوير دار صادر بيروت عن طبعة بولاق، القاهرة، سنة 1293هـ ج3.
أبو اسحق الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1991م.
أبو حامد الغزالي مشكاة الأنوار، تحقيق أبو العلا عفيفي، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964.
بن الطيب، محمد – عقيدة التوحيد الوجودي عند ابن عربي – دراسة ضمن كتاب جماعي بعنوان: |الإيمان في الفلسفة والتصوف الإسلاميين.
جاسم، نوال مطشر- المفارقة في الخطاب القرآني – مجلة كلية التربية – جامعة واسط – العراق – العدد الحادي والثلاثون 2018.
جلال الدين السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، ج2، 1973م.
حمو، فرعون- عقيدة التجليات عند شيخ الصوية الأكبر ابن عربي – بحث ضمن كتاب «المتن الأكبري- أشراف وتقديم: رزقي بن عومر وعبد القادر بلغيت- دار نينوى- دمشق 2018.
ربيع، مسعود حاجي- التأويل عند ابن عربي- الهيرمينوطيقا- مصدر سبق ذكره.
صدر الدين الشيرازي- المظاهر الإلهية – تحقيق جلال الدين الآشتياني- مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي- قم- إيران 1419 هـ.
عبد الرسول عُبوديت- النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية- الجزء الأول- تعريب علي الموسوي- مراجعة خنجر حمية- مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي- بيروت- 2010.
فلسفة التأويل عند صدر الدين الشيرازي- علي أمين جابر – مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي – بيروت – ط 1 – 2014.
كوربان، هنري- الخيال الخلاَّق في تصوف ابن عربي- ترجمة: فريد الزاهي – منشورات مرسم – الرباط – المغرب – 2006.
ملا صدرا- الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة- المجلد الأول – مقدمة سيد محمد خامنئي- تحقيق د. غلام رضا أعواني- طهران- المكتبة الوطنية.
ملا هادي السبزداري – تعليقات على الشواهد الربوبية – تعليق وتصحيح ومقدمة سيد جلال الدين آشتياني- دار إحياء التراث العربي.
– André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, puf, edition 1962, pp 553-554.
[1]– محمد بن ابراهيم القوامي، المعروف بصدر المتألهين الشيرازي والملقب بـ «ملا صدرا»، ولد في مدينة شيراز جنوب إيران عام 979هـ – 1571م. وكان والده صاحب نفوذ على المستويين الاجتماعي والسياسي. وحاكماً على إحدى مقاطعات البلاد. هو حكيم وفيلسوف وعارف وفقيه فضلاً عن إلمامه بالرياضيات والمنطق. من أشهر مؤلفاته كتاب «الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة».
[2]– سورة البقرة، الآية 255.
[3]– سورة الصافات، الآية 180.
[4]– تعليقة السبزاواري- على كتاب صدر الدين الشيرازي- المظاهر الإلهية – تحقيق جلال الدين الآشتياني- مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي- قم- إيران 1419 هـ. ص 62.
[5]– ملا هادي السبزواري- تعليقات على الشواهد الربوبية- مقدمة سيد جلال الدين الآشتياني- دار إحياء التراث العربي- ط2- 1981- (ص 11)
[6]– ملا صدرا- الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة- المجلد الأول – مقدمة سيد محمد خامنئي- تحقيق د. غلام رضا أعواني- طهران- المكتبة الوطنية- (ص 18)
[7]– عبد الرسول عُبوديت- النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية- الجزء الأول- تعريب علي الموسوي- مراجعة خنجر حمية- مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي- بيروت- 2010- (ص 99)
[8]– الأسفار، ج 5، ص 91.
[9]– أنظر أيضاً: الأسفار، ج3، ص 475؛ ص 108؛ ج5، ص 33؛ وص 296، و91. رسالة في الحدوث، ص 52؛ شرح الهداية الأثيرية، ص 278؛ شرح أصول الكافي، ص 294.
[10]– الأسفار، ج 8، ص 303. أنظر أيضاً: المصدر نفسه، ج 5، ص 205، 206؛ المصدر نفسه، ج 7، ص 326 و327؛ المصدر نفسه، ج 8، ص 303؛ مفاتيح الغيب، ص 143؛ المبدأ والمعاد، ص 4: «رأيت التطابق بين البراهين العقليّة والآراء النقليّة وصادفت التوافق بين القوانين الحِكَميّة والأصول الدينية».
[11]– مفاتيح الغيب، ص 41 أنظر: الأسفار، ج 7، ص 326: «إن مجرّد البحث من غير مكاشفة نقصان عظيم في السير».
[12]– عبد الرسول عبوديت- مصدر سبق ذكره- (ص 101- 102- 103)
[13]– سورة النساء، الآية 69.
[14]– نهج البلاغة- تصنيف وجيه لبيب بيضون- ص 153
[15]– ملا هادي السبزداري – تعليقات على الشواهد الربوبية – تعليق وتصحيح ومقدمة سيد جلال الدين آشتياني- دار إحياء التراث العربي- ص 15.
[16]– المصدر نفسه- ص – 16
[17]– سورة البقرة – الآية 282.
[18]– ابن عربي، الفتوحات المكية، تصوير دار صادر بيروت عن طبعة بولاق، القاهرة، سنة 1293هـ ج3 ص 123.
[19]– حمو، فرعون، عقيدة التجليات عند شيخ الصوفية الأكبر – ضمن كتاب “المتن الأكبري” إشراف وتقديم: رزقي بن عومر عبد القادر بلغيت- دار نينوى – دمشق 2018- ص 299.
[20]– بالي أفندي، شرح فصوص الحكم، طبعه الطبعة النفيسة العثمانية سنة 1309هـ ص 56.
[21]– سورة طه، الآية 114.
[22]– سورة الكهف، الآية 109.
[23]– سورة لقمان، الآية 27.
[24]– سورة طه، الآية 98.
[25]– محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكّية، ج4، ص 197.
[26]– سورة محمد- الآية 24.
[27]– سورة النساء- الآية 82.
[28]– سورة الأنفال، الآية 17.
[29]– ابن عربي- الفتوحات المكية – الجزء الرابع – ص 198.
[30]– سورة طه – الآية 114.
[31]– ربيع، مسعود حاجي- التأويل عند ابن عربي- الهيرمينوطيقا- مصدر سبق ذكره.
[32]– جلال الدين السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، ج2، 1973م، ص 173.
[33]– أبو حامد الغزالي مشكاة الأنوار، تحقيق أبو العلا عفيفي، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964، ص 65.
[34]– André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, puf, edition 1962, pp 553-554.
[35]– حمو، فرعون- عقيدة التجليات عند شيخ الصوية الأكبر ابن عربي – بحث ضمن كتاب “المتن الأكبري- أشراف وتقديم: رزقي بن عومر وعبد القادر بلغيت- دار نينوى- دمشق 2018- ص 304.
[36]– الحديث رواه الامام الطبري في تفسيره ج1 ص16، ورواه ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الاحكام ج1/ 288، ورواه الامام البغوي في شرح السنة، ج1 ص 241، ورواه الامام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه الجامع الصغير وقال انه حديث حسن ص 2727،
[37]– سورة النساء، الآية 78.
[38]– أبو اسحق الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1991م، ص 208.
[39]– حمو، فرعون – مصدر سبق ذكره – ص 305
[40]– بن الطيب، محمد – عقيدة التوحيد الوجودي عند ابن عربي – دراسة ضمن كتاب جماعي بعنوان: |الإيمان في الفلسفة والتصوف الإسلاميين – المصدر نفسه – ص 262.
[41]– سورة الأعراف، الآية 143.
[42]– بن الطيب، محمد – المصدر نفسه – ص 263.
[43]– كوربان، هنري- الخيال الخلاَّق في تصوف ابن عربي- ترجمة: فريد الزاهي – منشورات مرسم – الرباط – المغرب – 2006 –
ص 179 –180.
[44]– كوربان – المصدر نفسه –ص 181.
[45]– سورة الأنفال – الآية 28.
[46]– جاسم، نوال مطشر- المفارقة في الخطاب القرآني – مجلة كلية التربية – جامعة واسط – العراق – العدد الحادي والثلاثون 2018.
[47]– سورة الكهف، الآيتان 60 و82
[48]– فلسفة التأويل عند صدر الدين الشيرازي- علي أمين جابر – مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي – بيروت – ط 1 – 2014 – من ص 141 – 150.
[49]– سورة الكهف – الآية 109.
[50]– سورة الكهف – الآية 49.
[51]– صدر الدين محمد الشيرازي – المظاهر الإلهية- تحقيق جلال الدين الآشتياني – مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي- ط 2 – طهران. ص 104.
[52]– المصدر نفسه ص 106.
[53]– سورة الكهف، الآية 49.
[54]– ملا صدرا- مفاتيح الغيب- مصدر سابق- ص 153.
[55]– الشيرازي- مفاتيح الغيب
[56]– أنظر مقدمة «مفاتيح الغيب» – ص 56
[57]– ملا صدرا- مفاتيح الغيب- (ص 136- 137- 138- 139- 140- 141)
_________
د. محمود حيدر/ مفكر وباحث في الفلسفة والتصوّف المقارن.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.