الدراسات الأصوليَّة وتحديد المفاهيم

-تقديم
إن تحديد المفاهيم والمصطلحات في علم أصول الفقه،يعدّ مطلبا معرفيًّا،ورغبة علميَّة ملحَّة في العلوم الشرعيَّة .
لأن ضبط المفاهيم والمصطلحات هو من المداخل الأساسيَّة في العلوم الإسلاميَّة عامة، وعلم أصول الفقه بشكل خاص.
فمن شأن عدم الضبط للمفاهيم وعدم التحقُّق من المصطلحات المتداولة في علم أصول الفقه،أن يفضي إلى الخفاء،ويؤدي إلى الغموض،ويوصل إلى االتباس المفاهيم عن المتلقي والمشتغل بعلم أصول الفقه.
وهذا الإشكال هو الذي عبَّر عنه ابن حزم الاندلسي ت456ه بقوله “فلا شيء أعون على ذلك من تخليط الأسماء الواقعة على المعاني…”
فالضبط للمفاهيم والمصطلحات في أي علم من العلوم ضروري، باعتبار أن المصطلحات هي مداخل معرفيَّة، ومقدِّمات أساسيَّة في منهجيَّة العلوم.
-علم أصول الفقه
من أبرز العلوم الإسلاميَّة علم أصول الفقه ،وقد اعتبر ابن خلدون علم أصول الفقه، من العلوم المستحدثة في الملة، حيث لم يكن المتقدمون في حاجة إليه، وإنما نشأت الحاجة إليه بعد فساد الألسنة، واختلاط المسلمين بغيرهم من أهل الديانات والملل الأخرى، وعلم أصول الفقه هو علم منهجي يدرج في علم المناهج، فهو علم كاشف ومؤكد لحضور المسألة المنهجيَّة في التراث العربي الإسلامي، بحيث يعكس مدى اشتغال علماء الإسلام على المسألة المنهجيَّة في العلوم، وعنايتهم البالغة بالعلوم ذات الوجهة التفسيريَّة البيانيَّة، حيث كان لكل علم منهجه الخاص به، والمميز له[1]، ولعل هذا البعد المنهجي المركب لعلم أصول الفقه،هو الذي كان دافعًا لبعض الدارسين من نعت هذا العلم بالمنهجيَّة التشريعيَّة، ا وبمنطق الفقه الإسلامي لأنه علم يضع بين يدي المستدل والمشتغل على فهم النصوص الشرعيَّة،مجموعة من القواعد والآليات والضوابط التي تعينه وتساعده على تفهم النص واستمداد معناه[2].
من جهة أخرى فإن علم أصول الفقه يعد من أهم العلوم التي جسدت مبدأ التداخل والتواصل بين العلوم الحاضرة في الإسلام ،.ذلك أن علم أصول الفقه هو في بنائه العام ” يظهر بمظهر نسق من العلوم. لم تدخل فيه شعب العلوم الإسلاميَّة وحدها، بل دخلت فيه أيضًا العلوم العقليَّة المنقولة والدخيلة على الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، والوافدة عليها من ثقافات أخرى[3].
رد الدكتور طه عبد الرحمان بقوة على من استصغر هذا العلم، أو قلل من شأنه أومن قيمته العلميَّة والمنهجيَّة، لأن القضايا والمباحث والإشكاليات الكبرى التي استحضرها وأثارها علماء هذا العلم قديما، لا يستطيع استحضارها الباحثون المعاصرون اليوم.
كما اعتبر الدكتور مهدي فضل الله،”إن علم أصول الفقه، منهج دقيق، وأنه منهج لا يعادله منهج أخر، في دقته وتماسكه، ومرونته، وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة، والوصول فيه إلى حلول اجتماعيَّة إنسانيَّة[4]“، مما يدل إن علم أصول الفقه من أهم العلوم التي استطاعت أن تحمل نظريَّة متكاملة في تفسير النص وقراءته وتأويله، فعلم أصول الفقه علم يختص بمنهج الاستنباط، يتعلق بتقويم عمليَّة الاجتهاد، ويعمل على تسديد الفهم، ويتصل مباشرة بتسديد النظر في الفهم وفق قانون علمي ضابط، لأن مسعى الأصولي كان دائمًا هو تقعيد قواعد الفهم، وإرساء شروط التفسير، وعرض مقتضيات البيان وأصول التأويل، لتحصيل المعنى المحمول في الخطاب القرءاني، ليكون هذا المعنى مدخلًا لاستنباط الحكم الشرعي[5].
وعلم أصول الفقه، أراد له مؤسسه الإمام الشافعي ت204ه أن يكون علما مسددا، وخادما لفهم النص وتفسيره،تمهيدا للاستدلال على الأحكام الشرعيَّة.
وقد اعتبر الإمام الغزالي ت505ه علم أصول الفقه من أهم المواد التي يحتاجها المفسر للنص الشرعي، لأن هذا العلم من مهامه وضع القواعد المعينة،والأصول المساعدة على التفسير، فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعيَّة من الآيات القرءانيَّة….”[6].
-أهميَّة ضبط المفاهيم الأصوليَّة
إن الضبط للمفاهيم والمصطلحات في أي علم ضروري، باعتبار أن المصطلحات هي مداخل معرفيَّة، ومقدمات أساسيَّة ومنهجيَّة للعلوم.
لقد عبر القدماء أن الضرر الذي قد يلحق العلوم بصفة عامة،إنما مرده إلى عدم التحقق من المفهوم المتداول والمستعمل في العلوم الشرعيَّة .
ولعل هذا هو المعنى الذي قصده الإمام ابن حزم الأندلسي ت454ه عندما قال : “فلا شيء أعون على ذلك .من تخليط الأسماء الواقعة على المعاني…”[7]..
ما يعني ان التحقق من المفاهيم كانت من أحد التقاليد المعهودة والمألوفة بين علماء الإسلام.
الدراسات الأصوليَّة وتحديد المفاهيم
انطلاقا من هذا الاعتبار،وهو أن تحديد المفاهيم الأصوليَّة كان من التقاليد الراسخة والمعهودة بين علماء الأصول، إذ تقرر بينهم أن لا علم بدون ضبط المصطلح، وبناء على هذا الاعتبار فإن المصنفات الأصوليَّة في المفاهيم منها :
– المستصفى لأبي حامد الغزالي ت505ه.
– أحكام في أصول الأحكام للإمام أبي الوليد الباجي الأندلسي ت474 ه.
– الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم الاندلسي 456ه.
-تقريب الوصول لابن جزي الكلبي ت741ه.
ومن الدراسات الجديدة في المصطلح الأصولي:
-المصطلح الأصولي عند الإمام الشاطبي لفريد الانصاري.
-مصطلحات أصوليَّة في الرسالة للفاسي الفهري.
-مصطلحات أصوليَّة في كتاب المعتمد لابي الحسين البصري لحسان قايدة.
-المفهوم الأصولي عند الامام الغزالي لربيعة كاوزي.
وكانت عناية علماء الأصول بالمصطلح في سياق عنايتهم بالألفاظ،حيث تتبعوا الألفاظ من حيث الوضع والاستعمال والسياق، فكانت هذه العناية من مقدمات العناية بالمصطلح بين علماء الأصول بصفة عامة.
بل إن ابن حزم خص رسالة في المصطلح الأصولي سماها “رسالة في المفاهيم بين اهل النظر” إضافة إلى عنايته بالمفهوم في كتابه : “التقريب لحد المنطق” – والأحكام في أصول الأحكام .
فهو ألح على ضرورة العناية بالمصطلح والمفهوم الأصولي وقال “ولولا المفهوم لما كان تفاهم أبدا، ولبطل خطاب الله تعالى لنا[8].
أما الإمام الباجي فقد خصص كتابا في المفاهيم والمصطلحات الأصوليَّة سماه “الحدود الأصوليَّة الدائرة بين أهل النظر، وهو محقق ومطبوع.
لائحة من المصادر والمراجع.
-إحكام الفصول، أبو الوليد الباجي الأندلسي، دار الغرب الإسلامي، 2008.
– الإحكام في أصول الإحكام، ابن حزم الأندلسي، دار الأفاق الجديدة، بيروت، تحقيق محمد احمد شاكر السنة1980 .
– إسهام الأصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى، مصطفى بن حمزة، المصطلح وعلاقته بالعلوم، مجلة كليَّة الآداب، العدد الخاص رقم :-6- شهر12- فاس السنة 1994.
أهميَّة اعتبار السياق في المجلات التشريعيَّة، عمل مشترك من إصدار الرابطة المحمديَّة للعلماء المغرب، 2007
-البرهان في علم أصول الفقه، إمام الحرمين الجويني، تحقيق عبد العظيم الديب، الدوحة،1399ه
– تفسير النصوص وحدود التأويل عند ابن حزم: قراءة في أعراف الفهم الظاهري للخطاب القرآني، د. نعمان بوقرة، دار المدار، 2006.
– تفسير النصوص، أديب صالح، المكتب الإسلامي للطباعة والنشرالطبعة: 1، 1980
-التصور اللساني عند الغزالي في ضوء النظريَّة الأصوليَّة، نعمان بوقرة، منشورات جامعة عنابة، 2008.
–المقاصد اللغويَّة بين التقصيد الدلالي وفهم الخطاب الشرعي،د. عبد الحميد العلمي، كتاب مناهج –
-اعمال ندوة الاستمداد من الوحي،إصدار الرابطة المحمديَّة للعلماء: 2008.
-المصطلح الأصولي عند الامام الشاطبي لفريد الانصاري
-مصطلحات أصوليَّة في الرسالة للفاسي الفهري
-مصطلحات أصوليَّة في كتاب المعتمد لابي الحسين البصري لحسان قايدة.
[1]-نظريَّة الاعتبار في العلوم الإسلاميَّة لعبد الكريم عكوي ص:9
[2]-مقدمة المحقق عبد المجيد تركي لكتاب احكم الفصول في إحكام الأصول لأبي الوليد الباجي ج-1- ص:33
[3]-تجديد المنهج في تقويم التراث لطه عبد الرحمان ص :23
[4]العقل والشريعة لمهدي فضل الله :13.
[5]-الدلالة اللغويَّة عند العرب لعبد الكريم مجاهد :9
[6] -التحرير والتنوير لطاهر ابن عاشور 1 ص:26.
[7] –الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم إصدار دار الافاق الجديدة لبنان :السنة :1980 – ج :8 ص:101
[8]– الإحكام لابن حزم: 8/20.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.