التنويريمنوعات

في الأخوَّة في الله

من الأسئلة التي كان يطرحها الداعية الإسلامي محمد قطب في كتابه: ” التطور والثبات في حياة البشرية”، هل نحن مسلمون؟ وكيف بعدنا عن الإسلام وجافيناه؟، ونحن نرى الأمم تنزلق في بطء شديد، فهل نحن مسلمون بأسمائنا؟، مسلمون بسكننا في الأرض التي كان يسكنها المسلمون؟ وأين نحن من الإسلام؟ ويجيب بالقول: إن البقية الباقية من العقيدة الإسلامية في صورة عبادات، ليست إسلاما، “ليس البِرُّ أن تُوَلّوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البِرَّ من أمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيّين، وأتي المال على حبه وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم وأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المَتَّقون..الخ”.

ويقول: الإسلام أن نكون مسلمين في كل شؤون الحياة ، الإسلام أن يحكم الإسلام أخلاقنا وسلوكنا وواقعنا ومجتمعنا واقتصادنا وسياستنا وإلا فلسنا بمسلمين، ونحن ضعاف ، متخلفون، كذابون ومنافقون، مخادعون غشاشون، لأننا غير مسلمين، ويوم كنّا مسلمين لم يكن شيء من ذلك كله في واقعنا ولا في أخلاقنا، انحرفنا عن الإسلام في المدى الطويل وانحرفنا عن كل مفاهيم الدّين وكل مقومات الدين…، انحرفنا وطال علينا الأمد في الانحراف ، لا نحن في تعاملنا الفردي نصدق أو نخلص أو يستقم لنا وَعْدٌ أو نِيَّةٌ (ص 279) ، ونقف عند هذه العبارة للتأمل في معانيها، فهذه العبارة وردت في مقاله بعنوان: “انحرافنا وانحرافهم” ، ومنها  نسأل أنفسنا، هل نحن صادقين في أقوالنا؟ وفي أفعالنا؟ وفي تعاملنا مع الأخر؟ والإجابة على هذه الأسئلة تقودنا إلى التذكير بالحديث الشريف وقول النبي (صلعم) : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.

قصة حدثت بين أختين في الله، كانتا تتواصلان في هذا الفضاء الأزرق، وذات يوم طلبت الأولى  من الثانية  أن تقوم بأمر ما ، وشعرت الثانية أن هكذا أمر فيه خطورة وقد يعرضها للهلاك، وكانت تلح عليها أن تكشف لها الاسباب والطريقة، قبل أن تقدم على  ذلك الأمر،  لكن الأولى كانت متحفظة جدا ، وظلت تقول لها افعلي كذا وكذا فقط ،  وأدركت الثانية أن الأمر فيه غموض وضبابية ، ولا محالة أنه سيلحق  بها أذى أو هلاك ، وهذه عُقدة  يصعب حلها ، فكان ردها بالرفضُ طبعا، وتذكرت قوله تعالى: ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ” (فيما معناه)  ( الآية 195 من سورة البقرة)، فمن  واجب المسلم التباعد عن أسباب الهلكة وأن يتحرز منها.

فالرفض لم يكن من باب الخذلان، لكن كان من باب درء الخطر، خاصة في زمننا هذا واستمرار الصراع بين النظام والمعارضة وما يحدث في الساحة العربية من تضييق على حرية الرأي والتعبير واعتقالات بسبب وبدون سبب، طبعا ليس هذا هو مضمون الحديث، لكن أردتُ أن أنبه أن الأمر يتعلق بطبيعة العلاقات الأخوية والإنسانية بين البشر، وأقصد هنا “الأخوة في الله”، وماهي شروطها؟  فإن كنا نؤمن بهذه الأخوة، وصادقين مع من نتواصل معهم، هل نرضى بهلاكهم وإلحاق بهم الأذى؟

هناك أناس يستغلون طيبتك ، فيعتقدون أنك ساذجٌ ، وأنه بطيبتك تنجرف مع أيّ ريح تهبّ ويتجاهلون أن الأخوة في الدّين  منحة ربّانية ، يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه، والأتقياء من خلقه،   فما تحبه لنفسك تحبه لأخيك، فلا تؤذيه ولا تقهره، فالصّدق مبدأ كل علاقة، فبالصدق تستمر العلاقة بين المتآخين، وتكون بينهما مودة ورحمة، أما إن كانت مبنية على الأنانية والخداع والكذب فنهايتها الانهيار والدمار، وهذا يعكس ما جاء به ديننا،  في الختام أقول: الأخوة في الله والدين هي أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك ولأبنائك وأخواتك ولا تلحق به الأذى والتهلكة،  فهل ترضى لعائلتك أن يلحق بها مكروه لا قدّر الله؟  فكيف ترضى لأخيك أو أختك في الله ذلك؟ فكثير من الناس من يخيب ظنك فيهم، رغم صدقك معهم واحترامك لهم.

___________

*علجية عيش


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد