استكشاف شرعيَّة الفكر: المشكلات والمبرِّرات والتحدِّيات والتطلُّعات

توطئة:
يبدو أن هناك إجماعًا واسعًا ومتزايدًا بين أعلام الفكر المؤيدين للحوارات المعرفية حول الديمقراطية يستند على أن الحجة السليمة والفعالة لصنع القرار يجب أن يمنحه على الأقل الحد الأدنى من الشرعية اللازم للسماح للسلطات الديمقراطية بفرض وتنفيذ ما يجب من التزامات على أولئك الذين تتخذ القرارات نيابة عنهم. وهذا يعني أنه لكي تعمل الديمقراطية بفعالية، يجب ألا ينظر إليها على أنها شكل شرعي للحكم فحسب، بل يجب أن ينظر إليها أيضًا على أنها شكل يمكن أن يفرض واجبات على مواطنيها بنزاهة وعدالة. ومع ذلك، لا يزال هناك خلاف كبير بين المنظرين والممارسين حول المستوى الدقيق للتبرير المطلوب من أجل إضفاء شرعية من هذا النوع على العمل السياسي. ولا يمكن للمرء أن يشك في أن أولئك الذين يفكرون في الديمقراطية على أنها مجرد إجراء قَيِّم لصنع القرار سيميلون إلى التقليل من توقعاتهم فيما يتعلق بالمبررات اللازمة. وعلى النقيض من ذلك، فإن أولئك الذين ينظرون إلى الديمقراطية على أنها الإجراء الوحيد العادل لصنع القرار سيرفعون حتمًا مستوى التوقع، ويؤكدون على ضرورة إنفاذ نتائج العمليات الديمقراطية كمسألة مبدأ والتزام أخلاقي. ويعكس هذا الاختلاف انقسامات فلسفية أعمق حول طبيعة الشرعية ودور المؤسسات الديمقراطية في المجتمع.
وهناك أيضًا إجماع واسع على أن التبرير المناسب لصنع القرار الديمقراطي، لكي يكون كافيًا، يجب أن يكون بطريقة ما قابلًا للمشاركة علنًا، أي متاحًا لجميع المواطنين العقلاء. ومع ذلك، يبدو أن معظم روايات التبرير المناسب تضع شروطًا تتطلب أي مجموعة فعلية من الأسباب المبررة لإرضائها. على سبيل المثال، غالبًا ما يتم تصوير التبرير الكامل لصنع القرار الديمقراطي على أنه أمر بدهي، ومسألة مسبقة قد يتفق عليها أي محقق عاقل بسهولة. ويبدو أن التفسير الأكثر منطقية للشرعية يتناغم مع حدود مواردنا المعرفية، وبالتالي، يتم وضعه عند تقاطع الإجماع الفعلي والتوازن التأملي الواسع. وفي هذا المستوى من المواصفات، فإن القول بإن التبرير المناسب يجب أن يمنح الشرعية على نتائجه هو بمثابة الدعوة إلى أن تكتسب هذه النتائج دعمًا كافيًا من الجمهور لاعتبارها “ملزمة بشكل واضح”، ونتيجة لذلك، تقلل من حوافز عدم الامتثال. وبعيدًا عن هذه العتبة، ستظل الخلافات بشأن عدالة، أو صواب النتيجة الملزمة، حتى بين المواطنين العقلانيين تمامًا. لذلك، فإن الاهتمام بالشرعية، بهذا المعنى الأكثر اقترابًا من صدقية المصطلح، من شأنه أن يأخذ هذا الخلاف الأساس في الاعتبار، ويهدف إلى تعزيز إقناع النتائج الديمقراطية دون الإضرار بالتعددية كثيرًا بأشكال فظة من الأغلبية، أو الأبوية.
وفي ظل الوجود الشامل لتآكل الشرعية الدولية، هناك حاجة مهملة إلى حد كبير إلى التأكيد على أزمة شرعية قاعدة معينة؛ سواء كانت مطبقة، أو في طور الحدوث. وهذا الإهمال مثير للدهشة، لأنه لا يسعه إلا أن يصيب كل من دفعته الممارسة الحديثة إلى القبول في أطروحة تكاثر المعايير غير المشروعة إلى حد كبير، سواء كانت قانونًا محليًا تقليديًا، أو قانونًا اتحاديًا إقليميًا، أو قانونًا دوليًا، أو أي مجموعة متنوعة من المعايير العالمية. وبعد النظر في بعض الأحداث الرئيسة، يبدو أن هذه الممارسة قد أدت إلى سلسلة من الحالات المقلقة في الرأي العام، بمستوياته المختلفة، حيث حرضت بعض منظومات الجماعات المؤسسية الإقليمية، كالاتحاد الأوروبي مثلًا، على مجموعة متنوعة من المشاريع العالمية والرغبة في أن تصبح لاعبًا عالميًا، واستفادت من مجموعة واسعة من المعايير العالمية وقولبتها من جديد. وفي الواقع، أصبح ظهور هذا التحول الأخير سرًا غير مقنع، ومن دون جدوى، بعد بيان تم الإبلاغ عنه جيدًا؛ نهاية وستفاليا كنموذج، وظهور “نظام ما بعد وستفاليا” جديد. فقط، في سياق الفصل العنصري، تُقدَّم أطروحة ملفتة للنظر مفادها أنه في المسائل التجارية، تصرفت الدول الأعضاء في المفوضية الأوروبية بطريقة تتفق تمامًا مع الأمناء وموقف المدعى عليهم؛ بحيث في هذا الصدد بالضبط، “كان قرارهم [ينظر إليه] على أنه شرعي من حيث القانون الدولي”.
وتجاوزًا للنقاش حول سلطات الطوارئ، وتعزيز هذه الأخيرة، ظلت الاعتبارات المتعلقة بما يشكل الشرعية وكيفية منحها هذه الأخيرة غير مكشوفة إلى حد كبير، في إهمال نسبي لإحياء الاهتمام المتزايد لهذا المجال الفرعي من الفلسفة السياسية في القانون الدولي العام السائد، والفلسفة السياسية العلائقية، وقانون الجماعة الأوروبية، وما إلى ذلك. يحاول هذا المقال عمل الأشياء بأسمائها الحقيقية في تصحيح التوازن من خلال الخوض في مثل هذه المبادئ تحت جانب نوع معين من المعيارية، وهي القواعد الائتمانية، المعروفة في القانون الدولي باسم مؤسسة الوصاية، أو أيضًا، التي تفهم بالمثل باسم كريتارشيا، وكوزموبوليس، والإمبراطورية الحامية، والدولة المزدوجة، والدولة المساعدة، والهيمنة، إلخ.
في المنهج:
يؤكد هذا المدخل أن الاعتراض المشترك، الذي نواجهه كثيرًا يفتقر إلى قوة مقنعة وملزمة، وبالتالي، يفشل في الحصول على وزن كبير في المناقشة الشاملة. ففي حين، نُمَيِّزُ بعناية بين المخاوف الحقيقية، التي تستدعي الاهتمام، وبين مجرد الشكوك، التي تفتقر إلى أي أساس جوهري لوجودها، فإننا نُقدم بذلك تبريرًا جديدًا يضيف عمقًا كبيرًا إلى مناقشتنا الجارية، ومن ثم يُثري التحليل المقدم. وفي الوقت نفسه، علينا أن ندرس تحديًا ظاهرًا ينشأ حتمًا من هذا التبرير المقترح حديثًا، مما يؤدي إلى تقديم حجج مضادة مهمة للنظر فيها. ويمكن أن نُعالج، من خلال ذلك، وبشكل فعال، وندحض مجموعة متنوعة من المخاوف، التي قد تنشأ بشكل طبيعي استجابة للتبرير، بهدف توضيح سوء الفهم وتعزيز موقفنا. وقد نحتاج لأن نتعمق في تفسير جاذبية الاعتراض، ونسعى إلى فهم الأسباب المحددة، التي تجعله يجذب الانتباه بسهولة في الأوساط الأكاديمية والفلسفية، مما يسلط الضوء على أهميته المستمرة.
ومن حقنا جميعًا أن نسأل، قبل الإقدام على شرح إضافي لما تقدم: هل كلمة “لكن”، التي تنكفئ بها الفكرة في كل حديث مرسل هي فلسفة؟ هذا السؤال الاستفزازي بمثابة سخرية دائمة غالبًا ما يتم توجيهها ضد معظم المشاريع المنخرطة في الخطاب النظري المعقد، مما يُشير إلى بعض الشك، الذي ينشأ كلما تم طرح أفكار مجردة. وفي ملاحظة أكثر تخصصًا، فإن الاستفسار “هل هذا حقًا مُدْرَكٌ، وفقًا لنظرية المعرفة التحليلية، على الرغم من ذلك؟” يركز على مكانة محددة في مجال البحث الأكاديمي الحديث، الذي يركز على نظرية المعرفة الاجتماعية، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم المشهد المتطور لأنظمة المعرفة والمعتقدات في المجتمع. وقد يجد المرء نفسه يتوق بشدة إلى بلورة وتوضيح توتر موجود يحوم في الإدراك العام ويتردد صداه داخل نفسه، مدفوعًا برغبة فطرية في تطوير حساب مقنع ومقنع يوضح بجلاء كيف يتداخل مجالان متباينان؛ وعلى ما يبدو، في الواقع، يتداخلان ويتقاطعان بعدة طرق ذات مغزى. وقبل الشروع في هذا المسعى الفكري المعقد والصعب، يصبح من الضروري وضع الجدل بعناية في سياقه التاريخي والاجتماعي والمفاهيمي المناسب. فقد أصبحت فكرة وجود تشاطر جوهري وعميق بين الفلسفة والرياضيات، مثلًا، عقيدة أساسية يضع عليها معظم الفلاسفة افتراضات عبر طيف واسع من النطاقات، بغض النظر عما إذا كانوا يميلون إليها تحليليًا، أو لديهم وجهات نظر أكثر تنوعًا مما هو موجود فعلًا. وتعتبر الأدوات النفعية لمخططات بعضهم، ورسم خرائط الحجج على قدم المساواة مع الدورة التدريبية، حيث يتم قبولها على نطاق واسع كمكونات لا تتجزأ من مجموعة الأدوات الفلسفية المعاصرة، التي يستخدمها العلماء لتشريح الألغاز الفكرية المعقدة المختلفة. وبالتالي يتم الاعتماد على الرياضيات مجازيًا كأداة إرشادية مصممة لتوضيح الأفكار المعقدة، وتجريد الارتباك، وإلقاء الضوء على الطريق إلى الفهم. وكثير مِنَّا قرأ ما كتب سانتاس وماكنتاير، مثلًا، عن “انفصال” توماس الأكويني المقنع عن الاهتمامات التجريبية و”حثه” على فهم راسخ للعقل، على التوالي، مما يسلط الضوء على الأهمية الحاسمة للبحث الدقيق والعقلاني في الممارسة الفلسفية. ومن ناحية أخرى، يتخذ آخرون وجهة نظر أكثر واقعية ومباشرة، حيث يحتضن بعضهم اللغة الغنية والدقيقة للكميات والنسب كوسيط شفاف يمكن من خلاله توصيل أفكارهم الفلسفية بشكل فعال، والكشف عن طبقات من المعنى، التي قد لا تكون واضحة على الفور. وترتبط هذه العلاقة المعقدة والمتعددة الأوجه بالعديد من الأمثلة التوضيحية والروابط، التي يتردد صداها من خلال الاستفسارات الرياضية والفلسفية. وعلاوة على ذلك، فإن التصورات الطبيعية مأهولة بأمثلة إضافية أكثر إثارة للاهتمام تستدعي استكشافًا شاملًا. وتضيف تجارب الفكر المعرفي المبتكرة، والحجج القوية، التي تستند بشكل فريد إلى تقنيات رياضية مختلفة، عمقًا إلى الخطاب. وتعمل هذه الأمثلة على توضيح التفاعل الديناميكي بين هذين المجالين المتميزين للدراسة، مع التأكيد على الأهمية الحاسمة لتقاطعهما في تعزيز فهمنا الجماعي لكل من الفلسفة ونظرية المعرفة، والطرق، التي يطلعان بها بعضهما البعض في البحث عن المعرفة.
الخلفية والأهمية:
في كل من الحياة اليومية وفي العديد من البيئات الأكاديمية، يمكن لكل فرد تقريبًا أن يجد نفسه يتصارع مع المفهوم الأساس لقدرتنا على إدارة متعلقاتنا الخاصة، بما فيها الأموال والشؤون الاقتصادية. إذن، فما هو بالضبط، الذي يمنح مثل هذه القيمة الكبيرة للمال؟ ويدعو هذا السؤال الآسر إلى استكشاف أعمق للمخاوف الأوسع نطاقًا المحيطة بشرعية ومصداقية وأهمية الأموال المستخدمة كعملة داخل الاقتصاد. فقد اعتبر النصف الأخير من القرن الثامن عشر في فرنسا أن هذا التحقيق ليس مهمًا فحسب، بل كان ملحًا وحيويًا للغاية خلال تلك الحقبة، إذ تركت الأزمة المالية، التي تكشفت في ختام فترة عرفت باسم النظام القديم آثارًا لا تمحى على حياة المثقفين والمفكرين الذين كانوا يمرون في ذلك الوقت المضطرب للغاية بفترات عصيبة، ورحلاتهم المهنية والأطر الفلسفية، والتي جمعت بينهم. وتسرب هذا التأثير العميق إلى مناقشاتهم، وشَكَّل وجهات نظرهم، وأثر بشكل كبير على مناهجهم حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك الاقتصاد والنظرية السياسية والهياكل الاجتماعية لمجتمعهم.
وبالإضافة لما سبق، هناك مجموعة واسعة من الأسئلة، التي فكر فيها عدد من الفلاسفة بعمق على مدى فترات طويلة، ولكن من بين كل هذه الاستفسارات، التي لا شيء يأسر العقل البشري تمامًا مثلها، والتي تميل إلى إثارة شعور بالإثارة، ليس فقط في أذهان المفكرين المخضرمين، ولكن أيضا في الأفراد الذين ربما لم يتوقفوا من قبل للتفكير فيها. فما هو المال بالضبط؟ وهل هو مجرد علامة، أم أنه يعمل كدلالة للتكافؤ؟ وما هي العناصر، أو العوامل، التي تضفي الشرعية عليه؟ وبالنظر إلى أن هذه الأسئلة الملحة، التي يطرحها الفلاسفة والممولون والسلطات الحكومية على حد سواء، نجد أنفسنا وسط خطاب عام جماعي. وهكذا، فإن “فائدة مواجهتها حاليًا” لم تعد قضية منعزلة محصورة في سجلات تاريخ الفكر الاقتصادي. بدلًا من ذلك، من الأهمية بمكان النظر في الطريقة، التي سيتم بها التعامل مع هذه المعضلة الملحة، التي تمكن من فهم أوضح للنوايا الكامنة وراء ما سيتبعها. ويمثل الفكر العام والتخصص العلمي للاقتصاد أشكالًا اجتماعية متميزة من الخطاب العلمي، كل منهما يعمل في ظل قيود مختلفة ويوفر فرصًا إرشادية فريدة للاستكشاف، إذ يكمن التحدي الأكثر خطورة في الفئة الأخيرة. وفي وضع “لعبة الفكر العميقة”، التي يتم الكشف عنها من خلال مثل هذا التحقيق الصارم على هذا الجانب من الحدود، قد تثير اهتمامًا كبيرًا، أو ربما حتى قلقًا بين الاقتصاديين. وفي عالم الفكر المعاصر فيما يتعلق بالطبيعة السياسية والأخلاقية للنقود، يطمح المفكرون في تخصيص قسم فرعي بارز في المساقات المعرفية والأكاديمية لفحص التعقيدات والفروق الدقيقة المحيطة بمفهوم المال. ففي الآونة الأخيرة، كان هناك وعي متزايد بأن الاقتصاد الحديث يركز في المقام الأول على العمليات المرتبطة بتبادل السلع المكافئة، وإحدى السمات المميزة لهذا التركيز السائد هي جهوده الحثيثة لملء الفراغ السائد في الفهم.
النطاق والأهداف:
يُلزمنا المنهج بالتساؤل عما إذا كنا بحاجة إلى تحقيق فلسفي آخر في المجال الناشئ والمتطور لعلم اجتماع الفلسفة أو لا، الذي هو في حد ذاته سؤال جيد وذو صلة، ويستحق الدراسة. ومن أجل العثور على مثل هذه الاستفسارات والتعامل معها بشكل هادف، يجب أن نقتنع أولا بشرعيتها وأهميتها في المشهد الأوسع للدراسة الفلسفية. لذلك، تبدأ المساهمة الحالية بالسؤال الأساس حول كيفية المطالبة بشرعية المجال المتعلق بالإدراك وتثبيتها بشكل لا لبس فيه، وكذلك المبررات الممكنة، التي يمكن تقديمها بشكل مقنع لذلك. وفي ظل الشكل القوي والمبرمج إلى حد ما لهذا العنوان بالذات، لا يمكن للأقسام الأخرى من هذا المبحث الهروب من تبريرها وتحصيرها الذاتي في هذا الصدد، بل بالأحرى تشرع بنفس القدر في نفس الاستراتيجية الشاملة للتحقيق العميق في شرعية وصحة مجال معين من البحث الفكري، الذي يستمر في إثارة الفكر والنقاش داخل الأوساط الأكاديمية. وقد يقال إن العوامل العقلانية موجودة في سياق اجتماعي واقتصادي غير متجانس بطبيعته، وعدم التجانس هذا؛ لمثل هذا السياق هو، الذي يسمح بالتفاعل الكبير بين نوعين متميزين من المنطق. ويمكن تحديد هذا المنطق على أنه منطق للأدوار الاجتماعية ومنطق التحسين. ويتطلب هذا النهج التحليلي فرض عدد من القيود على النماذج المنطقية المستخدمة لفهم ووصف الوكيل الفردي، أو النظام العام، الذي تعمل فيه. وعلى وجه التحديد، هذا يستلزم الحاجة إلى حبيبات دقيقة في الوصف التفصيلي للتفاعلات بين العوامل. وكما أنه يؤدي إلى رفض قوي للمزامنة، وكذلك النماذج المتكررة لعمليات الاختيار الفردية. وعلاوة على ذلك، يرفض هذا الإطار مفهوم التوازن، الذي هو أمر مهم جدًا في دراسة نظرية الألعاب وصنع القرار. وترتبط فكرة التزامن بين هذين المنطقين بالفعل بالآثار الرئيسة المتعلقة بشرعية الأفكار والتصورات المفاهيمية المختلفة، التي تنشأ في هذا السياق. وللتوضيح، فإنه يتناقض بشكل خاص مع منظور هابرماس، الذي يؤكد على تمييز واضح بين العالم الموضوعي المكون من دول وهياكل اجتماعية، من ناحية، وعالم الحياة، الذي يتضمن أبعادًا ثقافية وعلاقات اجتماعية مختلفة، من ناحية أخرى. ويسلط هذا التباين الضوء على التعقيدات والتفاعلات متعددة الطبقات، التي تحدث داخل مجتمع يتميز بأدوار منظمة وسلوكيات محسنة، وبالتالي إثراء فهمنا للوكالة العقلانية في مشهد اجتماعي واقتصادي غير متجانس.
لهذا، علينا إعادة النظر في مفهوم الشرعية في الفكر، لأن الفكر الشرعي ضروري. ويبدأ كل شيء من الأخطاء في البرامج إلى الأخطاء في دعم البناء كأفكار يجب التحقق من شرعيتها، كما هي في القانون. وسواء كان التحيز، أو التلوث، أو خيارات الأسهم لكبار المديرين التنفيذيين، أو استخدام الخلايا الجذعية الجنينية، أو الحرب، أو السلام، فإن القانون هو التعبير الرسمي عن شعور المجتمع بالشرعية. لذلك، فإن السنوات المائتين الماضية ليست فقط سردًا للحداثة، ولكن الاعتماد المتزايد على النظرية الأخلاقية والسياسية للمساعدة في توليد الفكر الشرعي. ويعتقد الكثيرون أن الحوار والإجراءات الصحيحة والبحث عن المبادئ العامة يمكن أن تساعد جميعها في التوفيق بين الفكر والمجتمع في جميع مجالات الحياة المهنية، مما يؤدي إلى أن يصبح أكثر شرعية نتيجة لذلك. وتحدد هذه المعتقدات الثلاثة المترابطة مفاهيم الإجماع بشكل عام، وقيمة الإجراءات، والمبدأ، أو النظرية. وهذه المعتقدات الثلاثة متفقة مع المبررات الثلاثة الأكثر استخدامًا للحاجة إلى التبادل الحر للأفكار. ويتم الاعتزاز بحرية التعبير كمبدأ عام في حد ذاته، ولها قيمة مفيدة، أو مشتقة، ويمكن أن تنتج حقيقة، أو معرفة أفضل. وغالبًا ما يرتبط البحث عن توافق في الآراء وتقدير أهمية الإجراءات وقيمة المبدأ، أو النظرية بمفاهيم صنع القرار الديمقراطي، التي تعكس هذه التطلعات المعيارية. وتصبح الحرية حقًا أساسيًا يمكن الاحتفاظ به ضد عدو محتمل – الدولة – وكذلك مصدرًا للخير. ولا يتحدى أي من الإصلاحات الثلاثة، التي ندرسها هنا عن هذه الجمعيات الدائمة، إذ لا يوجد إصلاح يعتبر الفكر غير الشرعي سؤالًا لا يمكن أن تأتي إجابته إلا من خلال استبعاد الجماهير، أو الإجراءات، أو عدم قبولها.
ولهذا، فإن الفحص الشامل لتعريف الشرعية في الفكر يتم عبر تطوير الشرعية، كمفهوم، هو في الغالب في مجالات العلوم الاجتماعية، إلا أنه من المثير للاهتمام، يبدو أقل مناقشة في المجتمع الأوسع لتطوير المعرفة، بما في ذلك الفلسفة نفسها. لذلك، فإن استخدام الشرعية كمفهوم لاستجواب الطبقات الأدنى للفكر والإطار المعقد لتخصص الفلسفة هو التحقيق فيها من خلال منظور فلسفي شامل. وتأتي الشرعية، كمفهوم، مع لغات مختلفة، وفروق دقيقة، وتكرارات متعددة مستمدة من مجموعة متنوعة من التخصصات. وغالبًا ما يتم استخدامه كمصطلح شامل، الذي يشمل الأفكار الرئيسة؛ مثل، الإنصاف والعدالة والمساواة ومفهوم توازن القوى، التي تتماشى معها جميع أشكال المعرفة، أو تهدف إلى التمسك بها في ممارستها. وفي مجال الفلسفة، تتضمن هذه المناقشات عادة مداولات مكثفة في الفلسفة الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى مناقشات تتعلق بفلسفة القانون، حول ما يمنح بشكل أساس حقوق وواجبات الأفراد والجماعات والمؤسسات المختلفة وزنها وأهميتها ومصادرها. ولذلك، فإن استكشاف هذه الموضوعات لا يثري الخطاب الفلسفي فحسب، بل يفتح أيضًا مسارات لفهمٍ أعمق لكيفية تشابك الشرعية مع الاعتبارات الأخلاقية في مجتمعنا.
ولهذا، عند الانخراط في خطاب حول الشرعية، لا سيما في السياق الواسع والمعقد للفكر، قد يتبنى الفرد وجهات نظر مختلفة، مثل العدمية، أو المتشككة، أو الديمقراطية، كل منها يشكل أحكامه القيمية بطرق مختلفة. ويُطرح سؤال ذو صلة: هل يحتاج الفكر إلى تجسيد الجوهر الأخلاقي والقيمي من أجل الحصول على مكانة شرعية، أم يمكن أن يوجد خالٍ من هذه الاعتبارات الأخلاقية والقيمية؟ على سبيل المثال، هل يمكن أن يكون للفكر، الذي يتمحور حول البحث العلمي البحت، أو معضلة جمالية شرعية، حتى لو كان يفتقر إلى المنهج، إطار أخلاقي واضح؟ فقديمًا دافع أرسطو، الذي غالبًا ما ينظر إليه على أنه الشخصية التأسيسية للعلوم الطبيعية في مجال الفلسفة، عن فكرة القياس المنطقي، مشيرًا إلى أن الفكر العلمي يجب أن يتحرر من التأكيدات المحملة بالقيم، التي قد تلطخ موضوعيته. ومع ذلك، على الرغم من هذه الدعوة إلى نهج منفصل، فإن العديد من الألغاز الأخلاقية والقيمية تكمن على وجه التحديد في مجالات العلم والفن، وتبقى دون حل، وتنتظر الجهود التعاونية، التي قد تؤدي إلى فهمها وحلها. وهذا يدفع إلى مزيد من البحث في أنواع المحتوى، أو المبادئ، أو أشكال التفكير، التي ينظر إليها على أنها شرعية في مجال التفكير الفلسفي والسعي وراء المعرفة. لذلك، هل ترتبط الشرعية والعوامل، التي تساهم فيها في المقام الأول بالمكانة الفلسفية، التي يمتلكها الفكر؟ أم أن هذه الجوانب تتشابك مع تأثيرات المواقف السياسية، أو الدينية، أو التجارية، أو الاجتماعية، التي قد تعطي الأولوية للتفوق الأخلاقي و/ أو القيمي فيما يتعلق بحريات ووجهات نظر الآخرين؟ ولا تعكس الإجابات على هذه الاستفسارات التفسيرات الفردية فحسب، بل تتحدى أيضًا الآثار الأوسع لكيفية التفاوض على الشرعية وترسيخها في فهمنا الجماعي للفكر.
تعقيدات وفروق السياق العربي:
لم تكن دعوة منتدى الفكر العربيّ، ومركز مجتمع للدراسات الثقافيَّة والتاريخيَّة، إلى مؤتمر فكريّ سنويّ تحت عنوان: “نقد السرديَّات في التأليف التاريخيّ العربيّ”، الذي أقيمت أول دوراته برعاية سموّ الأمير الحسن بن طلال، ما بين 15 و17 ديسمبر 2024، في مقرِّ المنتدى، في العاصمة الأردنيَّة عمَّان، إلا تأكيد لقناعتنا بتعقيدات واختلافات السياقات العربية حول هذه السرديّات. وقد ناقش المشاركون في المؤتمر نقاط الضعف والقوة المتعلقة بالتأليف التاريخي العربي، موضحين أن هناك وجهات نظر متعددة وتفسيرات جديدة في كل الروايات والسرديات القائمة، ومؤكدين أن التأليف التاريخي العربي ينطوي على العديد من القيود، ومحددات الوقت والسياق الثقافي والعوامل السائدة حين كتابته. ومع كل ما تقدم، فإننا ما زلنا نشعر أن القصة، التي تروى عن التقليد التفسيري العربي تتطلب تساؤلًا عميقًا وإعادة صياغة دقيقة لفهمنا، إذ يمارس هذا التقليد التفسيري الغني للعرب منذ أواخر العصور القديمة تأثيرًا جديًا على السرد الأوسع لتطور الفلسفة داخل العالم الإسلامي. وعلاوة على ذلك، فإنه يؤثر بشكل كبير على الخطاب الفكري بين المجتمعات اليهودية والمسيحية الناطقة باللغة العربية المتنوعة والمختلفة، التي كانت موجودة خلال نفس الفترة من العصور القديمة المتأخرة. ولطالما أكد العلماء والمفكرون أن هذا التقليد يضفي الشرعية على الأصالة، التي سعى إليها المثقفون العرب المسلمون أنفسهم، فإنهم بذلك يُشيرون إلى أن إعادة النظر بشكل جوهري في الأنماط الفعلية للنقاش الفلسفي، التي حدثت داخل هذه المجتمعات قد يكون في محلها الآن. ومع ظهور أدوات ومنهجيات مطورة حديثًا في مجال تاريخ الفلسفة، هناك حاجة ملحة للتطبيق الحصيف لِفهمٍ أفضل لكيفية تعامل العلماء العرب، في سياق قديم ومتعدد اللغات والثقافات، مع دراساتهم بشكل أفضل. فقد تنقلوا بمهارة في تعقيدات إضفاء الشرعية على المعرفة، التي قبلوها من مصادر داخلية وخارجية لتقاليدهم السائدة. وفي الوقت نفسه، سعى هؤلاء العلماء إلى تبرير حججهم الجديدة بالسلطة الفكرية والتأثير داخل شبكة معقدة من الأفكار والتفسيرات المتنافسة.
لقد أصبحت أجزاء مهمة من النصوص الفلسفية اليونانية القديمة متاحة باللغة العربية والترجمة في عدة مراحل من التاريخ وضمن مجموعة متنوعة من الأنواع الأدبية. ولم تقيد هذه الأنواع الوصول إلى الأعمال الأصلية فحسب، بل شكلت أيضًا أنواع الأسئلة، التي يمكن طرحها عنها، مما فرض قيودًا على التفسيرات، التي يمكن أن تظهر. وأدى هذا الوصول، جزئيًا، إلى تطوير تقاليد متميزة في تفسير هذه الأعمال الفلسفية المهمة داخل الإمبراطوريات المنفصلة، التي شكلت عالم البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من ظهور تحديات حديثة لهذه الرواية – مع وجود أدلة تُشير إلى الموسوعات، والتي تضمنت إشارات إلى المسلمين الدمشقيين الذين علقوا بنشاط على الأفكار اليونانية السريانية – إلا أن التأسيس المتزامن ونقل التقاليد الفكرية الغنية، والتي تمس مناقشة وتفسير نظرية المعرفة والمنطق لا يزال محوريًا. وبالتالي، تركز الاهتمام في المقام الأول على كيفية سرد المجتمعات الورثة الناطقة باللغة العربية في هذه الدراسة النصية والمفاهيمية اليونانية العميقة أهمية هذه الأعمال من منظور ما قبل الإسلام والإسلام المبكر. بالإضافة إلى ذلك، يمتد البحث النقدي إلى ما إذا كان مبدعو الفلسفة ما بعد الإسلامية، التي غالبًا ما تضمنت تفسيرات مكثفة وتصورات جديدة، قد استخلصوا سرديات غير إشكالية للأفكار الفلسفية اليونانية وترميم تراثهم الفكري من العمل العلمي اليوناني السرياني التأسيسي للمفكرين المسلمين الدمشقيين القدماء. ولا يلقي هذا التفاعل المعقد للفكر الضوء على استمرارية وتحول البحث الفلسفي عبر الثقافات فحسب، بل يدعو أيضًا إلى مزيد من الاستكشاف في الآثار الدائمة لهذه الترجمات والتفسيرات على المشهد الفكري للعالمين الإسلامي والغربي.
العوامل الحضارية الإسلامية:
يعتمد التركيز على مفهوم شرعية الفكر في هذا المبحث بشكل أساس على الفكرة العميقة القائلة بأن الأفكار، بوصفها إبداعات بشرية فريدة من نوعها، تعمل كأدوات تنسيقية أساسية يمكن أن تنشأ منها بشكل طبيعي أشكال مختلفة من التنسيق والتعاون بين الناس، إلى جانب معتقدات أخرى، فضلًا عن وحدات اجتماعية مهمة أخرى، مثل المنظمات والأمم. لذلك، فإن مفهوم شرعية الفكر يعمل على لفت الانتباه بشكل حاسم إلى الصفات الخاصة والمميزة، التي تكمن في الفكر والتأكيد على أهمية هذه الصفات في سياقات متنوعة. ويفترض هذا التركيز الخاص على مفهوم شرعية الفكر بطبيعته أن الشرعية أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد كونها أفكارًا يجد الآخرون اتفاقًا معها، أو ينظر إليها على أنها مقبولة سياسيًا ولا تؤدي إلى أي جدل، أو خلاف.
أولًا، لأن الفكر هو نتاج معقد للتمايز المجتمعي، وهي قدرة فريدة تميز المجتمعات بشكل حاسم عن بعضها البعض بطرق لا تعد ولا تحصى. وفي هذا الصدد، ركز أنصار التطور الاجتماعي بشكل كبير على فكرة أن العناصر المختلفة مثل الأنشطة الدينية، والتقدم في التكنولوجيا، وإنشاء القانون، وأعمال السياسة، وطرق التعلم، وتطوير البنية التحتية، والمنظمات الاقتصادية المعقدة جنبًا إلى جنب مع الزراعة والتجارة والصناعة، هي عناصر أساسية في تمييز مجتمع عن آخر. ومن الضروري تسليط الضوء على أن الدين والتعلم والسياسة تلعب أدوارًا محورية، إلى جانب الاقتصاد، باعتبارها المحفزات الحضارية الأساسية لكل مجتمع، وتشكيل معتقدات الناس وقيمهم وأنظمة الحكم؛ مثلما في دراسة مراحل الحضارة الإسلامية بدقة بمرور الوقت. فقد كان للحضارة الإسلامية، على وجه الخصوص، تأثير ملحوظ وتحويلي على التنمية الشاملة لمختلف ثقافات الإسلام. وأعطت التكوينات المنطقية المختلفة الكامنة وراء الحضارة الإسلامية المسلمين إمكاناتهم كمؤمنين مخلصين. وتشمل هذه الأشكال، أو التكوينات؛ تمكين الأداء الفعال لعلم الكونيات الشامل للحضارة الإسلامية، ورعاية وحدة متناغمة ومتكاملة لكل من الوظائف الميتافيزيقية والفيزيائية، التي تحكم جميع الكائنات الحية في جميع أنحاء الكون.
وثانيًا، إذا أردنا استصحاب وجهات نظر تاريخية، يمكننا القول إن المناقشات المتعلقة بالأهمية العميقة للتكوين الذاتي والتفكير المنظومي فيما يتعلق بتقدم وتطور العلوم الاجتماعية لها جذور تاريخية تمتد على الأقل إلى اليونان القديمة، حيث بدأ الفلاسفة في استكشاف طبيعة الوجود والمعرفة. ويمكن إرجاع هذا الحوار المطول بشأن القوانين الطبيعية والهياكل المعقدة للمجتمع بشكل فعال إلى التقسيم العريق للعلم إلى فئات مميزة، لا سيما بين التركيبات الاصطناعية، التي أنشأها البشر، والعالم الطبيعي، الذي لطالما اعتبر مجالًا للصناع. وظهر عالم الصنع والمعرفة كنتيجة مباشرة للضرورة الملحة للأفراد لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن البيئات المبنية والغايات المنظمة، مما يشكل فهمنا لما يعنيه خلق معنى في سياقاتنا. ودفع التحليل، الذي يركز على صنع وتربية هذا الخطاب نحو فهم أكثر دقة للمعرفة، مؤكدا أن الأشياء، التي ندرسها ونتفاعل معها تتأثر بشكل أساسي بالطرق، التي يتم ابتكارها وبناءها. ويتم التعرف على هذه الكيانات على أنها نتاج عمل بشري، تشكلها الخيارات، التي نتخذها والأطر، التي نطورها. وكلما أصبحنا أكثر مهارة كوكلاء في تمييز النتائج المرجوة مما هو ممكن فقط في عملياتنا الإبداعية، كلما زرعنا منظورًا نقديًا فيما يتعلق بأفعالنا في صنعنا. لذلك، فقط في مجال الخلق المخصص والمنطق المحيط بهذه الأمور المهمة، تصبح أدوات الحكم والتحليل الكافية متاحة لفحص شامل وهادف للتعقيدات الكامنة في الشؤون الإنسانية والديناميات الاجتماعية. وباختصار، فقد ظهر مجال التفكير العميق بأكمله من المنظور الثري لكل من الخلق والاكتشاف، مدركًا أن الفنون المختلفة استفادت بشكل كبير من امتلاك أساليبها المتميزة. وشاركت الحرف، في جوهرها، في الاستخدام المتعمد للعقل، والذي كان ضروريًا للتلاعب بالعالم من حولنا، مما يسمح بتحويله إلى منتجات من تصميمنا الخيالي. ومع ذلك، وخلال تلك الفترة بالذات، لم ينظر إلى تلك المنتجات، التي من صنع الإنسان على أنها التجسيد الحقيقي للمعرفة، أو الحقيقة المطلقة، لأن الثقافة السائدة في ذلك الوقت تشير إلى أن البحث المكثف عن الفهم الحقيقي وأعلى شكل من أشكال المعرفة يمكن الحصول عليه من خلال الانخراط في نشاط أكثر دقة وعمق وصرامة، والتي كانت تسمى الفلسفة.
إشكاليات ترسيخ الشرعية:
نهدف هنا بقصد إلى توضيح الأهمية القصوى لشرعية الفكر بجلاء وتقديم حجة بشكل مقنع، التي تتعهد باستكشاف الشروط الضرورية والحاسمة، والتي يجب استيفاؤها لكي يُعترفُ بالفكر على أنه شرعي. بالإضافة إلى ذلك، ننظر في الطرق المتعددة، التي يمكن من خلالها إثبات شرعية الفكر والتحقق من صحتها في سياقات مختلفة. وبالتالي، فإن المناقشة، التي تنبثق من كل ذلك تتعامل مع المجال الأوسع والأكثر اتساعًا للفكر العلمي الاجتماعي. وفي جميع أنحاء مشهد العلوم الاجتماعية والإنسانية، وكذلك في المجالات العامة التقليدية وغير التقليدية، التي لا تعد ولا تحصى، يتم إنتاج الفكر ونشره بوفرة هائلة. وبعض الأفكار الموجودة ضمن هذه الروابط المتسلسلة الواسعة، سينظر إليها على أنها أكثر فائدة، أو ذات مغزى، أو ثاقبة من غيرها. ومع ذلك، فإن الطريقة، التي يتم بها إصدار هذا الحكم، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي كمجتمع، تظل لغزًا مثيرًا للاهتمام يدعو إلى تحقيق أعمق. ففي معارضة الاحتفال بالمفكر الفردي العائم الحر، توجد مجموعة كبيرة من الأدب، الذي يسلط الضوء على الطبيعة القائمة على المجموعة بشكل أساس لإنتاج الفكر. وتتنافس جماعات الفكر، التي تشمل ثقافات ومجتمعات متنوعة، بنشاط على تشكيلات الخطاب المختلفة، والتي تعمل على استقرار وإصلاح المعاني الاجتماعية في مكانها. لذلك، ننظر في مختلف مواقف الشرعية، التي يمكن افتراضها، ونسأل عما هي المشاكل المحددة، التي تنشأ في الجهود المبذولة لترسيخ شرعية الفكر؟ وما هي المبررات، التي يتم تقديمها عادة، أو التي يمكن اقتراحها استجابة لهذه التحديات؟ وفي محبنا هذا، نتناول التحديات، أو التطلعات الفريدة، التي تصاحب “الهدف المتواضع” المتمثل في إنتاج فحص شامل ودقيق لشرعية الفكر بشكل جدي. وسيرسم التحليل، الذي نجتهد في إبانة موضوعيته، مسارًا محتملًا قد تتخذه أية دراسة لشرعية الفكر، ويقدم الأزمات المعرفية المزدوجة، التي تواجه كلًا من الباحث عن الحقيقة منذ فترة طويلة، والذي قد يواجه قضايا التأهيل كفكرة غير شرعية، وموزع الحقيقة، الذي يواجه تحديات في تحديد حالة تقييد مشروعة. وبشكل عام، غالبًا ما يميل التدقيق الأكاديمي لحالة الفكر إلى التغاضي عنه لصالح أشكال ثقافية أخرى، مما يترك فجوة كبيرة في المناهج الدراسية. على سبيل المثال، وُجِدَ أن علماء السياسة متخلفون عن التخصصات مثل القانون والجغرافيا عندما يتعلق الأمر بالتعرف على أهمية فحص النصوص وفهمها بشكل كامل. ومع ذلك، فإن إنتاج واستقبال خطاب العلوم السياسية كبير، بالطبع؛ كبير في نطاقه، مما يوفر أرضًا خصبة لتوليد أسئلة تتعلق بالشرعية أكثر من الإجابات. وبالإضافة إلى ذلك، يتم رعاية بعض الفكر المرغوب وتشجيعه من خلال لحظة ما بعد الحداثة الحالية، حيث يتم الإعلان بجرأة عن جميع الحقائق على أنها نسبية، مما يؤدي إلى تعكير صفو المياه أكثر من السعي إلى نقائها.
الذاتية مقابل الموضوعية:
يبدو أن بنية الفكر عبارة عن مزيج رائع من كل من الذاتي والموضوعي، مما يخلق نسيجًا غنيًا من البحث الفكري، الذي يؤدي إلى ما يمكن وصفه بأنه موقف متناقض. وكما قيل بدقة في الخطاب الفلسفي، يمكن للفكر أن يتعلق بوضوح بالماضي، أو يشمل ما هو غير حاضر في الأساس. ويمكن أن يكون هذا الماضي شخصيا بالفعل، ويعكس التجارب والعواطف الفردية (الذاتية)، وكذلك غير الشخصي، وينقل حقائق وحقائق عالمية عن العالم (الموضوعي). ويصبح الأمر إشكاليًا وربما محيرًا عندما نحاول ربط “هذا-هنا-الآن” الفوري المقدم في وعينا بشكل شخصي بما يعتبر “هناك-هناك-ثم”، مما يثير مسألة الوجود الحقيقي لشجرة نعتقد أنها موجودة وكانت قائمة قبل وقت طويل من تصورنا لمثل هذه الفكرة لأول مرة. لذلك، فإن المعرفة فيما يتعلق بالعالم الموضوعي، حول كل شيء موجود خارج تصوراتنا المباشرة، ربما بمعنى مفرط في التبسيط، تعادل نوعًا من العلم الكلي الشبيه بعلم الله سبحانه، أو بدلًا من ذلك، الإيمان الاعتقادي بالحقائق، التي على الرغم من أنها مبررة، يجب اعتبارها غير عقلانية؛ هذه لا تشمل فقط البيانات الواقعية والنموذجية غير القابلة للدحض تجريبيًا، ولكن تلك الحقائق المتناقضة والافتراضية كذلك. إذ إنه رياضيًا، من المفهوم على نطاق واسع أن أي حساب رياضي شامل لظاهرة إشكالية يتطلب استخدام آلات متطورة ومعقدة بشكل متزايد، وهذه التمثيلات الرياضية بدورها تولد تحديات جديدة للفهم غالبًا ما تقصر فيها هياكل التفسير الكلاسيكية. وتنبع التجارب الذاتية، التي نسميها بـ”ألوان” مباشرة من تفاعل وانعكاس الفوتونات، التي تمتلك أطوال موجية محددة على أسطح الأجسام المختلفة. وعلى الرغم من الاتفاق الجماعي السائد على نطاق واسع بين السكان فيما يتعلق بـ”احمرار” الدم، أو “خضرة” العشب، فإن مثل هذه التصورات هي مجرد سمات اجتماعية وثقافية نشأت بمرور الوقت. ومع ذلك، لا يزال جزء كبير من الناس غافلين عن حقيقة أن تصورهم للون هو نتيجة مهمة لعملية تطورية. وليس مجرد أمر عرضي، أو عشوائي أن ينظر إلى العشب على أنه أخضر، لأن هناك أساس منطقي تطوري أعمق. ويرتبط تلوين بعض الفاكهة قبل نضجها ارتباطًا وثيقًا بالمزايا الانتقائية، التي تمنحها آليات بصرية معينة، والتي تعتبر ضرورية للبحث عن طعام غني بالسعرات الحرارية مع تجنب تناول المواد، التي يحتمل أن تكون سامة في نفس الوقت. وتوضح هذه الملاحظة بشكل مقنع أن امتلاك رؤية الألوان يخدم وظيفة تكيفية حيوية واضحة. وفي هذا الصدد، لا يمكن فصل إدراك اللون تمامًا عن الموضوع، وهو منظور يتحدى الافتراضات، التي يتبناها أنصار ما يسمى بالواقعية العلمية. وفي هذا السياق الفلسفي، يمكن التأكيد على أنه يجب تبني الواقعية العلمية كنسخة قوية، حيث تعتبر الصورة العلمية لواقع مستقل عن العقل حقيقية. وفي هذه المناقشة، يتم الدفاع بقوة عن الموضوعية البراغماتية، إذ يرتبط هذا النهج ارتباطًا وثيقًا بمعيار المراسلة للحقيقة، حيث يتم تحديد حقيقة قضية معينة بشكل حاسم من خلال علاقتها بحالة حقيقية. وتظهر الموضوعية كمنتج متقاطع رائع ينبع من اللقاء بين قدراتنا المعرفية على شكل عقل والواقع المحيط المكون من أشياء حقيقية بشكل أساس، مثل المجالات والنطاقات الكهرومغناطيسية. ومع ذلك، من المهم للغاية الاعتراف بأن الطريقة، التي ندرك بها هذه الكيانات الحقيقية لا تزال تعتمد بشكل عميق على العقل، وتتأثر بأطرنا الداخلية ونماذجنا المعرفية.
الإقصاء والتحيز:
يشكل الإقصاء والتحيز، خاصة في تلك التصورات الضمنية، أو التلقائية، تحديات كبيرة وجوهرية لشرعية الفكر نفسه ونزاهته وأصالته. لذلك، فإن إحدى الطرق الفعالة والمضيئة للتعمق في هذه القضية المعقدة والمتعددة الأوجه هي من خلال العدسة الثاقبة لعلم الأحياء التطوري، والتي تقدم منظورًا فريدًا للقوى، التي لا تعد ولا تحصى، والتي ربما أثرت ليس فقط على تطور الأنظمة المعرفية، ولكن أيضًا على تنويع هذه الأنظمة المعرفية على مدى فترة طويلة من الزمن. ومن خلال الفحص الدقيق للمواقف والسياقات المختلفة، التي تؤدي إلى التأثير الأكثر فعالية وتشكيل العمليات المعرفية، يمكننا اكتساب فهم أعمق بكثير لكيفية ظهور هذه التأثيرات وعملها في سيناريوهات العالم الحقيقي. ويتضمن هذا الفحص مجموعة واسعة من السيناريوهات، التي يمارس فيها المتلاعبون الماهرون والمحتالون الماكرون، بالإضافة إلى الحالات، التي يؤدي فيها هذا التأثير إلى تدهور كبير في الكفاءات المعرفية؛ سواء أخذنا في الاعتبار هذه التأثيرات بشكل عام، أو على وجه التحديد في مجالات معينة من الفكر والمعرفة. ويمكن أن يلقي فهم هذه الديناميات المعقدة ضوءًا كاشفًا على الآليات الأساسية، التي تدفع التفكير المتحيز والإقصائي المنتشر في الإدراك البشري، مما يساعدنا على معالجة هذه القضايا ومكافحتها بشكل أكثر فعالية.
لهذا، في عالم شاسع ومعقد يتطلب الأمر بشكل أساس استنساخ معلومات موثوق بها ودقيقة للغاية ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، ولكن لإعادة الإنتاج بشكل فعال، إذ أدت العملية المعقدة للتطور البشري إلى تطوير أشكال ضمنية، أو غير واعية من المعرفة. وتشمل هذه رؤى بدهية مثل المشاعر الغريزية، والغرائز الحيوانية، والحدس العفوي، وأشكال أخرى مختلفة من الحدس الفطري على ما يبدو من ظاهر تصرفاتنا. غير أننا نقترح أن تظل هذه الأشكال من المعرفة تلعب دوًرا مهمًا في كيفية التنقل في محيطنا واتخاذ القرارات المرتبطة بواقعنا الاجتماعي. وتوضح بعض الاستجابات المحتملة كيف أن هذه المعرفة غير الواعية، التي شكلتها قوى تطورية قوية على مدى أجيال لا حصر لها، تختلف عن التأثيرات الأكثر وعيًا، التي غالبًا ما ننسبها إلى عمليات تفكيرنا. وعلاوة على ذلك، يوفر هذا التوسع نظرة ثاقبة للتحديات، التي تواجه شرعية الفكر نفسه، والتي يتم رفضها في النهاية. ومع ذلك، فإنه يتضمن كذلك تفكيرًا موجزًا في التحديات الكبيرة، التي لا تزال قائمة في هذا المجال، لا سيما السؤال الدائم حول كيف يمكننا تجنب، أو تخفيف هذه التأثيرات اللاواعية بشكل فعال في عمليات صنع القرار والأحكام العامة.
مبررات شرعية الفكر:
هنا ننتقل من نقاش أوسع حول الصعوبات، التي ينطوي عليها فهم، أو تقييم شرعية أشكال التفكير المختلفة إلى تحقيق أكثر تركيزًا حول شرعية التعريفات، التي كنا ندرسها. ويوجه انتباهنا الآن نحو الافتراضات الأساسية، التي تكمن وراء أحكامنا فيما يتعلق بما يشكل النتائج المقبولة لعمليات التفكير. وبالتالي، فإن استفساراتنا تدور حول السؤال الحاسم حول: ما الذي يبرر في النهاية قبول فكرة معينة على أنها شرعية؟ ومن أين تنشأ فكرة المقبولية هذه؟ وما هي الأساليب، أو المعايير، التي يمكننا من خلالها التأكد من شرعيتها، أو تقييمها؟ ويتعمق مثل هذا الفحص في الفروق الدقيقة، التي توجه أحكامنا والمعايير، التي نستحضرها عند تحديد ما إذا كان يمكن اعتبار الفكرة صحيحة، أو تستحق التأييد.
ويمكن أن تملي أغراضنا مصدرًا موثوقًا به، الذي قد يتخذ شكل مراقب مثالي، أو ممارسة جماعية مشتركة بين المجتمع، أو حتى تجسيد ممارسة معينة والتعبير عنها وتعزيزها. ويلعب الغرض بالتأكيد دورًا مهمًا، لكنه ليس بأي حال من الأحوال الاعتبار الوحيد، الذي يجب على المرء أن يأخذه في الاعتبار. وفي مجال الخطاب العام، في إطار الحكم المهني حيث يتوصل المشاركون بالفعل إلى توافق في الآراء حول معايير الممارسة المقبولة، لكنهم لا يتفقون تمامًا على ما يشكل النتائج المناسبة، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا. ففي أشكال مختلفة من الاتصال وفي العديد من الوظائف الفكرية الأخرى، التي تتطلب تحديد الغرض، يصبح من الواضح أن قبول عملية تفكير معينة لا يعتمد في كثير من الأحيان فقط على الغرض، الذي تخدمه، إذ تؤثر عوامل أخرى على كيفية قبول الأفكار، أو رفضها في مثل هذه السياقات.
ومن بين مختلف أشكال التبرير، التي يمكن التذرع بها في مناقشاتنا ليس فقط الآراء الراسخة للسلطات المعترف بها، ولكن أيضًا سمعة المشاركين المتفاعلين في مجتمع معين مع الخطاب السائد. بالإضافة إلى ذلك، تلعب عناصر مثل الإجماع بين أفراد المجتمع، والتقاليد القديمة، التي تم تناقلها عبر الزمن، ووجهات النظر المستمدة من وجهات نظر المراقبين المثاليين، أو العواقب، التي تنشأ عن بعض الإجراءات دورًا مهمًا كذلك. وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا الخوض في تطبيق المبادئ، التي نعتبرها مرغوبة، أو مفيدة في هذا السياق. وتشكل القائمة الشاملة المكونة من أشكالٍ متميزة من التبرير، جنبًا إلى جنب مع استحضار الرغبة المحتملة للمبادئ المستمدة من كل منها، التركيز الأساس لتحقيقنا في مجال التواصل الفكري.
الأدلة التجريبية:
على حد علمي، سعت جهود سابقة بنشاط إلى اختبار ما إذا كان يوجد إطار عمل بديل ينطبق علميًا على قادة الأعمال بالمعنى العملي. وفي هذا المسعى، على الرغم من أن جميع الفرضيات ذات الصلة، التي تختبر الإطار الجديد مع الموجة الأولية من المشاركين من مجموعة البيانات التجريبية الخاصة قد تم تناولها، فإن تحديد العملية الشاملة مع الهدف الأساس المتمثل في إظهار الأدلة التجريبية الأولية، التي تهدف إلى دعم فكرة أن سؤال البحث المقترح ممكن وشرعي تمامًا قد تبدو واقعية. وتتناول الأدلة التجريبية في المقام الأول سؤالين مرتبطين ارتباطًا وثيقًا ومهمان بشكل كبير: أولهما، ما إذا كان المشاهير يستمدون قدرتهم على العمل بفعالية كوسطاء ثقافيين من معرفتهم الثقافية، أو إسنادهم كقادة، أو ربما كلا العاملين مجتمعين. وثانيهما، الصفات المحددة، التي تمكن النخب المعرفية من الحفاظ على درجة كبيرة من التأثير على الجماهير الفرعية الأوسع داخل مجالات كل منها. ومن أجل اختبار آثار كل من رأس المال الثقافي وخصائص الوضع المختلفة بدقة على ممارسة تقديم التعليقات على نطاق أوسع، يمكن استخدام مؤشرات الفعالية المستمدة من أدبيات المساءلة الاجتماعية الراسخة. وعلى الرغم من أنه من الواضح أن هذا المقياس ليس مقياسًا مباشرًا للفعالية بالمعنى المطلق، إلا أن هناك استطلاعات مسوحات مساءلة اجتماعية منشورة تقيم آراء أصحاب المصلحة في الشركات. وقد حصل قادة جميع الشركات، التي غطتها هذه الاستطلاعات على التصنيفات، التي قاموا بها كنتيجة مباشرة لأحكام أصحاب المصلحة، مما يضيف طبقة من الموثوقية إلى البيانات. وأعتقد أنه من المعقول تمامًا الاعتقاد بأن أصحاب المصلحة هؤلاء يشعرون حقًا أن قادتهم يعملون بدرجة من المساءلة. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن تقييمات أصحاب المصلحة المختلفة أظهرت اتساقًا وترابطًا داخليًا كبيرًا من حيث تحديد شركات محددة، أو صناعات بأكملها اعتبرت مسؤولة نسبيًا تدعم بقوة هذا الاعتقاد وصحة النتائج المعروضة في تلك الاستطلاعات.
ضمان الاتساق المنطقي في التفكير:
يُعَدُّ تعلم التفكير الفعال في السياقات العلمية مشكلة أداء بقدر ما هو تحد متعلق بالمحتوى. إذ إنه يستلزم الحصول على مجموعة من قواعد التفكير، التي ليست متسقة فحسب، بل تسمح كذلك باستخلاص استنتاجات موثوقة. وفي حين أن تفاصيل هذه القواعد يمكن أن تختلف من تخصص علمي إلى آخر، فإن بعض المبادئ الأساسية قابلة للتطبيق بشكل عام في مختلف المجالات. على سبيل المثال، قد تتضمن القواعد المتعلقة بالقياس الكمي عبارات مثل، “إذا كانت كل x هي y، فهذا يعني أن بعض x هي y”، و”إذا كان بعض x هو y، فهذا يعني أن بعض x ليست y”. ويُعَدُّ هذا الفهم التأسيسي أمرًا بالغ الأهمية للطلاب أثناء تنقلهم عبر خبراتهم التعليمية. وينبع أحد التحديات البارزة في تدريس مهارات التفكير الفعال من ميل الطلاب إلى الشعور بالحيرة من الجمل المعقدة الشائعة في مشاكل اللغة العربية، وغيرها من اللغات. وفي كثير من الأحيان، تبدو الطرق المعيارية للتفكير للوصول إلى استنتاجات موحدة، بغض النظر عن المفردات المحددة المستخدمة، غامضة. ويظل الكثير من المحتوى المنطقي المضمن في الجملة ثابتًا ومستقرًا، بغض النظر عن الكلمات المعينة المختارة لتأطير تلك الجملة. وبالتالي، يصبح إنشاء إطار منطقي رفيع المستوى أمرًا ضروريًا، يسمح بتنظيم الجمل وعمليات التفكير في هيكل مشترك يمكن للطلاب فهمه وتطبيقه بسهولة أكبر. ولمساعدة الطلاب في تحسين مهاراتهم في التفكير، يجب على المعلمين العمل بجد لتسليط الضوء على القواسم المشتركة، التي تجتاز المشكلات المختلفة. ومن الضروري أن يدرك الطلاب أن هناك بالفعل مسارات متعددة يمكن أن تؤدي إلى نفس الاستنتاج المنطقي. ويمكن أن يكون هذا الإدراك تمكينًا يعزز بشكل كبير ثقتهم في التفكير. ويجب أن يؤكد التعليم، للحفاظ على الاتساق المنطقي في مناهجهم المنطقية، على تطوير الأشكال المنطقية المرتبطة بالكلمات. ويجب تعليم الطلاب تمييز قواعد التفكير المتسقة وتطبيقها عبر أنواع مختلفة من المفردات. وهذا التركيز المزدوج على فهم كل من أشكال ووظائف اللغة في التفكير سيساعد بشكل كبير في مسيرتهم التعليمية.
بيد إن التفكير المنطقي في اللغة العربية لا يعرض الاتساق المنطقي المتأصل في كلمات معينة فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على قدرتها الرائعة على فهم الجمل المعقدة والانخراط في التفكير من خلال الأشكال المنطقية المختلفة الواردة في تلك الجمل. ويشير مفهوم الاتساق المنطقي هذا إلى أن التوقعات المنطقية المتأصلة في الجمل تميل إلى أن تكون موحدة، وتحافظ على مستوى من الاستقرار، بغض النظر عن الكلمات الفردية المستخدمة في تلك الجمل. ومن المهم ملاحظة أن جزءًا كبيرًا من المحتوى الدلالي الموجود في الجملة يعزى، في الواقع، إلى شكلها المنطقي، الذي يلعب دورًا مهمًا في نقل المعنى. على سبيل المثال، ضع في اعتبارك زوج الجمل التالي، الذي يجب أن يستحضر كلاهما المعنى المتطابق لمصطلح “يمكن” كما هو مستخدم في الجمل السابقة. وإذا لم تصدر نفس التفسير، فهذا يشير إلى أن الجملة، التي تم إنشاؤها بالكلمات المختارة قد اكتسبت وزنًا دلاليًا أكبر من تلك، التي تحتوي على الكلمات المسطرة قبل إجراء الاختيار. ويمكن اعتبار هذه الكلمات، التي المشار إليها باطلة، أو فارغة من الناحية الدلالية. علاوة على ذلك، طالما أن الطلاب يمتلكون فهمًا بأن الخيول العربية يمكن أن تختبر السعادة بالفعل ويمكنها تذكر وضعها كحيوان، فسيكون لديهم القدرة على استخدام كلمة “يمكن” بشكل فعال في كلا السيناريوهين. والجدير بالذكر أنه لا توجد معرفة سياقية متخصصة مطلوبة لفهم الروابط المسموح بها بين أجزاء الكلام المختلفة، التي تتكون منها الجمل، لأن هذه القدرة الجوهرية للغة هي التي تعزز الوضوح والتفاهم بين أولئك الذين يتعاملون معها.
تحديات شرعية الفكر:
الآن بعد أن رسمنا المبررات الرئيسة للتفكير، دعونا نتوقف لحظة ونفكر في المزالق والتحديات المختلفة لهذه الدفاعات، التي يجب أن نظل على دراية بها، إذ تشترك العديد من الانتقادات الموجهة إلى مبررات الفكر في أساس مشترك لا يمكن التغاضي عنه. ومن الضروري أن نُدرك ونعترف بأنه لا توجد أمور محصنة حقًا من الكلام، بغض النظر عن السياق. وغالبًا ما يكون التمييز بين ما إذا كانت محاولات تجاوز منظور الآخرين ضروريًا، أو غير ضروري بسبب أنه غامض ويصعب تمييزه في التطبيق العملي. لذلك، فإنها قضية معقدة يمكن أن تثير نقاشًا حادًا. ويرتبط الاعتراف بالمرء كموضوع اسمي، أو حقيقي تقليديًا بشبكة معقدة من الحقيقة التاريخية للنطق والشروط الناتجة، التي تظهر بمرور الوقت، وتشكل كيف ننظر إلى أنفسنا وبعضنا البعض. وعندما يتم رفض صدق التأكيد على أن شيئًا ما ضروري يفتقر إلى الصدق الحقيقي، يصبح جوهر المعنى ذاته معرضًا للخطر بشكل كبير، مما يشكل تهديدًا كبيرًا للتواصل الفعال. وذلك لأن الطموح في التجديد يستلزم تطبيق الحكم السليم، كما لو كان المرء قد منح التاريخ الكامل والشامل للظروف الراهنة، التي تفيد فهمنا. وفي سياق التجربة الفكرية، التي نواجهها، سيتم الحكم على التأثيرات على الآخرين على أنها مجرد حقيقة يمكن تخيلها، مجردة من التفكير الأعمق والفروق الدقيقة. وعلاوة على ذلك، فإن التحدي، الذي يواجه التفويض المؤسسي هو، في جوهره، تحديًا حقيقيًا لمنح الطول، فيما يتعلق بشرعية طبيعته البيانية؛ سواء كانت الممارسات المؤسسية الفعلية، أو النظريات الأكثر تجريدًا، التي تحكم خطابنا. وذلك لأنه في الواقع، عندما أتحدث عن “نحن”، فإنني أقسم حتمًا النقاش ذاته بين حالات مختلفة من الوجود، جنبًا إلى جنب مع طبقات مختلفة من الفئات. وهذه الفئات، التي تنقسم إلى مجموعات من الأفراد، لكل منها هوياتها وتجاربها ورواياتها وسردياتها الخاصة، التي تستحق التقدير. ومع ذلك، فإن المتطلبات المؤسسية لما يعتبر خطابًا شرعيًا تجد نفسها تواجه انتقادات أخرى، تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد القضايا المتعلقة بتبريرها النظري العميق. وتنشأ هذه الانتقادات من الآثار العملية لكيفية تفاعل الكلام مع الهياكل المجتمعية والأعراف الاجتماعية بطرق معقدة وغير متوقعة في كثير من الأحيان يمكن أن تؤدي إلى عواقب غير مقصودة.
التطورات التكنولوجية:
أثارت التطورات الأخيرة في عالم الذكاء الاصطناعي سريع التطور، وخاصة ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتميز بتقنيات رائدة مثل شبكات الخصومة التوليدية وشبكات المحولات، مستوى إضافيًا من القلق والتوتر بين مختلف قطاعات المجتمع. ومن ناحية، لم تعمل هذه التقنيات المبتكرة على تسليط الضوء على طبيعتها فحسب، بل قامت بتضخيم المخاوف بشأن التهديدات المحتملة، التي قد تشكلها القدرات التخريبية للتكنولوجيا على أفكارنا ومعتقداتنا ولغتنا نفسها. ويمكن أن تؤدي الطرق، التي نتلاعب بها بالبيانات والنماذج والخوارزميات إلى تأثيرات سلبية كبيرة على المعلومات، أو تكوين الآراء، أو عمليات صنع القرار، أو إنشاء الأفكار، أو الآراء ونشرها، سواء في السياقات الفردية، أو البيئات الاجتماعية الأوسع. ويمكن أن يتصاعد هذا التلاعب إلى مستوى يقيد، أو يقوض التفكير الحقيقي، على الرغم من المعضلة المعيارية المعقدة المحيطة بعملية صنع القرار فيما يتعلق بأنواع هذه القيود، التي يجب اعتبارها مناسبة، أو مسموحًا بها في المجتمع. ويتم استخدام التكنولوجيا بشكل متزايد لتضليل الجمهور، أو تجهيله، أو التلاعب به؛ من خلال إنشاء سيناريوهات ملفقة، أو كلمات مصطنعة، أو حتى قصص إخبارية مضللة، بمستوى من السهولة يتجاوز بكثير قدراتنا الحالية على الإنصاف، أو السيطرة. وفي الوقت نفسه، أثار الذكاء الاصطناعي التوليدي تحديات معرفية كبيرة لامتياز معرفي عميق الجذور يتمتع به البشر منذ فترة طويلة على الآلات. وقد يكون من الصعب جدًا تمييز عمليات التفكير الاصطناعي التوليدي، التي تتعامل مع الوظائف المعرفية المعقدة، التي تتعلق بما يُعرفُ عادة بأنه جوهر الذكاء البشري، عن الرؤى البشرية القيمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرؤى الناتجة عن هذه الأشكال المتقدمة من التفكير لا تؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات عقلانية، أو سلوك أخلاقي، مع الأخذ في الاعتبار أن مجموعتي الصفات قد تلتزم بمبادئ ومعايير متميزة بشكل صارم. كما أن مؤشرات الشفافية والمساءلة والاستجابة، التي ينطوي عليها مثل هذا التفكير لا تلتزم بأي مجموعة واحدة وواضحة من الضرورات، نظرًا لأن المؤشرات السلوكية الواضحة قد لا تنبع مباشرة من رؤى حسابية بحتة بطبيعتها. على العكس من ذلك، يمكن أن يكون التفكير القائم على الآلة بمثابة شكل من أشكال مضاعف المعرفة وأداة التحقق من الصحة، مما يمكن الأفراد من اختبار جودة، أو دقة، أو صحة نتيجة، أو فكرة، أو موقف معين والتحقق من صحتها. ومن خلال تنشيط مفهوم “من يفكر بهذه الطريقة؟” جنبًا إلى جنب مع الاستعلام “هل نحن مكلفون بالتفكير في هذا من أجلنا؟” قد نكشف عن المسؤوليات والواجبات والحقوق غير المتوقعة، التي تنشأ من المظهر المصطنع للتفكير المشترك والثاقب؛ مما يثير أسئلة عميقة حول علاقتنا بالتكنولوجيا ومساءلتنا في هذا المشهد المترابط بشكل متزايد من المعرفة والفكر.
المعضلات الأخلاقية:
يغوص الكثير من النوع الموسع للخيال العلمي بعمق في عالم المعضلات الأخلاقية المعقد والمتعدد الأوجه، مما يؤكد أن تعقيدات الأخلاق البشرية مضاءة بطرق جوهرية. ويركز هذا النوع من رواية القصص في كثير من الأحيان على عدد لا يحصى من الظروف، التي تنشأ غالبًا عندما يسعى الأفراد، أو المجتمعات بأكملها إلى إدراك المعرفة بحماس دون النظر بشكل كاف في الآثار الإشكالية والعواقب الوخيمة المحتملة لمثل هذه المساعي الدؤوبة. وكنوع، لدينا ميل طويل الأمد للانخراط في أنشطة نعتقد اعتقادًا راسخًا أنها قد تؤدي في النهاية إلى نتائج سلبية، كل ذلك باسم تحقيق نتائج أكثر ملاءمة، أو فائدة لأنفسنا وللبشرية ككل. على سبيل المثال، يكذب البشر أحيانًا على أنفسهم، متمسكين بشدة بالاعتقاد بالعواقب المنحرفة، أو المتناقضة؛ قد يكرهون، أو يحبون بشغف وبتعلق جنوني، بينما يتشبثون في نفس الوقت بعناد بفكرة أن السلام الأبدي، الذي لا ينضب فيما بينهم ممكن تمامًا. ويستمر هذا التناقض حتى في الوقت، الذي يستمرون فيه في التحريض على الحروب المميتة الحالية، التي تدور في جميع أنحاء العالم وإدامتها، مما يتسبب في معاناة لا تحصى عواقبها. وفي مثل هذه الحالات المعقدة، تصبح المخاطر المرتبطة بها صامتة، أو تتضاءل بشكل كبير، أو حتى تلغى تمامًا بطرق مختلفة لتبرير، أو متابعة إجراءات محددة مشكوك فيها في كثير من الأحيان. ويمكن للمرء أن يجد نفسه يتصارع مع جذور الشر في المصدر الوثني، حيث قد تضيع النوايا وسط الغموض الأخلاقي. ويدرك أولئك الذين هم قراء علميون للخيال العلمي تمامًا أنه يجب عليهم مواجهة هذه القضايا الأخلاقية الملحة والتعامل معها لأن العلماء يلعبون دورًا محوريًا ومهمًا في إنشاء المعرفة العلمية والحفاظ عليها واستغلالها لأغراض مصممة، وغالبًا ما تكون متعمدة. ويُنَفَّذُ كل هذا مع الفكرة الأساسية المتمثلة في تعزيز الحالة الجسدية للإنسان ورعاية الرفاهية الروحية عبر جوانب مختلفة من الوجود. وكثيرًا ما يُسعى إلى هذا التعزيز بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة والكفاءة، واكتساب المعرفة دون تمييز، والقيام بذلك دون اعتبار كاف، أو دراسة متأنية للعواقب الكارثية، أو المدمرة المحتملة، التي قد تنشأ عن هذه المساعي الجامحة. ويمكن أن يؤدي هذا الطموح المتهور إلى مجموعة من التداعيات غير المقصودة، التي قد تموج عبر مجتمعنا بطرق لا يمكننا فهمها، أو التنبؤ بها في البداية، مما يذكرنا جميعًا بالتوازن الدقيق بين المعرفة والمسؤولية الأخلاقية.
تطلعات لمستقبل شرعية الفكر:
ربما يحسن بِنَا، ونحن نقترب من خواتيم هذه المناقشة تسجيل بعض التحفظات البارزة حول التبرير المقترح، والمُشار إليه في مقدمة هذا المبحث، مع تلخيص المشكلات المختلفة، التي تنشأ عندما ننظر في البنية المعرفية للصواب فيما يتعلق بالنظرية الأوسع للعمل التواصلي. فعند القيام بذلك، سنستطيع اقتراح كيف يمكن تصور وتوضيح بديل معرفي اجتماعي يمكن مشاركة التركيز فيه على الاعتبارات المبررة على النحو الواجب. ومن الواضح تمامًا أن مفهوم “الموضوعية” في مناقشات الصواب ليس مجرد مسألة غير مشروطة وخالية من التعقيدات. في الواقع، مجرد صحة الإجراءات، عندما يتم تفعيلها من حيث تعظيم عدالة إجراءات المناصرة والعرض والحجج، لا يستلزم، بأي حال من الأحوال، أن تكون نتائج الخطابات عادلة بالضرورة، ولا يثبت إمكانية التنبؤ بدقة بتلك النتائج مسبقًا. لهذا السبب بالذات، يجب تمييز ادعاءات الصواب بشكل واضح عن ادعاءات الحقيقة الواقعية. وهذا الأخير، الذي يزعم إسقاط ادعاءات المعرفة على مستوى “التبرير – التسامي”، يحتل مستوى يهدف، من حيث المبدأ، إلى أن يكون مستقلًا عن القدرات والموارد المعرفية المتاحة للمشاركين المساهمين في الجدل. باختصار، هناك في الأساس تمييز حيوي يجب القيام به بين الحقائق الموضوعية والحقائق المعروفة. والنقطة المركزية في هذه الأخيرة هي تصحيح التشوهات الموجودة بين الأشياء الحقيقية والمقصودة لكل من التجارب العلمية واليومية. وهذا التمييز بين الصواب والحقيقة مثير للقلق بما فيه الكفاية، مما يثير مخاوف من الفلاسفة وعلماء الاجتماع على حد سواء، الذين يصرون على أن “الصلاحية التجريبية يجب أن تحتوي دائمًا على عنصر من الحقيقة يتجاوز ما يمكن إثباته خطابيًا”. ومع هذا الترسيم الحاسم للجانب الصحيح من هذا التمييز الهام يكمن الشاغل الرئيس بشكل أساس. ويجب وضع الأعمال المروعة مثل الاغتصاب والتعذيب والطرد الجماعي وغيرها من الفظائع المماثلة محظورة بشدة عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطة “الأخلاقية” والعنف. ولتبسيط هذه المسألة إلى حد ما، يمكن القول إن “الحق” ليس أداة، أو سببية في توصيف سمات عدم الرغبة، التي تسود عالم الحياة. وبعيدًا عن خط متميز معين؛ وهو خط يجسد الجوهر الأساس للحقوق غير القابلة للتصرف، يصبح من الضروري أن يثبت هذا الخط بطريقة تضمن الاحترام الصارم لدلالة الحياة البشرية، كما يتجلى في هوية الشخص. وفي هذا السياق، يعمل “الحق” على منع إدراج سمات غير مرغوب فيها ضمن مصالح نظام اجتماعي اقتصادي يجعل، بالنسبة لغالبية الأفراد، غير مقبول باعتباره شرعيًا – يظل هذا صحيحًا حتى في ضوء المثالية، التي تقترح مصادفة المصالح. ويتناقض هذا الفهم مع جميع القضايا المعقدة، التي تمكن من السيطرة القانونية على الدستور، حيث يتم للأسف دفع مشاكل التطبيق المستمرة إلى أكتاف المشرع الإيجابي. وتتعامل أنواع الإجراءات مع المعايير، التي تنطبق على الحق، وبهذا المعنى الدقيق، تسعى إلى وضع الظروف ذات الصلة في سياق ينطوي على آثار من صنع القرار. وفي هذه الحالة بالذات، تدخل قواعد الأغلبية المؤهلة حيز التنفيذ. بالنسبة للمُنَظِّر، يبرز الدستور كجزء لا يتجزأ مما يمكن تسميته “مفارقة الحداثة”. ويصبح من الواضح أنه في ظل ظروف الدولة الدستورية، حيث تستمد المعايير من التشريعات، لا يمكن تنظيم العملية السياسية بشكل فعال، لأن أي معايير من هذا القبيل تشكل، بالضرورة، بالفعل من قبل القوى السياسية السائدة. ومع ذلك، في هذه المرحلة الحرجة، تسيطر فرضية التمثيلية بقوة، ويصبح من المستحيل تصور أي حل لإعادة توزيع لأزمة بعض العملات العربية مثلًا لا ينطوي بطبيعته على دفعة أكبر نحو التكامل العربي يكون أكثر توحيدًا سياسيًا. ومع ذلك، يتم توضيح أن “مفارقة الحداثة” تنبع من حقيقة أنه مع تطور المجتمعات، جنبًا إلى جنب مع الطفرة المتزامنة في التأمل الذاتي وتعزيز كل من الثقافة والعلم، تصبح المعايير، التي نحتاجها لتنظيم الحياة معقدة بشكل متزايد. وبالتالي، تتخذ أشكالًا جديدة بشكل واضح، إذ ستمتلك هذه المعايير الناشئة بعض أوجه التشابه مع القوانين، التي تحكم السوق، لكنها ستمتد إلى ما هو أبعد منها. ويوضح هذا سبب استمرار الاعتقاد السائد بتدخل السلطة المركزية، حيث يعتقد عمومًا أنه لا ينبغي تجاهل نفس القواعد، التي تحكم سوق الأوراق المالية، خاصة فيما يتعلق بالتجارة الأولية، التي تنطوي على أي نوع من الأوراق المالية. ونتيجة لهذه المعتقدات، غالبًا ما تنشأ معاملة خاصة فيما يتعلق بتلك التجارة الأولى، حيث يتوقع تحقيق مكاسب نقدية كبيرة، مما يعقد ديناميات العدالة والشرعية في معاملات السوق.
مناهج تداخل التخصصات:
لقد أيْقَنَّا أن كل الأبحاث، وجميع الأفكار، هي في جوهرها نتاج عمل شخص ما ينبثق من مكان معين، ويحدث في وقت معين، ويتم تطويره من خلال وسائل ومنهجيات مختلفة. ويلزم هنا أن يُشْرَعُ في استكشاف شامل لهذه الحالة الطارئة المعقدة والعميقة، التي تشكل فهمنا للمعرفة. ويتطلب فحص الرؤى والنتائج المستقاة من مجموعة متنوعة وغنية من التخصصات بدقة وأناة في السعي الدؤوب للعديد من وجهات النظر حول القضية المعقدة المتمثلة فيما يضفي الشرعية على الفكر حقًا. وتهدف هذه النظرة الواسعة والرحبة على وجه التحديد إلى تقديم مجموعة أكثر تفصيلًا ودقة وشمولية من الموارد والحساسيات والاستجابات المدروسة للسؤال النقدي والملح حول متى يمكن اعتبار الفكر مبررًا بدلًا من التهور. علاوة على ذلك، فإنه يستكشف الظروف المحددة، التي يمكن فيها اعتبار الادعاءات المختلفة على أنها معرفة حقيقية، مما يحفز حوارًا غنيًا بين العلماء والممارسين على حد سواء.
لقد تصارع، في فضاء القرن الحادي عشر من العراق، الفيلسوف أبو حامد الغزالي مع الفكرة العميقة القائلة بأن التعرف على جهلنا يمكن اعتباره بالفعل شكلًا مشروعًا من أشكال التفكير. وهذا فهم أساس، لأنه يدعونا إلى التفكير في طبيعة المعرفة وما يعنيه أن نكون على دراية بمحدوديتنا. وفي الوقت نفسه، تم الاعتراف بالصمت التأملي والاستفسار العميق الموجود داخل المحيط وتصنيفه على أنه فكر شرعي من قبل الكنيسة المسيحية في القرن التاسع، مما يسلط الضوء على تقاطع رائع بين الإيمان والفلسفة. ومع ذلك، لا نُحاول هنا أن يكون رأينا بمثابة تحليل يُشبِهُ حكمة مؤرخ يركز فقط على صدام، أو صراع آخر بين الأفكار المشروعة المختلفة. فمثل هذا التحليل لن يؤدي إلا إلى تأليب التقاليد المختلفة ضد بعضها البعض بطريقة غير منتجة. بدلًا من ذلك، ومن خلال مناقشة شرعية الفكر عبر جوانب مختلفة من التاريخ والحدود الجغرافية والتخصصات الأكاديمية المتعددة، فإن الهدف هو استكشاف شيء أعمق وأكثر أهمية. ويسعى هذا النهج إلى فتح السؤال المتكامل لشرعية الفكر نفسه، مما يسمح لنا بالنظر في أوسع مجموعة ممكنة من الاهتمامات الإنسانية الحالية. ولا يجب أن نركز على الاختلافات في الأفكار المشروعة فحسب، بل المشاكل المعقدة والمبررات والتحديات والتطلعات، التي تثيرها لنا كأفراد وكمجتمع.
وجهات نظر عالمية:
لقد صارع استكشاف العلاقات الدولية باستمرار التحدي المعقد المتمثل في تحقيق عالمية حقيقية في أطرها ومفاهيمها. وتظهر هذه الأطر والأفكار النظرية، التي انبثقت عن المجتمعات الأوروبية، وخاصة تلك المنبثقة عن مستعمراتها الاستيطانية إلى جانب الظروف الفريدة الموجودة في مناطق متنوعة خارج هذا النطاق الجغرافي المحدود، قدرة ملحوظة على “السفر” عبر سياقات مختلفة. وتنشأ هذه الظاهرة من التأكيدات الأولية، التي قدمتها الدول المؤثرة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، والتي عندما تقترن بمجموعة من الأسباب، أو المبررات، التي تدعم توصيفها كأطر نموذجية لقوالب مفاهيمية أوسع نطاقًا، تؤدي إلى الميل إلى توسيع نطاق هذا الفهم ليشمل السلوكيات والأفعال السياسية للدول والكيانات الأخرى؛ على سبيل المثال، الهند، والبرازيل، وماليزيا، جنوب إفريقيا. ولسوء الحظ، تميل هذه الممارسة إلى التعتيم بقدر ما تسعى إلى توضيح التعقيدات، التي ينطوي عليها الأمر. وللأسف، ظل مجال العلاقات الدولية منفصلًا إلى حد كبير عن هذه المناقشات والحوارات الأساسية. على الرغم من أن عددًا صغيرًا من النصوص السابقة قد أشار بالفعل إلى أن ما يسمى بعالمية العلاقات الدولية قد لا تكون قابلة للتطبيق عالميًا عبر السياقات، إلا أن هذه الفكرة الاستفزازية لم تُثر أي تحقيق واسع النطاق، أو مستدام يمكن مقارنته بالتحقيقات الشاملة، التي أجريت في مجالات أكاديمية أخرى. وقد جرى تحديد ضيق الأفق المستمر والمركزية الأوروبية، التي تتسلل إلى الانضباط في مناسبات متعددة، خاصة منذ ورقة العمل الأساسية لروبرت كوكس في عام 1981، على أنها “حديقة سرية” موجودة داخل حدود نظام العلاقات الدولية نفسه. وعلى الرغم من الإهمال النسبي لمناقشة العلاقات الدولية بدقة كتخصص متميز عن غيره، إلا أن التصور السائد في دراسة السياسة العالمية كان ينظر إليه حتى وقت قريب على أنه غير معاد بناؤه في نهجه وافتراضاته. وباستخدام مصطلحات كوكس، تتعامل هذه النظرة مع العلاقات الدولية على أنها “عالم الخطاب”، مما يحد بطبيعته من نطاق التحقيق. وعند التدقيق في وجهات النظر المطروحة في العديد من هذه الأعمال البديلة، يمكن أن يبدو مساق العلاقات الدولية قديمًا بشكل ملحوظ. وهو يقدم مفاهيم قد لا تكون لها صلة تُذكر بتلك المستخدمة، أو التي تجري مناقشتها بنشاط في البلدان، والتي يتم فحصها وتحليلها. وقد يشير الفحص الأعمق لتاريخ حياة المؤلف إلى أنه قد يكون من المفيد التخلي عن التحليلات الاجتماعية، التي تفترض أن التجربة الذاتية تكمن فقط في المجال الفردي الصارم. ويكشف هذا الخط الفكري الخاص النقاب عن سياق غني من الاستقصاء، مما يسهل استجوابًا بعيد المدى للتأريخ المتعلق بتطورات اجتماعية وسياسية محددة، أو المناقشات العلمية الاجتماعية، أو النصوص التأسيسية، التي يستمد منها المنهج الأكاديمي تقليديًا. وفي الحقيقة، لا تفترض تاريخ الحياة بطبيعتها “موضوعات” منفصلة، أو مقيدة بشكل طبيعي، سواء كانت أفرادًا، أو تخصصات أكاديمية، أو مفكرين موقرين، أو إمامًا، أو أية كيانات أخرى يمكن الإشارة إليها. وعلاوة على ذلك، لن يخدم أهداف هذا التحقيق اقتراح أي “تصحيحات”، أو تعميمات موضوعية شاملة بشأن أي من الكيانات الموقرة المذكورة. ويمكن بالفعل تصنيف الكثير مما يشكل الروايات المصورة في هذه السرديات على أنها “عادية”. ويتماشى هذا النهج الخاص بشكل أنسب مع مجال العلاقات الدولية والدراسة الأوسع لمختلف التخصصات الأكاديمية الأخرى، لأنه يدعو إلى استكشاف أكثر دقة للتجارب والسياقات، التي تشكل فهمنا للتفاعلات العالمية.
استنتاجات:
إن جملة استنتاجاتنا، وقد بلغنا هذا المفترق، هي أننا لن نصل أبدًا إلى إجماع مقبول عالميًا، أو متفق عليه بشأن ما يُشكل الشرعية في الفكر والتفكير. وستظل العوامل المحددة المعنية والأساليب المختلفة لتحقيق التوازن الفعال بينها؛ كجزء من هذا الخطاب المستمر، مسألة مفتوحة ودائمة التطور إلى أجل غير مسمى تتحدى الحل البسيط. وهكذا، فإن الضرورة الملحة لتوسيع نطاق الحلول المحتملة للمشاكل المتزايدة التعقيد، التي تم إسقاطها علينا، والتي شكلتها المناقشات المعاصرة والشواغل المجتمعية الناشئة، تصبح أكثر وضوحًا كلما تقدمنا. علاوة على ذلك، فإن إخراج جزء أكبر من عمليات الفحص والاختيار من الديناميات الفجة والمثيرة للانقسام في كثير من الأحيان، والشخصية للغاية للمناورات السياسية، يمثل ثلاث تحديات مهمة يجب أن ننظر فيها بعناية، ونتنقل فيها بحذر. وسيستمر الأفراد المهتمون والمبدئيون، الذين يفكرون بعمق في معتقداتهم، في تبني وجهات نظر مختلفة حول العديد من القضايا الحرجة، التي تنبع من قناعاتهم وتجاربهم الراسخة والأصيلة. وبالتالي، فإن ما هو مميز في قناعة أصيلة واحدة؛ وما يتردد صداه أكثر باعتباره أصيلًا وصحيحًا لأفراد معينين، سيظل دائمًا بعيد المنال وغير مكتمل، وخاضعًا للتفسير والسياق. ويجب أن نتنقل في هذه التعقيدات بعقل متفتح ورغبة حقيقية وحرص ملتزم على الانخراط في حوار بناء يحترم ويعترف ويقدر صحة وجهات النظر المختلفة مع استكشاف القيم الأساسية، التي تعلمها.
لهذا، فإن ما قد يتم محوه في مناقشاتنا، الذي غالبًا ما يتم تجاهله، أو اعتباره أمرًا مفروغًا منه، هو كيف نختلف بشكل أساس، والطرق الخاصة المختلفة، التي ننخرط بها في هذا الخلاف الكبير. وتعالج هذه العملية الجذابة والمكثفة في كثير من الأحيان بعضًا من أكثر المشكلات إلحاحًا، التي نواجهها بشكل جماعي كمجتمع. وهذه المشاكل، المشبعة بالتعقيد، لا تعترف فقط بعدم وجود حل نهائي، بل تتطلب صراعًا متبادلًا، وصراعًا مشتركًا، من أجل أن يستمر شريان حياتها ويزدهر بشكل هادف بمرور الوقت. ومن خلال توسيع تلك الأفكار المعقدة والمركبة المحيطة بكل من العمليات، التي ينطوي عليها الاختيار والسلطة، والتي يتذرعون بها، والتي يمكن فهمها أيضا على أنها شرعية، لما يصبح مقبولًا في النهاية كحل لمشاكلنا، سنؤكد تقاربًا صُمِّمَ عن قصد في النسيج الهيكلي للحكم الديمقراطي. وهذا التأكيد في حد ذاته أمر بالغ الأهمية. وبهذه الطريقة، سنطابق سلوكياتنا بشكل أوثق، وبمزيد من الدقة، مع هذه الحقيقة الأعمق، التي نكتشفها معًا، بدلًا من مجرد ابتلاع قناعاتنا الفردية بالكامل، أو التظاهر بالقيام بذلك تحت ستار الحفاظ على الوضع الراهن. وغالبًا ما يفرض هذا الوضع الراهن الإكراه على أولئك الذين يكرهون ببساطة ابتلاع هذه القناعات دون سؤال، مما قد يخنق الحوار الحاسم ويسكت المعارضة.
ولهذا، يواجه مجتمع المعرفة لدينا صعوبة في توظيف مصدر شامل حيث لا شيء في الوعي البشري يتجاوز التجارب الفردية والأعراف المجتمعية. وبالتالي، لا يمكننا شرح أين هذه المعرفة، أو حتى ما إذا كان، تتمتع بالشرعية المطلقة. وكيف، إذن، يمكن للشخص أن يحافظ على اليقظة الحيوية للفهم والانضباط اللذين ينظمان وساطة التعدي؟ إن عدم وجود حد أعلى للتأثيرات المُشَوِّهَة للوعي يُنكر أية شرعية معرفية دائمة للاهتمامات المشتركة المقبولة في الفكر المعاصر. وحتى العمليات المستنيرة، لإجراءاتنا الأكثر مباشرة والعاملة بشكل مستمر لإنتاج التنوير، تخلق الشك لأن هذه العمليات التعليمية تنتج حالات غير مستقرة تنتهي بمكافآت اقتصادية، أو غيرها بعد أجيال قليلة جدًا. والرضا الحالي يضفي العاطفة على الخرافات الطوطمية اللطيفة وغير المميزة، وهذه الصور تعمل بشكل غاويٍ كأدلة قيادة مناسبة للأنشطة. فالمعرفة ضرورية لمتابعة الوعي، ولكنها ليست كافية ولا ضرورية دائمًا للقبول العام لجانب من الأسطورة المجتمعية، التي تدافع عن السلوك الاقتصادي الحالي المقبول. ومع ذلك، غالبًا ما يفشل هذا المسعى غير المستقر عندما ينكر أولئك الذين يحظون بالتبجيل باعتبارهم أكثر المنظرين المعاصرين تفكيرًا المتطلبات الأساسية لشرعية الفكر وعمق الضمير، الذي تنطوي عليه هذه المتطلبات.
إننا نشهد أنه في تسطيح الحاضر الخالد، غالبًا ما يتم تحويل الفكر عن الضوء، الذي ينقص في التصور والمبالغة في استقراء السوابق المخترعة، مما يضفي تماسكًا وجوهرًا على المفاهيم المستخدمة للدفاع عن المكاسب المحققة من المعاملات القائمة على الجهل اليقظ. وتؤكد الجماهير غير المبالية بالضمانات، التي تم تفكيكها آثار الأزمات المعرفية المصاحبة. وتكتسب الأسئلة الصعبة بشكل عرضي فترات راحة قصيرة الأجل حيث يحترق السخط في ظل عمليات الفصل الرسمية، التي لا طائل من ورائها حتى تغادر المخاوف مع المشاكل العابرة اللاحقة. فالتشوهات، التي تم الدفاع عنها بشفافية؛ أي أن “التربح” يصبح “ابتكارًا”؛ والخاسر يصبح “كبش فداء” عليه “خلق وظائف منزلية” لا تثمن ولا تغني من جوع؛ و”الضغط الناجح من أجل محاسبة أقل صرامة” يصبح “اكتسابًا لبيئة تنظيمية أكثر ملاءمة”؛ و”الملاجئ” تصبح “تخطيطًا ضريبيًا إبداعيًا”؛ و”المنهوب” يصبح “مكتسبًا”؛ ومن “تم تسريحها” تصبح “مدربة ومستفيدة”؛ وتصبح “الحوادث” جزءًا من “عملية عادلة”؛ و”سجن الأشخاص دون دليل على ارتكاب جريمة” يصبح “احتجازًا لأعداء مفترضين”؛ وتصبح “جلسات الاستماع السرية” أهدافًا طموحة “لجمع المعلومات”. لذلك، فإن هذه الدفاعات السائدة على نطاق واسع، التي تم تنظيمها بشكل غير لائق، جنبًا إلى جنب مع صورة قائمة على سوق الحقيقة، التي يمكن التحقق منها والموضوعية والمستنيرة، بالإضافة إلى إنشاء الخدمات وتقديمها عند الطلب، لا تخدم بالضرورة، بل تقوض أي تفانٍ في حياة الفكر والدولة الغارقة في العدالة.
خاتمة:
إن ما ينبغي التنبيه عليه في شأت اتجاهات البحث المستقبلية المحتملة والفرص، التي يمكن أن تكون متاحة للاستكشاف، تضعنا أمام حقيقة أن هذا المبحث لا يُقدم إجابات رسمية على الأسئلة البحثية، التي يثيرها فيما يتعلق بالموضوع، وبالتالي توجد إمكانات كبيرة للبحث المستقبلي للبناء على الأسئلة المثيرة للاهتمام والمشكلات المعقدة، التي طرحها، بالإضافة إلى التوسع والزيادة بشكل كبير في نتائجها المختلفة. لذلك، فإنه يؤكد عدم تناسق مثير للاهتمام في كيفية التعامل مع الأسئلة التأسيسية تقليديًا والنظر فيها في إطار البحث، كما أنه يضع في منظوره إلهامًا عزيزًا على نطاق واسع مفاده أن الأسس محايدة بطبيعتها؛ تختلف عن كونها موضوعية بحتة، من خلال إظهار اتجاهها الواضح واستجابتها للقضايا الأساسية، التي لا تقل عن التزامات نظرية ذات قيمة وأهمية طويلة الأمد. والنتيجة غير المقصودة، أو ربما العرضية، للنهج المعتمد هي أن هذه الأسئلة التأسيسية تبين أنها أساسية بعد عقود من الممارسات البحثية الراسخة، التي تم تشكيلها سابقًا من أجل استدعاء ما يشبه الإجماع حول هذه الأسئلة نفسها في المقام الأول. ولكن هذا الموقف يمثل أيضًا فرصة ثمينة للتفكير بعمقٍ نقديٍ في طرق تفكيرنا وتحليلها وتفسيرها في مساعينا واستكشافاتنا الأكاديمية المستمرة.
في النهاية، يُوضح هذا المبحث فقط أن الاستكشاف الكامل والأعمق للافتراضات الأساسية، التي يتم بناء البحث الحالي عليها وتطويرها ليس مفيدًا فحسب، بل مرغوب فيه تمامًا. وإذا لم تكن المشكلات التأسيسية، التي تم الكشف عنها خلال الفحص جديدة وأصلية بطبيعتها؛ مثل مفهوم الملاءمة الاستقرائية مع تمييزه الإشكالي بين السياق والعالم الفعلي الممثل داخل النموذج، بالإضافة إلى تعقيدات الفكر مع التمييز غير الواضح والغامض في كثير من الأحيان بين التمثيل مقابل الواقع، فيجب أن ينظر إليه على الأقل على أنه فحص انتقائي وشامل لما يعتبر مجالًا غير مستكشف. ويتعلق هذا المجال بمجموعة معقدة من الأسئلة المعرفية، بما في ذلك العديد من المشكلات المنهجية، التي لم يتم حلها، والتي لا تزال قائمة في معرفتنا بكيفية نمو الفكر البشري وازدهاره بمرور الوقت، وفي سياقات مختلفة. ومن هنا، لا يهدف هذا المبحث فقط إلى الاكتشاف النهائي للمبادئ التأسيسية، كهدف بارز في حد ذاته، بل كجزء من عملية متزامنة ومترابطة لبناء وتبرير المعرفة، التي ينتجها المجتمع الأكاديمي، كمجتمع غير ملزم بالقوة، أو مقيد بشكل صارم بالحدود الحالية لأدواتهم ومنهجياتهم. إذ إنه لا تزال الطبيعة الاستكشافية والمبتكرة سائدة في المنطقة الإقليمية الشاسعة، إن لم يتم احتلالها بالكامل بعد، من المشاكل المفتوحة، التي يتم معالجتها وتحليلها باستمرار.
* الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، الأردن. أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية، جامعة سكاريا، تركيا
الاثنين، 24 فبراير 2025
عمان، المملكة الأردنية الهاشمية
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.