أدبالتنويري

هوامش على دفاتر الثورة السوريَّة :هل يشهد  أدب السجون طفرة نوعيَّة بعدما تكشَّفت الفظائع المروّعة التي عاشها المعتقلون السوريُّون؟

لئن كانت الموجة الأولى من الربيع العربي قد أصلت جنسا أدبيا  باكتمال خصوصيته وهو الذي كانت إرهاصاته الأولى في أدبنا القديم وبالتحديد مع أبي فراس الحمداني ( 320 – 357 هج / 932 – 968 م ) ابن عم سيف الدولة الحمداني أمير الدولة الحمدانية التي شملت أجزاء من شمالي سوريا والعراق وكانت عاصمتها حلب، عاصر المتنبي  وأسر في إحدى المعارك مع الروم وبقي في الأسر بين ثلاث وأربع سنوات وقد وجه خلالها جملة من الرسائل والقصائد إلى إبن عمه في حلب يتذمر فيها من طول الأسر و يلومه على التراخي في افتدائه ،ربما كانت تلك إرهاصات جمعت بين الإبداع وآلام الأسر ووحشة السجن، إلا أن هذا النمط من الكتابة الأدبية استوى جنسا أدبيا بمميزات خاصة ، عمل النقد الأدبي على تبينها في العصور الحديثة حيث استفحلت ظاهرة  اعتقال السياسيين والأدباء والمفكرين والتنكيل بهم  في ظل أنظمة تسلطية، مما جعل هذا النمط من الكتابة يتراكم في أشكال متعددة من الإبداع كالسيرة الذاتية والرواية و الدواوين الشعرية. بعد الثورة التونسية شهدت الساحة الثقافية طفرة في عدد المؤلفات الخاصة بأدب السجون. وأصبحت لها مدونة خاصة بها في تونس (1)، فإن الموجة الثانية من الربيع العربي جعلتنا على أعتاب “جنس” جديد من الفن موجود بالقوة لكن ملامحه قيد التشكل، سيكون مختلفا عن أدب السجون لأنه مضمخ بدماء الشهداء والأبرياء الذين قضوا في المسالخ البشرية لنظام بشار الأسد المتوحش، الذي أسقطته الثورة السورية المسلحة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

1 – سوريا في عهد عائلة الأسد: الدولة ضد المجتمع:

سلط الباحث الفرنسي ميشال سورا في كتابه ” سوريا الدولة المتوحشة ” (2) الضوء على فترة حكم حافظ الأسد (1930- 2000) حيث كان حافظ الأسد عضوا بالقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وشغل منصب قائد القوات الجوية ثم وزيرا للدفاع قبل تسلمه السلطة سنة 1970 بعد الإنقلاب الذي قاده رفقة رئيس الأركان مصطفى طلاس واللواء إسكندر سلامة والذي أطاح بصلاح جديد وحلفائه اليساريين وهو ما عرف بالحركة التصحيحية داخل حزب البعث العربي الاشتراكي. يبدو أن حكم الأسد الأب الذي وصفه ميشال سورا بالتوحش كان تمهيدا لفترة حكم ابنه بشار  الأسد التي كانت أشد توحشا وفظاعة.  لقد حاول عالم الاجتماع السوري برهان غليون في تقديمه لكتاب ميشال سورا تفكيك الآليات التي استعملتها عائلة الأسد في السيطرة على مقدرات الدولة السورية وتسخيرها لمصالحها الخاصة. يرى برهان غليون أن حافظ الأسد استولى على المشروع السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري القائم على رفع  شعارات التقدمية والاشتراكية والعداء للإمبريالية وأفرغه من محتواه وقد تفطن ميشال سورا إلى ذلك وبيّن أنه لا يوجد عند الأسد مشروع لبناء الأمة ولا لبناء الدولة ولا لإقامة عدالة اجتماعية وإنما الهدف كان بناء سلطة وتأمين وسائل القوة الكفيلة بالدفاع عنها. (3) لقد انخدع التيار القومي العروبي بالشعارات التي كان يرفعها – أمة واحدة ذات رسالة خالدة- ثم لحقتها الشعارات الخاصة بجبهة الصمود والتصدي التي دعت إلى تشكيلها ليبيا وانضمت إليها كل من سوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية وتمكنت من طرد مصر من الجامعة العربية بعد توقيعها على إتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، ثم على نقل مقر الجامعة من مصر إلى تونس ثم على رفض اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في 17 سبتمبر 1978. لقد كانت كل تلك الخطوات ردود فعل انفعالية دون تصور إستراتيجي للقضية الفلسطينية ولجوهر الصراع العربي الصهيوني، فالذين خططوا للعمل على عزل مصر وجدوا أنفسهم معزولين، فقد عادت مصر إلى قلب العالم العربي وعادت الجامعة العربية إلى القاهر. مع مجيء بشار إلى السلطة رفع شعار ” المقاومة والممانعة “الذي انكشف زيفه، فقد ظلت جبهة الجولان المحتل على إمتداد ما يزيد عن خمسة عقود باردة ينعم فيها المحتل الصهيوني بالهدوء والإستقرار، بعد أن رفض حاكما سوريا الأسد الأب والابن تكوين فصيل مقاوم لتحرير الأرض والدفاع عن العرض. يفسر البعض عدم رغبة إيران وحزب الله في إنقاذ نظام الأسد هو رفضه لفتح جبهة الجولان لإسناد المقاومة في غزة ولتخفيف الضغط عن حزب الله، خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب. لقد انخدع التيار القومي العروبي بشعارات النظام السوري وبمشروعه وغاب عنهم أن النظام قد غير جلده وإنزاح من ” عصبية الإيديولوجيا القومية والاشتراكية إلى عصبية الطائفة والدعوة والملك وأضحت هذه العصبية الجديدة شرطا لإنتاج العنف الذي هو سيف السلطان، لأن السلطة لا تستقيم إلا بالشوكة أي المبالغة في استخدام العنف لردع الطامحين الآخرين وثنيهم عن التنافس على الحكم. كان الأسد الأب يدرك أنه لن يستطيع أن يفرض نفسه على خصومه ومنافسيه وتأسيس سلطة تابعة له سوى بتوفير هذا العنف المنتج للشوكة من خارج الدولة التي يسعى إلى السيطرة عليها بالاستناد إلى العصبية بالمفهوم الخلدوني التي هي تضامنات أهلية كانت قادرة بأن توفر له العنف البدائي الأول والأعمى والجاهز والخارج عن القانون والمرتبط مباشرة بعلاقة من خارج الدولة والسلطة نفسها، تكمن حقيقة العصبية في ما وراء وهم القرابة الذي تحركها مذهبية كانت أم قبلية، هي المرجل الذي يقطر منه العنف الضروري لفرض الشوكة والهيبة والذي يشكل القبض على الدولة جائزتها الأولى. (4) إن دولة آل الأسد، لكي تستطيع أن تتعزز وتستمر، لم يكن أمامها إلا التوسع في إنتاج العنف لردع خصومها ومنافسيها وأولهم الشعب نفسه الذي نقد دولته من جهة، ثم التفنن في التغطية على حقيقة أهدافها وغاياتها والمصالح التي تخفيها وتطوير أشكال غير مسبوقة من الخداع والغش والتحايل على الرأي العام المحلي والدولي والتستر على الحقيقة.  هكذا بقي العنف والتوسع في إنتاجه وتنويع أشكاله وأجهزته العامل الثابت ودائم الحضور في سياسة النظام وفي تعامله مع كل الأطراف الداخلية العنف الجسدي والروحي والفكري والسياسي وذلك بموازاة تحول هذا “الملك” من “ملك سياسي” إلى “ملك وراثي ” .( 5 ) ما حصل في عهد بشار الابن هو تماما ما حصل في عهد والده من قتل وإبادة ودمار وتهجير وتشريد كل ما هنالك أن ما جرى منذ ما يزيد عن أربعة عقود على نطاق مدينة حماة،  جرى في عهد بشار على نطاق سورية بأكملها وبعنف أكبر منفلت، فتتحول المجزرة في حماة في الثمانينات إلى حرب إبادة جماعية في العقد الثاني والثالث من القرن الواحد والعشرين.( 6 )

 إن المؤشرات التي تدل على أن الدولة السورية في عهد آل الأسد انتهجت نهجا قائما على  مواجهة أغلبية مكونات الشعب السوري بشتى الأساليب منها جعل صناعة الكبتكون سياسة دولة والعمل على ترويجها داخل سوريا و داخل البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن، ثم صناعة البراميل المتفجرة وإلقائها على المدنيين، ثم الاستقواء بالأجنبي ضد أبناء البلد فكان الحضور الروسي والإيراني وسيلة للتنكيل بالسوريين وارتكاب جرائم الإبادة والتطهير الطائفي ضدهم. فلو نقارن بين ما فعله نظام بشار الأسد في سوريا وما يقوم به الكيان الصهيوني في غزة وفي جنوب لبنان، فسنجد أن لا فرق بين النظامين سوى أن نظام الأسد يفعل ذلك بشعبه وبمواطنيه وربما بطريقة أفظع وأشنع فهل كان ذلك ديدن الأنظمة الطائفية والأقليات الدينية حين تصل إلى الحكم وتمارس السلطة؟ وهل كان محور المقاومة صادقا في جعل سوريا قطب الرحى في محور تصدى لمقاومة الاحتلال، هل أن نظاما بمثل تلك البشاعة جدير بأن تقف إيران وحزب الله إلى جانبه وتأتيان لإنقاذه من سقوط كان حتميا في بداية الثورة السورية سنة 2011، أم أنه العمى الإستراتيجي والطائفي الذي غلب المصالح الإقليمية على المبادئ و الأخلاق التي يدعي ذلك المحور الانتماء إليها؟

2- الصورة أصدق أنباء من الكتب أو في اضطلاع الفن بواجب الذاكرة:

في أدب السجون الذي حفلت الروايات والسير الذاتية والدواوين الشعرية بمعاناة أصحابها أو بما نال عوائل المساجين من صنوف التنكيل والعذاب النفسي، يكون سجناء الرأي والذين عايشوا محنتهم كانوا إما أبطالا، أي شخصيات رئيسية في أعمال روائية، أو شاهدين على عذابات أهاليهم وأقاربهم. إن الضحايا الذين استبطنوا تلك المآسي حتى استحالت جروحا في أرواحهم ووسما في أجسادهم. فما تتناوله وسائل الإعلام ومختلف منصات التواصل الإجتماعي من صور وشهادات تشيب لهولها الولدان في سجون نظام بشار الأسد ولا سيما سجن “صيدنايا” الشهير حيث المسالخ البشرية

  إن الفن يظل هو المجال الوحيد الذي بوسعه النهوض بواجب الذاكرة، لكن الذاكرة التي يشتغل الفن على تخليدها، إنما هي تحديدا ذاكرة الضحايا والغائبين والممنوعين من الكلمة، وهنا يجدر بنا أن نميز بين الذاكرة والتاريخ. ففي حين يكتب التاريخ من قبل المنتصرين والجلادين، تكتب الذاكرة بآلام الضحايا والمهمشين. ( 7) للفن بأنواعه المختلفة أن يكون سدّا منيعا ضد النسيان، لأن الذاكرة تحتاج إلى من يتعهدها بالحفظ والرعاية. فالسينما والمسرح والرسم والنحت والأدب …قد أوكل لها جاك دريدا واجب الذاكرة أي كتابة ذاكرة الضحايا والغائبين والمغيبين قسرا والذين لا صوت لهم (8) لا ينبغي للفن أن ينخرط في طفولة البراءة الأولى وأن يكون صدى للطبقات الحاكمة ولساكني القصور والبلاطات، بل عليه أن يكتب ذاكرة المتألمين والمهمشين والذين لا وطن لهم.

ولعل السؤال المطروح هو لماذا نصنع الذاكرة؟ إن السبب وراء ذلك هو من أجل الاعتراف بدين الضحايا، فدريدا يعتبر أن كل فلسفة تنتصر للذاكرة تنتهي إلى تأويلية للغفران وتعتبر سرديات الذاكرة شكلا من الاعتذار على فظاعة الماضي حتى يتم تصحيح مسارات المستقبل، إنها نوع من العلاج والتطهر catharsis، ليس للجلادين فهؤلاء بذمة القضاء والتاريخ، بل لنا نحن الذين وقفنا عاجزين أمام فظاعة ما حدث أو انخرطا في نوع من الصمت عن الجريمة يقارب التواطؤ. إن حجم الفظائع التي إرتكبها نظام الأسد والتي تتكشف تباعا سواء المقابر الجماعية المنتشرة في الأماكن التي شهدت ثورة الشعب السوري في سنة 2011 وما تلاها أو داخل السجون المختلفة والموزعة على كامل الأراضي التي كان يسيطر عليها النظام، تقتضي إستنفار كل الفنون لتخليد المأساة/الكارثة التي عاناها الشعب السوري لعل الأرواح المنكسرة تجد في ذلك بلسما والتئاما لجروح ظلت منفتحة لم تجد من يضمدها. للأدب دور مهم في الاضطلاع بواجب الذاكرة وتعد الرواية الوعاء الأنسب لرصد الواقع وتعقيداته وهي من المداخل المهمة لفهم التحولات الإجتماعية والمتغيرات السياسية وتعرية الوجه القبيح للأنظمة المستبدة، لعل الكتابة تكون شفاء لأرواح المقهورين والمظلومين الذين اكتووا  بسياط  الجلادين وتكون سكينة لأرواح الذين قضوا في المسالخ البشرية التي صنعها نظام آل الأسد لينتقم من شعبه ويروي ظمأه من دماء الأبرياء استجابة لشهوتي الحكم والتسلط القائمين على إستعباد الناس بالقهر والغلبة.

تبدو مدونة ” أدب السجون ” في سوريا غنية بعديد الأعمال التي توزعت بين الرواية والسيرة الذاتية والأقاصيص واليوميات والقصائد والدواوين، سردت صنوف التعذيب الجسدي والنفسي وانتهاك الإنسان وكرامته، نذكر منها “بالخلاص يا شباب…16 عاما في السجون السورية ” لياسين الحاج صالح، ورواية ” القوقعة …يوميات متلصص” للكاتب مصطفى خليفة الذي تعتقل بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين رغم أنه مسيحي  ورواية “خمس دقائق وحسب …تسع سنوات في السجون السورية ” للكاتبة هبة الدباغ التي اعتقلت بدلا من أخيها رغم عدم انتمائها إلى أي فصيل سياسي،  ” سلام من صبا بردى أرق…و دمع لا يكفكف يا دمشق ” (أحمد شوقي من قصيدة ” نكبة دمشق) من مطلع القصيدة تنطلق رواية خالد بريش التي يحمل عنوانها بداية القصيدة  ” سلام من صبا بردى أو (مرام ) والتي نقلت للقارئ عالم السجون السورية بروايتها لتجربة الشابة مرام التي وجدت نفسها بلا مقدمات في ضيافة المخابرات السورية لاتهامها بالمساعدة في تهريب السلاح لجماعة معارضة مع أخيها الذي تمكن من الفرار بسبب وشاية كاذبة أدخلتها السجن لسنوات طويلة خربت بداخلها كل معنى للحياة،  الرواية هي مجموعة قصص متداخلة بعضها ببعض تحكي تجارب عشر نساء ذقن مرارة السجن تحدث معهن الكاتب ليهدي عمله إلى ” كل اللواتي انتظرن طويلا اليوم الذي يسمع فيه الهتاف الضارب بجذوره في أعماق التاريخ و المطرز بنفحات قدسية وهو ينطلق من حناجر المتظاهرين طلاب العزة والكرامة: الموت ولا المذلة “. رواية “عائد من جهنم” وهي رواية مؤلمة لعلي أبو دهن اللبناني الذي ساقه حظه العاثر إلى السجن، يفضح الكاتب في الرواية كل ما يجري في ظلمات السجون وغياهبها وللتأكيد على حجم العذابات التي يلقاها كل من يدخل تلك السجون استبدل كلمة “سجن ” في العنوان بكلمة ” جهنم” فتلك السجون دائما ما يحكي عنها الناس بكون ” الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود “. (9)

 إن غنى مدونة أدب السجون في سوريا متأت من إمتداد فترة حكم آل الأسد لأكثر من خمسة عقود والتي آل فيها النظام على نفسه اعتقال كل من يعارضه فأخذ الناس بالشبهة وبجرائر غيرهم و لم يسلم من شره حتى من ليسوا سوريين، إلا أن فترة حكم بشار الأسد شهدت نقلة نوعية في التوحش والهمجية حيث تم العثور على مسالخ بشرية داخل السجون والمعتقلات وأشهرها سجن “صيدنايا “حيث الضحايا يقادون إلى المسالخ كما تقاد الأنعام” إنهم يقضون نحبهم تحت سياط الجلادين والزبانية. السؤال المتعلق بالذوات البشرية سؤال الكرامة فبأي ذنب قتلوا؟ ومن سيسرد علينا هذه المآسي التي أفضت بالضحايا إلى الاستشهاد تحت مقصلة الطاغية؟ هؤلاء الذين يتم إخراجهم من زنزاناتهم حيث زملاؤهم السجناء يلمحون خروجهم دون أن يدركوا أنه الخروج الأخير دون عودة لا أحد يدري ما سيفعل بهم، إنهم مستسلمون لإرادة الجلاد، لا أحد سينقل لنا ما يدور بين الضحية وجلاده تلك أحداث وحوارات لم يكن شاهدا عليها سوى الزبانية فهم يمتلكون حقيقة ما حدث . إنهم بحكم مقتضيات السرد القصصي ” أبطال ” رغم أنوفهم في أدب المسالخ البشرية.  هل تسعفنا الاعترافات les confessions   [ voir Jean Jacques Rousseau, Les confessions,  en plusieurs éditions] كجنس أدبي مضمخ بالبعد التيولوجي المسيحي ليتيح للجلادين أن يسردوا على مسامعنا فظاعات ما كانت تقترفه أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء،  قد يشهد  أدب السجون بعد ما تكشفت عنه الثورة السورية من فظاعات نقلة نوعية من حيث المبنى و المعنى   ،  و لعله يكون  للاعترافات ك” جنس” أدبي   اقتضته طبيعة الأحداث ومسارات السرد الروائي ومتطلبات الحكي إضافة فنية في أدب السجون . إن السيرة الذاتية تقول لنا أنت ما كنته، والرواية تقول أنت ما تتخيل والاعترافات تقول أنت ما فعلت لكن السيرة أو الرواية أو الاعترافات تحتاج إلى ذاكرة. (10)

إن ” الاعترافات ” بما هي سرد لأفعال قام بها الجلادون يمكن للرواية توظيفها في سياق تخييلي يمزج فيه الكاتب بين الواقع والخيال حفظا للذاكرة واضطلاعا للفن بواجبه تجاه الضحايا والمغيبين والمهمشين، فيكون أدب المسالخ البشرية فضاء تتداخل فيه أجناس أدبية مختلفة متجاوزة للثقافات.

الخاتمة:

لقد استطاعت الثورة السورية أن تنجز ما نذرت نفسها إليه منذ اندلاعها في سنة 2011 ولو بفارق زمني امتد لثلاث عشرة سنة، اكتشف فيها العالم بشاعة ما اقترفه نظام الأسد القومجي  الستاليني الطائفي من تهجير قسري ومسالخ بشرية ومقابر جماعية، وأن أشواق الشعوب في التحرر سيستجيب لها القدر يوما .

قد تكون الثورة السورية من بركات طوفان الأقصى الذي نزع الأقنعة عن عالم يعاني من شيزوفرينيا بين الواقع والمبادئ التي يتشدقون بها، أو أنها تدشن الموجة الثانية من الربيع العربي، فإن الوشائج بين طوفان الأقصى وثورات التحرر العربي يمكن استخلاصها.  إذا كان المطروح حاليا في هذه الظرفية التاريخية التوجه إلى تجاوز إبستمولوجيا الشمال كخطوة أساسية في المسار الديكولونيالي، فإن الثورة السورية بما تكشفت عنه من فظائع، يوجب على الشعوب أولوية التحرر من أنظمة استعبدت “مواطنيها” وحولتهم إلى رعايا لا كرامة لهم وانتزعت منهم إنسانيتهم.  إننا إزاء مسار جديد للتحرر من استبداد داخلي حان أوان إنجازه.

الهوامش والمراجع:

1 – انظر محمد التومي، أدب السجون في تونس ما بعد الثورة بين محنة الكتابة وكتابة المحنة، دار نشر كلمة للنشر والتوزيع، تونس، سبتمبر، 2020

2 – ميشيل سورا، سورية الدولة المتوحشة، ترجمة أمل سارة ومارك بيالو، نشر الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت،2017.

3 – نفس المرجع، ص 7

4 – نفس المرجع، ص 8

5 – نفس المرجع، ص 9

6 – نفس المرجع، ص 11.

7 – أم الزين بنشيخة المسكيني ، ” الفن واختراع الذاكرة نحو أقاليم وجودية جديدة ” موقع مجلة التشكيل ، العدد 32

8- Jacques Derrida,  La vérité en peinture , Paris , Flammarion, 1978, p 229.

9 – ” أدب السجون السورية…صرخات و شهادات مؤلمة من جحيم معتقلات الأسد، موقع الجزيرة نت بتاريخ 16 / 12 / 2024 .

10  – ناظم السيد ، ” السيرة الذاتية في الرواية العربية: اكتشاف الأنا بإخفائها [1- 2] بين ما كانه الكاتب فعلا وبين ما يتخيله ” صحيفة القدس العربي،  29 جوان 2007 ، ص 10


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

رمضان بن رمضان

المؤهلات العلمية:  2002- 2010: مسجل بشهادة الدكتوراه بكلية اللغات، قسم العربية – جامعة الأنوار- ليون 2، الموضوع :"نظرية خلق القرآن عند المعتزلة أسسها النظرية وتأثيراتها على الفكر الإسلامي". بإشراف الأستاذ محمد الشريف الفرجاني.  2002- 2001: شهادة الدراسات المعمقة، كلية اللغات، قسم العربية جامعة الأنوار – ليون 2، موضوع البحث "إسهامات محمد آركون في الدراسات الإسلامية من خلال كتابه "قراءات في القرآن" بإشراف الأستاذ محمد الشريف الفرجاني.  1990-1991: شهادة الكفاءة في البحث، كلية الآداب منوبة، جامعة تونس الأولى، الموضوع: "خصائص التعامل مع التراث عند محمد أركون"، بإشراف الأستاذ عبد المجيد الشرفي.  1984- 1985: الأستاذية في اللغة والآداب والحضارة العربية، كلية الآداب منوبة، جامعة تونس الأولى.  1979-1980: بكالوريا آداب – المعهد الثانوي بقرطاج الرئاسة، تونس. الخبرة المهنية:  البحوث والمنشورات: I- في الحضارة العربية الإسلامية: 1- النخب التونسية بين العمى الإيديولوجي وفوبيا المصطلح، مجلّة الحياة الثقافية، تونس، جانفي 2012 العدد 227، ص20-28. 2- إضاءات حول مفهومي الأرثوذكسية والعلمانيّة، مجلة الحياة الثقافية تونس، أفريل – ماي 2011، العدد 221 ص 54 – 60. 3- تأملات في الثورة التونسية، تونس والإنتقال الديمقراطي: التحديّات والآفاق، مجلة الحياة الثقافية، تونس، فيفري – مارس 2011، العدد 220 ص 39 – 45. 4- المسائل الكلامية في فكر الشيّخ محمد الفاضل ابن عاشور (1909-1970) من خلال كتابه "محاضرات"، مجلة الحياة الثقافية، مارس 2010، العدد 211 ص 97-110. 5- مدرسة الإعتزال في القيروان ما بين القرن 2 هـ/8 م والقرن 3هـ/9 م، مجلة الحياة الثقافية، مارس 2009 عدد 201 ص 96-104. 6- رموز أدوات الكتابة وأثرها في صناعة المعنى الديني، الورقات الثقافية، جريدة الصحافة عدد 537- 9 جوان 2006. 7- المتخيّل الديني تمظهراته ووظائفه، الورقات الثقافية، جريدة الصحافة عدد 543 – 9 ديسمبر 2005. 8- تقديم كتاب الإسلام والحداثة لعبد المجيد الشرفي، مجلة دراسات مغاربية، الدار البيضاء، عدد 2001/13، ص 3-30. 9- خصائص التصور الأركوني للتراث، مجلة الحياة الثقافية، تونس، أكتوبر 1998، عدد 98، ص19-23. 10- إشكالية السيادة العليا بين السلطة السياسية ومشروعيتها في صدر الإسلام، مجلة الحياة الثقافية، تونس، ماي 1997، عدد 85، ص 110-112. 11- من مفهوم أهل الكتاب إلى مفهوم مجتمع الكتاب، مجلة كتابات معاصرة، بيروت، ديسمبر- جانفي 1996، عدد 29 ص 121 – 123. 12- تقديم "كتاب العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب" لمحمد آركون، مجلة الحياة الثقافية، تونس، نوفمبر 1996، عدد 79، ص114-122. II- في الأدب والشعر والمسرح : 1- "تنسيب الحقيقة وتفكيك الإطلاقيات" قراءة في مسرحية "نسمة راشمون" للمنصف السويسي، مجلة الحياة الثقافية، تونس جوان 2009، عدد204 ص 103-107. 2- تجليات الموت المنزوع من أفقه الأخروي، قراءة في "حالة حصار" لمحمود درويش، مجلة الحياة الثقافية تونس، ديسمبر 2008، عدد198 ص 117-124. 3- رموز أدوات الكتابة وأثرها في صناعة المعنى الشعري الورقات الثقافية، جريدة الصحافة عدد 526، 24 مارس 2006. 4- انتفاض اللغة على فوضى العالم ضمن "كتاب الباب الموارب، دراسات في أزهار ثاني أوكسيد التاريخ "ليوسف رزوقة تقديم ومؤالفة حافظ محفوظ سوتيبا تونس 2004، ص85-97. 5- قراءة في مسرحية كلام الليل: "عندما يصبح المعيش اليومي مرتكزا للتخييل"، مجلة رحاب المعرفة تونس، جانفي – فيفري 2002، عدد 25 ص 30-35. 6- قراءة في قصيدة "ما لم يقله بيدبا" لعبد المجيد بن سالم البرغوثي: تقنيع الوجوه وسبر الكينونة مجلة الحياة الثقافية تونس، ماي 2000، عدد115، ص 138-140. 7- في تجليات النص الإبداعي: ترحال المعنى ذاكرة التاريخ، الورقات الثقافية، جريدة الصحافة عدد 335، الجمعة 9 جوان 2000. 8- قراءة في قصيدة: "الذئب في العبارة" ليوسف رزوقة: عندما يعوي المعنى في رحم اللغة، مجلة الحياة الثقافية تونس، ماي 1999، عدد 105 ص 139-142. - 1983-1984: مساعد باحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس. - 1985- 1999: أستاذ بالمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية في اللغات والأدب والحضارة العربية.

اترك رد