طرق التدريس بين التربية الكلاسيكيَّة والتربية الجديدة
-تقديم
تحديد المفاهيم التربوية لمفهوم طرق التدريس عملية ملزمة وضرورية، والسند في هذا التحديد، أن الفهم المشترك والجامع بين المشتغلين بالميدان التربوي والتعليمي، من مقدماته ومستلزماته تحديد المفاهيم التربوية المتداولة والمستخدمة في علوم التربية.
في هذا السياق صرح الأستاذ احمد اوزي بأنه: “لا تستقيم علوم التربية، ولا تغدو معارفها واضحة وظاهرة للمتلقي لها، بدون وضوح للمعجم الحامل للمفاهيم التربوية …”.[1]
وطرق التدريس هي تلك المراحل والمحطات والمسالك التي يتبعها ويقطعها المعلم والمدرس في تقديمه للأنشطة الصفية، وعادة ما تتركب من المعارف والموارد ، والمهارات، والمسعى من هذا التقديم هو بلوغ الأهداف المحددة في تلك الأنشطة الصفية.
والتدريس من حيث هو مفهوم محوري في المعجم التربوي، فهو جزء من التعليم، والعلاقة بينهما هي علاقة الجزء بالكل.
وطرق التدريس لها تعلق مباشر بديداكتيك المواد التعليمية، وهناك من يستعمل مصطلح التعليمية، أو التدريسية للدلالة على منهجية، وطريقة التدريس.
وطرق التدريس فرع في علم الديداكتيك، لأن هذا الأخير علم يشتغل على منهجية وطرق تدريس المواد التعليمية بأنواعها المتعددة وأشكالها المختلفة، في أي سلك من الأسلاك التعليمية[2].
وعلم التدريس محور أساسي، وطرف رئيسي في العملية التعليمية، وهي العملية التي تتركب من هذه الأطراف والعناصر وهي: المعلم والمتعلم، والمحتوى التعليمي، لأي مادة من المادة التعليمية المركبة للمنهاج الدراسي. [3].
وهذه العناصر والأطراف، تتألف من وحدات وعناصر صغرى، تشتغل على شكل نسق جامع، بحيث ان تغييب لأي نسق، فان باقي الأنساق والمكونات تتأثر بهذا الغياب والإقصاء.
وقد تطورت طرق التدريس في السنين الأخيرة، وكان هذا التطور بفضل النقلة العلمية، والطفرة المعرفية التي حدثت في علوم التربية، بفضل استثمارها وتقريبها للنتائج المحصل عليها في البحوث النفسية والاجتماعية الميدانية والتطبيقية، وقد اسدت هذه البحوث خدمات لطرائق ومناهج التدريس.
وقد ساهمت العلوم الإنسانية بفروعها المتعددة وبأقسامها المتنوعة في الرفع من الممارسات التربوية، والتأثير على مناهج التدريس.
وحسن اختيار طرق التدريس عامل مؤثر بل عامل في نجاح العملية التعليمية، وهي تسعى إلى تحقيق أهدافها التربوية.
1-تعريف طريقة التدريس
طريقة التدريس هي مجموعة من المسالك والمراحل التي يقطعها المدرس في تقديمه للدرس، وهناك من ينعت طريقة التدريس، ويسميها بمنهجية التدريس.
وعلم التدريس موضوعه طرق التدريس وهو شق من البيداغوجيا، موضوعه تدريس التخصصات الدراسية المختلفة من خلال التفكير في بنيتها ومنطقها ومرجعياتها، واظهار صعوباتها في ايصال المعارف الى المتعلم.
وبصفة اجمالية فان التدريس يتطلب استخدام مجموعة من المكونات ومراعاة مجموعة من الاعتبارات، وهو نشاط عقلي وانساني، فيه يستخدم المدرس معارفه وقدراته ومهاراته في جميع المراحل التي تمر منها العملية التعلمية من تخطيط وتنفيذ وتقويم.[4].
وعليه يجب اعتبار هذه العناصر والمقتضيات في عملية التدريس:
– معرفة المحيط السوسيواقتصادي والثقافي والبيئي والقيمي للمتعلم.
– معرفة طبيعة المادة المدرسة في وحداتها ومكوناتها وعناصرها، وأهدافها.
-معرفة هندسة المواد التعليمية المدرسة في أي سلك من لأسلاك التعليمية.
-المعرفة منهجية التدريس الخاصة لكل مادة دراسية.
-علاقة طرق التدريس بتخطيط التعلمات
ان التخطيط هو عملية قبلية، وهو اجراءات قبلية، يتبعها المعلم في اعداده للدرس، وبكلمة مختصرة: ان التخطيط هو اجراء وعمل قبلي توقعي استباقي، له صلة وارتباط بإعداد الدرس وبناء المقاطع المركبة والمشكلة للدرس.
والتخطيط أقسامه عديدة وفروعه متنوعة، من أبرزها التخطيط القريب الذي من مداخله ومركباته الأساسية اختيار وانتقاء طرق التدريس المناسبة لطبيعة الدروس.
والتخطيط كما يكون في تخطيط التعلمات، فإنه كذلك يكون في إعداد الأنشطة التقويمية، وأنشطة الدعم التي يحتاجها المتعلمين المتعثرين.
وعلاقة طرق التدريس بتخطيط التعلمات، هي علاقة الكل بالجزء فمن المبادئ الأساسية التي يتأسس عليها تخطيط التعلمات، ربط طرق التدريس، وخطة تقديم المعارف مع واقع وحاجيات المتعلم، من خلال الالمام بخصائص المتعلمين، وبمستواهم الدراسي، وبالفروق القائمة بينهم.
ومن مكونات طرق التدريس المكون السيكولوجي، الذي يتحدد في مراعاة الإيقاع الزمني، وضبط البعد النفسي للمتعلم، والنظر في الفوارق، والخصوصيات الاجتماعية لجماعة الفصل الدراسي.[5]
والتدريس الجيد يتطلب استخدام طرق متنوعة، تلائم وتنسجم مع كل درس، وتتكيف مع حاجيات المتعلم في الفضاء الذي يتعلم فيه، كما يتطلب استخدام الوسائل والأليات التي تنسجم وتتوافق مع طبيعة الدروس، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي قد تطرأ في تدبير وتنفيذ الأنشطة الصفية.
2- مراحل طرق التدريس:
مرت طرق التدريس بعدة مراحل من أبرزها:
- المرحلة التقليدية أو المرحلة القديمة، وطرق التدريس التي سادت في هذه المرحلة، هي طريقة الشحن والتلقين، بحيث كان المعلم هو مركز المعارف ومصدرها، أما المتعلم فهو عنصر سلبي، مهمته ووظيفته في الفصل الدراسي تتحدد في السماع والاصغاء دون ان يشارك في بناء الدرس.
وسيادة التلقين في التربية القديمة يعود الى هذا المكون الذي يؤسس التربية القديمة، وهو قيامها على مبدأ السلطة والقهر، فهي تربية تتصف بالسلبية في عدم تواصلها الايجابي، وتفاعلها مع المتعلم، فالمتعلم هو عنصر سلبي في هذه التربية، لا مكان ولا موقع له في بناء وإعداد الدرس.
فالمتعلم في التربية القديمة، يجب أن يكون مطيعا غير متدخل، وهو يتعلم تحت التهديد والقهر والخوف، مع الإحساس بالعقاب ان هو خالف الأوامر الصادرة عن المعلم، بحيث تغيب روح الجماعة والمشاركة، والتعاون الجماعي بين المتعلمين، ولا يحضر التواصل الإيجابي بين جماعة القسم، وهو ما ينمي عند المتعلمين النزعة الفردانية، والشعور العدواني، بحيث كل متعلم يعتمد على نفسه، دون أن يعمل أو يقاسم غيره في بناء وتحصيل المعارف.
ومن المواصفات الأخرى في طرق التدريس القديمة، عدم مراعاة الايقاع النفسي، وعدم تفعيل البعد الفارقي بين المتعلمين في تقديم الانشطة الصفية، بحيث يتم إغفال وإهمال تقنية الأسئلة الناظمة والمثيرة في اعداد الدرس، وهذا يفضي الى تغييب المهرات التي يحتاجها المتعلم في عملية التعلم: مثل مهارة التحليل والتركيب والاستنتاج ، والتعليق على المضامين.
ومن الطرق التربوية القديمة:
-الطريقة التلقينية.
-الطريقة الحوارية.
-الطريقة الاستقرائية.
-الطريقة الاستنتاجية.
-المرحلة الجديدة
ان العادة التي ترسخت وحضرت بين المشتغلين بالتربية وعلومها، أنهم اختاروا هذا التعارف العلمي والأكاديمي، وهو أن يؤرخوا لهذه النقلة العلمية ، والطفرة المعرفية التي حدثت وتحققت في التربية وعلومها ، بانتقالها من العهد الكلاسيكي إلى العهد الجديد في صدور كتاب ج -ج -روسوrousseau:G-G: الذي حمل عنوان :إميل أو حول التربية”Emile ou sur l’éducation”[6]، وهذا الكتاب الذي كتبه روسوrousseauسنة:1762 شكل نقلة نوعية وعلمية في الممارسات التربوية، بحيث انتقلت هذه الممارسة من الخطاب النظري الفلسفي، إلى الخطاب العلمي التطبيقي الإجرائي، أي التوجه نحو خدمة المتعلم بالتمركز حول المتعلم، وخدمة هذا المتعلم ببيان الكيفية والطريقة التي بها يتعلم بصفة عامة.[7]
انطلاقا من هذا السياق العلمي، نقول إن التربية الكلاسيكية هي تربية تتمركز حول المعلم- pédagogique centrée sur l’enseignant-، فهو المصدر في المعرفة، والمتعلم هو متلقي لهذه المعرفة فقط، لا دخل له في البناء او المشاركة في أي نشاط صفي، أما التربية الجديدة، فتتمركز حول المتعلم- pédagogique centrée sur L apprenant- [8].
وطرق التدريس في التربية الجديدة، كان اختيارها هو ابراز الكيفية والطريقة التي بها يؤسس المتعلم تعلماته انطلاقا من الوسط الاجتماعي الذي ينتمي اليه، علما أن المتعلم هو المحور في العملية التعليمية، أما المعلم فهو الراشد، والمساعد والمعين والموجه.
إضافة الى هذه الأبعاد، فمن شعار التربية الجديدة هو التعلم الذاتي، واعتماد المقاربة التشاركية القائمة على اشراك المتعلم، ومراعاة الخصوصية النفسية والاجتماعية القائمة المتعلمين.
3-المشترك في طرق التدريس الجديدة
ما ينبغي الاشارة اليه في هذا الحديث المتعلق بطرق التدريس الجديدة، هو أن المشترك بين هذه الطرق:
– أن المتعلم هو الذي ينبغي أن يشيد تعلماته، ويؤسس أنشطته، وينبغي أن يعرف ويتيقن، أن لا أحد يعوضه في هذه العملية، التي يجب وينبغي أن يباشرها بمفرده وبذاته [9]..
–– الاستفادة من بحوث علم النفس التربوي، لأن هذا التخصص العلمي قارب كثيرا من القضايا ذات الصلة بمهن التربية والتعليم.
ما يعني أن علم النفس التربوي له عناية بالمشكلات المدرسية والتربوية، وذلك بهدف تحسين والارتقاء بالأداء المدرسي عند المعلم والمتعلم.
وبصفة اجمالية، فان طرق التربية الجديدة تقوم على تحفيز المتعلم، وتشجيعه على التعلم، وعلى المساهمة والمشاركة في بناء واعداد الأنشطة الصفية.
وهذا التطور في طرق التدريس الجديدة، كان بفضل نتائج وبحوث علم النفس التربوي، وهي بحوث ساهمت في الرفع من قدرات المتعلمين، ومن تحسين مستواهم الدراسي.
-تركيب
ان طرق التدريس الجديدة، تسعى الى التركيز والرهان على المتعلم، باعتباره محورا مشاركا، وعنصرا فاعلا في النسق التعليمي التعلمي، ما يلزم في بناء الدرس وإعداده العمل على اشراك المتعلم واستحضار شخصيته.
وهذا يلزم مراجعة طرق التدريس المحمولة في المناهج التعليمية، حتى تتلاءم هذه المناهج مع التطورات المتلاحقة والسريعة التي يعرفها مجتمع المعرفة اليوم.
[1] – أحمد أوزي المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية ط:-1- 2016منشورات مجلة علوم التربية ص:5
[2]– محمد الدريج : ما هي الديداكتيك اصدارمجلة التدريس العدد-7-السنة :1984 ص:46
[3] – محمد الدريج: تحليل العملية التعليمية وتكوين المدرسين، منشورات سلسلة المعرفة للجميع، الرباط المغرب، الطبعة الثانية 2004م، ص:172
[4] – سعيد بن جابر المنوفي: المدخل الى التدريس الفعال الدار الصوتية للتربية ط-5- مصر السنة 1992 ص”18
[5] – عفت مصطفى الطناوي :التدريس الفعال تخطيطه ، مهاراته ، استراتيجيته وتقويمه دار المسيرة الاردن السنة :2009 ص:23
[6]-ترجم هذا الكتاب مرات عديدة منها ترجمة عادل زعيتر الصادرة عن مؤسسة هنداوي السنة:2019.
[7]-Rousseau et l’éducation : apports et tensions:Stéphane Martineau etAlexandre A. J. Buysse-Un article de la revue Phronesis -Volume 5, Numéro 2, 2016, p. 14–22
[8]L’éducation et le rôle des enseignants à l’horizon 2020. Philippe Mérieu :p202. UNESCO 2020.
.
[9]-محمد الدريج : المتعلم وصورته في الخطاب التربوي الجديد اصدار مجلة دفاتر التربية والتكوين العدد:-10-السنة:2015.ص:46
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.