التنويريمنوعات

المخطوطات تمثِّل منتوجًا حضاريًّا حافظ على تاريخ الشعوب

هي أوراق تناولت  دور الزوايا والمخطوطات في الحفاظ على الهوية والمرجعية الدينية،  والدور الذي لعبه  شيوخ زوايا في نشر العلم والمعرفة، وما أنتجته الزوايا من موروث ديني وفي مختلف المجالات الفقهية والتفسير وفي الحديث النبوي وما إلى ذلك من العلوم الشرعية،  وكذلك  اللغة العربية وعلوم أخرى كالفلك والطب والرياضيات، إلا أن هناك من لا يرى قيمة هذه المخطوطات  كشرح مختصر الخليل والبخاري أو موطأ الإمام مالك وما لها من قيمة أثرية وحضارية، هذا ما أجمع عليه أكاديميون وباحثون في المخطوطات  في ملتقي وطني يُعْقَدُ لأوّل مرّة في الجزائر  احتضنته منطقة الأوراس شرق الجزائر  حول الزوايا والمخطوطات وفهرستها  ” نحو آفاق واعدة”، باعتبارها كنوز ثقافية لا بد من الحفاظ عليها أشدّ المحافظة حتى لا تتعرض إلى الضياع، وللحفاظ على المخطوطات أنشئت في ذلك مخابر عديدة للمخطوطات، وكانت ولاية أدرار بأقصى جنوب الجزائر السباقة لفتح قسم المخطوطات وعلى مستوى افريقي لتكوين مختصين في المخطوط وصيانته، حسب الأرقام يوجد بهذا  المخبر  25 ألف مخطوطة مرقمنة في شكل أقراص منذ سنة 2018  تم الحصول عليها عن طريق اتفاقيات.

 أما البوابة الجزائرية للمخطوطات،  قامت بفهرسة 16 ألف مخطوطة في أزيد من 30 تخصصا، وهو أول مشروع رقمي في فهرسة المخطوطات عن طريق تقنية الذكاء الإصطناعي، فالزوايا في الجزائر كانت ولا تزال الحاضنة الأولى للمخطوطات، وهي التي حافظت على هذا التراث، فزاوية طولقة ببسكرة حسب الدكتور سعد عثماني تضم  أكثر من 2500 مخطوطة جمعها الشيخ الحاج  بن علي بن عثمان، مشيرا أن معظم المخطوطات الجزائرية توجد في الشارقة، حيث جمعت مختلف العلوم من اللغة والحديث للعقيلي والتفسير وغيرها، كما تضم زاوية القاسمية بالهامل 100 مخطوطا بين كتاب ورسالة، أما زاوية البوازيد فهي تضم أكثر من 2000 مخطوطا وأكثر من 60 أو 70 خزانة عبر التراب الوطني.

إن إتلاف المخطوطات سببه قلة الدراسات في هذا المجال، فالمخطوط يمثل  مرجعية دينية للأمة وقد ذكر هذا الباحث  حجم الخسائر التي خلفتها  النيران حين أحرقت السلطات الفرنسية مكتبة الأمير عبد القادر في 10 ماي 1843، ولذا فالحديث عن الزوايا والمخطوطات بات ضروريا من أجل تثمين دورها ومقارنتها ببعض الزوايا التي اتخذها أصحابها سجلا تجاريا وحاربوا الزوايا الأصلية في ظل انتشار تيارات دخيلة على المجتمع الجزائري حيث أثرت على فكره وعقيدته، ولا تزال هذه التيارات تنخر في وحدة الأمة العقدية، في حين أرجع البعض سبب إتلاف المخطوط إلى العامل البشري، وذلك راجع إلى غياب ثقافة الحفاظ على المخطوط، مثل تقليب صفحات المخطوط بطريقة عشوائية، أو بأيدي غير نظيفة (وسخة)، كذلك سوء طريقة تصوير المخطوط، كما أن أخطر ما يتعرض له المخطوط هو الحرائق، بالإضافة إلى ظاهرة السطو على المخطوطات مع بداية الألفية الثالثة، مما استوجب رقمنتها  وذكر أصحابها من أجل حمايتها من السرقات، وهو ما أشار إليه الدكتور محمد العابد سماير في محاضرته حول رقمنة المخطوط   باستعمال تقنيات الذكاء الإصطناعي في معالجة النصوص وتحقيقها مقدما موقع “زنكي” كنموذج، وهو عبارة عن منصة مدعمة  بالذكاء الإصطناعي.

أقدم مخطوط في تفسير القرآن يعود إلى القرن الرابع الهجري

وقد شكلت المخطوطات الإفريقية في إفريقيا  النواة الأولي في منطقة توات  وشجع ذلك على خدمة المخطوط في افريقيا ودراسته، إلا أن معظم الأكاديميين حسبما أشار إليه محاضرون ما تزال أعمالهم غير معروفة وهم يعملون في صمت عكس ما نجده عند الأكاديميات العربية التي تهتم بالتعريف بنخبتها مثلما نراه في مصر ولبنان والعراق، ولعل الكثير من  لا يعرف جهود عبد الكريم العوفي ومنهجه في فهرسة المخطوطات، فالشيخ العوفي ينحدر إلى أولاد عوف وعائلته تنتسب لبني هلال من العرب، اشتغل على فهرسة المخطوطات،  وقد أشرف بنفسه على تدريس طلبة في الماجستير والدكتوراه في المخطوطات، كما نقف على مكتبة الشيخ العربي النوّي، ضمت كتبا ذات الطباعة الحجرية Lithographie، وللشيخ العوفي مخطوطا في التوحيد بدون عنوان، مقسم إلى أبواب، ومنه باب بعنوان:  “التأويل في  معاني التنزيل ”  وهو في تفسير القرآن  ( الصفحة رقم 532 من الجزء الأول من المخطوط)  ويتحدث الجزء الثاني من المخطوط  عن الشيخ الصوفي علاء الدين البغدادي المعروف بابن خازن،  يقال ان مؤلف هذا المخطوط هو علي بن محمد بن إبراهيم الشيخي المعروف بالخازن، حسب ورقة الدكتورة مليكة النوي، من جامعة باتنة  (1 ) في محاضرة لها بعنوان: ”  دور مكتبات الأسر الباتنية  في المحافظة علي المخطوطات قدمت الباحثة جهود المحقق عبد القادر ياشي، حيث قدم هذا الأخير   تحقيقا عن ورقات  لمخطوطات للشيخ العوفي كانت بقية أوراقها ضائعة جمع منها الياشي 68 ورقة،  وحقق فيها تحت إشراف مختار بوعناني من جامعة وهران وذلك تحت عنوان:  “الذرة النحوية في شرح الأجرومية” ولوحظ اختلاف في النسختين مع عمليات حذف وزيادة بين النسختين، حيث ضمت هذه المخطوطة المفقودة نصوص حول المباحث الدينية وعلم التوحيد والتصوف وغيرها، نشير هنا وحسب أحد المحاضرين أن أقدم مخطوط في تفسير القرآن يعود إلى القرن الرابع الهجري، معتبرا أن الزوايا  في الجزائر كانت فضاءات للعلم وحافظة للمخطوطات كمركز ديني رغم انها لم يكن لديها ما يقابل  نظام الأزهر والزيتون والقرويين .

نماذج من شيوخ الزوايا في الجزائر

الشيخ الهاشمي دردوري (المنفي) أكل الحشيش من أجل العلم

من الزوايا التي كان لها دور في الحياة الدينية نجد الزاوية “الدردورية”  التي تأسست في القرن الخامس الهجري على يد الشيخ علي دردور المتوفي عام 1875 بعد انتسابه إلى الطريقة الرحمانية وكانت زاويته تهتم بالتعليم القرآني، تولّى إدارة هذه الزاوية الشيخ الهاشمي دردور، وكانت لهذا الأخير رحلة دامت 20 سنة  لطلب العلم بتونس ومصر ثم افريقيا، ويُحكي عن الشيخ الهاشمي دردوري أن عقبات واجهته وهو ينتقل من بلد لأخر من أجل طلب العلم، لدرجة أنه أكل النباتات الطرية (الحشيش) من فرط الجوع قبل ان ينتقل إلى الأزهر لأنه لم يكن له المال الكافي، ثم انتقل إلى ليبيا وهناك التقي بالشيخ السنوسي مؤسس الحركة السنوسية، وبعد عشرون سنة يعود الشيخ الهاشمي الدردوري إلى بلدته بقرية الحيدوس، ليواصل نشاطه في التعليم الديني لأبناء القرية وما جاورها، يقول عبد الباسط دردور أن الشيخ كانت له ثروة علمية وعمل على تطوير الزاوية وأحدث فيها نشاطا منقطع النظير، ولكنه تعرض للمضايقات من قبل السلطات العسكرية الفرنسي، بعد أن رأت أنه خطر على مصالحها وسياستها في محاربة الإسلام واللغة العربية، فتم نفيه إلى جزيرة كورسيكا  Corse بفرنسا عام 1880 ولمدة تزيد عن 10 سنوات، كما استولت على خزانته ومخطوطاته الموجودة في تازولت ونقلتهما إلى قسنطينة.

زاوية أولاد سيدي احمد القرقوري

تعود هذه الزاوية إلى أحد أعيان عائلة البوزيدي الذي عاش في الفترة التي كانت فيها مدينة بجاية محتلة من طرف السلطات الإستعمارية الفرنسية، إنه الشيخ أحمد الطيب مولي القرقور وتقع هذه الزاوية بـ: “بويخفاون” وهي مشتة تقع ببلدية عين ياقوت ولاية باتنة شرق الجزائر، استطاع شيخ هذه الزاوية أن يشكل جيشا من الأوراس لمجابهة المحتلين في بجاية، وكان لهذه الزاوية القريبة من مدينة سريانة وهي إحدي بلديات ولاية باتنة شرق الجزائر دور فعال في التعليم القرآني والسُنَّة، تضم أكثر من 1200 مخطوطا، يقول  الدكتور عبد الحليم بوزيد أن هذه الزاوية لعبت دورا كبيرا في المحافظة على الهوية الجزائرية، ومن بين تلامذته الشيخ عمر الدردور، إلا أن السلطات الفرنسية حاصرت الزاوية ومريديها واستولت على مخطوطتها ونقلتهم إلى فرنسا، كما اعتقلت شيوخا كانوا ينتمون إليها  وحاكمتهم في قسنطينة قبل ان تصدر في حقهم قرار النفي على جزيرة كورسيكا، ثم إعادتهم ونقلهم إلى كاليدونيا، بعد الإستقلال أعيد بناء الزاوية وهي الأن تضم  أكثر من 700 طالبا يحفظون القرآن والحديث النبوي واللغة العربية.

تقرير علجية عيش  الجزائر


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد