عرفت مجلة دبي الثقافية بمستواها الرفيع جدا، لما تتناوله من ملفات ثقافية وأخرى سياسية، وكانت تضم أقلاما في المستوى، حتى من داخل الجزائر، على غرار الشاعر عزي الدين ميهوبي وزير الثقافة سابقا وكانت له صفحة خاصة بعنوان “اشتباك” أثار فيها قضايا تتعلق بصناعة التاريخ، سلط فيها الضوء على ظاهرة الانغلاق في الماضي، وكيف يتجزأ التاريخ وتتفتت الذاكرة، كما اهتمت مجلة دبي الثقافية بالتطرق إلى عظماء الجزائر، حيث خصت في عددها الـ: 100 الحديث عن مسيرة الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد كتبت مقالا مطولا بعنوان: “بومدين الرجل الحديدي يرفض الموت منكسرا”، جاء في مقدمة المقال ما يلي: ” بما أنه ذلك الشخص الوفيُّ الذي تتحطم على صخرة مبادئه كل مؤامرات العالم، كان لابد من تصفيته بصمت، ودون أن يتحول موته إلى قضية رأي عام”، إلى أن نصل إلى القنبلة التي فجرتها المجلة، حينما نقرأ في آخر المقدمة العبارات التالية: ” كل من كانت له مصلحة في اختفاء الرئيس هواري بومدين فقد ساهم في هذه المؤامرة الشيطانية”، لأنه ببساطة كان حجر عثرة في طريق العديد من الجهات الداخلية والخارجية التي كانت تأمل إنهاء حياته في اقرب فرصة ممكنة.
ولعل اهتمام المجلة بقائد عظيم مثل بومدين، فهذا راجع إلى اهتمام بومدين بقضايا الشعوب ووقوفه إلى جانب الحركات التحررية في العالم، لاسيما القضية الفلسطينية، ومقولته الشهيرة: ” إذا كانت مكة قبلة للمسلمين، والفاتيكان قبلة للمسيحيين، فالجزائر هي قبلة الثوار في العالم”، والحقيقة أن مجلة دبي الثقافية كانت نافذة على العالم، ترحل بك دون جواز سفر، وهي تتناول قضايا العالم، حرّة في تحليلها للقضايا، لا تعرف لونا ولا عِرْقًا ولا عقيدة ولا إيديولوجية وفي مضمونها ومحتواها تشبه إلى حد ما صحيفة ” الإنسانية” الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي التي أسسها الكاتب والسياسي الاشتراكي جان جوريس عام 1904، كما سلطت الضوء على شخصية يهودية اغتالته أيد مجهولة ، لسبب واحد هو أنه نادى بدولة فلسطين، إنه الرجل الغامض “هنري كورييل” ، وباعتباره من مواليد القاهرة، فقد كان هنري أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري، وكان المؤسس الفعلي لتنظيم الحركة المصرية للتحرير الوطني ( حمتو)، لا تسع المساحة للتطرق إلى القضايا التي عالجتها مجلة دبي الثقافية، فهذه عينة تعتبر شهادة للمستوى والراقي الذي بلغته هذه المجلة، التي كانت تضم أقلاما لها وزن ثقيل جدا في الساحة الثقافية، لكنها للأسف لم تعد تصل إلى المثقف الجزائري لأسباب تبقى مجهولة.
وإن قلنا أن توقف توزيع مجلة دبي الثقافية في الجزائر قد يرجع إلى إجراءات جمركية وارتفاع فاتورة الضرائب من قبل العاملين في مجال استيراد الكتب والمجلات و توزيعها في المكتبات، وهي أزمة تعاني منها دور النشر والتوزيع في الجزائر، فالأمر المحير هو سبب توقف مجلة “الثورة الإفريقية” الناطقة باللغة الفرنسية، رغم أنها كانت تحظى بمقروئية كبيرة لدى الطبقة المثقفة وحتى مناضلي الحزب العتيد ( الأفلان)، فالمجلة كانت تتطرق إلى قضايا ساخنة وحساسة جدا، وأعطت أهمية لكثير من الملفات التي كانت تحمل طابعا دوليا ، لاسيما قضية الساحل والعلاقة بين ليبيا ولوكربي، وكانت لها صفحة خاصة بعنوان “مغاربيات” maghrebiate، وأخرى بعنوان ” أبيض على أسود” noir sur blanc، لم تترك الثورة الإفريقية قضية إلا وتطرقت إليها، وكان لها اهتمام أيضا بالزعماء العرب والأفارقة و تحدثت عن مسيرتهم النضالية، وكان الرئيس هواري بومدين من بين الذين سلطت عنهم المجلة الضوء في عددها 1556 لسنة 1993 في مقال حمل عنوان ” هواري بومدين: الجزائر في القلب” houari Boumediene l’aggerie au coeur، وعلاقاته بالعالم العربي، ونذكر هنا جزء من خطاب الراحل هواري بومدين حول المغرب العربي، حيث قال: إن تقسيم المغرب العربي خطأ خطير جدا، وأن وحدة المغرب العربي ليست عملية سهلة، ويضيف في خطابه: بأن الجزائر لم تولي ظهرها للمشرق العربي، ولم تفضل يوما المغرب العربي على المشرق العربي، لأن أهدافا تربط بين الشعوب في الوطن العربي.
وقد عرفت الثورة الإفريقية أقلاما جزائرية مميزة ، منهم من كانوا وزراء في الحكومة على غرار الوزير السابق بوجمعة هيشور، أما في الشأن المحلي، وإلى جانب اهتمامها بالحياة السياسية لاسيما النشاطات الخاصة بالحزب العتيد ( الأفلان) وما يحدث في القواعد النضالية، فقد اهتمت مجلة الثورة الإفريقية بقضايا المجتمع والحياة الثقافية، فعالجت الكثير من النصوص والمواضيع التي تشغل بال المواطن والمثقف على الخصوص، يبقى السؤال: لماذا توقفت “الثورة الإفريقية” عن الصدور والتوزيع؟ وهو السؤال الذي ما زال يشغل بال الطبقة المثقفة في الجزائر، هل لأسباب مالية مثلما حدث مع جريدة المجاهد الأسبوعي، أم لأن مؤسسها فرنسي؟ خاصة وأن الجميع يعرف المسيرة النضالية للمحامي جاك فيرجيس الذي دافع عن قضايا متناقضة أثارت الشكوك حوله، وقد وصفته مجلة دبي الثقافية في عددها الـ: 101 بالمناضل العالمي، لأنه دافع عن قضايا التحرر الوطني، لاسيما حق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وكان من المدافعين عن قضية المناضلة والمجاهدة “جميلة بوحيرد”، ونشر كتابا في الدفاع عنها برفقة صديقه جورج أرنو، وبفضله تحولت قضية جميلة بوحيرد إلى قضية عالمية، والجميع يعرف قصة زواجه بها حيث أنجبت منه مريم وإلياس، وكان جاك فيرجيس قد أسس مجلة سمّاها مجلة الثورة ألإفريقية واشتغل فيها مع جميلة بوحيرد، كانت المجلة صوتا إفريقيا ولكل الأفارقة، صوتا مناصرا لقضايا التحرر الوطني وضد التمييز العنصري، ورغم أنه كان من أم فيتنامية وأب من جزر الريونيون الفرنسية فقد كان جاك فيرجيس صديقا للجزائر وفلسطين ولكل الشعوب المقهورة التي كانت تعيش تحت نير الاستعمار وتناضل من أجل التحرر.
علجية عيش
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.