التُّراث التربوي الإسلامي؛ الحقيقة، الدلالة، الامتداد
سبقت الإشارة في مقالات سابقة، بأنَّ التربية عمليَّة ضروريَّة للإنسان، وهي ملازمة له في حياته الخاصَّة والعامَّة، وهي الكاشفة والمميّزة لشخصيَّة الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى.
فالتربية هي المحافظة على القيم العليا التي يسير عليها المجتمع، ذلك أنَّ التربية عادة ما يتمّ تحديدها وتوصيفها بأنها سلسلة وشبكة متكاملة من القيم والأفعال، والسلوكات، تنقل من الراشدين الى الصغار. بهدف تيسير وتسهيل إدماجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومساعدتهم على القدرة على تغيير أوضاعهم وتحسين سلوكاتهم، وتصرفاتهم والتمكن من مهارات الحياة، حتى يكونوا مواطنين صالحين.
ومن القواعد الكبرى في التربية، ضرورة مراعاة الخصائص النفسية والسيكلوجية والابعاد الاجتماعية ومراحل النمو المشكلة والفاعلة في شخصية الطفل.
ومن أبرز مصادر التربية الإسلامية ومرجعياتها، انها تستمد مقوماتها من التصور الإسلامي في الوجود والحياة والكون، وقوتها مستمدة من الدين الإسلامي.
الفكر التربوي أو التراث التربوي الإسلامي:
الفكر التربوي أو التراث التربوي، هو ذلك المنتوج التربوي الذي أنتجه علماء التربية المسلمين عبر امتدادات الزمان والمكان، أو هو اجتهاداتهم وأفكارهم ونظراتهم المتعلقة بمجال التربية والتعليمة والتدريس.
والفكر التربوي الإسلامي يحضر في أمهات الكتب المصنفة في التربية وفي التعليم، وهي كثيرة وعديدة ومتنوعة.
ذلك أن علماء الإسلام خصوا التربية والتعليم بعدد من المصنفات، والمؤلفات، ومن أبرز التجليات الدالة والمؤكدة على حضور الممارسات التربوية في الحضارة الإسلامية، تلك المؤلفات التي دونت، وألفت في التربية والتعليم في كيفية تنشئة الناشئة وتربيتها على الخصال الحميدة، وهي المؤلفات التي تؤكد بقوة مدى حضور ومشاركة علماء الإسلام في التربية، وما أنتجوه من نظريات تتعلق بطرق التدريس، وبمسالك التربية والتعليم.
ومن هذه الكتب التي نسوقها مثالا وشاهدا للتأكيد والتعبير على مدى اهتمام علماء الإسلام بالتربية والتعليم كتاب:”الفكر التربوي الإسلامي عبر النصوص” لمجموعة من الباحثين، وهذا الكتاب أنجز تحت إشراف الدكتور محمد الدريج [1]، وهو من إصدار مجلة علوم التربية المغربية، وكان سنة الإصدار هي سنة: 1992.[2] إذ جاء هذا الكتاب حافلا بالنصوص وحاملا للنقول، ومتضمنا لعدد من الوثائق والمخطوطات النادرة، التي تظهر مدى حضور الممارسات التربوية بقوة بين علماء الإسلام.[3]
ولا ينبغي أن يفوتنا في هذا السياق كتاب “التربية في الإسلام” لمحمد فواد الأهواني الذي طبع أكثر من طبعة آخرها الطبعة السادسة الصادرة عن دار المعارف بمصر سنة : 2002، وهو في الاصل أطروحة جامعية قدمت لجامعة السربون، ونظرا لأهمية هذا الكتاب، فقد اختار الفيلسوف المصري المعاصر مصطفى عبد الرزاق: ت1947م [4]أن يصدره بمقدمة نفيسة تستحق التنويه، قدم فيها توصيفا عاما،وخلاصة شاملة وجامعة للتربية في الإسلام تحديدا وتوصيفا، ومدخلا تعريفيا حول التراث التربوي الإسلامي، وامتداداته في التاريخ، وأعلامه الكبار،وموقع هذا التراث بين الحضارات التي اشتغلت على التربية والتعليم، كما أبرز مشاركة علماء الإسلام في التأليف في التربية، وفي علومها .
كما قام أحمد شلبي بتأليف دراسة سماها ” تاريخ التربية الإسلامية ” صدر سنة (1966)، وهو موسوعة تاريخية جمع فيها المؤلف كثيراً من المعلومات التاريخية والافكار التربوية تضمنت وشملت أمكنة التعليم والمكتبات والمدرسين والمتعلمين،وكثيرا من المعلومات عن فلسفة ونظم التربية الإسلامية.
-مصنفات وكتب التربية في الإسلام :
مما يدل على حضور التراث التربوي الإسلامي هو ظهورمجموعة من الكتب والمصنفات التي تبرز مدى العناية والاهتمام التي نالتها التربية بين علماء الإسلام، من أبرز هذه الكتب المدونة:
-أدب الدنيا والدين للماوردي صدر عن دار إحياء التراث العربي 1987 .
-كتاب العلم للحارث المحاسبي ت243ه .
-الذريعة الى مكارم الشريعة للحارث المحاسبي ت243ه
-سياسة الصبيان لابن الجزار القيرواني ت 369 ه
طبعة دار الغرب الإسلامي: 1984.
-كتاب السياسة لابن سينا ت 428 هـ.
-رسالة المعلمين للجاحظ ت299ه.
-تهذيب الأخلاق لابن مسكويه 421 ه.
-الأخلاق والسير لابن حزم ت 456ه.
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر النمري القرطبي[5]
-الرسالة المفصّلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلّمين والمتعلّمين للقابسي ت349ه.
-كتابه”آداب المعلمين والمتعلمين”.-لابن سحنون القيرواني ت256ه
-أيها الولد لأبي الغزالي ت505ه.
-منهاج المتعلم لأبي الغزالي ت505ه.
– فاتحة العلوم للإمام الغزالي.
-سراج المريدين لابن العربي الاشبيلي الاندلسي ت543 ه
-النصيحة الولدية لأبي الوليد الباجي، وهي نصيحة نالت شهرة كبيرة بين الباحثين والمهتمين بالتراث التربوي ابلاسلامي، لما تحمله من أفكار عميقة في التربية.
ومن المؤلفات المغربية في التربية كتاب “القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم” للحسن بن مسعود اليوسي (ت1102هـ) وكتابه مستوعب شامل،دَرَسَ كثيرا من القضايا التي تعالج المشاكل التربوية ، فقد عرف العلم وأنواع المعارف،وتحدث عن حقيقة العقل[6]، وأثناء حديث عن أنواع المعلومات بالغ عن الرد على منكري المعلومات الحسية.
وفي القسم الثاني من كتاب “القانون” تحدث اليوسي عن أحكام العالم وهو يقصد به المعلم، فتحدث عن آدابه في نفسه، ولما تناول الدراسة تحدث عن أدب المتعلم مع المعلم وعن الرحلة في طلب العلم، وعن آفات العلم وقواطعه وتحدث أخيرا عن استعمال الكتاب المدرسي.
[1] – محمد الدريج خبير تربوي مغربي وهو من هيئة التدريس بكلية علوم التربية بالرباط المغرب نشر عدة دراسات وبحوث تربوية ،كما أدار عددا من المجلات التربوية المحكمة منها مجلة الدراسات النفسية والتربوية.وهو عضو بعدة جامعات عربية،اشرف على عدد كبير من الرسائل والاطاريح الجامعية بكلية علوم التربية بالرباط المغرب.
[2] -بيبلوغرافيا التربية الإسلامية والتعليم الإسلامي إعداد مجلة الدراسات النفسية والتربوية الرباط المغرب : العدد-9السنة:1984.
[3] – الفكر التربوي الإسلامي عبر النصوص” لمجموعة من الباحثين ص:16
[4] مصطفى عبد الرزاق ت: 1947م ،يعد رائد الفلسفة العربية ن أبرز مؤلفاته الفلسفية : تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية وكتابه: “الإمام الشافعي مؤسس علم اصول الفقه “، وصدر ضمن سلسلة أعلام الإسلام سنة: . 1945م. جمع أخوه الشيخ علي عبد الرازق مجموعة من مقالاته التي نشرها في الجرائد والمجلات في كتاب تحت عنوان “من آثار مصطفي عبد الرازق”، قدم لهذا الكتاب الدكتور طه حسين، وصدرت سنة: . 1957.
[5] صدر دار الكتب العلمية السنة: 1978
[6] – نفسه، ص: 107 و109.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.