(طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: سيرتا نموذجا)
لا شك أن لكل مجتمع مسلم طقوسه في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ولو أن هناك قاسمًا مشتركًا بين المسلمين وهو إحياء هذه التظاهرة الدينية بتلاوة القرآن والابتهالات الروحية تحييها فرق إنشادية ولكل فرقة طابعها الخاص، فالتظاهرات الدينية تساهم في الحفاظ على التراث الديني ومحاربة ثقافة التغريب والتقليد، وكما يقال لكل زمن أفكاره وأذواقه.
فالاحتفال بمولد سيد الخلق يعتبر جزءًا من التراث الإسلامي وكيف كان الأقدمون يقيمون طقوسه، هي طبعا مناسبة تعبر عن حضور الهوية الإسلامية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون عبرة لهذا الجيل ومن يخلفه ففي الجزائر مثلا وبالأخص بعاصمة الشرق الجزائري هذه التظاهرة الدينية لها نكهة خاصة، حيث تشارك الأسرة الجزائرية الأطفال، وتقوم بتزيينهم باللباس التقليدي وتقوم بتحضير لوازم الاحتفال مثل إحضار الشموع والحنّة، ترافقها الأطباق التقليدية ومن العادة أن تكون ” الطمينة” أو كما تسمى في الشرق بـ: “البسيسة” وتبيت العائلات على تلاوة القرآن، وتعتبر “الحنّة” عند العائلة الجزائرية فأل خير عليها لا سيما الأطفال، وباعتباره جزء من التراث الإسلامي، لا تجد عائلة جزائرية تهمل هذا الموعد، بالرغم من الفتاوى التي تطلق من هنا وهناك، حيث أفتى البعض بتحريمه واعتبروه بدْعَة.
كانت مديرية الثقافة بعاصمة الشرق الجزائري بالتنسيق مع دار الثقافة مالك حداد قد أعدت برنامجا خاصا لهذه التظاهرة الدينية عشية الاحتفال أحيته فرق إنشادية وهذا من شأنه إحلال التراث مكان الصدارة من التنشئة الفكرية والدينية للأمة، في عالم متعدد الثقافات وحتى تصمد الأمة أمام التيارات التغريبية، الحفل حضره مدراء القطاعات وممثلين عن الناحية العسكرية الخامسة، وقد زينت هذه “القعدة” الجزائرية حضور الأطفال وهم بالزي التقليدي شكلوا صورة لملائكة تطوف في بهو الدار، وقد أطرب المنشد الإسلامي ناصر ميروح بقصيدته الدينية بمدح المصطفي تحيا القلوب الحضور، جعلت الحضور يُطْرَبُ بصوته الصداح، كما تميزت الاحتفالية بتقديم الفرقة الخاصة بجمعية مريدي الطريقة العساوية ابتهالات روحانية مثل “هاجت لشواق يا حبابي هاجت لشواق من حُبّ سيدي قلبي مشتاق” و”الله دايم حيّ”، كانت أمسية روحانية خلق منشطوها جوا روحانيا ابتهاجا بمولد خير البرية، للإشارة أنه كثيرا من يطلق على فرق العيساوة اسم “الإخوان” el ikhwane، والعيساوة معروفة في البلاد المغاربية فكل فرقة لها طقوسها الخاصة، وتنوعها تنوعا يليق بهذه النوع من الفنون، باعتبار أن التنوع هو جوهر الحياة ولبه.
إن هذه المهرجانات تساهم بشكل كبير في إحداث التزاوج بين ما هو حضاري وثقافي، ويكون بلا شك منارة عربية عالمية تليق بالمدينة ونخبتها، ما يمكن قوله هو أن التراث الإسلامي يظل تراثا ويجب توظيفه بطريقة أو بآخر كي تكون الاستمرارية بين الأجيال، خاصة وأن مثل هذه المناسبات الدينية تساهم بشكل كبير جدا في محاربة ثقافة التغريب، ذلك أن التراث الإسلامي هو امتداد للماضي في النفس والعقول والعادات، كل ذلك من أجل الحفاظ على ينابيعه الصافية وتقويمٌ لمعناه وتحويل عناصره من زمان إلى زمن ومن جيل إلى جيل، ولاشك أن الاحتفال بالمولد النبوي يعبر عن الانتماء، فهو يهدف إلى ترسيخ السيرة النبوية في أذهان الشباب والاقتداء بنهج النبيّ وسيرته العطرة، والتمسك بالأخلاق الحسنة، والالتزام بتعاليم الدين في إرساء مشاعر التآخي والتآزر بين أفراد المجتمع المسلم في كل مكان، كما أن هذه التظاهرات الدينية وبخاصة إحياء ذكري المولد النبوي الشريف من شأنها أن تساهم في محاربة ثقافة التغريب، وقد أولت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي التي أحيت بدورها هذه الذكري الغالية على المسلمين جميعا، حيث أولت اهتماما كبيرا بفن الإنشاد وإحياء المناسبات الدينية، ودعت إلى التنوع وإثراء الساحة الثقافية وفي مختلف مجالات المعرفة والفنون والحفاظ عليها وحمايتها من زحف العولمة، كما دعت إلى الانفتاح كذلك على التجارب العالمية الإنسانية التي ينبغي أن يتسم بها أي عمل فني راق.
علجية عيش