يروى عن الخليفة عمر ابن الخطاب أنه ذات ليلة خرج ليتفقد شؤون رعيته في المناطق الجبلية التي يتعذر زيارتها لمسالكها الوعرة والتي تسمى اليوم عندنا بمناطق الظل، ووقف على صوت امرأة تخاطب اولادها اصبروا إلى أن يجهز العشاء، وكانت المسكينة تكذب على أولادها الصغار، وجدها تناجي ربها وتشتكي له من ظلم أمير المؤمنين ونسيانه رعيته من الفقراء ولما سمع نجواها مع ربها، دق بابها، فتحت له الباب ولما دخل وجد قدرا على النار، سألها ما بداخل القدر، فقالت له وهي تهمس له لكي لا يسمعها الأطفال، إنه يا سيدي بداخله حجر وماء يغلي لكي ألهي به أطفالي إلى أن يغلبهم النعاس فينامون، واضافت ليس لنا ما نقتات به، مضيفة بالقول: سامح الله أمير المؤمنين الذي أهملنا ولم يلتفت إلينا ولا مرة ونحن الفقراء وقصت عليه قصتها منذ وفاة زوجها، دون أن تعرف أن الزائر هو أمير المؤمنين بلحمه وشحمه.
ضرب أمير المؤمنين رأسه بيديه وعاد مسرعا وهو يهرول إلى منزله وأخذ كيس الدقيق على كتفه وحمله إلى تلك العجوز، ولما رآه خادمه يحمل كيس الدقيق على كاتفه طلب منه أن يحمله بدلا عنه، وقال له أيحمل الخلفية كيس الدقيق على كتفه ونحن نتفرجُ؟ إنه ثقيل عليك يا أمير المؤمنين، دعني احمله عليك وأوصله إلى المكان المرغوب، رد عمر ابن الخطاب، لا، سأحمله بنفسي، فما ينتظرني أمام ربي أثقل، كان رده من باب خشيته من عقاب اللّه له، لأنه خان الأمانة ولم يصنها، وهذا من باب حرصه على ما أوكل إليه من مسؤوليات تجاه الرعية وبخاصة الفقراء، وأخيرا كشف هويته لتلك العجوز واعتذر منها.
لا شك أن هذه القصة لها مغزى كبير لحكامنا ومسؤولينا الذين أوكلت لهم مهام تسيير شؤون البلاد والرعية وبخاصة الفقراء، والذين يسكنون في مناطق معزولة، لا يملكون المال لضمان قوتهم اليومي ويفتقرون إلى إمكانيات العيش بكرامة، هم مهمشون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أو لا ينتمون إلى هذا البلد، هناك من ينعم بالخيرات على حساب الشعب دون أن يقدموا له شيئا، ولا يملكون حتى سياسة راشدة أو استراتيجية لإنجاز مشاريع تعود بالفائدة على المواطن، هناك من يتلاعب في الصفقات والعقارات ليمنحوها لمن يدفع أكثر، يحرمون المواطن البسيط الذي يريد الاسترزاق عن طريق مشروع صغير، فأين هؤلاء من أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، الذي عاد إلى بيته وهو “يُهَرْوِلُ” من أجل خدمة رعيته وإرضاء ضميره، رغم أنه في ذلك الوقت لم تكن هناك سيارة ولا طائرة ينتقل بها، رغم أنه كان له مساعدون ولا نقول (خدمٌ) ينوبونه.
هذا هو الحكم الراشد الذي يطمح إليه الشعب لتحقيق العدالة الإجتماعية، ثم يأتي مسؤول في بلاد المسلمين يغض طرفه عمّا يحدث من فساد ويلتزم الصمت لكي يحافظ على منصبه الزائل، إن تطبيق الحكم الراشد لا يتوقف عند حدود إدارة المؤسسات وتمثيل من يعلوه في المنصب والمسؤولية، بل في جميع الميادين السياسية والإجتماعية وحتى الثقافية، فهو (أي الحكم الراشد) كما يقول الخبراء، السياسة التي تعتمد على السيادة الوطنية لتحقيق المصلحة العامة، والوصول إلى الحكم الراشد يعتمد على “الذكاء السياسي”، هذه الذكاء كما يقول الخبراء يتعذر تحديده طالما الأمة العربية والإسلامية تعيش ثقافة اللاثقافة، خاصة في الجزائر، لأن الجامعة الجزائرية هي جامعة مظهرية حتى أن الثقافة السياسية لا تستند إلى العلم، وبالتالي يفقد المسؤول شرعيته، لأن طموحه الترقية والوصول إلى الحكم فقط، ولا يهمه من هو جائع ولا من هو يعاني من المرض أو منزله آيل للسقوط، وكما يقول المثل : “لو دام المنصب لغيره لما وصل هو إليه “، والحديث قياس وبدون خلفيات.
———-
علجية عيش الجزائر