الإعلام والتربية في الفضاء الرقميّ الجديد
“الإعلام والتربية جناحا طائر لا تحلّق أمّة من الأمم إلّا بهما.بفضل القوة الهائلة للتكنولوجيا الرقمية سقطت الحواجز الصمّاء التي كانت تفصل بين البشر، كالبعد الجغرافي واختلاف اللغات والافتقار المزمن للمعلومات، وتحررت القدرات الإبداعية الكامنة لبني البشر على شكل موجة هادرة جديدة تزداد قوّة من دون انقطاع. وأصبحت هذه القدرات الضخمة تحت تصرف كل البشر، وباتوا قادرين على تحريرها بلمسات أصابعهم “/ تشارلز كيترينج.
1- مقدّمة:
يكاد يكون هناك إجماع بين المفكّرين والباحثين على أنّ الإعلام بلغ ذروته في مجال التّحكّم والهيمنة على مختلف مظاهر الوجود الاجتماعيّ والثقافيّ للبشر في الحياة الإنسانيّة المعاصرة. لقد أصبحت وسائل الإعلام منظومة من الأدوات الّتي يتحقّق بها وجود الناس في أدقّ تفاصيل حياتهم وممارساتهم اليوميّة، إذ لا يمكن اليوم أن نتصوّر استقامة الحياة من غير وسائل الإعلام الإلكترونيّة الّتي نعتمد عليها في تواصلنا وتفاعلنا مع مختلف أوجه الوجود. ومن الواضح أيضاً أنّ هذه الوسائل تفرض نفسها بقوّة، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش فصلاً واحداً من فصول حياته دون الاعتماد على وسائل الإعلام، بدءاً من المنزل ومروراً بالشارع ووصولاً إلى مكان العمل. ويمكن أن نسرد عدداً هائلاً من البرامج والوسائل الاتّصالية الّتي يستخدمها الفرد في حياته اليوميّة مثل: جهاز تحديد الاتّجاهات (GPS)، برامج المعلومات عن الطقس، الحسابات والعمليّات البنكيّة، شراء البطاقات، كلّ أشكال التسوّق، ومنها أيضا استخدام البرامج المكتبيّة، في المجالات كلّها من ألف الوجود العلميّ والوظيفيّ إلى يائه. ويمتدّ هذا ليشمل عدداً كبيراً من القضايا والحاجات مثل: استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ، الشّراء في الأسواق، واستخدام الأجهزة الإلكترونيّة في المطاعم والبارات والصالات. وهذا غيض من فيض الحضور الإعلاميّ في مجال الحياة. ومع هذه الصورة يبدو أنّ الفرد الّذي لا يتمكّن من استخدام هذه الوسائل وتوظيفها سيفقد القدرة الوظيفيّة على الحياة في العصر الحديث، وقد يكون قاصراً عن التكيّف، بل قد يحتاج إلى إعادة تأهيل ثقافيّ إعلاميّ لفترات زمنيّة تقصر أو تطول. فالميديا أصبحت أشبه بالأوكسجين الّذي يمنحنا القدرة على الاستمرار في الحياة([1]).
ومن البداهة بمكان القول إنّ التكنولوجيا الرقميّة أصبحت ضروريّة لأنّها تمكّننا من جعل الأشياء سهلة وممكنة بأقصى درجة من السرعة والفعاليّة. وهي تختصر الوقت وتكسر إرادة الزمان وتحتوي المكان، كي تجعل حياتنا أكثر جمالاً ومتعة واستقراراً وسهولة، وهي فوق ذلك كلّه تصنع ما كان يعتقد أنّه من ضروب المستحيل.
ومع أهمّيّة ما حقّقته وسائل الإعلام والاتّصال الرقميّة من تقدّم، أطلق عليه اسم الثورة التكنولوجيّة تارة وثورة المعلومات طوراً وثورة الميديا والرقميّة طوراً آخر، فإنّ هذه الميديا ما زالت تسحقنا بنوع من الثورة المتمرّدة المستمرّة في إحداث المعجزات الرقميّة والإلكترونيّة. لقد شهدت الإنسانيّة تطوّراً إعلاميّاً بدأ مع الكتاب والصحافة مروراً بالراديو والتلفزيون والحاسوب ثمّ الإنترنت فالثورة الرقميّة الّتي فرضت نفسها في مختلف وجوه الحياة في بداية القرن الحادي والعشرين.
ومن المذهل أنّ الثورة الرقميّة، بما تنطوي عليه من إمكانات الإبداع والنشر والتواصل الإلكترونيّ، فتحت الباب على مصراعيه لابتكار برمجيّات رقميّة هائلة ومتجدّدة في مختلف مجالات الحياة. فالأجواء الّتي فرضتها الهواتف الذكيّة المتنقّلة الّتي تسمح بالتواصل والتفاعل الحرّ مع الإنترنت في أيّ لحظة وفي أيّ مكان، عملت على تسريع الهيمنة الإعلاميّة في مختلف مجالات الحياة. ومن ثمّ، فإنّ هذا التطوّر الجديد والمستمرّ أدّى إلى حدوث انقلابات وتحوّلات هائلة في الحياة الإنسانيّة في مختلف المستويات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. وأدّى هذا كلّه إلى ثورة موازية في العقليّات والذهنيّات والفلسفات الإنسانيّة. وأصبح من المعروف اليوم أنّ الهواتف الذكيّة تملك تطبيقات لانهائيّة تفوق حدود التصوّر في شتّى مناحي الحياة والوجود: في مجالات المطاعم والسياحة والسفر والمصارف والوظائف والسفر، ويشمل ذلك كلّ ما يخطر على البال من حاجات ورغبات وتطلّعات إنسانيّة معاصرة، كما يشمل ذلك ميدان العلوم والمعرفة، ولاسيّما تعلّم اللغات الأجنبيّة واستخدامها في عمليّات التواصل ضمن برامج فائقة الذكاء.
ومع أهمّيّة ما تقدّمه وسائل الإعلام الرقميّة من فوائد وفضائل وإمكانات تُغني الحياة وتُيسّرها وتُثمر فيها، فإنّ الأمر لا يخلو من السلبيات الضخمة التي تمثّل نمطا جديدا من التحديات المصيرية في المجتمعات المعاصرة في مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وقد فرضت هذه التحدّيات الإعلاميّة مطالب ثقافيّة وحضاريّة جديدة تتمثّل في ضرورة توفير الكفاءة الإعلاميّة والوعي الإعلامي النقدي للمواطنين والأفراد في المجتمع، ولا ريب أن توفير الوعي النقدي بمخاطر الثورة الرقمية الإعلامية يشكل اليوم أحد أهمّ متطلّبات الحياة في القرن الحادي والعشرين. وهو ما يعني أنّ المجتمع الّذي يفتقر إلى الوعي الإعلامي النقدي المتقدم- بما ينطوي عليه هذا الوعي من خبرات ومهارات متقدمة في مجال الوظائف المعلنة والخفيّة للإعلام – سيكون حتما مجتمعاً منفتحاً على المخاطر الّتي تهدّد وجوده وكيانه، وبناء عليه فإنّ بناء الوعي الإعلاميّ النقدي المتقدم للفرد والمجتمع يشكّل صمام الأمان للحياة الثقافية وللتطوّر الاقتصاديّ والثقافيّ في المجتمع الحديث.
وتأسيساً على هذه الرؤية ندرك أن تطوّر وسائل الإعلام الحديثة والثورة الرقميّة المستمرّة يطرح تحدّيات كبيرة أمام الأنظمة التعليميّة في مختلف البلدان والقارّات. ومن المؤكّد أنّ الأطفال عندما يدخلون المدرسة للمرّة الأولى تكون لديهم بعض الخبرات والمعارف حول الميديا ووسائل الإعلام. ومع أهمّيّة ما يوجد لديهم فهم غالباً ما يواجهون بعض الصعوبات في التعامل مع الميديا، وهذه الصعوبات الّتي تشغلهم تتجلّى في صورة تساؤلات مقلقة وملحّة. وهنا تبرز أهمّيّة معالجة هذه الصعوبات ومقاربة هذه التساؤلات من أجل خفض مستويات التوتّر وتحقيق التوازن النفسيّ والمعرفيّ عند الأطفال من أجل سلامة نموّهم الشخصيّ.
بعد قضاء يوم مدرسيّ حافل يتواصل الطلبة في المنزل مع مختلف وسائل الإعلام لاستكشاف الموضوعات الّتي تطرح في الفصول والقاعات. ويعزّز مثل هذا الاستجواب المعرفيّ لتلك الوسائل مسيرة التعلّم والتدريب لدى الطلبة قبل عودتهم ثانية إلى المدرسة. ومن أجل مجاراة هذه الفعاليّة المعرفيّة الّتي يفرضها التواصل الإعلاميّ بصورة مستمرّة وجب على المدرسة أن تحقّق في ذاتها تحوّلات جذريّة في مناهجها ووسائل عملها ودور المعلّمين فيها، تحت تأثير الحضور الطّاغي لوسائل الإعلام في مختلف جوانب الحياة التربويّة. ولا ريب أن هذا التطوّر الجديد في علاقة الأطفال بوسائل الإعلام أحدث تغييراً عميقاً في دور المدرسة ووظيفتها ومنهجها وموقعها الاجتماعيّ.
وفي ضوء ما تقدّم، يبدو اليوم أنّه لا يمكن الفصل بين وسائل الإعلام الرقميّ الجديد ومكوّنات العمليّة التربويّة الّتي أصبحت برمّتها خاضعة لرهان الثورة الرقميّة، فقد أصبح الارتباط بين هذين الطرفين ضرورة حيويّة يفرضها منطلق التطوّر في العصر الرقميّ الّذي نعيش فيه. وهذا التواصل يفرض على المدرسة أن تعيد النظر في منهجيّات عملها وأن تُجريَ ثورة في قدرتها على استجواب فضاءات وسائل الإعلام فهماً ودراسةً ودرايةً، وذلك من أجل توظيفها بصورة أفضل في العمليّة التربويّة والاستفادة من مختلف المزايا المعرفيّة والعلميّة الّتي تختصّ بها على نحو متبصّر وحكيم. ولا ريب أن التربية الإعلامية تشكل المنهج الحضاري التي يمكن اعتماده في هذا الاستجواب النقدي لوظائف الثورة الرقمية في زمن الإعلام والاتصال الجديد، ومن غير شك فإن التّربية الإعلاميّة النقدية تشكل اليوم طاقة معرفيّة ومنهجاً تربويّاً متخصّصاً في تمكين الأطفال من الوعي النقديّ بوسائل الإعلام والسيطرة على عمليّة التفاعل معها بما يخدم عمليّة نموّ الطفولة وبناء الإنسانيّة في الإنسان.
2- الفضاء الافتراضيّ:
اتّسمت العلاقة بين التربية والإعلام تاريخيّاً بطابعها الإشكاليّ، فلطالما كانت وسائل الإعلام موضوعاً يثير الفوضى والضجيج والصخب، ويطلق كثيراً من المخاوف الاجتماعيّة والقلق. وينبئنا تاريخ وسائل الإعلام بأنّ كلّ ما يَظهر من الصخب والتوتّر والخوف والقلق الاجتماعيّ هو متلازم مع كلّ ظهور جديد لأيّ وسيلة إعلاميّة جديدة. وكانت البداية مع ظهور الصحافة ثمّ الراديو والتلفزيون وصولاً إلى الحاسوب والإنترنت والثورة الرقميّة. فكلّ إبداع جديد في مجال وسائل الإعلام كان يواجه موجة صادمة من الشكوك والرفض والانتقادات الّتي تقوم على أساس التأثير المتوقّع والمفترض لهذه الوسائل في عقول الأطفال والناشئة والشباب.
واليوم أصبحت وسائل الإعلام في تضافرها وتنوّعها وفي مختلف إبداعاتها فضاء يحتضن وجودنا الإنسانيّ، وغدت ضرورة حيويّة في مختلف أوجه التفاعل الإنسانيّ في شتّى المستويات الثقافيّة والعلميّة والمعرفيّة. وفي معترك هذا الحضور المكثّف والفاعل لوسائل الإعلام في حياة الأطفال والناشئة بدأت التربية الإعلاميّة تفرض نفسها متطلّباً وجوديّاً وجوهريّاً في مختلف جوانب الحياة التربويّة والاجتماعيّة. إذ لا بدّ لهذا الجموح الكبير في الثورات الرقميّة من أن يلجم عمليّاً عبر حالة من الوعي الّتي تشكّل ضرورة تربويّة لتمكين الأطفال والناشئة من مواجهة هذا “التسونامي” الإعلاميّ الرقميّ الهائل. وفي هذه الأجواء المتغيّرة للإعلام الجديد وتحدّياته المتنامية تأخذ التربية الإعلاميّة وظيفتها في تنظيم علاقة الأطفال به، إذ يجب عليها أن تعمل على تعزيز قدرتهم على التعامل مع المعطيات الجديدة فهماً واستيعاباً وممارسة، كما يجب عليها أن تؤهّلهم للمبادرة الإعلاميّة بصورة ذاتيّة حرّة تمكّنهم من الشعور بالاستقلال والمسؤوليّة بعيداً عن إملاءات الكبار وأوامرهم ونواهيهم.
فالتربية الإعلاميّة، كما يجب أن تكون، تقوم بتنمية روح الاستقلال وتأصيل القدرة النقديّة لدى الأطفال، وتعمل على تنمية مواهبهم ومشاعرهم وإمكاناتهم المعرفيّة ليكونوا قادرين على أداء أدوارهم بصورة إبداعيّة ونقديّة في مواجهة العالم الافتراضيّ الّذي يحتضنهم. وهي في سياق هذا الدور التربويّ تعمل جوهريّاً وبصورة طبيعيّة على بناء مواطنين أحرار قادرين على الفعل والممارسة الحرّة للوعي، في زمن تتغوّل فيه التكنولوجيا الإعلاميّة الرقميّة ويفرض العالم الافتراضيّ نفسه كإطار عامّ للوجود والحياة الإنسانيّة.
فنحن اليوم نعيش في فضاء رقميّ يتطلّب مهارات اتّصالية غير مسبوقة في التاريخ الإنسانيّ، إذ ينبغي على الأطفال والأفراد أيضاً الاندماج في تواصل افتراضيّ مع مختلف مظاهر الوجود والحياة الاجتماعيّة. ويتطلّب هذا الواقع الافتراضيّ تنمية القدرات والمهارات والكفاءات والخبرات والمعارف الّتي تمكّن الإنسان المعاصر من الاستمرار في الوجود والتّلاؤم مع معطيات التجديد وامتلاك القدرة على تنمية ذكائه وقدراته العقليّة النقديّة في عالم يتفتّق فيه الذكاء الرقميّ وتتفتّح معه العبقريّات الافتراضيّة لتتجلّى في صورة إبداعات تكنولوجيّة رقميّة ذكيّة قد تفوق الخيال الإنسانيّ المتقدّم في قدرته الإعجازيّة على توليد المعاني وتوليف الدلالات وإبداع الصور. إنّه ذكاء سيبرانيّ يفوق حدود التصوّر ويُلزم الفرد بأن يعمل بصورة مستمرّة على تنمية ذكائه لاستيعاب هذا الانفجار الرقميّ وتقبّل التكنولوجيا الذكيّة وتنظيم الحياة اليوميّة، من خلال الوعي بكلّ الاحتمالات الناجمة عن هذا التواصل في العالم الافتراضيّ.
فالإنسان المعاصر يعيش في فضاء إعلاميّ تنتظم فيه العلاقات الإنسانيّة ضمن شبكات إعلاميّة رقميّة واسعة تؤثّر في مختلف مظاهر الحياة الإنسانيّة، وتتيح للفرد المعاصر أن يعرف بلمح البصر كلّ ما يدور في هذا العالم من أخبار وأحداث ونزاعات وحروب في المستوى الاجتماعيّ والسياسيّ. والناس يعيشون اليوم في هذا العالم الافتراضيّ الّذي يتجلّى في مختلف أشكال وسائل الإعلام عبر عمليّات التفاعل المذهل مع الوسائط الرقميّة الحديثة في مجال الصورة والكلمة والطيف واللون والمؤثّرات الأخرى. ويشكّل هذا الفضاء المتزامن بأبعاده الثلاثيّة المادّيّة والإعلاميّة والافتراضيّة منصّة فعليّة لحياتنا اليوميّة، في مجال التربية والعمل والسياسة والثقافة كما في مجال العلاقات الاجتماعيّة الّتي ينتظم فيها الناس والأفراد. وفي هذا الفضاء الرقميّ الثلاثيّ المركّب المعقّد يجب علينا أن نعِيَ متطلّبات الوجود وأن نكون قادرين على توجيه أنفسنا والتكيّف بطريقة اجتماعيّة مفعمة بإحساس الحرّيّة والمسؤوليّة. ومن المؤكّد اليوم أنّ هذا التكيّف يتطلّب إحداث ثورة تربويّة إعلاميّة لمواجهة أبعاد الثورة الرقميّة ومعطياتها المعرفيّة في مختلف المؤسّسات التربويّة والاجتماعيّة القائمة.
3- في ماهيّة التربية الإعلاميّة:
تُعرّف التربية الإعلاميّة بأنها “القدرة على تمكين الأفراد من التواصل مع وسائل الإعلام وفهم مضامينها المختلفة وتقييمها على نحو نقديّ. ويشمل هذا التمكّن فهم واستيعاب مختلف مكوّنات الفضاء الإعلاميّ في مختلف تجلّياته المتمثّلة في التلفزيون والسينما والراديو والفيديو والمواقع الإلكترونيّة والإعلام المطبوع وألعاب الفيديو ومختلف جوانب البيئة الافتراضيّة الرقميّة، كما يشمل مختلف المضامين المعلوماتيّة الّتي تمثّل في النصوص والصور والصوت والرسائل الّتي تشكّل جانباً مهمّاً من جوانب الحياة الثقافيّة الإنسانيّة المعاصرة”([2]). ويمكننا تعريفها أيضاً بأنّها عمليّة تربويّة تهدف إلى تمكين الناشئة من التواصل العقلانيّ مع مختلف وسائل الإعلام، وتعزز قدرتهم على فهم الرسالة الإعلاميّة ووعي أبعادها، وتمكينهم من القدرة على تحليل مضامينها واستكشاف خفاياها على نحو نقديّ استبصاري بروح نقديّة. وبصيغة أخرى تعمل التربية الإعلامية على توليد حالة من التواصل النقديّ بين الناشئة ومختلف المضامين الإعلاميّة في مختلف وسائل الإعلام وإخضاعها للفحص النقديّ في مختلف الوضعيّات وتعاقب الحالات. وهي -وفقا لهذه الصورة – ليست مجرّد عمليّة تواصل مع وسائل الإعلام، بل سعي حثيث إلى تشكيل الوعي الاجتماعيّ النقديّ العامّ بدرجة كبيرة إزاء تلك الوسائل ومضامينها الثقافيّة الإعلاميّة المتاحة، مثل: الأفلام والنصوص والمواقع الإلكترونيّة والصور والفيديوهات وكلّ ما تتيحه الشبكة العنكبوتيّة من برمجيّات وأخبار وبروباغاندا (دعاية)([3]).
ويمكن القول إنّ التربية الإعلاميّة تأخذ صورة تربية نقديّة للمضامين الإعلاميّة من أيّ نوع كانت (مكتوبة، مقروءة، مصوّرة، متلفزة… إلخ)، وهي تهدف بصورة جوهريّة إلى تشكيل الوعي بالوظائف الأساسيّة لوسائل الإعلام بما تنطوي عليه هذه الوسائل من مضامين ودلالات، وذلك ضمن السياق الّذي تشكّلت فيه([4]). وفي نهاية المطاف يجب علينا أن نعلم بأنّ التربية الإعلاميّة تمارس دورها في التأهيل التربويّ النقديّ للمتعلمين الذي يمكّنهم من تطوير ذكائهم وتنمية حسّهم النقديّ وعقلنة تواصلهم اليوميّ المستمرّ مع وسائل الإعلام.
ومن المهم في هذا السياق أن نلاحظ أنّ مفهوم التربية الإعلاميّة يحمل تعقيداً في ثناياه وطبقات استخدامه، إذ يستخدم في آن واحد للدلالة على أمور متباينة ومختلفة. وهو ما يجعل من عمليّة تعريف التربية الإعلامية نفسها أمراً يتّصف بالصعوبة والتعقيد. ومع ذلك يمكن تحديدها مرة أخرى -كما ذكرنا آنفا – بأنها نوع من التأهيل التربويّ الّذي يوظّف في تشكيل الوعي التربويّ النقديّ لدى الأطفال والناشئة، ليمكّنهم من امتلاك مختلف المهارات الذكيّة في التعامل مع وسائل الإعلام، ومع مختلف البرامج والتطبيقات الهائلة الّتي نجدها في مختلف الوسائط الإلكترونيّة الذكيّة الّتي تتطلّب مهارات عالية المستوى في مستويات استخدامها وتوظيفها تربويّاً واجتماعيّاً. ومثل هذا التأهيل يفرض نفسه حتّى في أبسط الأشياء الّتي تقتضيها المهن، مثل معرفة التصوير وتغيير صوت الفيديو، وتأسيس موقع على الإنترنت أو تأسيس صفحة لشركة من الشركات، أو معرفة أصول اللعب على الإنترنت. وعلى مستوى الـتأهيل والإعداد، فإنّ التربية الإعلاميّة تواجه تحدّياً كبيراً في تحقيق نوع من التأهيل المستمرّ للأفراد والمتعلّمين في مختلف جوانب العمل الاجتماعيّ والمهنيّ، فالتطبيقات الهائلة الّتي تَطلّ علينا كلّ يوم بالجديد والمذهل تحتاج إلى مواكبة مستمرّة من قبل التربية الإعلاميّة، وهو ما يشكّل بذاته تحدّياً يفوق حدود الوصف. ففي كلّ يوم تولد عشرات التطبيقات الرقميّة في مختلف الميادين، وهذا يحتاج إلى طاقة تربويّة هائلة للإحاطة بكلّ المعرفة المطلوبة لتأهيل الشباب والناشئة على توظيفها واستخدامها.
4- ملامح ثوريّة في المفهوم:
يتضمّن مفهوم التربية الإعلاميّة نبتاً ثوريّاً في مختلف تجلّياته، إذ يقوم على تأصيل الروح النقديّة في نفوس الأطفال وعقول الشباب. ويتعارض هذا التأصيل النقديّ كلّيّاً مع المنظومات التربويّة القائمة على التلقين والطاعة والقبول وتغييب النقد. ومن جهة أخرى تنشد التربية الإعلاميّة توليد حالة الاستقلال في الفرد والحرّيّة في اتّخاذ القرارات بل تتطلّب مجموعة من الخصائص الثوريّة، مثل: الحرّيّة والنقد والاستقلال والقيمة الأخلاقيّة والمستقبل والوعي الموضوعيّ. وكلّ هذه الخصائص تشكّل ملامح ثورة حقيقيّة في مجال الحياة التربويّة التقليديّة الّتي ما زالت تقوم على الطاعة والانصياع وتقديس الماضي والانفصال عن الحياة والتلقين وتغييب المبادأة والمبادرة والإبداع في كثير من الأنظمة التربويّة القائمة في العالم المتخلّف. فالتربية التقليديّة هي عمليّة إنتاج وإعادة إنتاج ما هو قائم بصورته الجامدة الراكدة، وعلى خلاف ذلك فإنّ التربية الإعلاميّة تعني ثورة وتجديداً، وتقوم على استشراف المستقبل ونقد الحاضر والانطلاق في آفاق الإبداع والتجديد والابتكار، وامتلاك القدرات الهائلة على النقد والتفكيك والتحليل ما بعد المعرفيّ.
5- تربية من أجل المستقبل:
يقول آرثر كلارك في كتابه المعروف (لمحات عن المستقبل): “إنّ الأمر الوحيد الّذي نؤمن به حول المستقبل هو أنّه سيكون خياليّاً تماماً”“([5]). ومن البداهة أنّنا نعيش اليوم في حقل وجودي تتعانق فيه الصورة مع الخيال، ثمّ يتّحدان بالإبداع الّذي يرسم المستقبل الّذي يشكّل نهضة الأمم وقوّتها، ويمثّل هذا التزاوج الخصب بين الصورة والمستقبل والإبداع سنداً متيناً تتمكّن به الأمم من كسر الجمود الساكن في التقاليد وهدم الأسوار التقليديّة والخروج إلى فضاء إنسانيّ أرحب([6]). وهنا تكمن التربية الإعلاميّة الّتي تربط بين ثلاثيّة التصوّر والإبداع للخروج من التقاليد إلى المستقبل. إنّها باختصار، أو بعبارة واحدة، تربية من أجل المستقبل وللمستقبل في أكثر مناحيه سموّاً وتعقيدا وإشكالا وتألّقاً.
وممّا أصبح اليوم سائغا القول بأنّ التربية الإعلاميّة تكرّس نفسها من أجل الإنسان وإنسانيته في المستقبل، كما بدا واضحا أن التربية الإعلامية الجديدة لا تقف عند حدود الوظيفة التقليديّة للتربية الّتي تقتصر على عمليّة توفير المعلومات وتأهيل الشباب مهنيا في مجال الإعلام فحسب، بل تعمل جوهريّاً على تطوير مهارات الاستقلال والقدرة الإبداعيّة لدى المتعلمين على حدّ سواء. فالإنسان، وفق هذه الرؤية، ليس مجرّد قوّة عمل فحسب، بل هو فوق ذلك كلّه قيمة إنسانيّة. ومن هنا يأتي التأكيد على أهمية التربية الإعلاميّة الجديدة ودورها في عمليّة النهوض بالجانب الإنسانيّ في الإنسان. ويتمثل دورها في إطلاق مهارات التفكير والتأمّل والنقد والتحليل لدى الناشئة بصورة عامّة، وفي العمل على تنمية الفضائل العقليّة والنقديّة لديهم، وهي الفضائل الّتي تمكّنهم من التّلاؤم مع عالم ممتلئ بتحدّيات الإبداع والتجدّد والصيرورة في عالم سمتُه التّغيّر والتّجديد. وهنا يجب على التربية الإعلاميّة أن تعمل بطاقة هائلة على تأهيل الناشئة وإكسابهم ما يُقدرهم على الاستمرار في عالم الإعلام الرهيب وفضاءاته الرحبة المترامية، وهو ما يقتضي بالضرورة أن تكون هذه التربية تربية مستقبليّة تقوم على سيناريوهات الإبداع والتجدّد والصيرورة ورسم الاحتمالات المستمرّة والتوقّعات المتفائلة في عالم متغيّر. وإذا كان المستقبل يأخذ صورة التغيّر والتجديد فإنّ واجبنا أن ننمّي في الناشئة حسّ المستقبل كإطار زمنيّ للتغيّر والتجديد والابتكار([7]).
6- الاستقلال الأخلاقيّ:
ولد مفهوم الاستقلال الأخلاقيّ (L’autonomie morale) في قلب عصر التنوير، وهو يشير إلى استقلاليّة الفرد في أن يحدّد مسار وجوده على نحو أخلاقيّ مستقلّ يجسد حقّ الإنسان في تقرير مصيره الأخلاقي الذاتيّ. ومنذ ذلك العهد وضمن السياق الديمقراطيّ الّذي عرفه الغرب وظّفت المدارس والمؤسّسات التعليميّة في عمليّة النهوض بالاستقلال الأخلاقيّ للأطفال. فالاستقلال الأخلاقيّ غالباً ما كان يشكّل مطلباً حيويّاً للأغلبيّة السياسيّة (الأحزاب الّتي تحكم). وبعبارة أخرى، فإنّ المدرسة وظّفت في عمليّة بناء القدرة على بناء الاستقلال في الرأي لدى الأطفال والدفاع عن القيم الأخلاقيّة في السياقات الثقافيّة والاجتماعيّة. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمّيّة الاستقلال الأخلاقيّ والحاجةُ إلى أن تترسّخ معانيه في عقليّة الناشئة والأطفال. ويعني هذا في نهاية الأمر تمكين الفرد من التأمّل النقديّ والاستقلال في إصدار الأحكام والتعبير عن الرأي بحرّيّة واتّخاذ المواقف الأخلاقيّة في عالم يضجّ بالأحداث ويموج بالمتغيّرات ويفيض بالمؤثّرات والقوى الاجتماعيّة الفاعلة.
وباختصار، يشكّل الجانب الأخلاقيّ أحد أهمّ جوانب التربية الإعلاميّة التي تسعى إلى تأكيد الاستقلال الأخلاقيّ عند الأطفال، ونعني بذلك التربية التي تمكّن الأطفال من التعبير عن القيم الأخلاقية بصورة حرّة ومستقلّة. فالأخلاق الّتي تكرّسها ليست أنموذج القيمة الأخلاقيّة التقليديّة الّتي تمجّد المنظومات القيميّة التقليديّة، بل تولّد في نفوس الأطفال والناشئة هذه القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقيّة على نحو حرّ ومستقلّ. وهنا يكمن أحد جوانب القيمة الثوريّة في التربية الإعلاميّة. فالطفل هو الّذي يقرّر ما هو أخلاقيّ بصورة حرّة، وهو الّذي يرفض أو يقبل دون تدخّل الكبار وبعيداً عن سطوة التقاليد.
7- بناء الهويّة:
تشكّل التربية الإعلاميّة منطلقاً تربويّاً جوهريّاً في عمليّة بناء الهويّة لدى الكائن الإنسانيّ، وهي في إطار هذا الدور الإنسانيّ تساعد الأطفال على معرفة هويّتهم وقيمهم الّتي يهتدون بها. فوسائل الإعلام هي فضاء يمكّن الأطفال الّذين يعيشون فيه من بناء هويّتهم، إذ تتيح لهم استخدام الصور للذكرى والاستماع إلى مقاطع الفيديو وتغيير صورهم وتسجيل ذكرياتهم، وكلّ هذه الفعاليّات تقودهم إلى التساؤل عن هويّتهم: من أنا؟ وماذا أحبّ أن أكون؟ وكيف يجب أن أكون؟ ويصحّ هذا الأمر على تحليل مختلف القضايا الّتي تتعلّق بالهويّة والوجود الإنسانيّ. فالتربية الإعلاميّة تمنح الطفل تجربة مهمّة وثمينة يمكنها أن تساعده على تشكيل هويّته وشخصيّته. لذلك، فإنّه لمن الضرورة بمكان أن يمتلك الطفل وعياً بحاجاته وميوله من أجل استخدام وسائل الإعلام بطريقة مناسبة وهادفة.
8- في مواجهة الخطر:
إذا كانت وسائل الإعلام تتضمّن عدداً كبيراً من المزايا والسمات الإيجابيّة وتوفّر لنا فضاء من المتعة وتلبّي لنا جانبا كبيرا من الحاجات الأساسيّة في المجال المهنيّ وفي مجالات الحياة، فإنّها في الوقت نفسه تحمل في طيّاتها كثيراً من السلبيّات والمآسي والمخاطر. ويتمثّل أحد وجوه الخطر الإعلاميّ في الاستهلاك المفرط لوسائل الإعلام. فالمضامين الإشكاليّة والبرامج الخياليّة وأساليب التلاعب الإعلاميّ والتشتيت وسوء استخدام البيانات والوجود المخيف للخداع والاحتيال الإعلاميّين والانتشار المكثّف للمضايقات والتحرّش الجنسيّ والابتزاز عبر الإنترنت وسرقة البيانات والتشهير الإعلاميّ والسرقات الماليّة عبر الحسابات والمصارف وجرائم الإنترنت بصفة عامة، كلّها مضامين إعلاميّة تشكّل خطراً كبيراً على حياة الأطفال والكبار النفسيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة.
وهنا يبرز دور التربية الإعلاميّة الّتي تسعى إلى حماية الجميع من الخطر الإعلاميّ المُحدِق بهم عبر النهوض بالوعي الإعلاميّ لدى الأطفال والناشئة جميعاً، إذ تقدّم تلك التربية الوسائل الممكنة الّتي يعتمد عليها في مواجهة هذه المواقف والوضعيّات والمضامين وتجنّبها في الوقت ذاته. فالتربية الإعلاميّة تؤهّل الأطفال والناشئة معرفيّاً وعلميّاً لمواجهة الاستهلاك الإعلاميّ المفرط والتّحصّن من المحتويات الإشكاليّة في الرسائل الإعلاميّة، وحماية الأطفال من التلاعب بالبيانات وسوء استخدامها، كما تتيح معرفة كلّ أشكال الخدع والاحتيال الإعلاميّين، والتّصدّي لخطر التحرّش عبر الإنترنت.
وضمن هذه المواجهة المعرفيّة لأخطار الإعلام تطرح التربية الإعلاميّة عدداً كبيراً من المشاريع والرؤى والتصوّرات وتبثّ نمطاً متقدّماً من الوعي، وذلك من أجل توليد مناعة إعلاميّة ضدّ مختلف السلبيّات والأخطار والتحدّيات الّتي يواجهها الناشئة عبر الإعلام. وهي في الأحوال كلّها تقلّص نسب الخطر المحتمل إلى أدنى مستوياته. وباختصار تعمل التربية الإعلاميّة على تزويد الطلبة والناشئة بالمعلومات الضروريّة، وتقدّم حلولاً موضوعيّة لمختلف المشكلات من أجل خفض مستوى الخطر إلى أقصى حد ممكن، كما أنّها تطلق نوعاً من الحوار الأخلاقيّ حول هذه الجوانب السلبيّة وحول الكيفيّات الّتي يجب على الأفراد التعامل بها مع وسائل الإعلام المتاحة، ولا سيّما الإنترنت والهواتف الذكيّة. وقد بيّنت الدراسات والأبحاث في المجال الإعلاميّ أنّ تطوير الكفاءات والخبرات والمعارف الإعلاميّة عند الأطفال يساعدهم كثيراً على السيطرة، وبنجاح يفوق التوقّع، على مختلف التحدّيات الّتي تفرضها وسائل الإعلام.
9- فضاء التربية الإعلاميّة:
تشمل التربية الإعلاميّة فضاء واسعاً ومتنوّعا من القضايا والمشكلات والموضوعات. وفي كلّ الأحوال إذا كنّا نريد حقّاً العمل على تأهيل الأطفال وإعدادهم بطريقة فعّالة لمواجهة التحدّيات الإعلاميّة فإنّ علينا أن نستعرض جوانب متعدّدة في هذا الفضاء الإعلاميّ.
تحاور التربية الإعلاميّة عالم وسائل الإعلام وتستجوبه وتسائله وتخوض في قضاياه، وتعمل في الوقت ذاته على رسم العلاقة القائمة بين الأطفال والإعلام. كما تؤدّي دورها النقديّ في تحديد مختلف أوجه الممارسة التربويّة إزاء الإعلام وتحدّياته، ضمن محاولة لتقديم الإجابات الوافية عن مختلف أشكال الإعلام وتطوّراته والقضايا الّتي يطرحها مثل: ما هي وسائل الإعلام الجديدة؟ ما وظيفتها؟ ما الفضائل الّتي تمتلكها؟ ما الأخطار الّتي تنطوي عليها؟ كيف نستطيع استخدامها بطريقة مثلى؟ ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة، فإنّ التربية الإعلاميّة – ضمن ممارستها النقديّة – تؤهّل الأطفال والناشئة للتّحلّي بروح نقديّة حرّة. ويشمل هذا تمكينهم من تقييم مختلف الإيجابيّات والسلبيّات الّتي تنطوي عليها الرسالة الإعلاميّة في مختلف وسائل الإعلام.
10- استجواب التفكير النقديّ:
تنهّج التربية الإعلاميّة نهجاً نقديّاً، بل قد يكون النقد هو السمة الرئيسة الّتي تميّزها، وهي كالحكمة الّتي عرّفها ابن رشد بأنّها “النظر في الأشياء بما تقتضيه طبيعة البرهان”. فالتربية الإعلاميّة تتّسم بالطابع النقديّ في مختلف ممارساتها التربويّة، وتعمل على تأسيس وعي نقديّ بوسائل الإعلام. وضمن هذا التصوّر يجب على التربية الإعلاميّة أن تمارس وظيفتها النقديّة هذه من خلال تزويد الأطفال والناشئة بروح النّقد وآليّاته وتمكينهم من توظيف التّفكير النّقديّ في تناول مختلف أشكال وسائل الإعلام ومضامينها. فعلى سبيل المثال: من الّذي كتب النصّ الإعلاميّ (معلومات، نصوص، تعليمات، آراء، ترفيه)؟ ما الفوائد المرجوّة من نشرة إعلاميّة محدّدة؟ ما وظيفة النصّ الإعلاميّ؟ من المستفيد من هذه المضامين الإعلاميّة؟ إلى من توجّه هذه الرسالة الإعلاميّة؟ وما هي احتمالات التأثير الّتي ينطوي عليها هذا النصّ الإعلاميّ؟ ما الآثار الإيجابيّة والسلبيّة لهذا النصّ الإعلاميّ أو ذاك؟ ما المضامين الخفيّة في هذا النصّ الإعلاميّ؟ ما الأهداف الأيديولوجيّة الّتي تسعى إلى تحقيقها الرسالة الإعلاميّة؟
11- الإعلام- البعد الخامس:
في الوقت الّذي يجمع فيه المفكّرون والباحثون على أنّ الإعلام يشكّل البعد الرابع للدولة، فإنّ كثيراً منهم يعتبرون أنّ التربية الإعلاميّة هي البعد الخامس للدولة والمجتمع. فغالبا ما تحتاج الديمقراطيّة الحديثة إلى إعلام حرّ يمارس دوره النقديّ الفعّال إزاء السلطات التقليديّة الثلاث. ويُسهم هذا الأمر بقوّة في تشكيل الرأي العامّ الرشيد إزاء مختلف القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة القائمة في المجتمع. وإذا كانت المضامين الإعلاميّة موغلة في الغموض وظلمة التخفّي الأيديولوجيّ، فإنّه من غير وجود التربية الإعلاميّة يصعب التعرّف على القيمة الفعليّة للحقائق الّتي تبثّها وسائل الإعلام، كما يصعب في الآن ذاته تشكيل رأي خاصّ حول مضامين الرسالة الإعلاميّة. وهنا يأتي دور التربية الإعلاميّة الّتي تمكّن الأجيال (من الصغار والكبار )من عمليّة تفكيك رموز وسائل الإعلام وتحليل مضامينها بطريقة فعّالة وذكيّة، وذلك عبر عمليّات النقد والتحليل والاستكشاف والاختبار. وهذا كلّه يتساوق مع عمليّة الكشف عن مضامينها الخفيّة وأبعادها الأيديولوجيّة. وهي بذلك تتيح للأطفال والناشئة القدرة على تشكيل آرائهم الخاصّة النقديّة المستقلّة في وسائل الإعلام المختلفة وفي مضامينها المتنوّعة. ومن هنا تأتي تسمية التربية الإعلاميّة بالبعد الخامس تعبيراً عن الدور الخطير الّذي تضطلع به في مجال الحياة الثقافيّة والإعلاميّة في المجتمع.
12- الحكم الأخلاقيّ:
يفرض التأمّل الأخلاقيّ نفسه ضرورة حيويّة في مجال استخدام وسائل الإعلام، وذلك بالنظر إلى تأثير الأفعال الإعلاميّة في الآخرين من زاوية أخلاقيّة. ويعني هذا أنّ الفرد يجب أن يكون قادراً على تقييم نتائج الأفعال والممارسات الإعلاميّة لحماية نفسه والآخرين، وهو ما يشكّل جانباً من الكفاءة الإعلاميّة الّتي توفّرها التربية الإعلاميّة. فالتفكير الأخلاقيّ في المضامين الإعلاميّة يسمح لنا – بصورة مستمرّة – بأن نطوّر القدرة على الاستقلال الأخلاقيّ ويمكّننا من توجيه الممارسة الإعلاميّة نحو مسارات إنسانيّة وأخلاقيّة أفضل من أجل العمل على اكتساب الفضائل الضروريّة ومن أجل السيطرة على التحدّيات الإعلاميّة المعاصرة ومواجهتها.
13- التقييم الحرّ للمضامين الإعلاميّة:
يعتقد غالباً أنّ وسائل الإعلام النقديّة الحرّة والمتطوّرة تكون ضروريّة وحيويّة في المجتمعات الديمقراطيّة الحديثة. فالإعلام الحرّ يوفّر منابر مهمّة لمناقشة الأسئلة الحيويّة في المجتمع، كما تتيح هذه الوسائل الإعلاميّة النقديّة هامش المناورة السياسيّة وطرح البدائل السياسيّة في المجتمع، وتمارس في الوقت ذاته تأثيراً يؤدّي إلى تشكيل الرّأي العام وصوغ معالمه. ويكون الإعلام كما هو معروف ضروريّاً من أجل الممارسة السياسيّة – أي الاتّصال السياسيّ وإضفاء المشروعيّة على القرارات السياسيّة- وهذا الأمر يفرض نفسه في المجال الاقتصاديّ والثقافيّ على حدّ سواء. فالإعلام هو في نهاية المطاف الأساس الّذي تَنطلق منه وتَستند إليه النظم الاجتماعيّة الفرعيّة من أجل تنظيم أنشطتها ووظائفها الحيويّة. ومن أجل المحافظة على الطابع النقديّ لوسائل الإعلام يبرز دور التربية الإعلاميّة في تقييم المضامين الإعلاميّة ونقدها وتوجيهها نحو المسالك الاجتماعيّة الديمقراطيّة. فالتربية الإعلاميّة تمكّن الناشئة من التأثير في وسائل الإعلام وتوجيه مساراتها نحو الأفضل، بما أتيح لهم أن يمتلكوه من قدرة نقديّة على فهم واستيعاب المضامين الإعلاميّة والنّفاذ إلى أبعادها الأيديولوجيّة.
14- إدراك لغة الإعلام وفهمها:
بقيت المدرسة خلال أكثر من قرن فعّالة في أداء مهمّتها الأساسيّة الّتي تتمثّل في تعليم القراءة والكتابة. وكانت هذه الوصاية المدرسيّة على نشر القراءة والكتابة ضروريّة في مجتمعات تقليديّة تعتمد على مجرّد الطباعة. لكنّ التطوّر الحديث أظهر أشكالاً جديدة – أكثر من أن يُحصى – من التعبير الّتي تميّزت بالقدرة الهائلة على المنافسة مثل الراديو والتلفزيون والصورة والأفلام والألعاب والمواقع الإلكترونيّة والهواتف الذكيّة. وهي أدوات ووسائل قويّة جبّارة تؤدّي دوراً بالغ الأهمّيّة والخطورة في مجتمعاتنا. وفي هذا المستوى من التطوّر الإعلاميّ، فإنّه ينبغي على التربية الإعلاميّة أن تحدث انقلاباً ثوريّاً وضروريّاً في مجال فهم وتفسير اللغة الإعلاميّة الجديدة الّتي تتمثّل في الصور والكلمات والأصوات والدلالات الخفيّة والمعاني. ويطلق عادة على مستخدم وسائل الإعلام تسمية “المستهلك” بصورة عامّة، ولكن هناك المستهلك الّذي يتحمّل مسؤوليّة فهم النصّ الإعلاميّ وتحليله، وهو المستهلك الّذي لا يكتفي بدور سلبيّ في تفاعله مع المحتوى الإعلاميّ. فمن أجل فهم نصّ إعلامي بصورة فعّالة وإيجابيّة يجب أن يترافق ذلك مع التّفكير النقديّ. وهنا أيضاً تكمن إحدى أهمّ الوظائف الأساسيّة للتربية الإعلاميّة الّتي تمكّن المتعلّمين والأطفال من فهم واستيعاب لغة الصورة والكلمة واللهجات الخفيّة الكامنة في مختلف حركات النصّ الإعلاميّ والكشف عن مخادعاته اللغويّة.
15- الاستخدام المستنير لوسائل الإعلام:
تكمن المهمّة الأساسيّة للتربية الإعلاميّة في تمكين الطفل من استخدام وسائل الإعلام في ضوء احتياجاته واهتماماته، وتمكّنه أيضاً من الملاءمة بين احتياجاته والمتطلّبات الاجتماعيّة. فالطفل، بمساعدة التربية الإعلاميّة، يصير قادرا على فهم الطريقة الّتي يختار بها النصّ الإعلاميّ أو الوسيلة الإعلاميّة المناسبة بعناية واهتمام، وذلك بالتزامن مع توخّي رؤية نقديّة للمضمون الكامن في الرسالة الإعلاميّة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية يجب على التربية الإعلاميّة أن توضّح الكيفيّة الّتي يتمّ بها تشكيل الإنتاج الإعلاميّ والكيفيّة الّتي يتمّ بها توظيف الرسالة الإعلاميّة في عمليّة بثّ الأفكار من خلال علاقة التفاعل بين المرسل والمرسل إليه، وبين المنتج والمستهلك أيضاً. ويمكن تلخيص هذه المسألة بالقول: إنّ مهمّة التربية الإعلاميّة تأكيد أهمّيّة الممارسة الإعلاميّة عند الأطفال والناشئة، وذلك لأنّ الأمر يتعلّق بعمليّة تمكين التّلاميذ من حسن التّعامل مع التدفّق الكبير لوسائل الإعلام عبر عمليّة تعليم متواصلة ومستمرّة، يتمثّلون فيها معارف خاصّة ومميّزة حول مهارة التواصل الإعلاميّ وسبل التفاعل الخلّاق مع المضامين الإعلامية.
16- إسقاط الأوهام:
لا يعني التواصل مع وسائل الإعلام أنّ الفرد يستطيع بالضرورة فهم مضامين الرسالة الإعلاميّة، إذ غالباً ما تحمل المعلومات صبغة عاطفيّة وشحنة أيديولوجيّة تضعف قدرة العقل على اكتناه الرسالة الإعلاميّة على نحو نقديّ. وذلك لأنّ الجمهور الإعلاميّ يكون في أغلب الأحوال عاطفيّاً انفعاليّا نزّاعا إلى البحث عن إشباع عاطفيّ وانفعاليّ في المضامين الإعلاميّة. ويكمن الخطر الكبير غالباً في الاعتقاد أنّنا فهمنا الرسالة الإعلاميّة لأداة إعلاميّة ما دون أن يكون ذلك حقيقيّاً.
وغالباً ما يسقط الناس أفكارهم ومشاعرهم وقيمهم وأنماط تصوّراتهم الخاصّة على نحو لاشعوريّ على النصوص الإعلاميّة. وعندما نفهم المضامين الإعلاميّة بناء على الخلفيّات الفكريّة والذهنيّة الراسخة في أعماقنا، أي عندما ندرك النصّ الإعلاميّ على خلفيّة مشاعرنا ورغباتنا وأهوائنا، فإنّنا بذلك نشيد أوهاماً معرفيّة قائمة على المخادعة الذاتيّة. فعلى سبيل المثال تمثّل الشخصيّة الإعلاميّة ضمنَ أيّ فيلم أو عمل إعلاميّ بالنسبة إلى المشاهد نموذجاً قيميّاً يتعلّم منه كيفيّة بناء علاقاته في الحياة، وربّما تمنحه صورة خادعة عن طريقة الوصول إلى النجاح.
والمشكلة الكبرى أنّ المشاهد كثيرا ما يعتقد أن أيّ نصّ إعلامي ترفيهيّ لا يحمل في ذاته أكثر من الترفيه. ويضاف إلى ذلك أنّ العلاقات والشخصيّات والمفاهيم والتصوّرات الّتي نراها في مادّة إعلاميّة لا يمكن أن تكون إسقاطاً حقيقيّاً للواقع اليوميّ الّذي نعيش فيه. ومن هنا، فإنّ التربية الإعلاميّة تعمل على تمكين الأفراد من الوعي بالمظاهر الخادعة الّتي نستودع فيها أوهاماً ونبنيها في عقولنا، كما تدعو إلى الاعتماد على التحليل النقديّ للمضمون الإعلاميّ كي لا نقع في براثن التوهّم ونضيع في لجّة الأوهام الّتي يبثّها النصّ الإعلاميّ.
17- استجواب الشفّافيّة:
يزوّد الإعلام الناس بالمعلومات، وتلك هي إحدى أهمّ وظائفه. لكنّ المعلومات الّتي يبثّها الإعلام ليست صافية نقيّة، ولا تعبر دائماً عن الحقيقة كما تتمثّل وتتجلّى في الواقع. فكلّ نصّ إعلاميّ يتضمّن تحويراً وتعديلاً لحقيقة ما في الواقع، ويجري هذا التعديل عبر عمليّات متعدّدة أهمّها إضافات التفسير والتحليل الّتي نجدها مضمرة حيناً وصريحةً أحياناً أخرى في تلافيف الرسالة الإعلاميّة. ومع ذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التقارير الإعلاميّة الّتي تشكّل مصدراً للمعرفة، ولكنّ ذلك يجب أن يكون مترافقاً مع التحوّط والحذر الشّديدين لأنّ الحقيقة الإعلاميّة شديدة التعقيد غنيّة بالمضامين الأيديولوجيّة، وهي أكثر تعقيداً ممّا يعلن عنه في وسائل الإعلام ذاتها.
ويمكن في هذا السياق استعراض تحليل كريستيان دولكر (Christian Doelker) الّذي قدّم لنا نموذجاً ثلاثيّ الأبعاد حول تطوّر الرسالة الإعلاميّة في ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: تكون فيها الحقيقة أوّليّة فيزيائيّة ماثلة في الواقع العيانيّ دون تمثّلات إعلاميّة، وهي الحقيقة الّتي يمكن إدراكها بسهولة ويسر، ومن النادر أن نرى الحقائق الإعلاميّة كما تتبدّى في صورتها الأولى القائمة في الطبيعة أو في الواقع.
المرحلة الثانية: وتتمثّل في رصد الحقيقة إعلاميّاً، أي عندما يجري نقل صورة الحقيقة من الواقع الحيّ عبر وسائط الإعلام، كما يجري في التقارير الصحفيّة والتلفزيونيّة. والصورة الإعلاميّة للحقيقة لا تطابق صورة الحقيقة الأصليّة، لأنّ الحقيقة تكون قد تغيّرت على إيقاعات التصوير الإعلاميّ الّذي لا يمكنه نقل الصورة كما تتجلّى في الواقع تماماً. فالتقارير والصور والتفسيرات غالباً ما تضفي على الوقائع سمتها الإعلاميّة الّتي قد تكون مدبّرة ومتحيّزة وتهدف إلى التأثير في الجمهور الإعلاميّ بالدرجة الأولى. ويعني هذا وجود اختلاف كبير بين المرحلة الأولى (الحقيقة في صورتها الواقعيّة) والمرحلة الثانية الّتي تمثّل الحقيقة الإعلاميّة كصورة معدّلة عن الواقع.
المرحلة الثالثة: عندما نتلقّى الصورة الإعلاميّة للحقيقة في المرحلة الثانية فإنّنا لا نتمثّل الحقيقة بصورة مطابقة للصورة الإعلاميّة، فنحن في تمثّلنا للحقيقة الإعلاميّة – لحدث إعلاميّ أو صورة أو تقرير – غالباً ما نعيد صوغ الحقيقة الإعلاميّة عبر مشاعرنا وأفكارنا وخلفيّاتنا الثقافيّة. وعلى هذا النحو تكتسب الحقيقة وجهاً آخر ونكهة شخصيّة أخرى يُضفيهما الفرد على الصورة الإعلاميّة نفسها.
وفي هذا المستوى من التحليل يكمن دور التربية الإعلاميّة، إذ تقوم باستكشاف بعد رابع للحقيقة، وهي الحقيقة النقديّة للصورة الإعلاميّة، أي: الحقيقة الّتي تتشكّل بعد إخضاع الصورة الإعلاميّة للنقد والمساءلة. فالنقد التربوي للصورة الإعلامية أمر جوهريّ تحثّ عليه وتجسّمه التربية الإعلاميّة، إذ تعمل على المقاربة النقديّة لصورة الحقيقة الإعلاميّة في مستوييها الثاني والثالث وتقارنها مع التجلّيات الواقعيّة للحقيقة في صورتها الأولى الخامّ قبل التعديل.
وبوضوح أكبر تعمل التربية الإعلاميّة في ممارستها النقديّة على تحرير الحقيقة من الإضافات الإعلاميّة من جهة، ومن الإضافات الّتي يضفيها الفرد على هذه الصورة من جهة أخرى، أي تحاول التربية الإعلاميّة استجلاء الصورة كما تبدّت في المرحلة الأولى دون تغيير ولا تبديل. ويعني هذا أنّ التربية الإعلاميّة تريد استجلاء الصورة الأولى للحقيقة بعيداً عن التزييف والأوهام الّتي أسبغت عليها من قبل المنتج والمتلقّي في آن واحد. والأمر المهمّ الّذي يجب أن نأخذه في الحسبان هو أنّ النقد الإعلاميّ للتربية الإعلاميّة يريد استكشاف الحقيقة كما هي دون أيّة إضافات، وفوق ذلك كلّه يريد الكشف عن الملابسات كلها الّتي أحيطت بالحقيقة الواقعيّة مهما كان مصدرها.
ويمكن أن نسرد هذا المثال التوضيحيّ للمراحل الثلاث:
يتحدث أحد التقارير عن اللاجئين الّذين يأخذون القوارب في عمليّة لجوئهم (المرحلة الثانية: الحقيقة الإعلاميّة)، ومع ذلك لا يمكن لأيّ تقرير أن يصف الحالة الحقيقيّة الّتي يرويها لاجئ، والّتي تتعلّق بمشاعره وآلامه ومعاناته (المرحلة الأولى كما تتجلّى في الواقع). وتشمل عمليّة تفاعلنا مع التقرير، وفهمنا إيّاه ضمن منظومة رؤيتنا وتصوّراتنا وتجاربنا (المرحلة الثالثة). وفي كلّ مرحلة يمكن أن نجد تبايناً كبيراً ما بين الحالة الأوّليّة والحالة الإعلاميّة مقارنة أيضاً بالفهم الّذي يضفيه المتلقّي على الصورة الإعلاميّة. أمّا الحقيقة النقديّة الإعلاميّة، فتحاول قدر الإمكان تجريد الحقيقة من الإضافات الإعلاميّة، ومن الإسقاطات الانفعاليّة الّتي يضفيها متلقّي التقرير على هذه الحقيقة. ومهما يكن الأمر، فإنّه يستحيل أحياناً بل في غالب الأحيان أن نقدّم حقيقة صافية خالصة تمثّل فعليّاً صورتها الأوّليّة كما تجلّت في الواقع.
18- التربية الإعلاميّة خارج المدرسة:
يشكّل التّعليم، كما بيّنّا سابقاً، مهمّة المدرسة الّتي تبثّ في ذات الوقت وعياً إعلاميّاً ضروريّاً للحياة اليوميّة. والتربية الإعلاميّة كما أوضحنا تعتبر عنصراً حيويّاً في مواجهة تحدّيات العصر الإعلاميّة. وتقوم المدرسة في هذا الاتّجاه بمهمّة تعليم الأطفال وتثقيفهم وفقاً لتقسيماتهم العمريّة، ووفقاً لمجموعات من الصفوف التقليديّة، وهي تعتمد في مهمّتها هذه على مناهج علميّة فعّالة وموثوقة ومُجرَّبة، وضمن هذه الرّوح تقوم المدرسة بعمليّة التعليم والتربية المستمرّة من أجل تأهيل الأطفال والناشئة إعلاميّاً وتمكينهم من التواصل الإعلاميّ على نحو نقديّ وفعّال.
ولا يخفى على أحد أنّ الإعلام يحتلّ مركز الأهمّيّة في حياة الأطفال والشباب على نحو خاصّ. وهنا تبرز متطلّبات تربويّة جديدة يجب أن يستوفيها المعلّمون كما هو الحال بالنسبة إلى أولياء الأمور المعنيّين بالتربية أيضاً. ومن أجل تحقيق غايات التربية الإعلاميّة المستمرّة يجب على الآباء والمعلّمين والمسؤولين المحلّيّين أن يتمثّلوا دورهم الحيويّ في توعية الناس والناشئة بطبيعة الرسالة الإعلاميّة وتجنّب مخاطرها، وهذا العمل بين الجميع يجب أن يكون متكاملاً ومتضافراً بصورة مستمرّة.
وتقع المسؤوليّة الأكبر على عاتق الآباء والأمّهات في حماية أطفالهم من تغوّل وسائل الإعلام وفي تحصينهم من مخاطرها. ومن المعروف أنّ الآباء يمتلكون تأثيراً كبيراً في حياة الأطفال ولاسيّما في تشكيل عاداتهم الإعلاميّة، ونعني بذلك طريقة تفاعلهم مع وسائل الإعلام وتواصلهم مع الأدوات الإعلاميّة الذكيّة. فالآباء يمثّلون القدوة الحسنة لأبنائهم، لذلك يمكنهم أن يُعْطُوا نموذجاً تربويّاً في مجال التواصل مع الإعلام، وفي كلّ ما يتعلّق بمختلف أوجه النشاط الإعلاميّ، ولا سيّما اختيار المادّة الإعلاميّة، وطريقة التفاعل معها على نحو نقدي. فالتربية الإعلاميّة في المنزل، وفي الإطار العائليّ، هي شأن تربويّ بالدرجة الأولى، وهو ما يعني أنّ الآباء والأمّهات يمكنهم أن يؤدّوا دوراً محوريّا في تشكيل الوعي الإعلاميّ لأبنائهم، فيمكنهم مشاركة الأطفال في استكشاف الإعلام والتواصل مع المادّة الإعلاميّة على نحو آمن وعقلانيّ في مجال حياتهم اليوميّة.
والعمل الإعلاميّ خارج المدرسة واسع الانتشار في بعض البلدان الغربيّة. فالبيئات المنفتحة تشكّل مكاناً مثاليّاً للترفيه والتعلّم غير الرسميّ، فتكون القيود أقلّ صرامة، وتوفّر حرّيّة أكبر، ومجالاً للمناورة أوسع من البيئة المدرسيّة. ومن فضائل الفضاء المفتوح خارج المدرسة غياب النمطيّة المدرسيّة الّتي تعتمد على التحكّم والتقييم، ومن هنا يكتسب التعليم خارج المدرسة قوّة هائلة في تعزيز وعي الناشئة وتمكينهم من استيعاب الواقع الّذي يعيشون فيه. ومن المؤكّد أنّ المدرسة تكون حالة مؤقّتة عابرة في حياة الناس. ويبقى الأهمّ، وهو التعليم المستمرّ طوال الحياة، ولا سيّما في المجال الإعلاميّ، وعلى امتداد الزمن، إذ سيكون للتعلّم والاكتساب في مجال الإعلام أهمّيّة كبيرة مستمرّة في حياة الناس، بتعاقب الأجيال. ومن الأهمّيّة بمكان توفير هذا التعليم الإعلاميّ لجميع الفئات العمريّة، مع توفير فرص متكافئة في التفاعل مع وسائل الإعلام واستخدامها بطريقة مستنيرة في الحياة المهنيّة والخاصّة.
19- الجِدّة والتجديد:
فرضت وسائل الإعلام حضورها الهائل في كلّ ركن من أركان الحياة التربويّة في المدرسة. وأصبحت المدرسة تفيض بوسائل الإعلام الّتي تبدأ من الصورة إلى الألعاب الإلكترونيّة، مروراً بالفيديو والكاميرا والحاسوب، وأدوات العرض والمسرح والسينما. وتوظّف وسائل الإعلام هذه عمليّاً في عمليّة التعلّم والتعليم في الفضاء المدرسيّ بصورة فعّالة، وقد أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من الحياة المدرسيّة.
ومع ذلك يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ توظيف هذه الوسائل في التعليم المدرسيّ لم يكن ناجحاً دائماً، وقد أصيب بانتكاسات وإخفاقات لم تكن متوقّعة البتّة. ويعني ذلك أنّ وسائل الإعلام هذه لا يمكنها أن تكون فعّالة بذاتها، فالمعلّم هو الّذي يختار الوسيلة الّتي يعتمدها في عمليّة التعليم، وهو من يوظّفها في سياق تربويّ محدّد. ومن ثمّ فإنّ النجاح الّذي يمكن أن يتحقّق من استخدام الوسائل يعتمد على السياق العامّ الّذي توظّف فيه والكيفيّة الّتي تعتمد في عمليّة التعليم. وفي هذا المستوى يمكن أن نطرح أسئلة عديدة: ما وسيلة الإعلام الّتي تعتمد في التعليم؟ وفي أيّ شروط تربويّة تُسْتَخْدَم؟ وما هي طبيعة الاستخدام؟ وما مدى تأهيل المعلّم تربويّاً وإعلاميّاً؟ وما طبيعة المادّة العلميّة الّتي تُدَرَّس؟ وما مدى تأهيل الطلبة أنفسهم في مجال استخدام التكنولوجيا والوسائل الإعلاميّة؟ في ضوء هذه المعطيات يمكن أن نتحدّث عن نجاح العمليّة التربويّة في توظيف الإعلام أو عن فشلها.
ويمكن لوسائل الإعلام أن توظّف بطريق مختلفة ومتنوّعة في المجال المدرسيّ، كما يمكنها أن تساعد على تجديد أشكال التدريس، وأن تساعد على ترسيخ فرص التعلّم الذاتيّ الموجّه. ويحفّز هذا بدوره الطلبة على المشاركة، كما يسهّل تقويض الهياكل التقليديّة والمقاربات الجامدة في مستويات التفاعل التربويّ الموروث الّذي يتميّز بالتقادم والسّكون والتصلّب. فاستخدام وسائل الإعلام بطريقة عقلانيّة ومستنيرة في التعليم يتيح فرصاً جديدة وإمكانات رحبة للتعلّم الجيّد والعمل وتحقيق التعاون والتوازن التربويّ بين الطلبة ومختلف مكوّنات السياق العامّ للعمليّة التربويّة. ويمكّن هذا بدوره الطلبة من التّلاؤم بسرعة مع متطلّبات الحياة العمليّة، ومع مقتضيات التفاعل مع الواقع الإعلاميّ السائد في الحياة وفي المجتمع. كما تتيح وسائل الإعلام المتوفّرة في المدرسة فرص التواصل بطريقة عقلانيّة وهادفة بين الطلبة أنفسهم من جهة وبينهم وبينها من جهة أخرى، دون مغبّات الإجهاد الكبير الّذي يكابدونه في التعليم التقليديّ، وهم في ذلك كلّه يستفيدون من معرفتهم السابقة، ومن التجارب الّتي أجروها في الماضي القريب. وفي النهاية يمكن القول إنّ هذا النمط من التعليم يساعد الطلبة على اكتساب المهارات الحقيقيّة على نحو ثوريّ في مجال التواصل مع الإعلام تعلّماً وفهماً ونقداً لصيروراته ضمن دائرة التوظيف الأمثل لإمكاناته في مجالي التعليم والتعلّم.
فالتربية الإعلاميّة تمهّد لفضاء تربويّ جديد يعطي المتعلّمين فرص تعلّم مبتكر خارج النمطيّة المعهودة وفقا للنقاط التالية :
1- تمكّن وسائل الإعلام المتعلمين من التعرّف على الوثائق التاريخيّة الأصليّة (الصور، التسجيلات الصوتيّة، مستخلصات من البرامج التلفزيونيّة، إلخ).
2- توفّر فرصاً جديدة للتعلّم الشخصيّ المتخصّص، بالإضافة إلى التعلّم التعاونيّ بغضّ النظر عن الزمان والمكان.
3- يعزّز الفضاء الترفيهيّ للإعلام التعلّم الذاتيّ والتعلّم في مناخ تعاونيّ.
4 – يمكّن للمضامين الإعلاميّة، مثل الأفلام الوثائقيّة الّتي تعرض في الفصل، أن تمثّل منطلقاً تربويّاً محفّزاً للمناقشة والحوار والعصف الذهنيّ، وأن ترسّخ القدرة على عمليّة التّعلّم بنكهة نقديّة تولّد نوعاً من الضبط والتحكّم في المعرفة.
5- تمثّل الأفلام طريقة رائعة للتعامل مع موضوع ما. فالأفلام تناشد العواطف، وتسمح للفرد بأن يضع نفسه في مكان الآخرين للتعرّف على مواقفهم ومشكلاتهم، كما أنّها تسهّل مناقشة موضوعات معيّنة (مثل التحرّش الإلكترونيّ، والتحرّش الجنسيّ، والعنف، وعمليّات الابتزاز والتهديد عبر الإنترنت) إذ يدور الحوار حول شخصيّات الفيلم وما تبديه هذه الشخصيّات من عواطف وانفعالات.
6- إنّ إنتاج نصّ إعلاميّ (على سبيل المثال: مقابلة صوتيّة، تصوير فيديو، وعرض باوربوينت PowerPoint ) هو نشاط يشجّع الطالب على الاهتمام بقضيّة علميّة قد تكون شخصيّة علميّة أو منطقة أو قرية وما إلى ذلك. وهذا يمكّنه في جوهر الأمر من تفهّم الموضوع الّذي يدرسه بعمق ودراية ومن تقديم رؤية قد تكون مبتكرة حول الموضوع.
7- إنّ العمل على منتج إعلاميّ جيّد يحمل في ذاته خصائص نوعيّة يمكنه أن يعزّز التعلّم الفعّال: مثل تعديل نصّ وصقله على نحو مناسب ليقدّم إلى جمهور حقيقيّ، أو كتابة أفضل المقتطفات وأجملها من المقابلة. وهذه كلّها تمثّل في حقيقة الأمر تجارب تربويّة إعلاميّة مجزية وفعّالة في تعزيز مسيرة الطالب العلميّة.
ويمكن القول أخيرا إنّ الطلبة عندما يقدّمون إنتاجاً إعلاميّاً خاصّاً مثل: فيلم قصير، رسم كاريكاتوريّ، مسرحيّة إذاعيّة، رواية مصوّرة، فإنّهم في الوقت ذاته – من خلال عمليّة الإنتاج الّتي ينجزونها – يدرسون أيضاً طريقة الإنتاج وصيغ الإبداع والكيفيّات الّتي يتمّ بها توظيف وسائل الإعلام. كما يمكن للمشاريع الإعلاميّة الّتي ينفذها الطالب أن تساعده في تطوّير قدرته على التخطيط للعمل على المدى الطويل، كما يمكنها أيضا أن تساعده على تنسيق المهامّ المختلفة ضمن مجموعات ووضع أهداف مشتركة، وتمكنه أيضا من التغلّب على الصعوبات وملء الفجوات. ومن شأن هذا كلّه أن يشجّع الطلبة على إيجاد حلول مناسبة للمشكلات الّتي تواجههم، وأن يتيح لهم العمل معاً في سياق تعاونيّ. ويساعدهم هذا أيضاً بوضوح على اكتشاف قدراتهم الماثلة في شخصيّاتهم وشخصيّات الآخرين.
20 – خاتمة:
تمارس التربية الإعلاميّة نسقاً متكاملاً من الفعاليّات الذهنيّة الثوريّة لدى الأطفال والناشئة، وتدور معظم فعاليّات هذه التربية حول قيم النقد والاستقلال والحرّيّة والذكاء ما بعد المعرفيّ في التحليل، إضافة إلى الكشف والاستنباط والاستدلال. وتُعتَبر التربية الإعلاميّة في ذاتها ثورة موازية للثورة الرقميّة، أو لِنَقُلْ بأنّ العصر الرقميّ يتطلّب بالضرورة تربية ثوريّة رقميّة تستجيب لمقتضيات هذا العصر وإيقاعه ومسارات احتياجاته. ومن الواضح أنّ التربية الإعلاميّة هي في حقيقتها منهجيّة ثوريّة في التفكير، وفي الممارسة، فعندما يمتلك الطفل المهارات النقديّة الّتي تكرّسها التربية الإعلاميّة، فإنّ أثر هذه المهارات سيعمّم ليشمل مختلف أنشطة الفرد داخل المدرسة، وخارجها، وحينئذ سيصبح العالم بكلّ ما فيه تحت سيطرة النقد والكشف والتحليل، كما سيصبح مادّة يصدر فيها الطفل أحكامه الأخلاقيّة المستقلّة والحرّة. وهو ما يعني أنّ هذا النمط من التربية عندما يعمّ في المدارس، ويكتمل ستسقط كلّ الركائز المتصلّبة للتعليم التقليديّ الأصمّ، فينهار هذا الصّرح العتيق البالي ليحلّ مكانه نظام فكريّ نقديّ تنويريّ يساعد على تحقيق النهضة الحضاريّة للأمّة والمجتمع ([8]).
ففي السنوات الأخيرة ازدادت أهمّيّة تكنولوجيا المعلوماتيّة لأنّها أصبحت القوّة الدّافعة لتطوّر وسائل الإعلام، إذ تشكّل هذه التكنولوجيا البنية التحتيّة لتطوّر الحضارة الإنسانيّة. وهذا يقودنا إلى التأكيد على الأهمّيّة القصوى للمهارات المتعلّقة بالحاسوب والوسائل الذكيّة لفهم وسائل الإعلام في طرائق تفاعلها، وفي مستويات تطوّرها وآليّات توظيفها. فالشخص الّذي يعرف كيفيّة عمل الخوارزميّة، أو هذا الّذي يضع برنامجاً إلكترونياً من تصميمه أو يبرع في إدارة موقع إلكترونيّ، هو وأمثاله سيكونون من بين القادرين على تقييم إمكانات الوسائط الإعلاميّة وفهمها على نحو أفضل، وهذا يؤهّلهم للاندماج الفائق في العصر الرقميّ بفضاءاته السيبرانيّة.
وتأسيساً على هذه الرؤية لأهمّيّة المعلوماتيّة في المجال الإعلاميّ، وجب علينا القول إنّ علوم الحاسوب تشكّل حاليّاً جزءاً لا يتجزّأ من عمليّة التربية الإعلاميّة. فهذه العلوم تتدخّل وتؤثّر في مختلف أنحاء الوجود والحياة الإنسانيّة المعاصرة، وهي العلوم الّتي تمكّن الإنسانيّة من تحقيق التقدّم التكنولوجيّ والعلميّ في شتّى المجالات العلميّة والحياتيّة. ومن المتوقّع اليوم أن تقوم تكنولوجيا المعلومات والاتّصال بإيجاد حلول علميّة وعمليّة لمختلف المشكلات والتحدّيات الّتي تواجه المجتمع الإنسانيّ. ويضاف إلى ذلك كلّه أنّ المعلوماتيّة ستحدّد هامش المناورة في مجال العمل البشريّ: ما هو مبرمج وما يمكن برمجته، ما هو ممكن وما هو غير ممكن. ويعني هذا أنّ تأثير المعلوماتيّة يتجاوز اليوم حدود التقانة الّتي عرفناها، إذ سيكون لها الدور الحاسم في عمليّة تحديد الخيارات الوجوديّة في المجتمع في المستويين الفرديّ والجماعيّ. ومن هنا يجب على التربية الإعلاميّة أن تضع المعلوماتيّة في طليعة أولويّاتها. ويتطلّب هذا كلّه تنمية الوعي النقديّ والمعرفة العقلانيّة بلا حدود والتأصيل الحرّ للاستقلاليّة الأخلاقيّة.
لقد حان الوقت مع إطلالة الثورة الصناعيّة الرابعة لكي نهجر صندوق الممنوعات والمحظورات الكلاسيكيّة في التربية الموروثة، مثل: الواجبات المدرسيّة، والواجبات المسائيّة، والدروس الاستظهاريّة، والمناقشة المعهودة المحفوظة في المناخ المدرسيّ وكلاسيكيّاته المملّة، وأن ننتقل إلى أجواء رقميّة جديدة تعتمد النقد والتحليل الثاقب والحفر المعرفيّ فيما وراء الظواهر الإعلاميّة. ففي كلّ مكان اليوم من جنوب العالم إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، نجد أنّ المؤسّسات الصناعيّة، والشركات، ومراكز البحوث العامّة، ومؤسّسات التعليم الخاصّ تتبنّى أنظمة تربويّة جديدة تناسب معطيات الثورة الرقميّة في برامجها مثل: تكنولوجيّات النانو (Nanotechnologies)، والتكنولوجيا الحيويّة (Biotechnologies)، والطاقة الخضراء (Énergie verte) وأبحاث الفضاء (Recherche spatiale)، والطباعة الثلاثيّة الأبعاد (Triple impression)، وصناعة الروبوتات الفائقة الذكاء (Cyberobots). وتمثّل هذه الاهتمامات ثورة حقيقيّة في الحياة، وفي التعليم على حدّ سواء. فالشخص الّذي يعرف منطق اشتغال المجال المعلوماتيّ المتمثّل في التفكير القائم على الحوسبة (Computational Thinking) يدرك في حقيقة الأمر الوظائف الحيويّة في مختلف مجالات الحياة الإنسانيّة المعاصرة. ومن هنا فإنّ دمج المعلوماتيّة في التربية الإعلاميّة يصبح ضرورة تقتضيها الحياة الحديثة المعاصرة.
وباختصار يمكن القول بأنّ التربية الإعلاميّة تشكّل اليوم مدخلا لثورة عميقة وشاملة في طرق التفكير والنظر لدى الأجيال الجديدة الشابّة. ومن غير التربية الإعلاميّة الثوريّة يصعب على هذه الأجيال الاندماج في العصر الرقميّ على نحو إبداعيّ، لأنّ هذه التربية تؤهّلهم للسير قُدُماً في معالم ثورة رقميّة جبّارة عرفنا بداياتها، لكنّنا لن نعرف أبداً متى تتوقّف انفجاراتها العارمة.
___________
مراجع الدراسة وهوامشها :
([1])- Thomas Merz et Mareike Düssel, L’éducation aux medias à l’ère numérique. Hasler Stiftung, Cahiers- Juillet 2014.
([2])- Conseil supérieur de l’éducation aux médias, Déclaration de Bruxelles pour une Éducation aux Médias tout au long de la vie, 2011. (Définition extraite de l’index de la Commission européenne qui présente des informations spécifiques à la politique audiovisuelle).
([3])- Conseil supérieur de l’éducation aux médias, Ibid.
([4])- Jacques Gonnet, Éducation et médias, collection Que sais- je ?, 1997.
([5])- ضمن: أدريان بيري، الخمسمائة عام القادمة، ترجمة عثمان عبد الرحيم، أبو ظبي: المجمع الثقافي، 2000، ص 13.
([6])- انظر: آلفين توفلر، صدمة المستقبل: المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمّد علي ناصيف، ط2، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، 1990.
([7])- شاكر عبد الحميد، عصر الصورة، عالم المعرفة، الكويت: يناير، 2005، ص 8.
([8])- ParisTech Review, Une révolte? Non, sire, une révolution, Rédaction- February 6th, 2015. http://www.paristechreview.com/2015/02/06/education- revolution/
______
*د. علي أسعد وطفة/جامعة الكويت – كلية التربية.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.