اجتماعالتنويري

مشروع ترقية المواطنة في الجزائر

نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى رصّ الصفوف  لترقية المواطنة ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات وتجنّب إثارة الخلافات والصراعات، فالخطر الحقيقي على الأمَّة الذي يهدِّد بقاءها ووجودها هو اختلاف الكلمة والمواقف وتنازُع الآراء، ولا يمكن أن يقف كل واحد غيور على بلده مكتوف الأيدي، كل والمسؤولية التي مكلف بها، سواء أكان رجل سياسة أو رجل فكر أو رجل عسكر أو رجل اقتصاد أو رجل إعلام، حين يرى بعض الجانحين عن المواطنة الحقّة يسعون إلى إحداث ثقوب في نسيجها.

إنَّ العديد من المفاهيم  كانت ولا تزال محلّ دراسة من قبل مفكرين وخبراء الاستراتيجيات،كمفهوم المواطن والمواطنة، وتنظيم المجتمع وصناعة الوعي، وصناعة الرأي ورصّ الصّف ووحدته، وهذه مفاهيم لا يدركها إلا من كان له عقل سليم، إلا أنه وجب الاتفاق على تحديد المفاهيم وترتيبها ومن يسبق الآخر، تنظيم المجتمع أم المواطنة؟ ومن يقوم بعملية التنظيم؟ ثم ماذا نقصد من عبارة بناء المواطن الصالح؟ هل هو المواطن الذي يسمع وله قابلية لإطاعة الأوامر دون مناقشتها وبدون اعتراض، أي صناعة مواطن مستهلك فقط، خاضع للسياسات التي لا تخدم سوى مصلحتها، أما المواطن المعارض، فهو يعتبر خارج عن القانون وفي نظرهم تسير في عروقه دماء العدائية؟ فليس كل معارض للنظام مجرم أو ضد بلده، إذا قلنا أن المعارضة موقف أيضا يسعى أصحابها لإصلاح الإعوجاج.

والجزائر كنموذج مرت بمراحل قاسية جدا، استنزفت كل قدراتها النفسية وطاقتها البشرية في تجاوز الأزمات التي أعاقتها عن التطور الكامل، فلا يكون سببا في شتاتها وانقسامها، وإن كانت السلطات قد قامت بخطوة في بناء الوحدة العربية في قمتها العربية التي عقدتها السنة الماضية، إلا أنها أهملت الجبهة الداخلية وأخرجتها من أجندتها، أمام تردي الوضع  وظهور  أزمات غذتها الرداءة في التفكير والتسيير وفي اتخاذ القرارات، لأن السياسات التي مرت بها الجزائر كانت كلها فاشلة، جعلت من المواطن الجزائري مجرد مستهلك، فأضعفت قواه وإرادته يقف في الطابور من أجل الحصول على الزيت والسكر، لكي لا تترك له مجالا  ليرتقي، ولا يعرف حقوقه من واجباته، كان لابد من البحث عن صيغة ملائمة لرص الصف الداخلي، بعد عزوف الأحزاب السياسية عن القيام بأدوارها وصمت النخبة كذلك، أمام ما يحدث من مظاهر الانحراف في الأفكار والسلوكات والتوجهات والمناهج، حيث بات الشعب يتخبط في مشاكل لا أول لها ولا آخر، كان لابد من رجل يحمل على عاتقه هذه المسؤولية الضخمة، رجل قادر على إدارة المواقف والبحث عن الحلول للمشكلات.

رصّ الصّفوف لترقية المواطنة في الجزائر مشروع ولد من رحم الأزمة

لقد جاء مشروع إنشاء تنظيم وطني في وقته في ظل التحديات التي تشهدها الساحة على مستوى إقليمي ودولي، حيث ظهر في الساحة الجزائرية رجل وطنيٌّ  ينتمي إلى الجهاز العسكري،  أحيل على التقاعد، فاختار ألا يركن إلى الانزواء، حيث قرر أن يكمل رسالته في بناء صرح الجمهورية الجزائرية من خلال تكوين المواطن الصالح وتحقيق مواطنته، ففكر في إنشاء تنظيمٍ وطنيٍّ للمّ شمل الجزائريّين وينهض بالأمة وفق ما يقر به الدستور الجزائري، فجاء هذا التنظيم الوطني بأفكار ورؤى استشرافية، وبرنامج شامل متكامل، يسعى من خلاله إلى تجسيد مشروع المجتمع ومشروع الجزائر الجديدة، وهذا بعد مشاورات قام بها مع الفاعلين والغيورين على هذا الوطن، وقد جاء تنظيمه تحت اسم  منظمة رصّ الصفوف لترقية المواطنة وتنظيم المجتمع.

لاشك أن هذا التنظيم  يحمل في طياته كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية والواجب والمسؤولية، والنضال والتضحية والبناء والرقيّ، لصناعة نهضة جزائرية بكل المقاييس والمعايير، ومن خلال هذه القيم والمبادئ يتم القضاء على كل السلبيات، يقول سعيد بودينار  ضابط سامي متقاعد، وهو صاحب المبادرة أن هذا التنظيم هو مشروع نهضوي، يسعى إلى صناعة الوعي وخلق آليات تمنح للمواطن حلولا وليس قوانين، فلا نكون شعبويين، من وجهة نظره  لكي  تكون هناك مصداقية نحتاج إلى خطاب صادق وجريء،  لإعادة الثقة ، هي رسالة صريحة وجهها سعيد بودينار إلى الأحزاب السياسية لكي تتخلى عن الخطاب الشعبوي وتكون أكثر فعالية لا بالديماغوجية أو لغة الخشب بل بالعمل الجاد لتجسيد طموحات المواطن، داعيا إلى تحويل الأفكار إلى أفعال أو مبادرات، فمن بين أهداف المنظمة المساهمة في خلق منظومة وطنية متكاملة وشاملة، تعزيز مفهوم دولة القانون، خلق تبادل فكرية حضاري بين النخب، الدفاع عن مؤسسات الدولة والوقوف ضد المؤامرات التي تستهدفها، الإهتمام بالعنصر الشباني وجمع التنظيمات الطلابية في صف واحد لخدمة الوطن، العمل على نشر ثقافة السلم والأمن،  الوقوف ضد محاولات التطرف الديني وغيرها من المبادرات التي تكون في مستوى التحديات.

مفاهيم تحتاج إلى ضبط

تنظيم المجتمع هو الاستثمار  في الموارد البشرية

فمصطلح الموارد البشرية أصبح اختصاصا يُدرّسُ في الجامعات، وتقام له دورات في التنمية البشرية يؤطرها مدربون،  والأمم اليوم تتباهى بما تمتلك من موارد بشرية تُسَخِّرُهَا في تطوير البلاد والزحف بها نحو المستقبل، والأمة التي لا تنهض بمواردها البشرية فهي لا تمتلك الرأسمال البشري، وستظل عبئا على غيرها تستورد طعامها وشرابها ودواءها ولباسها مقابل أن تبيع لغيرها مواردها النفطية وغيرها من الموارد الخام المستخرجة من باطن أراضيها وأيُّ إفلاسٍ بعد هذا الإفلاس؟ في هذا الزمن الذي ضيّع فيه الإنسان “العولمي المادّي” وكاد أن يتحول الى مجرد شيئ من الأشياء أو أداة من الأدوات، فتنظيم المجتمع يغني جمعه في صفٍّ واحدٍ، تقودنا هذه المسألة إعادة القراءة في ظاهرة المجتمع من زاويتها التاريخية، فالجزائر كما تقول المصادر في نظام الحزب الواحد كانت مقسمة إلى مجموعات وظيفية: العسكريون، الصناعيون(التكنوقراط) والبيروقراطيون، وجماعة المصالح، والجماعات الثقافية ( التيارالإسلامي،التيار اليساري والتيارالبربري)،كان الصراع صراع بين السياسي والعسكري ولا يزال الى اليوم.

قد يتساءل البعض إن كانت فكرة تنظيم المجتمع  تعني تقويمه على أساس مجموعة من المبادئ وعلى رأسها القيادة الجماعية والتسيير الجماعي، أي  أن تقوم الأعمال على مبدأ التشاور والتحاور وطرح الرأي والرأي الآخر، أم يكون المجتمع خاضع لسلطة معينة متشبعة بإيديولوجيا واحدة، وهناك راي آخر إذ يرى أن تنظيم المجتمع  يعني هيكلته على شكل مؤسسات مثلما نراه في المجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب، في كل الحالات يمكن القول أن تنظيم المجتمع هو مشروع تنموي  تحديثي للدولة الجزائرية بعد حراك ( حراك 22 فيفري 2019) وضع حد ولو جزئي للفساد وإبعاد جماعة المصالح، لاسيما والجزار عرفت في كل محطاتها التاريخية أزمة تحوّل ديمقراطي، لم تتمكن القوى من التعبير عن نفسها فظهر ما يسمى بـ: الإغتراب السياسي وهي ظاهرة تكرست في اوساط المجتمع الجزائري فزادت من اتساع الفجوة بين أفراد الوطن الواحد .

ترقية المواطنة تتوقف على شروط يجب توفرها

 فالمجتمع كما يقول مالك بن نبي  هو الجماعة الإنسانية التي تكبر وتتطور، وهو بحاجة إلى تنظيم ، وقد حرت الجزائر على تنظيم المجتمع من خلال وضع نصوص قانونية تهدف الى جمع المواطنين حول برامج مشتركة في الحياة، بوسائل ديمقراطية، إلا أن هذه النصوص بحاجة  إلى تحيين من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية شريطة احترام الدستور والسيادة الوطنية وحماية النظام الجمهوري، واحترام القيم والمبادئ، وإذا انهارت هذه القيم والمبادئ انهار كل شيئ، كان من الضروري إذن الإهتمام بعنصر بناء المواطن وتحقيق مواطنته،بل  حتى لا تكون هناك فوضى واضطرابات، بل انسجام في العلاقات، هذه الأخيرة في جوهرها هي قيمة أخلاقية وإنسانية تتحول بفعل الممارسة إلى ثقافة يعيشها المجتمع في حياته اليومية، وهذا ما يسميه البعض بالمواطنة.

يقول منظرون  المواطنة في الإصلاح تعني  صفة المواطن الذي له حقوق وواجبات تفرضها طبيعة انتمائه إلى الوطن، والوطن في رأيهم قيمة نفسية واجتماعية تعيش داخل الناس وتحركهم، أي “المواطنة” وهي بالتعبير العصري تعني علاقة الفرد بدولته، وتقوم المواطنة على ثلاث قيم هي:  الحرية والمساواة والمشاركة، وهذه القيم تمثل المحاور الرئيسية لإقامة العدالة وحقوق الإنسان، فالمجتمع الإغريقي أسس مواطنته على فكرتي الحرية والمساواة، وقد جاءت هذه النظرية في وقت كان فيه العالم يموج بالفتن ويدوس على الدساتير والأعراف، يقول الدكتور عامر الشماخ أن الوطن ليس مجرد الأرض ولكنه قيمة دينية ونفسية واجتماعية، وإلى جانب الأرض يتضمن الثقافة لمشتركة والتاريخ المشترك والتنظيم الإجتماعي والضوابط المتفق عليها، يبقى السؤال كيف يستفيد المواطن في وطنه على حق المواطنة إن كان لا يشعر بالإنتماء والولاء للوطن، فهو شخص أصيل في وطنه وليس مجرد مقيم يخضع لنظام معين، دون أن يشارك في صنع القرارات.

دعوة لخلق جبهة داخلية صلبة من شأنها التصدي للتهديدات الخارجية

ربما نقف مع صاحب المشروع ( سعيد بودينار) لما قال إن الجزائر دولة مهددة نظرا لطبيعتها وموقعها الاستراتيجي وغناها بالموارد الطبيعية وباعتبارها دولة فعالة ومؤثرة، وهذا يتطلب خلق جبهة داخلية صلبة من شأنها التصدي للتهديدات الخارجية ومنع أي تغلغل يمكن أن  ينخر جسم المجتمع أو يخلق انقسامات في صفوف الشعب الجزائري، وكما يرى هو، هناك آليات يمكن العمل بها تمثل في العودة الى طبيعة الإنسان الجزائري واستخلاص الدروس، كذلك فضح المناورات الخارجية الخسيسة التي تهدف إلى زرع  الياس وخلق البلبلة وتوسيع الهُوّة  بين أفراد المجتمع وبين المجتمع والسلطة، فالشعب هو امتداد للحكومة، ولا من تبادل الأفكار مهما كانت الاختلافات، والمنظمة تهدف إلى تقديم افكار لتحريك الطاقة البشرية عن طريق ترقية المواطنة، هذه الأخيرة أضحت السبيل الوحيد لتعايش أبناء الشعوب في أوطانها، والذي يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي، مع التنوع الفكري والثقافي،  نحن نرى المجتمعات الواعية كيف تنشغل بالبناء وتطوير بلدانها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولا تنشغل بالجدالات والخلافات والنزاعات، ما جعلها تسير نحو التقدم والنمو، في الجزائر كفاءات قادرة على تحقيق طموحات الشعب، نحن بحاجة إلى حراك فكري ثقافي لنؤسس به مجتمعا أكثر وعيًا بواجباته وحقوقه، ويواكب الأحداث التي يعيشها العالم وهو يشهد تحولات عميقة.
___________

علجية عيش


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة