مقاربة معرفيَّة
مقدمة:
يتسم العصر الذي نعيشه بسرعة التغير والتراكم المعرفي وانتشار وسائل الاتصال وسهولة الحصول على المعلومات، وفرضت الحياة المعاصرة بتشابكاتها العلمية أن يكون هناك نوعية من الأفراد ممن يتسمون بالفكر المبدع والإنتاج المبتكر والتكيف مع المستجدات التكنولوجية الحديثة، والتطلع إلى المستقبل، وهذا النوع من الأفراد يحتاج إلى مدرسة عصرية لكي تؤدي أدوارها التي يتوقعها منها المجتمع.
لقد أصبحت المعرفة بصورة متزايدة محركا قويا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فثمة رابطة قوية بين اكتساب المعرفة والقدرة الإنتاجية للمجتمع كون أن المعرفة لا تأتي من فراغ فهي نتيجة تفاعل حيوي بين جميع مكونات المنظمة المعرفية (الخبرات البشرية، والإمكانات المادية، والتكنولوجيا والبحث والتطوير والدراسات).(عليان، 2008: 15)
فالمجتمع الذي يهتم بالمعرفة ويعدها نهجا مهما في جميع مجالات الحياة هو مجتمع المعرفة ويمتاز بإنتاج المعرفة وليس استهلاكها، وتوافر مستوى عال من التعلم والنمو المستمر وتوافر مراكز البحوث والتطوير والقدرة على إنتاج البرمجيات.
إن الصراع العالمي في عالم ما بعد الحداثة والذكاء الاصطناعي، لن يكون صراعا على رأس المال، أو المواد الخام أو الأسواق المفتوحة، بل سيستمر لفترة طويلة صراعًا على المعرفة، لأن المعرفة هي التي تصنع القوة وتوفر المال وتخلق المواد الخام وتفتح الأسواق، بل إنها ستشكل اقتصادًا جديدًا في مجالاته وفي آلياته وفي نظمه التي تضم نظم الإنتاج والتسويق المعرفية دائمة التطور والارتقاء إضافة إلى نظم الكوادر البشرية الخبيرة في مجال المعرفة دائمة التطور والارتقاء.
وفي ظل التوجه العالمي نحو اقتصاديات المعرفة والذكاء الاصطناعي التي تعتمد بشكل أساس على التقنيات الحديثة في استخدام المعرفة لرفع مستوى الأداء، أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسيلة بقاء وأداة لا يمكن الاستغناء عنها في عالم مفتوح يعتمد القدرة التنافسية معيارا للتقدم والازدهار، وأحد محركات النمو الاقتصادي في الدول، ليس فقط لأنها تستحدث صناعة وتوفر فرص عمل للعديد من الأفراد، بل لأنها تعمل على زيادة كفاءة وفعالية أداء الحكومات والمنظمات، وتسعى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى تحقيق هذه المهمة من خلال التوسع في استخدام تطبيقات الحكومة الالكترونية والأعمال الالكترونية في جميع) الحالات التقليدية (إدارة، تعليم وتجارة، وغيرها. وحيث إننا نعيش في عصر المعلومات، فقد أصبح العالم يعتمد على العلماء في شرح وتفسير مشاكل المجتمع ووضع الحلول له ، فقد امتزجت النظرية بالتطبيق وتداخلت المعارف، ومنها برز الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات. ومن خلال ما سبق، ومن خلال طبيعة عمل الباحث في مجال البحث، جاءت فكرة هذا المقال للدفع في اتجاه توظيف تكنولوجيا المعلومات في مجال البحث العلمي.
المشكلة:
تتمثل المشكلة في عدم الاستفادة المثلى من تكنولوجيا المعلومات في البحوث العلمية بالصورة المطلوبة، وعليه تتحدد مشكلة الورقة الحالية في الأسئلة التالية:
1- ما طبيعة تكنولوجيا المعلومات؟ وما علاقتها بالبحث العلمي؟
2- ما معوقات التحول إلى مجتمع المعلومات في البحث العلمي؟
3- ما آليات توطين التكنولوجيا في فلسطيني لخدمة البحث العلمي؟
المصطلحات:
1-تكنولوجيا المعلومات:
– يعرفها(شاهين، 2000: 16) بأنها: ” كافة أنواع الأجهزة والبرامج المستخدمة في تجهيز وخزن واسترجاع لمعلومات”.
– ويعرفها ( سالم، 1990: 4) بأنها: ” هي كل ما استخدمه الإنسان في معالجة المعلومات من أدوات وأجهزة ومعدات .وتشمل المعالجة والتسجيل والاستنتاج والبث والتنظيم والاسترجاع .
– ويعرفها ( قاسم،1990: 59) بأنها: ” تطبيقات المعرفة العلمية والتقنية في معالجة المعلومات من حيث الإنتاج والصياغة والاسترجاع بالطرق الآلية.
2- البحث العلمي :
تعددت التعريفات وتنوعت حول مفهوم البحث العلمي وذلك حسب الغرض منه، وحسب التخصص، ولكن من هذه التعريفات على سبيل المثال:
– يعرفه ( بدر،1993: 18) بأنه: ” وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق ، الذي يقوم به الباحث، بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديد ة، بالإضافة إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعلا، على أن يتبع في هذا الفحص والاستعلام الدقيق، خطوات المنهج العلمي “
وتعرفه (ملحس، 1988: 22) بأنه :” محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها وتنميتها ، وفحصها
وتحقيقها بتقص دقيق ، ونقد عميق ، ثم عرضها عرضا مكتملا بذكاء وإدراك، يسير في ركب الحضارة العالمية ، ويسهم فيه إسهاما إنسانيا “.
مفهوم تكنولوجيا المعلومات
تعد التكنولوجيا قديمة ومعاصرة ، وأساس المستقبل لأنها عبارة عن مزيج من المعرفة والآلة، وفيها يتم تحويل الفكرة إلى آلة تساعد الإنسان في الحياة، ثم تتطور حاجات الإنسان مما يتطلب تطوير الآلة وتطوير الاستخدام. ومن خلال مراجعة الأدب المتعلق بالموضوع، يتضح أن:
- تطور مفهوم تكنولوجيا المعلومات من عصر إلى آخر وذلك بهدف تسهيل التعامل مع المعلومات المختلفة.
- الصورة المعاصرة لتقنية المعلومات تتكون من ثلاثة عناصر أساسية ، وهي الحاسبات الالكترونية بقدراتها الهائلة على الاختزان وسرعتها الفائقة في التجهيز والاسترجاع . وتقنيات الاتصالات بعيدة المدى بقدرتها على تخطي الحواجز الجغرافية . والمصغرات بكل أشكالها من فلمية وضوئية، وبقدرتها الهائلة على توفير الحيز اللازم لاختراق الوثائق
- تنقسم تكنولوجيا المعلومات إلى أقسام وهي مثار اهتمام النقطة التالية:
أقسام تكنولوجيا المعلومات
يمكن تصنيف تكنولوجيا المعلومات في الأقسام الآتية:
1. تقنيات إنتاج أوعية المعلومات على اختلاف أشكالها.
2. تقنيات تجهيز المعلومات واختزانها في أشكالها.
3. تقنيات الاتصالات وتراسل البيانات.
4. تقنيات إنتاج المعطيات أو المعلومات نفسها، وهي تقنيات المختبرات التي تدعم في الأساس حواس الإنسان وقدرته على ملاحظة الظواهر الفلكية والجيولوجية والفيزيائية والكيميائية والحيوية
كل الأقسام السابقة تعتمد في أداء عملها على مجموعة من الأجهزة وهي:
- الحاسبات الالكترونية أو ما يعرف بالتقنيات الرقمية، وهي الأساس في تقنيات المعلومات المعاصرة، فهي تستخدم لأغراض إنتاج أوعية المعلومات في المجالات الآتية:
- إعداد النصوص للطباعة.
- النشر الالكتروني.
- إنتاج الاسطوانات البصرية.
- أغراض التجهيز والاختزان والاسترجاع.
- دعم مقومات الاتصالات الالكترونية بعيدة المدى.
- 2- شبكة الإنترنت العالمية : يساهم انتشار الحاسوب وتعدد استخداماته في الحياة إلى التعامل الواسع مع شبكات الإنترنت ، وهي مجموعة من الشبكات المعلوماتية والتي تعتبر من أهم وأكبر شبكات المعلومات في العالم . فهي مجموعة شبكات متصلة بعضها بعضاً وتبادل المعلومات في العالم، بكل حرية بين شبكات المؤسسات الكبرى وحتى اصغر الشبكات الخاصة والشخصية.
أو أنها شبكة معلومات تتكون من عدد هائل الحواسيب مختلفة الأنواع والأحجام والمنتشرة في العالم ، بدءاً من الحواسيب الشخصية وانتهاء بالحواسيب العملاقة، ويتم الربط بينها من خلال بروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت مما ينتج عنه قاعدة بيانات ضخمة لخدمة المستخدم.
علاقة تكنولوجيا المعلومات بالبحث العلمي
وتظهر علاقة تكنولوجي المعلومات بالبحث العلمي في دواعي استخدام المعلومات الالكترونية، مما تترتب عليه اللجوء إلى استعمال مصادر البحث الالكتروني، والتي لا تخلو من معوقات تفيد الاستفادة المثلى منها عملية البحث، ويظهر ذلك في الآتي:
أولاً: دواعي استخدام المعلومات الالكترونية
أصبح استعمال واستخدام المعلومات الالكترونية في العصر الحاضر ، ضرورة ذات حيوية للأسباب الآتية: (قنديلجي، 2007: 28)
1. مشاكل النشر التقليدي الورقي والمتمثلة في زيادة تكاليف إنتاج وصناعة الورق، قلة المواد الأولية في صناعة الورق وآثارها السلبية على البيئة والمشاكل التخزينية والمكانية للورق، والقابلية للتلف والتمزق.
2. متطلبات الباحث المعاصر في سرعة الحصول على المعلومات ، بغرض إنجاز أعماله البحثية، التي لم تعد تحتمل التأخير.
3- تقلل مصادر المعلومات المحسوبة من الجهود المبذولة من قبل الباحثين ومن قبل الأشخاص الذين يهيئون لهم المعلومات المطلوبة حيث أن الوصول إلى المصادر التقليدية ، والمعلومات الموجودة في المصادر التقليدية ، يحتاج إلى الكثير من الجهود والإجراءات بعكس المصادر المحوسبة التي تختصر كثيراً من مثل تلك الجهود والمعاناة.
4. تساعد الحواسيب والأجهزة والمعدات الملحقة بها، على السيطرة على الكم الهائل والمتزايد من المعلومات وتخزينها ومعالجتها بشكل يسهل استرجاعها.
5. الدقة المتناهية في الحصول على المعلومات المحسوبة ، حيث أن الحواسيب لا تعاني من الإرهاق والتعب عند استخدامها لفترات طويلة ومتكرر ة، مقارنة بالإرهاق الذي يعانيه الإنسان الذي يفتش ويبحث عن المعلومات.
مشكلات التعامل مع المصادر الالكترونية:
هنالك عدد من التحديات والمشاكل التي تواجه الباحثين في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والتي تساعد في الوصول إلى مصادر المعلومات الالكترونية ومن أبرزها في دول النامية: (الزنط، 1991: 33)
1. ازدياد المنافسة في هذا المجال حيث يتم يومياً بناء مواقع جديدة على الإنترنت.
2. يؤدي التقارب في اختيار الأسماء والرموز الخاصة بعناوين المواقع على شبكة الإنترنت إلى حدوث مشاكل عند الاستخدام أو الدخول إلى مواقع أخرى وفشل المستخدم في الوصول إلى الموقع المنشود.
3. ضعف البينة التحتية في المكتبات ومراكز البحوث والمعلومات الأخرى وخاصة في الدول العربية والنامية ، وينطبق ذلك على الأجهزة والمعدات المناسبة، شبكات وتقنيات الاتصال.
4. ضعف البنية التكنولوجية، والمستلزمات البشرية التي تتعامل مع الشكل الالكتروني لمصادر المعلومات، وإتقان الوسائل الحديثة والمستحدثة في التعامل معها.
5. الافتقار إلى المعايير والمقاييس الموحدة للتعامل مع المصادر الالكترونية.
6. مشاكل التعامل مع الشكل الالكتروني لمصادر المعلومات ، على مستوى الفهرسة والتصنيف ،
التكثيف التزويد، وكذلك السيطرة عليها.
ويمكن أن يضيف الباحث في هذا الجانب النقاط التالية:
7. عدم استقرار وانتظام ظهور الأشكال الالكترونية لمصادر المعلومات وخاصة الدوريات الالكترونية.
8مشاكل المرجعية للمصادر الالكترونية، حيث يصعب تحديد عنوان المجلة أو الكتاب،أو هوية المؤلف، مع التنفيذ في الموقع التي توصل الباحثين إلى مثل هذه المصادر.
9. حاجة العديد من الباحثين لتحويل الشكل الالكتروني للمعلومات إلى أشكال ورقية لغرض تناقلها، أو التعليق والتأشير عليها.
10. المعوقات والحواجز اللغوية، حيث أن معظم المصادر الالكترونية هي اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى، التي يصعب على الكثير من الباحثين العرب الاستفادة منها على الوجه المطلوب.
11. مشاكل حقوق التأليف، وصعوبة أو إساءة التعامل مع نقل واقتباس المعلومات.
12. الجانب النفسي ، مشكلة التقبل العلمي للشكل الالكتروني لحصار المعلومات، من قبل بعض الباحثين.
بالرغم من المشاكل والتحديات السابقة يظل دور تكنولوجيا المعلومات في البحث العلمي مهماً وحيوياً.
مردود تكنولوجيا المعلومات على البحوث العلمية:
يمكن الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في البحث العلمي من خلال:
– تكوين فريق العمل البحث/ حيث يمكن الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في استخدام وسائل الاتصال الالكترونية في ربط فريق عمل للبحث العلمي في أي مجال ويكون هذا الفريق يخدم أهداف العلم من خلال الباحثين في مؤسسات ومراكز البحث العلمي مثل: الأساتذة بالجامعات المختلفة، وأصحاب الخبرات في المجالات العلمية المختلفة.
– البحوث المستقبلية/ تشمل أهميتها جانبين : نظري وتطبيقي، فعلى الجانب النظري تزداد معرفتنا بمفاهيم هذا البحث وأهدافه كذلك يزداد الوعي بقضايا المجتمع وطرق التفكير في مستقبلها، وعلى الجانب التطبيقي يمكن الاستفادة من هذا البحث فى معرفة كيفية تطبيق أساليب الدراسة العلمية للمستقبل فى مجالات البحوث العلمية، كذلك من حيث الاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية، وكذا مواكبة التغييرات الحادثة فى مجالات كثيرة، والإسهام فى عمليات التطوير والتنمية بالمجتمع، وأخيرا فى اتخاذ القرارات والاختيار من بين البدائل المختلفة، وتطوير السياسات التعليمية.
وهذا يستلزم الولود في مجتمع المعلومات بكل قوة، لكن هناك مجموعة من المعوقات أمام المجتمع الفلسطيني في هذا المجال، يراها الباحث كما يلي:
معوقات التحول إلى مجتمع معلومات
تتعلق المعوقات بجوانب عدة، منها البنية التحتية والتشريعات ومنها البنية التنظيمية، التي سنتطرق إلى بعض جوانبها فيما يلي, وبالطبع هناك معوقات أخرى بعضها اجتماعي وآخر ثقافي ولكنها خارج نطاق هذه الورقة البحثية.
أولا/ البنية الأساسية: تعدّ البنية الأساسية في قطاع الاتصالات”مقبولة” عملياً مقارنة بدول المنطقة وبمجموعة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى؛ و تعدّ خدمةُ الهاتف الثابت الأساسية مقبولة، مع أن النفوذية تبقى منخفضة نوعاً ما. أما الخدمات) الحديثة (ومنها الهاتف النقّال والإنترنت)، فما تزال تعاني من ضعف النفوذية وارتفاع الأسعار،التي تضاف إلى ارتفاع أسعار المكالمات الدولية عموماً. وتعاني كذلك من ضعف في توفير الخدمات الحديثة
ثانيا/ البنية التشريعية: فبالرغم من وجود قوانين تشريعية خاصة بالملكية الفكرية وحمايتها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن تعليمات تنفيذية لها وعدم وجود هذه الحماية يعيق في الواقع دخول منتجات “إلكترونية” تحتاج إلى حماية.
ثالثا/ المعوقات التنظيمية: إن الخدمات الإلكترونية (الحكومة الإلكترونية) تتطلب تنسيقاً كبيراً بين الوزارات وتوحيداً للمعايير وطرق العمل والإجراءات. وما نراه اليوم من مشاريع معلوماتية في المؤسسات والوزارات يبدو وكأنه اجتهاد المؤسسة التي يجري فيها العمل دون وجود ناظم عام يسمح بتقارب هذه الأعمال نحو غاية واحدة. فما تقوم به وزارة الداخلية مثلاً في الهجرة والجوازات قد يكون له صلة بأمور تقوم بها وزارة الصحة.
دور مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي في توطين التكنولوجيا:
تزداد مسؤولية الجامعات ويبرز دورها بشكل أكثر أهمية إذا أدركنا أن مؤسسات التعليم العالي تعتبر مركزاً متقدماً من مراكز الأبحاث العلمية، وإذا عرفنا أن البحث العلمي ليس جهداً فردياً للعالم أو الباحث، بل هو محصلة الجهود المشتركة لمجموعة من الباحثين أو العلماء في حل مشكلة من المشاكل التي يعاني منها المجتمع. والجامعات ومراكز البحوث ربما هي المكان المناسب لوجود مثل هذه المجموعات المؤهلة والقادرة من العلماء والباحثين على الإسهام في حل هذه المشكلات، فالجامعة الناجحة ومراكز البحوث المفيدة هي تلك المؤسسات التي تتفاعل مع المجتمع بتحديد قضاياه ومشاكله فتعمل على إيجاد الحلول المناسبة له، وتهدف إلى تطوير القائم فيه، وتنمي الإمكانات المتاحة له ولأبنائه، ومن هنا يتضح الدور الفعال لمؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث في عملية نقل التكنولوجيا المناسبة وتهيئة التربة الخصبة لاستيعاب التكنولوجيا وتوطينها وذلك من خلال:
1- تحديد أنواع التكنولوجيا المختلفة واختيار الأفضل واستنتاج البدائل:
حيث يمكن لمؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي الوطنية إعطاء المعلومات الكافية عن التكنولوجيا المتقدمة وتطورها وتقدمها وفوائدها، ويمكن أن تتبع تطور التكنولوجيا المختلفة، وبتقديم هذه المعلومات يمكن مساعدة متخذي القرارات. و التوجه إلى استيراد التكنولوجيا الملائمة واستخدامها بأنجح الأساليب مما يساعد على استيعابها وتوطينها.
2- يتعاظم دور مؤسسات التعليم والبحث العلمي في مهمة تهيئة التربة الوطنية الصالحة للتوطين والجاذبة والداعمة للنمو والازدهار, وعلى رأس هذه الأدوار التعليم العالي والتدريب المستمر، نظراً لأهميتها البالغة في بناء القدرات الوطنية التي يمكنها التعامل مع العلوم والتكنولوجيا بما في ذلك الابتكار والبحث ومهارات التشغيل والصيانة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التدريب جزء لا يتجزأ من عملية نقل وتوطين التكنولوجيا فالاعتماد الدائم والمستمر على التكنولوجيا الأجنبية يؤدي إلى تقليل إمكان تكييفها مع الظروف المحلية، لأنه قد يكون من المقبول استيراد الآلات والمواد الأولية والمعرفة، لكنه من غير المقبول اقتصادياً واجتماعياً استيراد اليد العاملة الفنية. ويستلزم تنمية القوى العاملة السير في اتجاهين متكاملين هما التعليم والتدريب. وهنا يبرز أيضاً دور مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في عملية نقل وتوطين التكنولوجيا من خلال دورها الهام في التدريب والتعليم.
3- تقييم ما تم إنجازه من مشاريع التنمية والتكنولوجيا المنقولة وتحديد مدى نجاح هذه الأخيرة.
بالإضافة إلى دور هذه المؤسسات في مواصلة البحث والتطوير والاطلاع على التطورات السريعة والدائمة التي تحدث في مجال التكنولوجيا وكيفية الاستفادة منها.
4- إقامة الندوات العلمية التي تسهم في تحقيق لقاء الكفاءات الوطنية بالخبرات في الدول الصناعية المتقدمة، وهذه الندوات تساعد في الإطلاع على الأبحاث التي تمت في مجال معين والاستفادة من هذه الأبحاث لتحقيق الاستيعاب للتكنولوجيا المستوردة وتطويرها.
مما سبق ذكره يلاحظ الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث في عملية نقل وتوطين التكنولوجيا، إلا أن مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي، تواجه تحديات مختلفة تهدد قدرتها على إنجاز ما هو مطلوب منها وعدم تحقيق جميع الأهداف التي أنشئت من أجلها، ومن تلك التحديات:
- ” افتقار الرؤية الإستراتيجية الشاملة، وعدم إتباع منهجية التفكير الاستراتيجي للعمل من خلال وضع خطط وبرامج إستراتيجية تقوم على دراسة الواقع.
- تقادم الأطر التنظيمية، وتهميش دور أعضاء هيئة التدريس والأقسام والوحدات العلمية، وتركز الصلاحيات في أجهزة إدارية تفرض سيطرتها على الأكاديميين الذين يعدون أساس العمليات التدريسية والبحثية.
- افتقار المؤسسات للصلاحيات الكاملة وحرية اتخاذ القرارات الأكاديمية، وسيطرة أجهزة حكومية فوقية على أمورها.
- تقادم نظم التعليم وتقنياته، والاعتماد على التلقين، دون تنمية القدرات الفكرية والطاقات الذهنية للطلبة.
- الاعتماد السائد بالمفهوم التقليدي للأبحاث الأكاديمية البحتة .
- الابتعاد الكلي، في تدريب العاملين في الأبحاث العلمية في الجامعات، عن مشكلات المجتمع واحتياجاته بصفه عامة.
- الافتقار إلى التنسيق بين مراكز الأبحاث المختلفة وغياب التنسيق بين الجامعات من البلد نفسه في مجال البحوث العلمية، وكذلك فيما بين الجامعات العربية، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار البحث العلمي في الدول العربية وهدر الطاقات والإمكانات المادية وغيرها.
- عدم وجود توازن بين مهام التعليم ومهام الأبحاث التي تجريها الجامعات و عدم توفر الوقت الكافي للقيام بالأبحاث. إذ تركز الجامعات العربية على التدريس كهدف أساسي دون إعطاء الاهتمام الكافي والتركيز المطلوب للبحث العلمي.”[22]
- عدم توفر التمويل اللازم، و يخصص القليل من موازنة الجامعة –التي هي قليلة بالأصل- لأغراض البحث العلمي.
وانطلاقاً من هذا الواقع وفي إطار التحولات الكبرى التي نشهدها في العالم وعلى الأخص التطور الهائل في مجال العلوم والتكنولوجيا لابد لنا من إحداث تغيير جذري وتنمية مستديمة تقوم على أساس من العلم والتكنولوجيا بالاعتماد على الذات لتطوير أنفسنا في مجال العلم والتكنولوجيا والاستفادة من كل منجزاتهما. ولن يأتي ذلك إلا من خلال الاعتماد على التنمية التكنولوجية والبحث العلمي وتطوير أنشطة التعليم, وهذا يسهم في توطين التكنولوجيا المنقولة، لا بل أن تحقيق التنمية المستديمة لن يحدث دون العمل على توطين التكنولوجيا المنقولة حتى الوصول إلى تطويرها وإنتاجها محلياً.
إن عملية توطين التكنولوجيا تتطلب تهيئة قوى بشرية قادرة ومؤهله وماهرة في مجالات العلم والتكنولوجيا، ومجتمعاً متعلماً ومثقفاً علمياً وتكنولوجياً ومؤمناً بقدرات العلم والتكنولوجيا في تحقيق التغيير الجذري الذي يسهم في تحقيق التقدم والتنمية. ولابد من الاعتماد بشكل كبير على القدرات الذاتية في توطين وتطوير التكنولوجيا.
إن مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي تلعب دوراً مهماً في تنمية القدرات والمهارات والخبرات الوطنية وتدريبها وتأهيلها لأعمال البحث والتطوير والإبداع والابتكار. وتهيئة المجتمع ليصبح تربة خصبة لاستقبال وتوطين التكنولوجيا.
لذلك لابد للدول العربية من أجل توطين التكنولوجيا المنقولة، من الاهتمام بمؤسسات التعليم العالي، وتقديم الدعم المادي اللازم لها. ولابد من صياغة سياسة للعلم والتكنولوجيا تحدد فيها أهدافاً واضحة وأولويات مدروسة، والأهم من ذلك وضع إستراتيجية وآليات لتنفيذ هذه السياسة.
وتبقى حقيقة المشكلة أنه لم تبدأ الدول العربية أية محاوله جادة لإحداث التطوير اللازم في مناهجها التعليمية وطرق التعليم بما يتلاءم مع طبيعة المجتمع العربي ومتطلباته التنويه.
وللعمل على رفع درجة توطين تكنولوجيا المعلومات، نقترح مجموعة من الخطوات، أهمها:
- استشراف المستقبل وتحليله مع وضع سياسة علم وتكنولوجيا واعتمادها رسمياً، تجعل العلم والتكنولوجيا هدفاً ووسيلة، تُطبق هذه السياسة بدقة وصرامة بعد تعريف وإنشاء الهيكلية الوصفية المناسبة.
- انشاء هيكلية المنظومة الوطنية للابتكار والتي تعدّ إحدى حلقات تحويل منظومة العلم والتكنولوجيا إلى منظومة وطنية للابتكار. من هذه المؤسسات: مراكز تطوير المنتج Product Development Centers ومراكز التجديد والابتكار Innovation Centers الحكومية والخاصة والحاضنات التكنولوجية Technology Incubators وحدائق العلم والتكنولوجيا بأنواعها المختلفة. وكذلك تنمية ودعم التعاون بين القطاعين الإنتاجي والخدمي من جهة والجامعات ومراكز البحوث من جهة أخرى.
- دعم عملية الابتكار بالآليات المالية المناسبة وتحويل نتائج البحث إلى منتجات أو عمليات إنتاجية وذلك بإدخال رؤوس الأموال المتخصصة بهذا النوع من الاستثمار كرأس المال المبادر أو المخاطر Venture Capital. وكذلك حث الدول على زيادة ميزانيات البحث والتطوير وترشيد وإدارتها.
- تطوير القدرات البشرية بتوجيه عدد أكبر من الطلاب (من كافة المراحل) والمختصين نحو الاختصاصات العلمية والتكنولوجية، وبزيادة عدد المؤسسات التعليمية التطبيقية والتكنولوجية، والتسريع في تغيير المناهج لتجاري التطور المتسارع مع مراعاة تعليم العلوم والتكنولوجيا باللغة العربية في التعليم العالي ورفع مستوى إتقان اللغات الأجنبية. وكذلك باتباع برامج التعليم والتأهيل المستمرين.
- دعم التشريعات الناظمة لحماية الملكية الفكرية ولنقل التكنولوجيا ومنع احتكارها ولحماية المؤسسات والشركات الوطنية من تحكم موردي التكنولوجيا. وكذلك استصدار التشريعات الناظمة لتداول العلم والتكنولوجيا بين مختلف مركبات منظومة الابتكار.
- دعم التعاون العربي-الدولي في مجالات العلوم التطبيقية والتكنولوجيا التي لم تعطها الحكومات الأهمية التي تستحقها في علاقاتها مع بعضها ومع غيرها.
- الاستفادة من اتفاقيات التعاون العلمي والتكنولوجي بالشكل الذي يؤدي إلى نقل وتوطين ثم توليد العلوم والتكنولوجيا ومحاولة إقامة التحالفات الاستراتيجية Strategic Alliances مع الشركات المالكة للتكنولوجيات الجديدة.
- توجيه الباحثين في مجال الدراسات العليا نحو الدراسات المستقبلية، والدفع في اتجاه الخروج عن المألوف في الدراسات العلمية.
المراجع المساندة:
- الحسن،كرمة:( 2007 ) ضمان جودة التعليم العربي بما يستجيب لاحتياجات سوق العمل، دراسات وأبحاث المنتدى العربي الرابع للتربية والتعليم،عمان،الأردن، 25 ابريل.
- الخضيري، محسن أحمد: ( 2001 ) اقتصاد المعرفة. القاهرة، مجموعة النيل العربية .
- الزنط، أويس 🙁 1991 ) البناء التكنولوجي للبلدان النامية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة.
- الملكاوي، إبراهيم الخلوف: ( 2007 ) إدارة المعرفة – الممارسات والمفاهيم، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان
- بدر، أحمد (1993) : أصول البحث العلمي ومناهجه ، وكالة المطبوعات، الكويت.
- سالم ، شوقي (1990): صناعة المعلومات – دراسة لمظاهر تكنولوجيا المعلومات المتطورة وآثارها على المنطقة العربية، شركة المكتبات الكويتية، الكويت.
- عليان، ربحي مصطفى: ( 2008 ) إدارة المعرفة، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
- 8- قاسم ، حشمت (1990): مدخل لدراسة المكتبات وعلم المعلومات،مكتبة غريب، القاهرة .
- قنديلجي ، عامر (2007) : البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات التقليدية والالكترونية ، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن.
- القويز، محمد ناهض (2005): البحث العلمي في العالم العربي، جريدة الرياض، الخميس 23 ذي الحجة 1425هـ – 3 فبراير 2005م – العدد 13373.
- ملحس، ثريا عبد الفتاح (1988): منهج البحوث العلمية للطلاب الجامعيين ، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
_________
*د. محمود عبد المجيد عساف/ أستاذ الإدارة التربوية المساعد.