أدبالتنويري

الحبّ وجود والوجود معرفة

لم تستثمر البشريَّة المعرفة في تطوير وتنمية الحياة الانسانيَّة منذ القدم بقدر ما تمَّ استثمارها في الحروب والتدمير، حيث لم يسلم من هذه الصراعات الدمويَّة لا الطبيعة الأولى (الطبيعة البيئيَّة والجغرافيَّة ) ولا الطبيعة الثانية ( المجتمع الإنساني )، ففي الفترة الممتدَّة بين عام 1496 ق.م وحتى عام 1861 الميلادي. خلال تلك الفترتين التي تمتدُّ 3357 عامًا كانت هنالك 227 عامًا فقط عمَّ فيها السلام والتنمية المعرفيَّة مقابل 3130 سنة من الحروب والتدمير عبر النزاعات المسلَّحة، وهذا ما يدل على إنَّ هنالك هشاشة واضحة لدور المعرفة في حبِّ الوجود المعرفي، وبالتالي عدم وجود أي نيَّة في استثمار المعرفة لتطوير الوجود الإنساني وتنميتها نحو الافضل خدمة للبشريَّة جمعاء .

ريبر هبون( Rêber Hebûn ) يؤكِّد في كتابه ( الحبّ وجود والوجود معرفة )، بأنَّ الحياة أساس النهضة والتقدُّم في حياة الشعوب الملل والنحل، وهذا صحيح بالتأكيد ولكن ليس في كل مكان وزمان، فهنا يكمن الخطأ في ( الزمكان ) وعندما أتحدَّث عن المعرفة أقصد هنا المعرفة الاجتماعيَّة بالطبع، حيث تختلف النظرة إلى المعرفة من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر في مدى استثمار المعرفة في الوجود الذي يخدم الإنسانيَّة، فالعدالة ما قبل جبال البرينيه ليست كما بعدها، وهكذا دواليك عبر كل الكوكب الأزرق.

فمثلًا ليس هنالك اتفاق بين البشريَّة حول تعريف مفهوم الديمقراطيَّة، لذا نرى ديمقراطيَّة الصين لا تشبه الديمقراطيَّة في ألمانيا وفي فرنسا، لا تشبه كما في أمريكا وإنكلترا .

وهنا يتَّضح لنا مدى اختلاف البشريَّة حول المصطلحات المعرفيَّة والمفاهيم على الصعيد العالمي اعتمادًا على الذاكرة الأخلاقيَّة لكل شعب في هذه المعمورة، وبالتالي هذا الاختلاف حول مفهوم المعرفة أدَّى إلى الخلاف والصراعات المدمّرة وما تزال حتى يومنا الراهن. كل هذه التجارب أثبتت بأن هنالك عقائد معرفيَّة مختلفة بين الشعوب وفي كل هذه السياقات، أثبتت أنَّ المعرفة وعلم الاجتماع يعانيان من أزمة بنيويَّة عميقة، وعدم فهمها وقدرتها على حلِّ المشاكل التي يعاني منها البشر، حيث فشل كل الأنبياء والرسل والفلاسفة وعلماء الاجتماع في وضع حدٍّ للمشاكل التي يعاني منها البشر .

وهنا أعتقد بأن مراحل النهضة تبدأ من النهضةالفكريَّة المعرفيَّة والعلميَّة والسوسيولوجيَّة لكل شعب كما حدث في أوربا في القرن الرابع عشر للميلاد .

ريبر هبون ينظر الى المعرفة بشكل كلي وعام ولا يتطلع الى خصوصيَّات كل شعب وتاريخه، لذلك فكتابه المعنون( الحبّ وجود والوجود معرفة ) قفزة نحو عالم خالٍ من الحقد والضغينة وجهوده تنصب في كيفيَّة النهوض بالمجتمعات البشريَّة وأشكره على هذه المطالب المثاليَّة التي تنبع من أخلاقياته المكتسبة من تاريخ الشعب الكردي المحبّ للانسانيَّة في طبيعته .

بالمختصر المفيد يتلخَّص الرأي حول المعرفة ويتجلَّى في أنه لكل شعب تراثه الأخلاقي الذي تشكَّل على مدار السياق التاريخي والذي يتطلَّع إلى الوجود والمعرفة والحبّ والجمال، وأخيرا وليس آخرًا الغرب في نهضته استفاد من علماء اجتماع الشرق، إلا أنَّ الشرق لم يستطع الاستفادة من تجاربها و علمائها وإرثهم التاريخي، وبقوا شعوبا استهلاكيَّة غير منتجة ومتطفِّلة مع كل أسف، أمَّا جميع محاولات الشرق حول النهضة فباءت بالفشل، فالشيوعيون والإسلام السياسي والقوميون جميعهم فشلوا لأنهم لم يعتمدوا على ثقافاتهم التاريخيَّة للاستفادة منها نحو المستقبل- والإسلام السياسي اعتمد فقط على السلفيَّة الرجعيَّة – بل قلَّدوا الغرب في كل شيء، وهنا يكمن سبب الفشل لذلك نرى الشرق مستمرًّا في صراعاته الدمويَّة التي لا تنتهي، لأنّها لم تستطع إقامة نظامها الخاصّ بها حتى الآن، فالشرق في أزمة تاريخيَّة وما ربيع الشعوب إلا تعبير عن كيفيَّة الخروج منها ولكن بلا جدوى. فما العمل؟


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة