صدرت عن الدار المصرية اللبنانية الطبعة الأولى من الرواية الجديدة للكاتب المصري عمار علي حسن بعنوان “احتياج خاص”، وهي تقع فيما يربو على مائتي صفحة من القطع المتوسط.
بطل الرواية هو موظف تموين فقير نزيه، يعيش في منامه حلما متواصلا، لا مثيل له في العالمين، يصنع حياة مختلفة له يحمل فيها الاسم نفسه لكنه يعمل أستاذًا لمادة علم النفس بجامعة القاهرة. حياة هذا الموظف في الحلم، حيث رغد العيش ونعومته، تناقض تماما حياته الواقعية البائسة.
وحين تقوم ثورة يناير يسارع الموظف فيحكي حلمه الغريب للشباب، ليجعلوا العيش في مصر يتطابق مع حلمه، وليس مع واقعه، لكن حين يعود إلى النوم يجد حلمه قد ذهب، فيكافح لاستعادته، فتتوالى المحاولات، لكنها لا تكون بعيدا عن رجال الأمن، الذين يتابعونه، ليضمنوا عدم التفات الناس إلى هذا الحلم الغريب والإيمان به ثم تبنيه، والعمل على تحقيقه في الواقع المعيش.
يبدو البطل أشبه بمن يعاني من فصام، لكنه فصام حميد على أي حال، فهو يعيش حياة موازية رغدة، لكنها ليست في الصحو، كما هي الحال بالنسبة لمن يعانون من مرض الفصام العقلي المعروفة أعراضه، إنما هو فصام في المنام، من خلال هذا الحلم الغريب المستحب.
تقوم الرواية على بنية مختلفة غاية في الصعوبة، إذ تقسم حياة بطلها، وبذا تتوزع فصولها، على أوقات أو حالات خمس هي (ما قبل النوم ـ غشاوة ـ نوم ـ صحو ـ ما بعد الصحو) في الوقت نفسه تبدو هي رواية داخل رواية، إذ أن صديق البطل، يبدأ في كتابة رواية عنه حين يختفي بعد أن يضيع منه الحلم، وأثناء الكتابة يبحث بالطبع عن معلومات يستوفي بها شخصية صديقه، فنعرف من خلال الجهد الذي يبذله في البحث، ثم الكتابة، المزيد من المعلومات عن حياة هذا البطل.
جاء على غلاف الرواية: “تختلف رؤى النوم وأحلامه لكل شخص من ليلة إلى أخرى إلا بطل هذه الرواية، موظف التموين النزيه، فهو يعيش حلمًا متواصلًا بالغ الغرابة. ما أن يدخل إلى النعاس حتى يُستكمل الحلم من حيث انتهى الليلة السابقة. في النوم وحده يعيش حياة رغيدة بينما واقعه غاية في البؤس والتعاسة في ظل الفقر، ونكد الزوجة الطامعة، وقهر الوظيفة. حين يضيع الحلم يبدأ رحلة بحث عنه ملهوفًا على حافة الجنون. هذا البطل ليس فردًا إنما هو رمز للذين تطلعوا إلى تغير أحوالهم القاسية ثم استيقظوا على كابوس”.
من أجواء الرواية: “أعرف جيدًا الشوارع التي سار فيها على غير هدى، يحكي حلمه للعابرين. بعضهم كان يهشه كذبابة، وبعضهم كان يستمع إليه قليلًا، ثم يمصمص شفتيه، ويتركه يكمل حكايته للأرصفة، وجدران البنايات. قلة تعجبت مما يقول، وظنت أنه وليّ.
رأيته في الأيام الأخيرة، وقد نحل جسده، وطالت لحيته، وتمزقت ملابسه، وأوقف الحديث عن حلمه الغريب، مكتفيًا بترديد اسم امرأة لا نعرفها. من هذه السيدة التي أدركنا من وصفه أنها لا مثيل لها في الحُسن والطيبة؟ بحثنا جيدًا في تاريخه فلم نجد أثرًا”.”
وعلى منوال هذا الأسلوب تمضي الرواية، التي إن كانت تختلف في بنيتها عن مختلف روايات عمار السابقة، لكنها تحتفظ بأسلوبه الذي يعتمد على سرد عرم، يحتفظ بشاعرية اللغة وسلاستها، ومحاولة الوصول إلى المعنى من أقرب طريق، دون إفراط في ثرثرة، أو إشباع للسرد، أو الإغراق في توالد حكائي على ضفاف الحكاية المركزية التي تمثل العمود الفقري لهذا العمل الأدبي.
يشار إلى أن عمار علي حسن، هو روائي ومفكر صدرت له ثلاث عشرة رواية، وسبع مجموعات قصصية، ومسرحية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتان قصصيتان، وقصة للأطفال، وستة وعشرون كتابًا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف، وتُعد حول أعماله الأدبية عشرون رسالة ماجستير ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وكتبت عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى لغات عدة، وحصلت على جوائز.