عادت دراما العالم العربي، في شهر رمضان، في ذروة الموسم الدرامي السنوي عربيا، إلى تقديم الجديد، شكلا ومضمونا، وخصوصا من ناحية الرؤية لواقع حال الناس، وتقديم رؤى لحلول ممكنة لأزمات سياسية كبرى.
تقدم منصات عالمية لكل العالم دراما عالمية، قادمة من مختبرات كتابة واستوديوهات تصوير، فأصبح سكان كوكب الأرض يشاهدون نفس المنتج، لأن السلاح الناعم الأكثر تأثيرا وفتكا وإقناعا هي الصورة سواء ثابتة أو متحركة.
فمن مصر، أطل مسلسل رمضاني، نجح في التحليق خارج السرب، وقدم صراع الشر والخير، في مكان بعيد عن بر مصر، واسمه جزيرة غمام، وكأن الكاتب استلم حبر نصه الدرامي من مدرسة الراحل نجيب محفوظ، بواقعية تصور حياة الناس البسطاء، وتهتم بتفاصيل حياتهم.
ومن بلاد الشام، جاء مسلسل اسمع مع وقف التنفيذ، بنجوم من الصف الأول دراميا، من طرفي الصراع السياسي في سوريا، في أول اجتماع درامي لربما، رغم أن منهم من هو مع نظام بشار الأسد، ومنهم من هو لربما لا يزال ضده، ولكنها مصالحة تحدث لأول مرة دراميا، وحملت في لغة الكتابة الدرامية في مع وقف التنفيذ، اسم الخروج، ليقع تأريخ درامي بما بعد وما قبل الخروج.
فمدرسة الدراما المصرية، تؤكد أنها ولاّدة في تقديم ما يستحق المشاهدة، ففي جزيرة غمام، موسيقى تصويرية، وأماكن تصوير، وتفاصيل دقيقة تحترم المشاهدين، بينما طاقم التمثيل فهو حلق فوق السحاب، في ارتداء الشخصيات، لأن الممثل البارع لما يقف أمام الكاميرا، يلبس شخصية الدور، يينما يتنازل عن شخصيته.
وفي مع وقف التنفيذ، عادت القامات الدرامية السورية في تقديم دراما اجتماعية، تقرأ وفق زاوية نظر تستحق الاحترام، اليومي المعاش اليوم سوريا، مع فتح نوافذ على الماضي القريب، وطرح أسئلة جريئة جول إمكانية تحقيق المصالحة السورية السورية، وهذا ذكاء من كاتب السيناريو في المسلسل.
تواجه الدراما في العالم العربي انتقادات أنها دعاية وبروباغاندا، فلماذا العالم يستعمل سلاح الدراما تلفزيونيا وسينمائيا، فيما الأمر يحمل صفة المعيب وسطنا؟؟؟
في جزيرة غمام انتصار للقيم الجميلة إنسانيا، مع تحذير من نتائج هيمنة الشر، في تراجيديا قرية من الصيادين، فتتوالى الأحداث مثل نهر مسترسل، إلى أن يظهر الغرباء الأشرار الذين يخيطون المكائد فيختل التوازن وتأتي الزوبعة، ابتلاء كبيرا بتحكم الغريب بمصائر الكبار والصغار في الجزيرة.
ففي حارة سكنية شامية في دمشق، لا يموت الماضي، بل إن العائدين إلى المكان، يسكنهم الأمس، ولو أنهم يحاولون أن يمضوا قدما صوب غدهم، ولكن المطلخة أياديهم بقنص الأبرياء يتحولون إلى سماسرة عقار، وتصطدم مصالحهم مع نافذين سياسيا، وبينهما تيار المثقفين من المعارضين الذين اكتوا بنيران السجن، فتتيه بوصلتهم في العائلة الصغيرة، فتتوالى الهفوات في الخطوات، لأن الماضي لا يموت عندهم، فتستيقظ الرغبة في الانتقام من الجلاد.
أنتج العالم العربي مدارس درامية تستحق الاحترام، وأصبح المشاهد الفطن، قادرا على الحصول على ما يمكن تتبعه، وسط هيمنة الكم، وقلة النفيس من المسلسلات، ولكن لكل باحث جائزة قراءة رواية مكتوبة تلفزيونيا.
___________
* الأستاذ عادل الزبيري.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.