كثيرون في مصر وخارجها عرفوا قرية دقادوس من كونها مسقط رأس الشيخ محمد متولي الشعراوي، لكن في رواية جديدة صدرت عن دار الآفاق العربية في القاهرة.
يقدِّم لنا الدكتور ماجد موريس الطبيب النفسي الذي قدم العديد من الكتب، في روايته (ثلاثية التكوين والخروج والرؤيا ) رؤية جديدة للحياة في دقادوس من نهاية ستينيات القرن العشرين إلي تسعينيات القرن العشرين، الرواية في حقيقتها هي تغريبة أسرة من بورسعيد ممَّن استقرّوا بها مع بداية حكم الرئيس جمال عبد الناصر الأم تعمل في فيلا لأغراب والأب يعمل نجارًا وقد قدم إلى بورسعيد من الصعيد. تتصاعد الأحداث في الرواية في متواليات تكشف مع صعودها العديد من المفاجأت في نهاية الرواية ليصدم المؤلف القارئ.
الرواية سرد تاريخي عبر أحداث تراتبية تحكي تاريخ الناس وانعكاسات السياسة على حياتهم، الأماكن التي تدور فيها الرواية متعدِّدة ما بين بورسعيد، دقادوس، المنصورة،القاهرة، الأقصر، الكويت، لبنان، ميت غمر، لكن أيضا في الأماكن نجد أماكن محورية مثل : المسجد، الكنيسة، نهر النيل، المدرسة، القهوة،بيت العمدة، لكن الراوي نجده يدمج نماذج من الأدب الفرعوني والأدب الانجليزي في سياق الأحداث مع تضفير الشعر مع الأحداث فزاد السردية ثراء.
تبدأ الرواية من بور سعيد حيث أسرة غير مصرية تترك فيلتها في بورسعيد لفتاة سرعان ما تتزوج من نجار آتٍ من الصعيد لينجبا ولد وبنتين هما القبضاي ورباب و عتاب، ومع التهجير الذي حل ببورسعيد عقب هزيمة يونية 1967 م والذي هدّد في أثناء حرب الاستنزاف سلامة الناس، تضطر الأسرة للهجرة فيستقر بها المقام على شاطئ النيل في دقادوس في بيت مهجور سرعان ما تعمره، لكن البوليس يحاول إخراجهم بدعوى استيلائهم على المكان، غير أن أهالي القرية يرفضون المزيد من الظلم لأسرة شردت.
سرعان ما تندمج هذه الأسرة في مجتمع دقادوس؛ الأب وابنه يعملان في سد الاحتياجات اليومية والبنتان في التعليم، لنرى عبر سياق الأحداث العمدة الذي كان لديه التليفون الوحيد في القرية والذي منزله هو منزل كبير القرية، لنرى القهوة والحياة والموالد، هنا تجيء المدرسة ومدرس مغترب للغة الانجليزية سرعان ما تثيرة الابنه رباب لكنه في غفلة من الجميع يغتصب عتاب ثم يهرب من القرية إلى الأقصر حيث يلقى حتفه، وتظل رباب التي تلتحق بالجامعة لتعمل مدرسة ثم تسافر إلي الكويت وهناك تتعرض لمحاولة نصب من مغترب فيتزوجها دون أن يتمما الزواج ليجري الكشف عن أنه نصاب ويتضامن معها كل من حولها إلى أن تنجح في الافلات منه، ثم تغادر الكويت مع أحداث الغزو العراقي للكويت.
الراوي يحكي مأساة هذا الغزو على أهالي الكويت وكذلك على المغتربين، لتنتهي الرواية في بور سعيد بعد عودة رباب من لبنان بلد أمها التي تكشف في آخر الرواية أنها مسيحية أرمينية قذفت الحروب أسرتها إلى لبنان ومنها لبورسعيد، هنا نحن أمام تغريبة متعدّدة المستويات، يعبر عنها الشعر الذي قدَّمه الرواي في سياقات الأحداث على النحو التالي :
يا مراكبي ياللي جاي
يا مراكبي ياللي رايح
يا مراكبي ليه نسيت معاك عمري اللي طايح
يا مراكبي غربتي سنين طويلة وأزمان
يا مراكبي منيتي توصلني لبر الأمان
يا مراكبي والدموع لسه كثيرة وسخينة
يا مراكبي ودي لو تنولني السكينة
الرواية عبر صفحاتها تطرح أسئلة مباشرة وغير مباشرة، وأحداثها قد تجيب وقد لا تجيب عليها، لتترك الأمر لخيال القارئ، ولكن المؤلف أيضا نراه يعبِّر عن ذلك على لسان رباب البطلة حينما تقول: أسئلة كثيرة بقيت من دون أجوبة، كل التساؤلات كانت تفقد عنفوانها حينما تصطدم بقسمات وجه أبي الصامد؟
المؤلف وضع على لسان أبطاله العديد من خلاصات تجارب الحياة فنرى رباب تقول: نحن لا نتغيَّر مثلما يبدو للناس عندما نغيِّر لون ملبسنا أو طرازه، كل واحد يتغيَّر عندما يخرج من داخله جوهره الكامن غير المرئي . المؤلِّف يسعيد لنا العديد من المرويات الشعبية في سياق روايته وطقوس العزاء عبر صواني الطعام التي ترسل لعدة أيام لبيت المتوفي في الريف المصري، كما أن الرواية حافله بالتحليل النفسي للشخصيات، زخم الرواية يجعل عرضها في ملخَّص أمر صعب لكنها رواية كثيفة الأحداث والشخصيات.
______
*الدكتور خالد عزب.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.