الصورة النمطيّة وتضليل الرأي العام
نشرت الدار المصريَّة اللبنانيَّة أحدث كتاب للدكتور محمد شومان العميد المؤسس لكليَّة الإعلام بالجامعة البريطانيَّة، يتناول بالتحليل النقدي مفاهيم الصورة النمطيَّة والرأي العام، ودور الصحافة والإعلام في تشكيل الرأي العام والتلاعب به وتضليله ومن ثم تزييف العمليَّة الديمقراطيَّة، كما يناقش أطروحات والتر ليبمان عن الصورة النمطيَّة وأزمة الصحافة والديمقراطيَّة.
يُعَدُّ كتاب الرأي العام Public Opinion لوالتر ليبمان Walter Lippmann الصادر عام 1922، واحد من أهم الكتب الرائدة في مجال دراسات الاتصال والإعلام والرأي العام، ومن أهم الكتب التأسيسيَّة في هذا المجال والذي صار علما، ومهنة تدرَّس في معظم جامعات العالم، لكن المفارقة أنّ هذا الكتاب على أهميته وانتشاره لم يترجم إلى اللغة العربيَّة على حد علمي، ولم يحظ بالاهتمام والتعليق أو القراءة التي يستحقها من الناطقين بالضاد، حيث تطرَّق إليه بعض الباحثين والأساتذة بشكلٍ متعجّل سواء في بحوث ودراسات الإعلام أو السياسة، وحسب تخصّص كل منهم، سواء كان منتميا إلى دراسات الإعلام أو السياسة في نقل بعض أفكار أو عبارت الكتاب المشهورة والمتداولة عن الصور النمطيَّة وتأثيرها، وعن أزمة الديمقراطيَّة، ولا عقلانيَّة الرأي العام.
والمدهش أن بعض الباحثين والكتاب العرب تحدثوا عن أهميَّة الكتاب في تأسيس دراسات الرأي العام، على الرغم من أن ليبمان لم يكن مؤمنا بدور الرأي العام في المشاركة في اتخاذ القرار، لأنه لم يكن واثقا بقدرة الرأي العام على الاهتمام بالشؤون العامة ومن ثم التوصل إلى آراء أو أحكام سليمة.
في كتاب د.شومان يجد القارئ ترجمة مختصرة ومركزة لكتاب والتر ليبمان تعتبر الأولى من نوعها إلى اللغة العربيَّة، ويقدم د.شومان قراءة عربيَّة لأهم طروحاته الفكريَّة والإعلاميَّة والسياسيَّة، تستهدف التفاعل مع القارئ المتخصص في مجال بحوث الإعلام، والعلوم السياسة، والجمهور المثقف المهتم بإشكاليات السياسة والحكم ودور الإعلام في المجتمع المعاصر، وتطرح تلك الاشكاليات الاستقطاب بين تيار يفضل حكم الخبرة من خلال النخبة وتيار مشاركة المواطنين ( الرأي العام ) في اتخاذ القرار في إطار الديمقراطيَّة التشاركيَّة، وإشكاليَّة إصلاح وتجديد آليات الديمقراطيَّة، وإشكاليَّة دور الصحافة والإعلام في زيادة اهتمام ووعي المواطنين وتطوير مشاركتهم في الشؤون العامة، أو تزييف الوعي والتلاعب بالرأي العام وتضليله ، وهل يمكن إصلاح دور الصحافة والإعلام بحيث تصبح أكثر دقه وموضوعيَّة في نقل الأخباروالآراء المتعددة، وماعلاقة هذه الإشكاليات بآليات صنع الصورة النمطيَّة، والرموز، والدعاية، وصناعة الإجماع أو الإرادة العامة
ويناقش ليبمان مدى أهميَّة الصحافة والإعلام في نقل المعلومات الحقيقيَّة عن البيئة غير المرئيَّة أو المعقدة للناس أو الرأي العام، وهنا تتضح العلاقة بين الصحافة والإعلام وتشكل الرأي العام والعمليَّة الديمقراطيَّة. من خلال عدة اعتبارات، الأول أن الأخبار والحقيقة ليستا نفس الشيء، والثاني من الصعب العثور على القارئ المهتم والمتابع، والاعتبار الثالث أن اقنصاديات الصحافة والقواعد المهنيَّة المتبعه في العمل الصحفي الصحافة لا تعمل في صالح تزويد الحمهور بالحقائق والآراء الموضوعيَّة، وإنما تخدم أصحاب الإعلان والحكومة، حيث يتحكم المعلنون في المضمون المقدم للجمهور، وتلعب القواعد المهنيَّة وعناصر السرعه والمساحة في تشويه الحقائق وتقديم معلومات غير دقيقة للجمهور. ويرى ليبمان أن الحقيقة الكاملة هي التي تتوافق مع مفهوم صاحب العمل لمصالحه الخاصة.
والاعتبار الرابع هو ظهور الدعاية والعلاقات العامة كمهنة، ثم صناعة تلعب دور الوسيط بين القارئ والصحافة والإعلام والجمهور، يقول ليبمان ” إن تطور رجل الدعاية هو علامة واضحة على أن حقائق الحياة الحديثة لا تأخذ شكلًا تلقائيًا يمكن من خلالها التعرف عليها..”.
ويرى د. شومان أن اعتراف ليبمان بمشكلات الصحافة وعدم موضوعيتها في نقل الحقائق للجمهور، لايدفعه للأسف للبحث في كتاب الرأي العام عن حلول لتطوير الآداء المهني للصحافة وضبطها بوضع مواثيق شرف وهيئات للضبط والرقابة الذاتيَّة، وإنما يروج للحل النخبوي الذي يتبناه، إذ أن الخبراء الموثوق وعملهم سيشكل آليَّة لحل مشكلات الصحافة، ومشكلات الحكومة التمثيليَّة أيضا، سواء كانت إقليميَّة أو قوميَّة، ومشاكل الصناعة، سواء كانت رأسماليَّة أو تعاونيَّة أو شيوعيَّة. ان هذه النخبة الموثوق فيها من الخبراء القادرين على اختراع وإنشاء المعرفة الآليَّة، من خلال وكالة لجمع وتحليل المعلومات، وهؤلاء الخبراء الذين سيعملون في تلك الهيئة لن يعتمدوا أو يتأثروا بالصور النمطيه المغلوطة أو الرموز، أو يتحيزوا لأفكاره مسبقًا، لأنهم سيعتمدون على الأساليب العلميَّة الكميَّة والكيفيَّة في جمع وتحليل البيانات وتقديم البدائل، واقتراح القرارات والتشريعات على نخب الحكم التقليديَّة في الكونجرس والحكومة والاقتصاد.
_______
*الدكتور خالد عزب.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.