أدبالتنويري

أثر الوضوح على الرواية (أرواح تحت الصفر “أنموذجاً”لأفين أوسو)

-تقنية الدهشة:

خلو الرواية من الإدهاش يفتح الطريق بالقلم للغوص في السرد الحكائي، وبهذا فإن النصّ يتَّسم بانغلاقه على ذاتية المؤلف، فلو افترضنا سلامة اللغة وقدرتها على سدّ فجوات السرد المطوّل، فإنها لن تستطيع أن تنوب مقام الوصف الجسدي والنفسي للشخصية، ولا يدخل الحوار إلا في أتون ذلك الوصف ليغري المتلقي بالمزيد من القراءة وتتبع الحكاية، لأنها ليست مجرد حكاية وحسب وإنما هي رحلة مليئة بالإمتاع والمعرفة، إذ لابد على الروائي أو الروائية أن تجسِّد في متن النص روح المعرفة، وتجسيد طبائع النفس وما يسود الذات المقابلة من تقلبات وتغيرات على صعيد أثر الحدث على الشخصية.

 

-أثر الحدث:

هنا لا بد من مواكبة ذلك الأثر تبعاً لشدة الحدث، تلك المقايسة ضرورية بمكان في النص، ولعل رواية أرواح تحت الصفر للكاتبة أفين أوسو قد انغمست في التخاطر على صعيد الشخصيات فوقعت في دوامة السرد ومن ميزات طوله انعدام الإدهاش فيه، والدخول في طور العادية والرتابة الأمر الذي يجعل القارئ في حيرة من أن يكمل للنهاية أم يتوقف على صفحات محددة من الكتاب بغية فهم عام لمجمل الرواية وهذا الأمر يحدث عندما يغلب حس السرد والتقرير على الإدهاش والوصف.

 

-حول مضمون الرواية:

مضمون الرواية يجسد الشخصية العاشقة في زمن الحرب، راحت تنطوي على خواطر وشجون يشترك فيها من عاصرها لحظة بلحظة، أما ما سنعرضه هو طريقة إيصال القضايا الإشكالية المتّصلة بحياة الإنسان في الحرب، وكذلك نسبر الغور في اللغة والتحرّي عن مقومات الرواية فيما إن كانت مكتملة تماماً وهكذا.

 

-الوصف:

الوصف النفسي دون الجسدي لا يعطي الرواية مدلولاً فنياً ماتعاً، وبذلك فإن الوصفين يكمّلان بعضاهما بشدة، وقد جسدت الكاتبة النفسي تبعاً للحوار، ولم تعطي مجالاً للشخصيات من أن تختلف وتتمايز عن بعضها، الجميع وكأنهم بلسان نفس واحدة يجسدون لغة واحدة روح واحدة قاسمها المشترك هو التعب والرغبة بنشدان الخلاص، فهنا كان من المهم  إبراز الاختلافات بين الطبائع والأمزجة وإتاحة المساحة الكافية للدخول في حقل إبراز التمايزات بين الشخوص، ولعل الوضوح في الرواية يجعل القارئ يكابد الملل، إذ يكون لسان حاله، أن كل شيء بات واضحاً فلما يتعين علي إتمام الرواية لنهايتها، هنا لابد من الحنكة في التعامل مع النص وإعطاء عنصر المفاجأة ليلعب دوره وليعطي إشارات مبهمة توحي للمتلقي أو القارئ بأن أشياء غير متوقّعة ستحدث

وعليه ألا يتوقف ما أمكن عن القراءة لاكتشافها قريباً.

 

-حول اللغة:

وظّفت الكاتبة تقنية الخاطرة، وكذلك الحياة وراء الشاشة الافتراضية ،حيث وظفت كواليس الفيسبوك، وأثره في مواكبة الخلجات في زمن الحرب الأهلية في سوريا، فجاءت اللغة منسابة بما تحمل من أحزان متماهية مع شخوصها على نحو وجداني رامٍ لفهم المعضلات المعششة النفس، تلك المفعمة بالخيبات والأحلام المنتهكة على مسرح الحرب والصدامات العنيفة. وقد برعت في مواكبة نقطة الهجرة لأوروبا، والأهوال التي لقيتها الشخصيات وبهذا اقتربت من البعد المكاني والزماني أكثر، وهذه نقطة تحسب للروائية في أنها أعطت للبعد الحركي دوراً في التوغل في المكان وجعل الصور والمشاهد تتحدث، العساكر ، الحافلات المنطلقة، رائحة الطعام ، قطيع الذئاب،الحركة وأصوات الناس، نلحظ مدى تأثير الوصف في تحريك مخيلة المتلقي وجعله في حالة انشداه وتتبع، لأن الحركة في الرواية تعني التجدد، وكذلك تتيح دوراً للمخيلة في الإيغال في جماليات اللغة الروائية، وعزمها لإحداث أثر محمود في تعامل الإنسان مع تجاربه وتجارب الآخرين لتجسيد أن الحياة في مضمونها فن .

 

-خاتمة:

هنا لا بد من أن نقول إن الرواية ليست مجرد نقل لحكاية أو لآلام وشجون ذاتية فحسب بقدر ما تحمل الرواية الحقيقية المؤثرة في جعبتها سيولاً من تساؤلات ومادة معرفية تحتوي على الفن والأدب والفلسفة وعلم النفس والسياسة يمكن وصفها( أنها ظبية مكتنزة بالشحم واللحم) يحيط النص وصف الشخصية النفسي والجسدي دون غياب عنصري الغرابة والإدهاش.
_________
ريبر هبون
*


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة