*نشرت في الراصد التنويري/ العدد السادس(6)/ خريف 2009.
شاعَ تعبير الإسلام السياسي في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي في دراسات غريبة وعربيَّة تتناول التنظيمات السياسيَّة، أو التيّارات الإسلاميّة الإيديولوجيَّة التي تزعم السعي إلى إقامة دولة قوام حكمها مبادئ الإسلام وتعاليمه، سواء في مستوى بلد معيّن أو في مستوى “الأمّة” ذلك الكيان اليوتوبي، إلا أنّ بعض الكتّاب الغربيّين الفرنسيّين بخاصّة، يبدون أنّهم يؤثرون تعبير “الإسلامويّة” الذي تحفّ به دلالة العنف، ويشدِّد على الصفة السياسيَّة لدى تلك التنظيمات والحركات أكثر من تشديدها على مظهرها الديني الخالص.
لكن إذا كانت التنظيمات التي تمارس نشاطًا سياسيًّا، وتتشكَّل بنيتها التنظيميَّة على صورة الأحزاب الحديثة. وترفع في الوقت نفسه شعار الإسلام دين ودولة، توضع كلّها تحت مسمّى الإسلام السياسي، إلا أنّها لا تتشابه مع بعضها البعض في تجاربها، فمراحل تحوّل حزب “الرفاه” التركي الذي تأسّس في العام 1970 باسم “ملي نزام” ثمّ صار “ملي سلامت”، بعد أن حظر مرّات عدّة لا تشبه تحوّلات “الإخوان” الفكريَّة والتنظيميّة في مصر، بخاصّة بعد ما تعرّض له من حملات قمع بعد العام 1954، وانشقاقاته وما حثّ عليه من تشكيل تنظيمات أخرى كـ”الجهاد” التي لا تجد غير الانقلاب المجتمعي والسياسي سبيلا لإصلاح مصر. كما أنّ تجربة الإسلاميّين الإخوان في العمليَّة السياسيَّة في الأردن لا تشبه تجربة “الجبهة الإسلاميَّة للإنقاذ” في العمليَّة السياسيَّة في الجزائر. وهذه التجارب تختلف عمّا شهدته وتشهده “جماعتي إسلامي” الباكستانيَّة، وتجارب هؤلاء –وهم مسلمون سنّة- لا تتّفق مع تجارب وتوجّهات أحزاب إسلام سياسي شيعيَّة، كالتي في العراق وإيران ولبنان، بخاصّة.
هذه تنظيمات إسلام سياسي حزبيّة، وهناك حركات إسلام سياسي، يطلق عليها في الأدبيّات الغربيَّة “تنظيمات جهاديَّة”، أي عنيفة أو تتوسّل العنف لبلوغ غاياتها أو فرض وجودها، تختلف، بدورها عن تلك التنظيمات الحزبيّة في طبيعة بناها التنظيميّة ووسائلها وأهدافها، وقد ظهرت على المسرح العالمي بشدّة بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، وراحت تتوالد كالقاعدة في بلاد الشام، والقاعدة في بلاد المغرب العربي، والقاعدة في الجزيرة العربيّة، والقاعدة في بلاد الرافدين، إلخ.
إذن لا بد من الانتباه إلى أنّ الإسلام السياسي أشكال تتباين وتتنوّع على وفق المناخ السياسي الذي يحكم البلد الذي تتشكّل فيه وتعمل، حتى وإن ادّعت بعضها بأنّها متخطّية للحدود الوطنيّة وتشتغل في مستوى الأمّة وعامّة المسلمين فهي تبقى تحمل الصبغة المحلّيّة، هذا فضلا عن اختلاف خطابات تلك الأشكال ومواقفها وأهدافها ووسائلها، باختلاف هويّتها المذهبيّة. ولعلّ المثال عن ذلك يتجسّد في ممارسة أشكال الإسلام السياسي للحكم في السودان، السعوديّة، إيران، أفغانستان، والأراضي الفلسطينيّة، كما في طبيعة العلاقات بينها والمواقف من بعضها البعض.
ولا بد من الالتفات أيضًا إلى أنّ أشكال الإسلام السياسي تمزج بين طبيعتين، كما يرى الباحث الفرنسي في الحركات الإسلاميّة، أوليفييه إنّها كلّها تمزج بين طبيعة حزب سياسي وحركة اجتماعيّة.
لذا فإنّ الحديث عن إخفاق أشكال “الإسلام السياسي” أو نجاحها، ودواعي بروزها الصارخ، ومدى شرعيّتها، يستدعي دراسة كل تجربة منفردة في إطار السياق السياسي والاجتماعي والثقافي، حيث تنشأ وتنشط، إذ أنّ هذا المشهد من التعقيد إلى درجة أنّ تلك الأشكال لم تعد تنشد الوصول إلى السلطة في بلدٍ معيّن فحسب أو مواصلة القبض عليها بمعنى أنّها لم تعد تكتف بـ”تمثيل الدين سياسيًّا” أو تأكيد وسيلة حكم، إنّما صارت تقدّم نفسها بأنّها “التمثيل الحقيقي الوحيد” للدين الإسلامي برمته، أصولا وفروعًا.
____
*فالح حسن السوداني.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.