هناك تساؤلات تطرح في المجتمع المصري بفعل التعايش بين المسلمين والأقباط، خاصَّة أنهما في مجتمع مشترك التعايش، علاقات الحبّ فيه بين الرجل والمرأة واردة بقوَّة، فماذا لو تزوج مسلم بقبطيَّة وأنجبا طفلاً كبر، فصار يعامل على أنه ابن القبطيَّة ويجري من هذا السياق بناء رواية وليد علاء الدين في روايته “ابن القبطيَّة” التي تعد نسقا يعالج مشكلة اجتماعيَّة، قد تبدو للوهلة الأولى صادمة في سياق الرواية، وفي سياقات بعض شرائح الطبقة الوسطى في مصر، ولكن في شرائح أخرى خاصَّة في المناطق العشوائيَّة حيث الانكماش والانغلاق والشوارع المظلمة والمنازل المظلمة يبدو سياق الرواية منطقيا، فهل طرق وليد علاء الدين بجرأة ما لم يجرؤ غيره على طرقه؟
في حقيقة الأمر لو سألت عن رواية تترجم من العربيَّة إلى لغات أخرى صدرت في السنوات الأخيرة لاخترت هذه الرواية، مع عدد قليل آخر من الروايات التي صدرت باللغة العربيَّة في السنوات الأخيرة، قدرة وليد على السرد نراها في انعكاس قدرته على الكتابة المسرحيَّة، فأحيانا نراه يكتب المشهد داخل الرواية كأنّه يمثِّل على خشبة ثم ينقلنا إلى الصيغ الخبريَّة في الحوار، وهو ما يعكس مهارته الصحفيَّة، هذه التعدّديَّة في تقنيات السرد، جعلت من قراءة هذه الرواية متعة بانتقال القارئ من تقنية لأخرى، إذ لا يحدث هذا مللا لمن يقرأ، بل إحساسا بأنّه يتفاعل مع أحداث الرواية التي يرسمها الراوي كأحداث تصاعديا سرعان ما تهدأ لتعود لتفوز مرَّة أخرى عبر صدمة الخبر الذي يلقيه الراوي ليكسر حاجز سكون الأحداث.
يوسف حسين بطل الرواية الذي يمرّ بأزمات نفسيَّة وعاطفيَّة تتجلَّى في رفض أسرة الحبيبة أمل تزويجها له لأن أخواله أقباط، هو ذاته مع الزمن يكتشف أنَّ أزمته هو زواج أمّه بأبيه، ليلازمه مرض نفسي صاعد منه ومعاناته من قصّة حبّ أبيه لأمه، وكأنه ضحيَّة لحبّ جارف كان هو نتاجه، ومجتمع يمارس الخداع باسم التسامح، ويمارس اللاتسامح باسم الدين، هويّته المزدوجة آلمته كثيرا، وهو ما يصيغه وليد علاء الدين في عبارات أقرب إلى اللغة الشعريَّة، هذه الرواية فيها بعد فلسفي غير ظاهر، مما نقرأ من خلاله تأثّر الراوي بنجيب محفوظ الذي حملت رواياته فلسفة غير ظاهرة للعيان، هنا وليد يبحث عن الإنسان ومشاعره وحقيقة وجوده كإنسان بعيدا عن الدين، ليطرح تساؤلات على المجتمع المصري ثقافيَّة واجتماعيَّة من الصعب أن يفلت المجتمع من الإجابة عليها، لأنَّ هذه الإجابة هي مستقبل هذا المجتمع.
أوهمنا الراوي أنّه ينقل من الكراسة الزرقاء للبطل المأزوم ليتحدّث بصراحة عبر هذا النقل عن أزمته، فهل كان وليد يهرب من المواجهة الصريحة مع القارئ عبر وسيط؟
البطل هنا تتجاذبه الكنيسة ويتجاذبه دين أبيه، في صراع إضافي يضاف لصراع حبّه الذي فقده، ولا يريد المجتمع أن يتركه ليعيش حياته في سلم، فإمَّا أنّه منبوذ بسبب الأب أو الأم أو بسبب رغبته في العيش سالما، ويتجلّى هذا عندما يدور حوار بينه وبين رسول الكنيسة عندما يقول: “إنها لعبة الوجود.. وجود كل منا منتقص بوجود الآخر” فيردّ بطل الرواية: “أنا وجود مشترك” وعن مأساته يقول البطل: “حاربت الدنيا من أجله وحارب من أجلها ناسه أما أنا فقد ضاعت مني أمل (حبيبته) لأنهما نجحا في حربهما وتزوجا وعلقا على جدار غرفتهما آية الكرسي ملاصقة للصليب”.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.