دعا المنبر الدولي للحوار الإسلامي عبر نشرته (إسلام 21) منذ تأسيسه العام 1994، إلى فهمٍ معاصر للإسلام ومعالجة مواضيع مهمَّة للواقع الإسلامي كالديمقراطيَّة والعنف وغيرها وساهم منذ البداية في طرح أفكار رائدة وجريئة، لندرة مثل هذه الأفكار في الواقع العملي في تلك الفترة فضلا عن اعتقاده في إسداء الإضافة المهمَّة لتحديد بداية مرحلة متنوّرة وجديدة، واليوم وبعد 14 عاماً في تقديرنا، دخلنا مرحلة جديدة تتميَّز بكثرة وخبرة أكبر في طرح المواضيع التنويريَّة والمجالات عديدة ما يتطلَّب الرصد للأفكار والكتابات المتعدِّدة. والجديد هو انضمام عشرات الأصوات إلى منهج إسلام 21 الفكري وظهرت أقلام ومواقع على الإنترنت وإصدارات وجمعيّات تدعو جميعها إلى الفهم المعاصر والمتطوّر. أمام هذا الواقع الجديد ارتأينا ضرورة إعادة إصدار إسلام 21 بصيغة راصد للأفكار التنويريَّة.
سيتابع الرصد بشكلٍ أساسي الأبواب التالية:
- الإسلام السياسي.
- فلسفة الدين.
- شؤون المرأة.
- العنف الديني.
- مفاهيم قرآنيَّة.
يأتي هذا الجهد في لحظةٍ حرجة من تاريخ العالم الإسلامي، كما هو جلي من خلافات داخليَّة كبيرة وتحدّيات خارجيَّة شديدة تجعله وبصورةٍ متميِّزة عن أي فترة مضت أمام مفترق طرق حقيقي. ولا نقصد بالإسلام، النصّ المقدّس في القرآن وما تحقّق من السنَّة الشريفة، وإنّما المتمثِّل في سلوك المسلمين ومؤسّساتهم الدينيَّة.
ويبدو أنَّ الإسلام في القرن الواحد والعشرين ولعوامل تاريخيَّة واجتماعيَّة معقّدة، ضعيفاً، وبدون روح، وفاقداً للبوصلة ويصارع شياطينه الداخليَّة قبل مشاكله الخارجيَّة. ولم يتخطَ عصر ما بعد الاستعمار أو يتعد إحداثيّات تلك الفترة للبدء بالنضال من أجل الإصلاح والاستقلاليَّة.
فداخليّاً، هناك صراعات جمة، تارة في موجات التكفير ومفاهيم القرون الوسطى كالفرقة الناجية والرافضة والنواصب وغيرها. وتارة أخرى في احترابٍ طائفي متبلور في استقطاب متنابذ الأطراف، ناهيك عن الانغلاق والتقوقع الذي يزداد تأزّماً مع مرور الزمن. والتحدّي الأكبر هو ذلك العامل الخارجي المتجسِّد في الحضارات المتقدّمة وغير المسلمة، كما هو في الغرب خصوصاً، والقوى غير الغربيَّة عموماً.
وتدعو أصوات في الغرب، ولأسباب جيوسياسيَّة، إلى عدم إيقاظ الإسلام في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ الإنسان بجذوره العميقة وقدرته وبصيرته في إحداث النهضة الفكريَّة والثقافيَّة المطلوبة.
وتوجد أدلَّة ملموسة على قوى كبيرة تخطِّط في إحداث الخلافات الداخليَّة في بلدان العالم الإسلامي، ما يجعل موضة التكفير والتضاريس الأخرى المتنوّعة للتشدّد فضلا عن العنف المنظم والشامل ضدّ الأبرياء والمدنيّين من المسلمين من قبل جماعات تدّعي الإسلام وتحت شتّى الذرائع، أعمالاً تصبّ في خانة مصالح الدول الأجنبيَّة، ما قد يمهد لخلق جبهة انشقاق داخل العالم الإسلامي يكون خطرها استراتيجيّاً أكبر من ذلك الاستقطاب الحادث بين الغرب والإسلام.
العلّة الكبرى في واقع الإسلام المعاصر هي قراءته وممارسته المفصولة عن واقعه، فلا يزال فهم الواقع منطلقا من صور الماضي التي تحوّلت مع الوقت إلى قوالب جامدة ساهمت بالتالي في صياغة عقول أسيرة لهذه النماذج أو القوالب الجامدة وقناعاتها في تصورها عن الإسلام من وجهة نظر تراثيَّة وليس على أساس الواقع ودوره في صياغة رؤى وتصوّرات جديدة، ما رسَّخ دور النقل، عن الذين مضوا، على حساب العقل، وساهم في تجميد عاملي الزمان والمكان والتباس الأمور وسيادة المعرفة الجامدة للنصوص الدينيَّة.
ويمثّل الفهم المغلق للنصوص الدينيَّة أنساقاً اجتماعيَّة ظرفيَّة تحوّلت إلى قيود على النصوص. ولم يعد ممكنا بالنسبة للآخرين، تجاوز هذا الفهم المغلق. وعلى الرغم من تغيّر الواقع، صار الفهم المغلق. وعلى الرغم من تغيّر الواقع، صار الفهم المغلق قيداً على حركة الواقع أيضا.
والأمر الآخر في عصر القرن الواحد والعشرين وربما الأهمّ هو الاعتقاد بأنّ المعرفة ومنابعها فقط آتية من النصوص الدينيَّة وتواجد كل الحقيقة فقط في هذه النصوص، بينما هناك مصادر أخرى للمعرفة كالفلسفة والعلم والتكنولوجيا. وهذا يعني تعدّديَّة منابع المعرفة، وكون قراءتها تتمّ إنسانيّاً لأن الإنسان، من خلال العقل، قادر على استيعاب النصوص الدينيَّة للخروج بمفاهيم وتصوّرات جديدة عبر قراءة إنسانيَّة وليس قراءة ربّانيَّة بحكم النسبيَّة في هذه القراءات بينما يكمن المطلق أو المقدّس، كما يعتقد المسلمون، في ذات النصوص القرآنيَّة أو السنّة الشريفة، فالدعوة هنا ليست للتغيير النصّ وإنّما إلى فهم متجدِّد أو قراءة معاصرة للنصّ.
فالفهم البشري، النسبي للنصّ المقدّس وتطويره (أي الفهم) النابع من التجديد والمنهجيَّة وتطبيق أدوات حديثة للتنقيب وسبر الغور للوصول إلى تأويلات مختلفة تأتي بالجديد والمتغيّر هو صلب الموضوع. فالهدف ليس تغيير الدين بل تغيير فهم الإنسان للدين.
فالجديد الآتي أحياناً من الانفتاح وأحياناً أخرى من المخاض الفكري والعقلي هو الذي يطرح على التراث أسئلة جديدة لمحاولة نزع أجوبة جديدة وصياغة تغيّرات متقّدمة في كليّات الأمور وجزئيّاتها، ما يمكن من طرح أشكال جديدة تساعد على تطوير منهجيَّة العمل وأدوات التخطيط ووسائل التنقيب وطرائق الدراسة وأساليب التقويم وغيرها. ويساهم هذا الأمر في تجاوز المأزق الفكري وإحداث التفاعل المطلوب والضروري بين العقل والنصّ، فالتفكير كخطوة أولى يتبعها التعقّل لاكتساب المعرفة الجديدة واستمراريَّة اكتسابها للبداية في تأسيس نظام معرفي جديد أحوج ما يكون له المسلمون اليوم.
ويأتي دور هذا الرصد في إمكانيَّة التأسيس لبدايات أوّليَّة لثقافة جديدة من حيث طريقة التفكير ومنهجيَّة الانفتاح وتعدّديَّة الأفكار المطروحة، الأمر الذي دعا إلى الإصدار والمحتوى الجديد لإسلام 21.
نأمل أن ترفدونا بملاحظاتكم واقتراحاتكم وأفكاركم.