تتكثّف رمزيّات الخلق والصراع والموت والحريّة والعبوديّة في جدليـّة الهو- هو والهو- الآخر دون أن تتعلّق بمرحلة تاريخيّة أو إبستميّة بعينها، لكونها هي بالتحديد المعنى أو مجموع المعاني المحدّدة لماهيّة الكائن، ومن هنا فالتخلّي عن رهان الهويّة هو بمثابة التخلّي عن المعاني القصيّة والغائرة في عمق التجربة الإنسانيَّة.
ليست الهويّة إلّا اجتماع وتقاطع هذه الانشغالات والمباحث بشكل يتعذّر الفصل بينها، فطبيعة المفهوم الفضفاضة والعائمة تمكّنه من الارتحال بيسر ومرونة من سجلّ لآخر. ولهذا تنبسط مباحث الهويّة في كل الاتجاهات، وتقع في مفترق طرق عدّة تخصّصات: فمن الهويّة كمنطق صوريّ ورمزيّ يلاحق مواطن التناقض في الأشياء (موضوع علم المنطق) إلى الهوية كبحث عن وحدة مفترضة للوجود تلاحق بدورها مواطن التكثر والحركة، باحثة عن أصل مرجعيّ ثابت (موضوع الميتافيزيقا)، وصولًا إلى تمثّل العلوم الإنسانيّة المشترك لمسألة الهويّة باعتبارها آليات إثبات وجود فرديّة وجماعيّة مكتسبة، لا صلة لها بإحراج الماهيّة أو الأصل أو السكون.
في أفق هذا التصوّر التعدّديّ للهويّة تتنزّل مقاربة الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور. يتصدّى هذا الفيلسوف منفردًا لمجمل التصوّرات المعرفيّة السالبة للهويّة بدءًا بتصوّر دافيد هيوم الذي اعتبرها وهمًا يتكوَّن بالعادة وصولًا إلى الريبية التحليليّة التي تعتبرها غير قابلة للتقوّل والتحديد المنطقي (قوتلوب فراجه) إلى تصورات معاصريه، ولا سيما جون رولس الذي اعتبرها ضربًا في “أرض قاحلة وموحلة”. الكتاب صدر عن دار جداول للطباعة والنشر والتوزيع للمؤلّف مصطفى بن تمسك.