البحث عن الهند الصديقة البعيدة عنا
خيارات الهند الصعبة: بين الروابط التاريخية وتحالفات المصالح في غرب آسيا

تحالفات الهند في السنوات الأخيرة خاصة مع اسرائيل تثير الريبة في المنطقة العربية ، فضلا عن أن ما يعانيه المسلمين في الهند في السنوات الأخيرة يثير المزيد من الريبة حول توجهات الهند ، هذا كله أدي إلي تراجع الصورة الإيجابية للهند عند العرب ، بالرغم من صورتها التاريخية الايجابية في المخيلة العربية، والتي رسخها حديثا تحالف الرئيس جمال عبد الناصر مع الزعيم الهندي نهرو ، هذه المرحلة التي كانت فيها الهند نصيرا حقيقيا للقضية الفلسطينية .
الهند كان لديها استراتيجية خاصة بالمنطقة العربية مختلفة عن النظرة المركزية الأوروبية ، فوزارة الخارجية الهندية تسمى المنطقة العربية غرب آسيا ، فالغرب يطلق على هذه المنطقة الشرق الأوسط وهو مصطلح يعبر عن منظور استعماري ، ومصطلح غرب أسيا له دلالة محببه لنا نحن العرب ، لأنه يعبر عن الروابط التي تجمع الهند بالمنطقة العربية منذ أقدم العصور ، فقد عثر في سورية على نقوش سنسكريتية قديمة تعود إلى الفترة من 1500 إلى 1350 قبل الميلاد.
تعد الهند خامس اقتصاد في العالم ، ورابع أكبر دولة مستوردة للنفط ، وهي من أكبر مصدري التكنولوجيا واليد العاملة، لذا لدي الهند مخاوف كبيرة حول أمن الطاقة العالمية، وجاليتها الضخمة ومصالحها الضخمة مع الدول العربية ، وهذا ما يضع علامات استفهام حول إصرار الهند في السنوات الأخيرة على تطوير علاقاتها مع اسرائيل، في وقت بلغ فيه حجم التبادل التجاري بين الهند والسعودية على سبيل المثال ما يزيد على 52 مليار دولار .
إن الهند بعد الاستقلال عن بريطانيا في عهد جواهر لال نهرو ، كانت سياستها الخارجية تتسم بنزعة مثالية تأثرت بقيم الهند الثقافية والحضارية، وبماضيها السيء مع الاستعمار، الذي افضي إلي موقفها الداعم للفلسطينيين ، ولا سيما أنها لم تكن تعترف بإسرائيل ، وبين العامين 1950 و 1990 ظلت الشريحة النافذة من الأكاديميين والخبراء الاستراتيجيين في الهند تعتبر اسرائيل قوة احتلال للأرض الفلسطينية .
إضافة إلى ذلك تجنبت الهند الانضمام إلى تكتلات القوى العالمية مؤيدة مبدأ عدم الانحياز، أدت هذه العوامل دورا حاسما في تشكيل سياسة الهند المناهضة لاسرائيل، ومع ذلك استمرت العلاقات الأمنية والاستخباراتية غير الرسمية بين الهند واسرائيل ، بدءا من ستينيات القرن الماضي ، وفي الثمانينيات ، بدأت الهند تواجه مشكلة أمنية داخلية بسبب الإرهاب، ومع تحلل الاتحاد السوفيتي ، رأت الهند في اسرائيل صديق جيد ، فاعترفت به في عام 1994
لطالما دعت الأحزاب السياسية اليمنية ، مثل حزب بهاراتيا جاناتا وحزب جان سانغ، إلى إقامة علاقات أقوى مع اسرائيل، وخلال رئاسة مودي مجلس الوزراء في الهند، توطدت علاقات الهند مع إسرائيل في مجالات الاستخبارات والدفاع والاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة ، هذا ما أدى إلى زيادة الشرخ الداخلي في الهند، فالهند لديها ثاني أكبر تجمع للمسلمين في العالم 172 مليون مسلم ، وهم بالطبع مناصرين للقضية الفلسطينية ، لذا فالهند في الظاهر تؤيد حل الدولتين ، لكن عمليا ليس لديها موقف حقيقي مناصر وداعم للقضية الفلسطينية و للحقوق الفلسطينية ، لذا تبقى الهند في موقف قد تجابه فيه مستقبلا خيارات صعبة بين أن تحافظ على علاقاتها مع الشعوب العربية التي لها في مخيلتها صورة تاريخية شبه مثالية ، أو قد تجابه مقاطعة اقتصادية لكل ما هو هندي نتيجة لميل هندي نحو إسرائيل ، فضلا عن أن الهند لديها مشكلات متصاعدة مع المسلمين في الداخل، وهذه المشكلات في السنوات الأخيرة نقلتها وسائل الإعلام، هذا ما أثر سلبا أيضا على صورة الهند في المنطقة العربية .
إن الهند لا تمثل بالنسبة لنا بلدا عاديا بل بلد بحجم قارة ، بلد واعد وقوة صاعدة، لذا علينا أن نبذل جهود لكسب الهند وبناء علاقة وطيدة معها ، فهي كقوة صاعدة سيكون لها تأثير في السياسة العالمية ، بل إنها كقوة اقتصادية سيكون لها دور في تحجيم الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي ، وعلى جانب أخر لا تستطيع الهند الاستغناء عن المنطقة العربية لمصالحها الممتدة عبر العصور التاريخية ، لذا على العرب والهند مراجعة علاقتهما مرة أخرى ، وعلى الهند المحافظة على شرائكها التاريخيين بدلا من الحفاظ على شريك هو ابن المنظومة الغربية ، يبدل حساباته مع تغير دفة العلاقات ، في حين أن العرب لطالما كانوا أحرص على الهند من حرص الهند عليهم .
دكتور خالد عزب
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.






