التنويريتربية وتعليم

التعليم كركيزة أساسية لمحاربة الفقر وتوفير فرص العمل وتحقيق النمو

استثمار في البشر: التعليم طريق مصر نحو الازدهار والتنمية المستدامة

تمثل الثروة السكانية قيمة كبرى لأي اقتصاد ، لذا فالإستثمار فيها له عوائد متعددة ، لكن هذه الثروة بدون تعليم جاد تتحول إلى العنف والتطرف ، بل إن إغلاق باب الترقي أما النبغاء والأذكياء عبر التعليم تكون عواقبه وخيمة، وأي بلد يغلق هذا الطريق يدفع ثمنا باهظا لهذا الإغلاق ، الخبير الدولي لويس بنفينيست كتب في هذا السياق في مدونة البنك الدولي ، أنطلق من أن التعليم هو الأساس لتوفير وظائف جيدة المستوي وهو أوثق الطرق للخلاص من براثن الفقر، فالتعليم يزود المتعلمين بالمهارات الأساسية المهمة كالقراءة والكتابة والحساب ، والقدرات الاجتماعية التي تعد ضرورة للعمل والحياة، وتسهم هذه المهارات في تمكين أطفال اليوم من أن يصبحوا عمالا منتجين في الغد، كما تتيح للعمال فرصة إعادة بناء مهاراتهم وتطويرها بصورة مستدامة.

الواقع في مصر عكس معظم دول العالم ، فالمتعلمين من الطبقات الوسطى والفقيرة لديهم طرق مسدودة للمستقبل، هذا ما ينعكس سلبا على نظرتهم للوطن وآمالهم، ففي معظم بلدان العالم يعد الاستثمار في التعليم ضرورة اقتصادية لتحقيق الإزدهار على مستوى الأفراد وتعزيز النمو ، حيث تشير الشواهد والأدلة إلى أن المزيد من التعليم يؤدي إلى تحسين معدلات التشغيل ، وزيادة الدخل وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي ، فالأفراد الحاصلين على تعليم ما بعد الثانوي دائما ما يستطيعون الحصول على وظائف أفضل ، وكل سنة إضافية من التعليم تعزز دخل الفرد في المستقبل بنحو 10% ويمثل رأس المال البشري شاملا التعليم والصحة نصف الفرق في نصيب الفرد من الدخل بين البلدان . ومع ذلك، لا تزال فرصة الحصول على تعليم جيد المستوى في مصر بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين .

أضف إلى هذا أن العالم اليوم يواجه أزمة متفاقمة في المهارات، ولا يحصل 40% من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين بين 3 و6 سنوات على فرصة الالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، وذلك على الصعيد الدولي ، وهي سنوات بالغة الأهمية لتطوير المهارات المعرفية والانفعالية التي تشكل أساس التعلم مدى الحياة،  وبالنسبة لمن يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس ، تظل لديهم مشاكل مزمنة داخل المجتمع أهمها شعورهم بالتدني ، وهذا ما يعبر عنه تكرار الظلم في أغاني المهرجانات في مصر، وشيوع فكرة أنهم أذكى من أي متعلم فيجري إستغلال المتعلمين أو فرض عليهم شروط مالية مغالي فيها عند اللجوء إليهم .

وتمتد العواقب إلى ما هو أبعد من حدود الفصل الدراسي. فالقوى العاملة العالمية تقف على أعتاب تحولات جذرية. وتشهد التكنولوجيا تطورات سريعة تؤدي إلى تغيير طبيعة العمل، مما يستلزم اكتساب مهارات رقمية ومعرفية جديدة. وبحلول عام 2030، سيحتاج ما يقدر بنحو 60% من العمال إلى إعادة التدريب لتلبية متطلبات سوق العمل المتغيرة.ويحدث هذا بالتزامن مع تغيّرات ديموغرافية وتكنولوجية كبيرة، حيث يُتوقَع أن يزداد عدد الشباب في أفريقيا بنسبة 40% بحلول عام 2050، مما يجعل الاستثمارات الذكية في التعليم أولوية قصوى

خطة للتحرك والعمل الجاد
لمواجهة التحديات المذكورة، وضعت مجموعة البنك الدولي خطة طموحة تهدف إلى إحداث تحولٍ في أنظمة التعليم وتزويد الأفراد بالمهارات التي يحتاجونها – ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، بل أيضاً لتحقيق الازدهار.

وتتألف هذه الخطة من أربعة مجالات إستراتيجية لتسريع وتيرة العمل على تعزيز التعلم المبكر وتطوير المهارات ذات الصلة بسوق العمل، وهي كما يلي:

أولاً، تعزيز التعلم المبكر لبناء أساس متين. وثانياً، الإبقاء على الأطفال في المدارس والتأكد من أنهم يتعلمون، وذلك باستخدام بعض الأدوات والوسائل مثل تحسين أحوال المعلمين، وتوفير تكنولوجيا التعلم التكيفي، وتقديم الحوافز للطلاب. وثالثاً، ومع تقدم الطلاب في مسيرتهم التعليمية، يتم تعزيز المهارات ذات الصلة بسوق العمل، لا سيما من خلال الشراكات مع القطاع الصناعي التي توفر تدريبًا عمليًا ومناهج دراسية تتوافق مع احتياجات سوق العمل. وأخيرًا، توظيف المهارات في سوق العمل من خلال تحسين سبل الحصول على خدمات التوظيف، وتشجيع ريادة الأعمال، وتقديم برامج إعادة التأهيل المهني للبالغين. ويتمثل الهدف النهائي لهذه الخطة في إعداد الشباب للالتحاق بسوق العمل مزودين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق النجاح. كما أن رؤيتنا تتمثل في ضمان حصول كل فرد على التعليم والمهارات والفرص التي تمكّنه من الحصول على عملٍ إنجاز وتحقيق كامل طموحاته. 

إن هذا يقتضي برامج مختلفة أكثر جدية مما نراه الآن ، فالعملية التعليمية في مصر عملية شكلية تتم على الورق ولا تتم علي أرض الواقع، إلى درجة أن الغياب من المدارس صار مرضا يجري معالجته بقرارات دون البحث عن حل جذري لهذه المشكلة ، هذه المشكلة التي نستطيع أن نسميها – سقوط هيبة المؤسسة التعليمية في مصر – التي هي في ذهنية الأجيال الجديدة مؤسسة مهمتها منحنا ورقة لكي نجتاز مرحلة من مراحل الحياة ليس إلا.

بالرغم من أننا لا ننكر ان هناك رجال تعليم يعملون بجد لكنهم أفراد لم يمت ضميرهم بعد ، وتجارب يمكن البناء عليها كمشروع مدارس مبارك كول للتعليم الصناعي ، لكن بوجه عام إلغاء الدولة تعيين خريجي كليات التربية بأمر تكليف ملزم ، هو تدمير حقيقي لبنية المنظومة التعليمية ، فالمدرس المتخرج من هذه الكليات التحق بها لكي يصبح مدرس وبالتالي مكانه المدارس الحكومية ، فضلا عن ضعف مرتبات المدرسين ، حتى في مدارس التعليم الخاص التي استغلت إلغاء الدولة تعيين خريجي كليات التربية لتحدد مرتبات متدنية للمدرسين بها ، في كثير من الأحيان دون الحد الأدني للمرتبات ، بل هؤلاء يعملون دون طموح التدرج الوظيفي ، فتتحول هذه المدارس لمصيدة للطلاب من أجل الدروس الخاصة ، وليس مكانا يعلم فيه الطالب تلميذ، كما أن فقدان الجدية في العملية التعليمية تنتج لنا جيلا يرى الجدية مرضا والعلم هزلا والمستقبل بلا هدف ، بل نعيش لكي نعيش بلا روح ولا غاية .

الدكتور خالد عزب 



اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى