التنويريمنوعات

موسوعة التنافسيَّة فى العمارة المملوكيَّة

التنافسيَّة بين السلاطين وأثرها على ازدهار العمارة المملوكيَّة بمصر

صدر عن دار حوران كتاب من مجلدين من تأليف الدكتور أحمد مجدي سالم الأستاذ في جامعة قناة السويس الكتاب يتناول التنافسية في عمارة العصر المملوكي وهي زاوية جديدة لدراسة عمارة العصر المملوكي انطلق المؤلف من أنه  تعاقب على حُكم الدولة المملوكية (923-648هـ/1250-1517م) ثمانية وخمسون سلطاناً منهم من طالت فترة حُكمه وامتدَّت إلى نحو ثلاث وأربعين سنة وشهوراً كالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، ومنهم من حكم ليلة واحدة كالسلطان الملك الأوحد بيدرا. وكان هناك تنافس دائم بين هؤلاء السلاطين على تولي منصب السلطنة، وقد انسحب هذا التنافس على العمارة الإسلامية بشتى أنواعها على اعتبار أن العمارة هي مرآة العصر، وهي السجل الذى يُدون تاريخ الدول المُتعاقبة كما أن العمارة تُقدم صورة كاملة عن المُنشىء وإمكاناته.

وقد أدرك السلاطين أن التعاظم بالعمارة فيه إظهار لعُلو الهمة وتخليد الذكرى، بالتالي تنافس كل سلطان مع أسلافة من السلاطين على تبني حركة تشييد العمارة، فبذل كل ما فى وسعه ليُظهر همته وتفوقه وإبداعاته على غيره، وقد انعكس ذلك بالازدهار على العمارة حيث تزايدت العمائر وتنوعت ما بين عمائر دينية وأخرى مدنية، وأصبحت التنافسية بين السلاطين على العمارة سِمة من سِمات العصر المملوكى. ولم تُدرس التنافسية كأحد أسباب ازدهار العمارة المملوكية من قبل، وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها على حد علم الباحث.

وقد تَبَيَّن لنا من الدراسات السابقة التى تعرضت لأسباب ازدهار العمارة المملوكية وكثرة المنشآت الدينية على وجه التحديد لم تتعرض للتنافسية كسبب مُهم من الأسباب التى أدت إلى ازدهار العمارة سيما وأن المصادر التراثية قد أشارت إلى هذا الدافع – وهو التنافس – كأحد عوامل ازدهار العمارة، كما لم تُفسِّر الدراسات السابقة سبب تجمع بعض مُنشآت السلاطين فى مناطق مُعينة ومُتقابلة كمدارس وقبة الملك الصالح نجم الدين أيوب ومدرسة بيبرس البندقدارى ومجموعة المنصور قلاوون، وتكشف لنا هذه الدارسة واحد من الأسباب التى تحكمت فى توزيع خريطة المنشآت الإسلامية خاصة المنشآت الدينية والمدنية فى العصر المملوكى سواء بداخل القاهرة الفاطمية أو في التوسعات العمرانية الجديدة. وإذا كانت الدراسات السابقة قد عرضت لأسباب كثرة المنشآت المملوكية وأسباب ازدهارها، فإن التنافسية تكشف عن سبب مُهم جدا وهو الإبداع فى العمارة والإبداع هذا لم تتناوله الدراسات السابقة. كما أن بُعد الارتفاع المتمثل فى ارتفاع المآذن وارتفاع القباب وواجهات المنشآت وغير ذلك من الوحدات والعناصر المعمارية لم يُفسَّر من قبل فى إطار التنافسية.

ويهدف هذا البحث إلى دراسة سِيّر سلاطين وأمراء مصر المملوكية فى ضوء الأبعاد السياسية والنفسية التي كشفت عن البعد التنافسى فى ثقافة سلاطين وأمراء المماليك والذى أدى بدوره إلى ازدهار العمارة والإبداع فيها  ويكشف أيضا عن مظاهر التنافس بين سلاطين وأمراء المماليك كثقافة عامة أدت إلى ازدهار العمارة وذلك من خلال التراث المكتوب مُتمثلا فى المصادار التاريخية وكُتب التراث والتراجم. كما يُثبت أثر التنافسية على ازدهار العمارة بشتى أنواعها والإبداع فيها سواء كانت هذه التنافسية بين السلاطين أنفسهم، أو بين السلاطين والأمراء، أو بين الأمراء أنفسهم. هذا ويُفسِّر البحث ظاهرة نشوء الضواحى وفكرة التوسع العمراني فى ضوء التنافسية، ويُبرز أيضا العمائر والوحدات المعمارية والعناصر المعمارية والزخرفية التى أُنشِئت بدافع التنافس، كما يكشف عن التوجه نحو كسب ولاء السلاطين وبعض الأمراء فى سياق غير مباشر لبيان أثر التنافسية على العمارة.

وقد حُدِّد الإطار الزمنى للدراسة بفترة حكم دولة المماليك البحرية والبُرجية منذ بدايتها وحتى نهايتها أى منذ عام 648هـ/ 1250م إلى عام 923هـ/ 1517م. وبالنسبة للحدود المكانية للدراسة فقد اقتصرت على مصر فقط دون التطرق إلى بقية أملاك الدولة المملوكية مترامية الأطراف فى بلاد الشام والحجاز.

تطلبت الدراسة الاعتماد على نوعين من المصادر: المصادر المعروفة كمؤلفات المقريزى، وابن تغري بردى، والسخاوي، وابن إياس وغيرهم التى أوردت نصوص كثيرة تُفيد موضوع التنافسية لكن لم تُوظّف هذه النصوص من قبل لإثبات أثر التنافسية على ازدهار العمارة المملوكية، بالتالى أفادت هذه النصوص موضوعنا ووظِّفت لأول مرة فى هذه الدراسة. وقد اعتمدت الدراسة أيضا على نوعية أخرى من المصادر المملوكية نُشرت وحُقِّقت حديثا واختصت بسِيَّر السلاطين والأمراء بالذات، وكاتبو هذه النوعية من المصادر كانوا يعملون فى دواوين الدولة المملوكية وقريبون من السلاطين والأمراء، وكانوا على علمٍ تام بأسرار الموضوعات وبالأخص الأبعاد السياسية والنفسية للطبقة الحاكمة، وهذه النوعية من المصادر تُعتبر من أهم المصادر التى تخدم موضوع دراستنا حيث زخرت بنصوص عديدة للتنافسية تُوظف لأول مرة فى هذه الدراسة، ومن أشهر مؤلفى هذه المصادر: ابن عبدالظاهر ت 692هـ/ 1293م، وقرطاى الخزندارى ت 708هـ/ 1309م، وبكتاش الفاخرى ت 745هـ/ 1344م والخالدى ت 753هـ/ 1352م، وتقى الدين الفاسى ت 832هـ/ 1429م، وبدرالدين العينى ت 855هـ/ 1451م، وابن شاهين الحنفى ت 920هـ/ 1514م وغيرهم.

اتبعتُ فى إعداد هذه الدراسة المنهج التاريخى والوصفي، بالإضافة إلى استخدام منهج الاستنباط والقياس. وتشتمل هذه الموسوعة على كتابين: الكتاب الأول يتكون من تمهيد وتسعة فصول، تناولنا فى التمهيد عرض لنصوص التنافسية ومظاهر ومؤشرات التنافس بين سلاطين وأمراء المماليك.

وجاء الفصل الأول  بعنوان “التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى” وقد عرض هذا الفصل مظاهر التنافسية فى عمارة مدرسة الظاهر بيبرس البندقدارى الكائنة بشارع المعز لدين الله الفاطمى وجامعه بالحسينية، كما تناول مظاهر التنافسية فى دار العدل بقلعة الجبل.

ويأتى الفصل الثانى بعنوان ” التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان المنصور قلاوون” وفيه تم الكشف عن أسباب زخم ميدان بين القصرين بعمائر السلاطين وعرض مظاهر التنافسية فى عمارة مجموعة المنصور قلاوون الكائنة بشارع المعز لدين الله الفاطمي.

والفصل الثالث بعنوان ” التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون” وفيه تم عرض مظاهر التنافسية فى عمائر الناصر محمد بن قلاوون الدينية والمدنية سواء التى شُيِّدت إبان فترة حكمه الثانية أو الثالثة.

وجاء الفصل الرابع بعنوان “التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون” تناول هذا الفصل توضيح الأبعاد السياسية بين السلطان الناصر حسن وأمراء أبيه فى إطار التنافسية، كما عرض مظاهر التنافسية التى أدت إلى ازدهار عمارة مدرسته الكائنة بميدان الرميلة وقاعة البيسرية بقلعة الجبل.

أما الفصل الخامس فحمل عنوان “التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون” يوضح هذا الفصل البعد التنافسى بين السلطان شعبان وعمه السلطان حسن على عمارة المدرسة كما ناقش أيضا مظهر تفوق السلطان شعبان وإبداعاته فى عمارة مدرسته بالصوة مقارنة بعمارة مدرسة عمه السلطان حسن.

ويأتى الفصل السادس بعنوان “التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان الظاهر برقوق بن آنص” وقد عرض هذا الفصل أهم مظاهر التنافسية فى عمارة مدرسة وخانقاة الظاهر برقوق وأثبت إبداع برقوق فى عمارته كأحد مُخرجات التنافسية.

والفصل السابع بعنوان “التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان الملك المُؤيد أبوالنصر سيف الدين شيخ المحمودى” وتناول هذا الفصل عرض التنافس السياسى بين المؤيد شيخ والسلطان فرج بن برقوق، كما أوضح مظاهر التنافسية فى عمارة جامع المؤيد شيخ والإبداعات التى تفوق فيها كأحد نواتج التنافسية.

ويأتى الفصل الثامن بعنوان ” التنافسية وازدهار العمارة فى عصر السلطان الأشرف أبوالنصر قايتباى” وقد عُرض فيه مظاهر التنافسية فى عمائر السلطان قايتباى الدينية والمدنية وأظهر الإبداعات التى تفوق بها قايتباى على أسلافه من السلاطين بسبب التنافسية.

وجاء الفصل التاسع بعنون ” التنافسية وازدهار العمارة فى عهد السلطان قانصوه الغورى” وتناولنا فيه مظاهر التنافسية فى عمارة قانصوة الغورى الكائنة بشارع المعز لدين الفاطمى، كما أوضح مظاهر التفوق والابداعات التى عمَد قانصوة إظهارها كأحد مُخرجات التنافسية.

وقد اختُتم الكتاب بعدة نتائج تم عرضها،كما زُود بكتالوج الأشكال واللوحات ضم 26 شكل و48 لوحة. أما بالنسبة لثبت المصادر والمراجع فقد أرجأته إلى الكتاب الثانى بحيث يكون شاملا وجامعاً للكتابين معاً. وأرجو من الله تعالى أن أكون قد وفّقت فى الكشف عن جوانب التنافسية، ونأمل أن يطرح الكتاب الذى بين أيدى القارئ رؤية جديدة تفتح الباب أمام الباحثين فى دراسة الآثار والعمارة الإسلامية واضعين فى الاعتبار مبدأ التنافس.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد