التنويريمنوعات

الأمن السيبراني في المنصَّات الرقميَّة؛ استراتيجيَّة التنظيم

حول التوسع الهائل في استخدام المنصات الرقمية في مختلف مناحي الحياة، يناقش هشام الاسماعيلي وهو منتدب قضائي وباحث في مجال حقوق الإنسان والدراسات الاستراتيجية ، في دراسته بخصوص “تنظيم المنصات الرقمية” ( المجلة الدولية للأمن المعلوماتي والرقمي، المجلد 2، العدد 1 2024)، وذلك بعدما  برزت الحاجة الماسة إلى وضع أطر تنظيمية تحكم عمل هذه المنصات. فقد أصبحت هذه المنصات تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد، والإعلام، والتواصل الاجتماعي، مما جعلها تؤثر بشكل كبير على الأفراد والمجتمعات والدول. إلا أن هذا الانتشار السريع، جاء مصحوبًا بتحديات كبيرة مثل انتهاك الخصوصية، وانتشار المعلومات المضللة، والمنافسة غير العادلة، والتأثير على الرأي العام. من هنا، أصبح تنظيم المنصات الرقمية ضرورة ملحة لضمان حماية المستخدمين، وتعزيز الشفافية، والمحافظة على الحقوق والحريات، مع تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية المجتمعية.

ما الدوافع الحقيقية وراء السعي إلى تنظيم المنصات الرقمية؟

كيف يمكن تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع من الأضرار الرقمية؟

كيف يمكن ضمان حماية خصوصية المستخدمين وبياناتهم الشخصية دون التأثير السلبي على الابتكار والنمو الرقمي ؟

يعكس تنظيم المنصات الرقمية دوافع متعددة، منها حماية المستهلك وضمان حقوقه، وتعزيز الأمان السيبراني لمواجهة التهديدات الإلكترونية. كما يسعى إلى مكافحة المعلومات الزائفة وتحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى تسهيل تحصيل الضرائب من الشركات الكبرى. ويهدف التنظيم أيضاً إلى ضمان المنافسة العادلة ومنع الاحتكار، مع الامتثال للقوانين المحلية والدولية، مما يعزز الابتكار ويوفر إطار عمل واضح للقطاع الرقمي.

إن قانون المعاملات الرقمية والأمن السيبراني،  في دولة مالاوي مثلا، يهدف إلى تنظيم الأنشطة الرقمية وحماية البيانات الشخصية، حيث تم تبني قانون المعاملات الإلكترونية، الذي يعترف بالتوقيعات الإلكترونية ويحدد شروط استخدامها. ومما يتضمنه هذا القانون  في مكافحة الجرائم الإلكترونية:

التعريفات: يحدد القانون المصطلحات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، مثل “الاحتيال الإلكتروني” و”القرصنة”.

العقوبات: يحدد القانون العقوبات المقررة للجرائم الإلكترونية، والتي قد تشمل الغرامات والسجن.

التحقيق والملاحقة: يتيح للسلطات المختصة إمكانية التحقيق في الجرائم الإلكترونية وملاحقة الجناة عبر الحدود.

التعاون الدولي: يشجع على التعاون مع الدول الأخرى لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مما يعزز من فعالية الإجراءات المتخذة.

التوعية: يتضمن برامج توعية للمواطنين حول مخاطر الجرائم الإلكترونية وسبل الحماية.

تهدف هذه الإجراءات إلى حماية الأفراد والشركات من المخاطر المرتبطة بالفضاء الإلكتروني وتعزيز الأمن الرقمي في البلاد.

أما قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية (Digital Services Act – DSA)، فهو تشريع يهدف إلى تنظيم الفضاء الرقمي بشكل أفضل وتعزيز حماية المستخدمين. يركز هذا القانون على عدة جوانب رئيسية:

المسؤوليات: يحدد المسؤوليات القانونية للمنصات الرقمية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، فيما يتعلق بالمحتوى الضار والمعلومات المضللة.

حماية المستخدمين: يهدف إلى تعزيز حماية البيانات الشخصية وحقوق المستخدمين، بما في ذلك حقهم في الإبلاغ عن المحتوى غير المناسب.

الشفافية: يتطلب من المنصات تقديم معلومات واضحة حول كيفية عمل خوارزميات التوصية والمحتوى المعروض.

إجراءات سريعة: يفرض إجراءات سريعة لإزالة المحتوى الضار، ويحدد مواعيد زمنية للامتثال.

تعاون دولي: يشجع على التعاون مع الدول الأخرى لمكافحة الجرائم الإلكترونية والمحتوى الضار عبر الحدود.

تسعى هذه القوانين إلى خلق بيئة رقمية أكثر أماناً وشفافية، مما يساهم في حماية المستخدمين وتعزيز الثقة في الفضاء الرقمي.

ينظم قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية (DSA) عدة أنواع من المحتوى الرقمي، تشمل:

المحتوى الضار: مثل خطاب الكراهية، والتشهير، والمحتوى الذي يحرض على العنف.

المعلومات المضللة: الأخبار الكاذبة والمعلومات التي تهدف إلى التضليل أو الإضرار بالعموم.

المنتجات غير القانونية: مثل السلع المقلدة أو المحتوى الذي ينتهك حقوق الملكية الفكرية.

المحتوى الإباحي: يحتاج إلى تنظيم خاص لحماية القُصّر وضمان الموافقة.

الإعلانات: تنظيم الإعلانات الرقمية بما يتماشى مع القوانين المتعلقة بالشفافية.

المحتوى الذي ينتهك الخصوصية: مثل البيانات الشخصية التي تُجمع أو تُستخدم دون موافقة.

يهدف التنظيم إلى حماية المستخدمين وتعزيز بيئة رقمية آمنة وموثوقة.

تسعى هذه العقوبات إلى ضمان التزام المنصات بحماية المستخدمين وتعزيز بيئة رقمية آمنة.

يمكن أن تشمل الأمثلة على المحتوى غير القانوني الذي قد يترتب عليه عقوبات بموجب قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية (DSA) ما يلي:

خطاب الكراهية: المحتوى الذي يحض على الكراهية أو التمييز ضد الأفراد أو الجماعات بناءً على العرق أو الدين أو الجنسية.

المعلومات المضللة: الأخبار الزائفة أو المعلومات التي تهدف إلى التضليل حول قضايا مهمة مثل الانتخابات أو الصحة العامة.

التحريض على العنف: المحتوى الذي يشجع على العنف أو الإرهاب.

المحتوى الإباحي غير القانوني: مثل المواد الإباحية التي تشمل القصر أو المحتوى غير المرخص.

القرصنة: توزيع أو مشاركة المحتوى المحمي بحقوق الملكية الفكرية دون إذن.

الإعلانات المضللة: الإعلانات التي تقدم معلومات غير صحيحة أو مضللة حول المنتجات أو الخدمات.

النصب والاحتيال: المحتوى الذي يهدف إلى خداع المستخدمين للحصول على أموال أو معلومات شخصية.

وفي حالة عدم الامتثال لقانون الاتحاد الأروبي للخدمات الرقمية (DAS) ،فهناك مجموعة من العقوبات المترتبة عنه وتتضمن :

غرامات مالية: قد تصل الغرامات إلى 6% من الإيرادات العالمية السنوية للمنصة المخالفة.

إجراءات قانونية: قد تتخذ السلطات إجراءات قانونية ضد المنصات، بما في ذلك التوجيهات لإزالة المحتوى أو مراجعة السياسات.

تعليق الخدمات: في بعض الحالات، يمكن تعليق أو حظر الخدمات بالكامل في الاتحاد الأوروبي حتى الامتثال.

مسؤولية جنائية: في حالات الانتهاكات الجسيمة، قد يواجه المسؤولون القانونيون عقوبات جنائية.

الرقابة الإضافية: يمكن فرض رقابة إضافية على المنصات المخالفة، مما يزيد من مستوى المراقبة والإشراف على عملياتها.

تهدف هذه العقوبات إلى ضمان التزام المنصات بالقوانين وحماية المستخدمين من المحتوى الضار والمضلل.

تتضمن تدابير الامتثال الإضافية لوسطاء وسائل التواصل الاجتماعي بموجب قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية (DSA) مجموعة شاملة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الأمان الرقمي وحماية المستخدمين. أولاً، يجب على هذه المنصات إنشاء نظام سهل للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني، مما يتيح للمستخدمين تقديم البلاغات بسرعة وفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين عليها تطوير آليات فعالة لإزالة المحتوى الضار أو غير القانوني خلال فترات زمنية محددة، مما يضمن عدم بقاء مثل هذا المحتوى على المنصة لفترة طويلة.

علاوة على ذلك، يُلزَم الوسطاء بتقديم معلومات واضحة وشفافة حول طريقة عمل خوارزميات توصية المحتوى، مما يساعد المستخدمين على فهم كيفية ظهور المحتوى في خلاصة أخبارهم. كما يجب عليهم إجراء تقييمات دورية للامتثال للقوانين، وإعداد تقارير مفصلة حول الجهود المبذولة في هذا الصدد، مما يعزز من مستوى الشفافية.

من الضروري أيضاً أن يتعاون الوسطاء مع السلطات التنظيمية والهيئات المحلية لمكافحة الجرائم الإلكترونية والمحتوى الضار، مما يسهم في خلق بيئة أكثر أماناً على الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بإطلاق حملات توعية للمستخدمين حول مخاطر المحتوى غير القانوني وكيفية حماية خصوصياتهم.

توفير تدريب مستمر للموظفين حول كيفية التعامل مع المحتوى غير القانوني يعد أمراً أساسياً، حيث يعزز من قدرة المنصات على التصدي للتحديات المتعلقة بالأمان الرقمي.

وأخيراً، يجب وضع آليات واضحة للتعامل مع شكاوى المستخدمين بشأن المحتوى أو القرارات المتعلقة بإزالة المحتوى، مما يزيد من مستوى الثقة بين المستخدمين والوسطاء. هذه التدابير مجتمعة تساهم بشكل كبير في تعزيز الأمان الرقمي والثقة في الفضاء الإلكتروني.

———–
*عائشة بوزرار (باحثة في الإعلام ).


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

عائشة بوزرار

(باحثة بماستر الإعلام الجديد و التسويق الرقمي)، جامعة ابن طفيل –القنيطرة.

اترك رد