التربية الجنسيَّة الوقائيَّة في الوسط المدرسي والتوعية بالموافقة

*إعداد: نور الغربي، ريام تكالي، تحت إشراف الدكتورة سناء عيسي. المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بزغوان، تونس.
تعريف الأطفال من 6 إلى 10 سنوات بالحدود الشخصية.
ملخص:
تعدُّ التربية الجنسية أمرًا مهمًا منذ الصغر، خاصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات في تونس، لحمايتهم من الاعتداءات الجنسية. ركزنا في بحثنا على مفاهيم الموافقة، واحترام الآخر واحترام الذات، والحدود الشخصية. تهدف هذه الدراسة إلى توعية أولياء التلاميذ والمعلمين في المدارس الابتدائية بأهمية التربية الجنسية لضمان حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية.
في الجزء التطبيقي، جمعنا بين البحث النوعي والكمي من خلال استبيانين موجهين للأولياء والمعلمين ومديري المدارس الابتدائية، بالإضافة إلى مقابلة مع أخصائية نفسية إكلينيكية. كما قمنا بإعداد معلقات باللغتين العربية والفرنسية، ورسوم متحركة موجهة للأطفال، وفيديوهات تعليمية للأولياء والمعلمين. في الختام، أثبت بحثنا العلمي أن الأولياء والمعلمين في المدارس الابتدائية يصبحون قادرين على حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية والمخاطر باستخدام لغة مناسبة وأدوات تعليمية فعالة ومرحة.
مقدمة:
بين عامي 2019 و2020 في تونس، ارتفع عدد حالات العنف ضد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و14 عامًا بشكل ملحوظ من 65,917 إلى 112,952 حالة مُبلَّغ عنها[1]. وتتعرض واحدة من كل خمس فتيات وواحد من كل سبعة أولاد للعنف الجنسي[2]. وفقًا للأخصائية النفسية إيلينا سانز مارتين، تؤدي هذه الاعتداءات إلى آثار شديدة على النمو الشخصي للطفل، مثل اضطراب ما بعد الصدمة وتأخر النمو[3]. للوقاية من هذه العنف، أوصت منظمة الصحة العالمية بتعليم الأطفال من سن 5 سنوات قيمًا ومعارف يمكن أن تحمي صحتهم الجسدية والاجتماعية. تشمل هذه المعارف مفاهيم الموافقة واحترام الآخرين واحترام الذات والحدود الشخصية[4]، مما يضمن للطفل بناء علاقات اجتماعية صحية ومسؤولة[5]. في هذا السياق، تلعب المدرسة والأسرة دورًا حاسمًا في نقل مفاهيم واضحة ومناسبة لمستوى نمو الطفل، لذا يجب أن يكونا شريكين أساسيين. ومع ذلك، فإن معظم المعلمين والأولياء غير مكونين في التربية الجنسية ولا يعرفون كيفية مناقشة هذه المفاهيم بلغة مناسبة دون وصم الأطفال. خلال زيارتنا للمدرسة، لاحظنا تفاعل التلاميذ مع الوسائل التعليمية المرئية في مستويين مختلفين، مما أكد تأثير هذه الأدوات على الأطفال. ومن هنا تبرز إشكالية البحث: ما مدى أهمية التربية الجنسية في توعية الأطفال من 6 إلى 10 سنوات بمفاهيم الموافقة والحدود الشخصية، وكيف يمكن أن تكون الأدوات التعليمية المرحة وسيلة فعالة لطرح هذه المفاهيم؟
المواد والطرق:
جمع بحثنا بين البحث النوعي والكمي. استخدمنا استبيانين ومقابلة كأدوات لجمع المعلومات. تم توزيع الاستبيانات في مدارس ابتدائية بقليبية وزغوان في تونس، وأجريت المقابلة مع أخصائية نفسية إكلينيكية. شمل الاستبيان الأول 100 معلم ومدير، بينما شمل الاستبيان الثاني 100 من الأولياء.
النتائج: أظهرت النتائج أن التربية الجنسية الوقائية في الوسط المدرسي مهمة، حيث أكد ذلك 94% من المعلمين ومديري المدارس الابتدائية التونسية. هذه النتائج تتوافق مع دراسة أجريت في تونس عام [6]2020، والتي أظهرت أن 86% من المعلمين يعتقدون بأهمية التربية الجنسية في المدارس الابتدائية. النسبة في دراستنا الحالية أعلى، مما يدل على زيادة الوعي لدى المعلمين حول هذا الموضوع.
أما بالنسبة للأولياء، فقد اعتقد 96.9% منهم أن هذا التعليم مهم للأطفال في الوسط المدرسي، حيث أراد 52.1% أن تتدخل المدرسة في التربية الجنسية لأطفالهم، بينما فضل 44.9% ذلك ولكن بحدود. هذه النتائج تتوافق مع دراسة أجريت في كانتون نوشاتيل عام [7]2024، والتي أظهرت أن معظم أولياء الأمور يؤيدون دمج التربية الجنسية في الوسط المدرسي. كشفت نتائج أولياء الأمور والمعلمين اتفاقًا واضحًا على القيمة التعليمية والعاطفية والوقائية للتربية الجنسية للأطفال منذ الصغر. أكد بعض المشاركين أن ذلك يعزز الثقة بالنفس وتقدير الذات والقدرة على التعبير، بينما ركز آخرون على تطوير علاقات اجتماعية قائمة على التعاطف والاحترام المتبادل.
وفقًا لـ 87% من المعلمين، لهذا التعليم تأثير إيجابي على سلوك الأطفال، وهو ما يتوافق مع دراسة أجريت في البرتغال[8] أثبتت أن الشباب الذين تلقوا تعليمًا جنسيًا أكثر استقرارًا وتوازنًا في سلوكهم. ومع ذلك، فإن 69.7% من المعلمين في تونس غير مدربين على التربية الجنسية، ويرى 71% منهم أن نقص التدريب عائق أمام دمج هذا التعليم في المدارس الابتدائية. لذا، يرغب 69.7% من المعلمين في تلقي تدريبات من الإدارة، كما أكد 64.6% من أولياء الأمور على أهمية تدريب المعلمين. هذه النتائج تتوافق مع دراسة أجريت في الأردن[9] شددت على ضرورة تدريب المعلمين بشكل متعمق حول مواضيع الجنسية.
لضمان استيعاب المعلومات بشكل جيد، يُنصح باستخدام وسائل تعليمية مناسبة لعمر الأطفال. يعتقد 79.8% من المعلمين ومديري المدارس الابتدائية أن الرسوم المتحركة هي أفضل وسيلة لطرح التربية الجنسية للأطفال من 6 إلى 10 سنوات، بينما يفضل 66.6% من أولياء الأمور استخدام أساليب بسيطة ومرئية مثل الرسوم المتحركة، و19.8% يفضلون الملصقات. هذه النتائج تتوافق مع دراسة أجريت في الهند وتايلاند[10] أثبتت أن الرسوم المتحركة لها تأثير كبير على الأطفال ويمكنها نقل المفاهيم والقيم بطريقة مناسبة وسهلة.
أكدت الأخصائية النفسية الإكلينيكية في المقابلة أن التربية الجنسية ضرورية للأطفال من 6 إلى 10 سنوات، حيث تُعتبر هذه الفترة حاسمة لتطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية التي تشكل أساس الوقاية من العنف والسلوكيات الخطرة لاحقًا. كما شددت على أهمية طرح هذه المفاهيم منذ الصغر، بدءًا من سن 3 أو 4 سنوات، بأشياء بسيطة مثل حقهم في الخصوصية، ولكن بطريقة تناسب مستوى نموهم المعرفي. يمكن تحقيق ذلك من خلال وسائل تعليمية مثل الرسوم المتحركة التعليمية، وتمثيل الأدوار لممارسة رفض السلوكيات غير المناسبة، والحكايات، والمناقشات الصفية. وخلصت إلى أن دمج البرامج التعليمية وتطوير موارد تعليمية مناسبة لكل فئة عمرية أمر ضروري، كما أن توعية أولياء الأمور من خلال ورش العمل لإشراكهم في التربية الجنسية في المنزل، والتعاون مع خبراء محليين، يضمن أن يكون التعليم قائمًا على أسس علمية وملائمًا ثقافيًا.
الخاتمة:
في الختام، بناءً على نتائجنا، يمكننا التأكيد على ضرورة التربية الجنسية الوقائية في الوسط المدرسي وتأثيرها على سلوك الأطفال، وأهمية تدريب المعلمين، واستخدام وسائل تعليمية متنوعة ومناسبة لعمر الأطفال وفهمهم. نأمل أن يتعاون أولياء الأمور والمعلمون من خلال عقد اجتماعات مع خبراء لتوجيههم حول الطريقة الصحيحة لطرح التربية الجنسية للأطفال. كما نتمنى أن تستثمر وزارة التعليم في وسائل تعليمية مرحة وتفاعلية مثل الرسوم المتحركة والألعاب لطرح مفاهيم الاحترام والموافقة.
[1] UNICEF Tunisie. (2023). La violence envers les enfants : en Tunisie les chiffres montrent un phénomène de société inquiétant. unicef.org. https://www.unicef.org/tunisia/il-grandira-mais-il-noubliera-pas
[2] World Health Organization: WHO. (7 novembre 2024). Les pays s’engagent à agir contre la violence qui touche près d’un milliard d’enfants. https://www.who.int/fr/news/item/07-11-2024-countries-pledge-to-act-on-childhood-violence-affecting–some-1-billion children#:~:text=L%27OMS%20estime%20que%20moins,imm%C3%A9diats%20et%20%C3%A0%20long%20terme
[3] Martín, E. S. (20 décembre 2022). Les séquelles de l’abus sexuel infantile. Être Parents.
https://etreparents.com/les-sequelles-de-l-abus-sexuel-infantile
[4] World Health Organization: WHO. (18 mai 2023). Éducation complète à la sexualité. who.int.fr. https://www.who.int/fr/news-room/questions-and-answers/item/comprehensive-sexuality-education#:~:text=L%27%C3%A9ducation%20%C3%A0%20la%20sexualit%C3%A9,prot%C3%A9ger%20les%20droits%20des%20autres
[5] OMS Bureau régional pour l’Europe, BZgA, Centre fédéral allemand pour l’éducation à la santé, & SANTE SEXUELLE Suisse. (2013). Standards pour l’éducation sexuelle en Europe. SANTE SEXUELLE Suisse.
[6] Azaiez, E., Dardour, N. (2020). Incorporating Sexuality Education in English Classes in Primary Schools in Tunisia [Licence]. Université de Monastir.
[7] Zbinden, S. (2024). L’éducation sexuelle à l’école obligatoire dans le canton de Neuchâtel : les représentations des parents [Master, Université de Neuchâtel]. https://libra.unine.ch/entities/publication/6300c0fb-d236-49e1-b6d8-a48a902df32d/details
[8] Reis, M., Ramiro, L., De Matos, M. G., & Diniz, J. A. (2011). The effects of sex education in promoting sexual and reproductive health in Portuguese university students. Procedia – Social And Behavioral Sciences, 29, 477-485. https://doi.org/10.1016/j.sbspro.2011.11.266
[9] عبيدات، ه. طوالبة، ه. (2013). اتجاهات معلمي الدراسات الاجتماعية نحو تدريس التربية الجنسية في المدارس الأردنية. دراسات: العلوم التربوية 40(4).
https://archives.ju.edu.jo/index.php/edu/article/download/4679/3269/9685
[10] Habib, K., & Soliman, T. (2015). Cartoons’ Effect in Changing Children Mental Response and Behavior. Open Journal Of Social Sciences, 03(09), 248-264. https://doi.org/10.4236/jss.2015.39033
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.