التنويريمنوعات

الطفل والإعلام في العصر الرقمي؛  نحو خطاب تفاعلي آمن وهادف

في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها المشهد الإعلامي العالمي، يبرز الخطاب الإعلامي الموجَّه للطفل كأحد أبرز التحديات الثقافية والتربوية في العصر الرقمي. فالطفل، الذي كان يتلقى المعلومة والصورة داخل إطار تقليدي خاضع للرقابة الأسرية والمؤسساتية، أصبح اليوم فاعلًا رقميًا يتفاعل مع محتوى متنوع ومتعدد المصادر، ما يطرح تساؤلات عميقة حول نوعية الخطاب الذي يُقدَّم له، والقيم التي يُبنى عليها، والأهداف التي يتوخاها.

في هذا السياق، تتقاطع دراسات الإعلام الطفولي مع مقاربات التربية الرقمية والسيميائيات الحديثة، لتُظهر أن الخطاب الموجه للطفل لم يعد مجرد وسيلة للترفيه أو التعليم، بل أصبح أداة لبناء الهوية، وغرس القيم، وتشكيل التمثلات الثقافية والاجتماعية في بيئة رقمية مفتوحة. فالمحتوى الرقمي، بما يحمله من نصوص وصور وألعاب ومؤثرات سمعية وبصرية، بات يشكل فضاء دلاليا يؤثر في وعي الطفل وسلوكه.

تشير تحليلات متعددة إلى أن الإعلام الرقمي لا يخلو من خطاب تجاري وتسويقي موجه للأطفال، يختلط فيه الترفيه بالإشهار، ويغيب فيه أحيانا البعد التربوي أو الحقوقي. كما أن غياب الضوابط أتاح لمحتويات غير ملائمة أن تتسلل إلى يوميات الطفل، مما يستدعي إعادة التفكير في السياسات الإعلامية الموجهة للفئة الطفولية.

الخطاب الرقمي الموجه للطفل يمكن تصنيفه ضمن ثلاثة :اتجاهات متداخلة
 الخطاب الترفيهي المؤدلج: ويشمل المسلسلات والرسوم المتحركة والألعاب التي تحتوي على تمثلات ثقافية معينة، قد تكون في بعض الأحيان محمّلة برسائل غير مناسبة أو تنميطية.


 الخطاب التربوي الرقمي: وهو المحتوى التعليمي المتاح على المنصات الرقمية، ويشمل برامج تعليم اللغات، الفيديوهات التفاعلية، والتطبيقات التعليمية، لكنه يفتقر في أحيان كثيرة إلى التقنين والتأطير البيداغوجي.
 الخطاب التشاركي أو التفاعلي: حيث يُمنح الطفل إمكانية إنتاج المحتوى أو التعليق عليه، من خلال قنوات يوتيوب خاصة بالأطفال، أو ألعاب تتيح التفاعل مع الواقع الرقمي بشكل مفتوح.

إن هذا التحول الرقمي في إنتاج وتلقي الخطاب الإعلامي يفرض تحديات تتعلق بحماية الطفل من خطاب العنف، التنمر الرقمي، الإعلانات المبطنة، وأيضًا من خطر الانجذاب لرموز لا تعكس بالضرورة القيم المجتمعية المحلية..

ولتجاوز هذه التحديات، بات من الضروري اعتماد استراتيجيات إعلامية وتربوية تجمع بين التنظيم :والتأطير، من بينها:
 تطوير محتوى رقمي تربوي موجه للطفل بلغة بسيطة ومؤثرة، يأخذ بعين الاعتبار خصائص المرحلة العمرية والتنوع الثقافي.


 تعزيز التربية الإعلامية الرقمية لدى الأطفال وأولياء أمورهم، لفهم طبيعة الخطاب الرقمي وأساليب التأثير فيه.


 مراقبة المحتوى بشكل استباقي، من خلال هيئات تنظيمية وإعلامية تتعاون مع المنصات الكبرى لحذف المحتويات الضارة.


 إشراك الطفل في صناعة المحتوى، وذلك عبر ورش رقمية تشجع على الإبداع وتعزز قيم المشاركة والنقد.

في المحصلة، فإن الخطاب الإعلامي الموجه للطفل في العصر الرقمي لم يعد شأنًا ثانويًا، بل هو جزء من معركة الهوية والتنشئة الاجتماعية في سياق عالمي مفتوح. وعلى الرغم من التحديات، فإن هذا التحول الرقمي يتيح إمكانيات واعدة لإنتاج خطاب نوعي يواكب حاجات الطفل، ويعزز من حقه في إعلام هادف، آمن، ومشارِك.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هند صابير

باحثة في مجال الإعلام حاصلة على ماستر في الاتصال والوسائط من جامعة ابن طفيل المغرب .

اترك رد