أدبالتنويري

شعيب حليفي يقرأ “خط الزناتي” بمرتيل-تطوان

حول رواية “خط الزناتي” للكاتب شعيب حليفي، ينظم فريق البحث في التمثلات والممارسات اللغوية والتكنولوجية والاجتماعية بتنسيق مع ماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، يوما دراسيا يوم الأربعاء 23 أبريل 2025 في الساعة 11 صباحا بقاعة الاجتماعات بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، بمشاركة الأساتذة : أسماء الريسوني ومحمد نافع العشيري وسعاد مسكين وعماد الورداني وعبد الرحيم سكري، وتسيير سلمى براهمة.

وبهذه الرواية، يُرسخ شعيب حليفي التأسيس لأسلوبه في كتابة رواية كل موادها من البادية المحلية  وذاكرتها البكر  وزخما الحرون وخيالاتها المتمردة، في اشتباكات الذات بالتاريخ بالراهن. وقد نهضت رواية “خط الزناتي” على ذاكرة مركزية بوصفها إرثا جريحا تحكي عن حياة يوم واحد، من أيام الحصاد، نهارا وليلا، يحضرهما موسى الزناتي الذي أقنع نفسه أنه سليل الشيخ الزناتي(من مغرب القرن الثالث عشر الميلادي) صاحب كتاب الرمل والخط الزناتي، فخاض مغامرة ملامسة الغيوب مع كائنات مُفارقة وإشكالية، فقدَت حاضرها المعلوم أو كادت، وتتطلع للقبض على المجهول !!.

تسرد الرواية، في فصول النهار، الحياة تحت الشمس وما يجري، بعيدا عن عالم المدن، من تفاصيل لا تُقصي تفاعل الشخصيات مع الحيوانات والطيور والحشرات والطبيعة. أما الجزء الثاني، والذي تجري فصوله بالليل، فيروي لوحة من البهجة المنسية في حياة موسى الزناتي  وباقي أصدقائه احتفالا بنهاية موسم الحصاد. وانطلاقا من ذاكرة وفضاء اليوم الواحد تولد عوالم متعددة من الخيال الجذري نهرا تسبح فيه كافة كائنات الرواية ومنه ترتوي.

تفتتح الرواية سرودها بما يلي: ” ساعة الفجر.. يتلاشى الليل متحلّلا من إحرامه وهو يختفي داخل نفق باطني طويل يعبُره بنفس شوقه الدائم. مستمتعا، بعينين شبه ناعستين، بما يتناهى إليه في الجهة الأخرى للنهار، من صخب وحكايات، ولن يمنع نفسه من القهقهة ليشارك  عالم الضوء بهجته الزائلة.

فتنة العبور من الليل إلى النهار عبر الفجر، لا تترك أثرا بيّنا. لكنّ موسى الزناتي وقَرَ في خاطره، أخيرا، دليل على وجود هذا الأثر، حينما استفاق وبلل وجههُ بحفنة ماء بارد، ودون أن يجفّفه خرج إلى الضيعة مرتديا جلبابه الواسع، لحظة الانتقال العجيب إلى الفجر، وهو في لون قصبي ثم فضّي أشبه بحبات رماد متطايرة. مدّ بصره بعيدا نحو الحقول وهي تتثاءب بسنابلها المتمايلة، وواصل نظراته بامتنان وأصوات مختلف الطيور تتدافع، وهو يملأ رئتيه بهواء جديد.. متأملا في شُجيرات العنب المصطفة والمتشابكة، قبل أن يحوّل بصره وسط غبش رمادي مترنح، إلى الجهة الأخرى بأشجارها المتنوعة.                                                                              

يسبحُ الضوء الأبيض الرصاصي زاحفا إلى الأعلى مثل أنفاس عابد أنهى صلواته الطويلة وعاد إلى الدنيا، فيما يدنو موسى، مندهشا وحذرا وقد أبصر فراشة تخفق بجناحيها الحائرين، كأنما استفاقت لحظتئذ من سُبات فطري وعادت إلى الحياة من شُرفة الفجر. دهشتُه أنه رآها في حلمه بجناحين أبيضين ونقطتين سوداوين، ولما استفاق وجدها أمامه بجناحين أسودين وبنقطتين بياضهما مُشرب بحمرة خفيفة.

واصلت رفرفتها وهي تهتز صعودا وهبوطا ، يمينا وشمالا، منتشية قبل أن ترتعش وقد دنا منها موسى، فهرولت مرتبكة ثم اقتربت منه لتلثم خذه الأيسر وتسرع في اتجاه البئر الذي هبطت إليه وهي تلتفتُ نحوه في حياء، أو هذا ما رآه.

ساد الصمت في كل الضيعة والحقول البعيدة إلا من عواء خافت ومتقطع لسوسو التي كانت تتابع كل شيء من بعيد.  الصمتُ معجزة هذه الدنيا.. لحظة منه تُغني عن كل الصخب الذي يُفسد تذوّق الحياة، والنهار قطعة واحدة مُضاءة بما فاض من النور شروقا وغروبا، صعودا وهبوطا، تجري على مساحته أحداث مختلفة الألوان، لا تزال قادرة على التمدّد.

قالت سوسو:

  • النهار أصم والليل أعمى، ماذا لو نسيَ النهار نفسه وأصرّ على البقاء في مكانه !!

ردّ موسى الزّناتي:

  • وماذا لو نسيَ الليل نفسه ونام !!

الزمن أشبه بأسطوانة من ورقتين بالأبيض والأسود، يراهما موسى الزّناتي في حجم الكفّ الواحدة.. فيُمرّرُ على تلك المساحة راحتَه، بحذرٍ شديد، ليمحو ما انكتبَ من قبل، ثم يرفعُ سبّابته اليمنى، بعد أن يُبلِّلها بطرف لسانه وهو مُغمض العينين. بلا ارتباك يشرعُ في خطّ خطوطٍ ونقط بعناية وخشوع.. بعدها ينتظر لحظة قبل أن يفتح عينيه وهو مندهش.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد