التنويريمنوعات

استراتيجيَّات المغرب في تعزيز الأمن السيبراني الوطني

شهدت المملكة المغربية تطوراً ملحوظاً في مجال الأمن السيبراني من خلال إنشاء المديرية العامة لأمن نظم المعلومات والمركز الوطني للأمن السيبراني، مع سن تشريعات مهمة (قانون 05-20 وقانون حماية المعطيات الشخصية 09-08). ويركز المغرب، بهذا التوجه، على حماية البنى التحتية الحيوية ومكافحة الجرائم الإلكترونية وتأمين المؤسسات، مع تنفيذ برامج للتوعية والتكوين وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، مما يعكس التزامه بمواكبة التحديات الرقمية المتزايدة وحماية الفضاء السيبراني الوطني، وضمان لما عُرف به المغرب من أمن واستقرار للمواطنين والسياح والمستثمرين.

وقد تمكن المغرب من تحسين تصنيفه في المؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024 الذي أصدره الاتحاد الدولي للاتصالات ، حيث أُدرج ضمن المستوى الأول إلى جانب 45 دولة أخرى ،وتعكس هذه المجموعة،الدول الرائدة التي أظهرت التزامًا واضحًا بقضايا الأمن السيبراني، حيث تمنح هذه المؤشرات مرجعية موثوقة تقيس التزام الدول في هذا المجال عبر 83 مؤشرًا موزعة على خمس محاور رئيسية.

وحسب التقرير، فقد حصل المغرب على درجة إجمالية قدرها 97.5 من المئة، محققًا تقدمًا ملحوظًا مقارنة بنسخة 2020، في كافة الأبعاد الخمسة: القانونية، التقنية، التنظيمية، بناء القدرات، والتعاون. ويُعتبر المغرب البلد المغاربي الوحيد الذي يندرج في المستوى  الأول ، مع سبعة بلدان عربية وخمسة أفريقية أخرى، حيث نال العلامة الكاملة في التدابير القانونية والتنظيمية، وحصل على نقاط عالية في بناء القدرات والتدابير التقنية.

يتوج هذا النجاح الجهود المستمرة التي بذلها المغرب خلال العقدين الماضيين، من أعلى مستويات القرار، لتعزيز الأمن السيبراني. وقد تم وضع إطار قانوني شامل يتضمن نصوصًا تشريعية تغطي مجالات الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية ومكافحة الجريمة السيبرانية. كما تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني لعام 2030، التي تسعى إلى تعزيز القدرات والتعاون الوطني والدولي.

ومن أولويات هذا البرنامج، تطوير الرأس المال البشري في مجالات الأمن السيبراني ، وذلك بتنظيم حملات تحسيسية لرفع مستوى الوعي بالمخاطر السيبرانية. مثلما أنشأ المغرب مركز اليقظة والرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية ، الذي يلعب دورًا مهمًا في حماية الفضاء السيبراني الوطني، مما يعكس التزام المغرب بتعزيز التعاون الدولي والشراكات مع الدول الأخرى.

أصبحت الجهود المنسقة والفعالة في مجال الأمن السيبراني من قبل الدول أكثر أهمية منذ الإصدار السابق لمؤشر الأمن السيبراني العالمي (GCI) مع وجود حوالي 5.4 مليار شخص على الإنترنت، فإن المجتمعات غير المتصلة بالإنترنت تتأثر أيضاً بالتسارع المستمر للتطورات التكنولوجية مع اعتماد الذكاء الاصطناعي، وتجديد الجهود نحو التحول الرقمي، والتقدم الواسع نحو الاتصال الشامل والذاتي المعنى.  ويعد مؤشر الأمن السيبراني العالمي أداة مهمة للدول ومجموعات الاستثمار والمنظمات التنموية والشركات.

هناك عدة أسباب  لفهم التزامات الأمن السيبراني ، منها:

1- تدابير الأمن السيبراني الشاملة القائمة على الأدلة: ذلك أن ( مؤشرالأمن السيبراني العالميGCI) يتبنى نهجًا متعدد الأبعاد للأمن السيبراني باعتماده على البيانات المتاحة للجمهور أو الأدلة القابلة للتحقق منها والمقدمة من طرف الدول. يقود هذا النهج إلى رؤية موثوقة وأكثر مصداقية لالتزامات الأمن السيبراني. نتيجة لذلك، أصبحت الدول تعتمد على هذا المؤشر العالمي والمتخصص لإبلاغ خططها الوطنية للأمن السيبراني.

2-إبلاغ السياسات الوطنية: يمكن للدول فهم تقدمها في المجالات الرئيسية للأمن السيبراني بشكل أفضل وتحديد الفرص لمزيد من التطورات والابتكارات المتعلقة بأولوياتها الوطنية وسياقاتها المكانية.

3-تعزيز البحث والتطوير: يتطلب ديناميكية مشهد الأمن السيبراني استجابات استباقية تشمل تحديد أو جمع البيانات، وتطوير النماذج المتعلقة بالأمن السيبراني، بما في ذلك السياسات والقوانين واللوائح الجديدة والمنتجات والمعايير، من بين أمور أخرى.

4-مقارنة الأداء: يمكن للدول تقييم مستوى التزامها بالأمن السيبراني وتقدمها بمرور الوقت مقارنةً مع المعدلات العالمية والإقليمية.

5-تعزيز التعاون: مع كون التعاون جزءًا مركزيًا من تدابير الأمن السيبراني الجيدة، يمكن العثور على فرص لمستويات متنوعة من التعاون واستغلالها لدعم الاستجابات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية المتبادلة.

وللارتقاء بالأمن السيبراني في المغرب، يجب على الحكومة تطوير استراتيجية وطنية شاملة تحدد  من خلالها الأهداف وتوزيع المهام، مع توفير التمويل اللازم. ويتعين  عليها أيضا رفع الوعي من خلال حملات تعليمية تستهدف المواطنين والشركات، جنبًا إلى جنب مع برامج تعليمية في المدارس. ومن المهم تدريب المتخصصين في الأمن السيبراني وزيادة استثمارات التعليم العالي في هذا المجال. كما يجب تشجيع الابتكار ودعم الشركات الناشئة التي تقدم حلولًا مبتكرة. وأيضا الالتزام بالمعايير الدولية مثل ISO 27001 وNIST الذي  يعزز الإطار الأمني للمؤسسات.

إن التعاون بين القطاعين العام والخاص ضروري لتبادل المعلومات حول التهديدات، بالإضافة إلى تحسين الاستجابة للحوادث عبر فرق طوارئ متخصصة. أخيرًا، المشاركة في المنصات الدولية تساهم في تبادل المعرفة والخبرات.

_______
*عائشة بوزرار/باحثة في الإعلام.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

عائشة بوزرار

(باحثة بماستر الإعلام الجديد و التسويق الرقمي)، جامعة ابن طفيل –القنيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك رد