من أجل عالم إنساني متراحم: معالم مشروع أخلاقي مقاصدي
![](https://i0.wp.com/altanweeri.net/wp-content/uploads/2025/02/476032209_1330474741436602_1472465041774448993_n.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
تقديم:
بعد أن دشنت الإنسانية عصر عولمة جامحة لا تبقي ولا تذر، وأشرف العالم على مستقبل ما بعد الحداثة المهلك للحرث والنسل، والمؤذن بفساد أخلاقي كبير ودمار حضاري منقطع النظير، تعالت أصوات من هنا وهناك منادية بإيقاف النزيف وتصحيح المسار لتحقيق واقع أفضل يستحق نسبتَه إلى الإنسان، وذلك بالتحلي على مستوى الأفراد، والتمكين على مستوى العالم لأخلاق تتجاوز الحدود العرقية واللغوية والدينية والثقافية والإيديولوجية، سماها بعضهم أخلاقا كوكبية، وسماها آخرون كونية أو عالمية، والتي من شأنها أن تعيد للإنسان كرامته وللعالم سلامته، وتحفظ للإنسان المعاصر حقه في الحياة الكريمة، والعيش المشترك المؤطَّر بقيم المساواة والعدل والأخوة الإنسانية.
وحتى لا تبقى هذه الفكرة شعارا يُتلاعب به، ووسيلة خداع كان لا بد من التفكير في سبل تحويلها إلى مشروع لإنقاذ البشرية من أزمتها الأخلاقية، وبؤسها الحضاري، كيف ذلك؟ هو ما حاولت البحث عنه في هذا المقال، وفق المباحث الخمسة التالية:
1- المبحث الأول: حقيقة الأخلاق الكوكبية وأهميتها، أو الفكرة والشعار.
2- المبحث الثاني: مرجعيات المشروع ومبرراته.
3- المبحث الثالث: أهداف المشروع ومقاصده.
4- المبحث الرابع: مراحل المشروع ومحاوره.
5- حمَلة المشروع والفاعلون فيه.
المبحث الأول: حقيقة الأخلاق الكوكبية وأهميتها أو الفكرة والشعار.
في هذا المبحث الأول سأحاول بيان معنى الأخلاق لغة واصطلاحا، ثم أحدد دلالة المركب الوصفي “الأخلاق الكوكبية”، والوقوف عند أهميتها، لأعرج على إبراز مكانتها في مشروع الإنقاذ مبرزا الفكرة والشعار.
المطلب الأول: حقيقة الأخلاق الكوكبية وأهميتها.
الأخلاق لغة هي جمع خُلق وهو السجية، والخُلُق والخُلْق هو الدين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أنه صورة الإنسان الباطنة، أي نفسها وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها[1]، واصطلاحا هي: “عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خُلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سُمِّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلُقا سيئا”[2]، وبناء على هذا التعريف فالخُلق أقوال وأفعال صادرة عن حال نفسي مقيم، بمعنى أنه ليس بخلق ما يأتي من الأعمال على تكلف، أو على سبيل النذور، أو تظاهرا، أو اقتصر على العلم به ومعرفته والإحاطة بحقيقته دون التحقق به[3].
وعلم الأخلاق يبحث عن معنى الخير والشر، وما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضا، ويشرح الغاية التي ينبغي أن يقصدوا إليها في أعمالهم، ويدل على السبيل المفضي إليها[4]. وليس المقصود أن الغرض من علم الأخلاق مقصور على معرفة النظريات والقواعد، وإنما من أغراضه أيضا التأثير في إرادتنا وهدايتها، وحملنا على أن نعيش حياتنا، ونحصل خيرنا وكمالنا وخير الناس ومنفعتهم، فهو يشجع الإرادة على عمل الخير، قال أرسطو: “فيما يتعلق بالفضيلة لا يكفي أن نعرف ما هي، بل يلزم زيادة على ذلك رياضتنا على حيازتها واستعمالها أو إيجاد وسيلة أخرى لتصيِّرنا فضلاء وأخيارا”[5]. وبهذا المعنى يكون لعلم الأخلاق علاقات اتفاق واختلاف مع جملة من العلوم الأخرى، من قبيل علم النفس، والقانون وعلم الاجتماع، وكذلك الفقه والعقيدة[6] وغيرهما كثير.
ويميز العلماء والدارسون بين الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة، كما يميز بعضهم بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية، وكذا بين الأخلاق الفلسفية والأخلاق الدينية، وبين أخلاق الذات وأفعال الإرادة، وهناك من ميز بين الغريزية منها والمكتسبة[7]، وذلك من وجوه عدة، أبرزها: اعتبار المصدر والأثر وكيفية التحصيل والتخلق، والتحقق وإمكانيته (يعني تربية الخلق).
وفي هذا الصدد مثلا نجد محمد عابد الجابري يميز بين الأخلاق والأدب والسجايا والصفات، مع تقديره الكبير لجهود العز بن عبد السلام حيث تفطن إلى أبرز قيمة أخلاقية في القرآن، وهي: خلق «العمل الصالح» أو «أخلاق المصلحة» يقول: “ومن هنا أهمية العز بن عبد السلام، لقد تحرر من الانغلاق الفقهي والكلامي ومن إغراءات الأسلمة (أسلمة الآداب الفارسي واليوناني والهرمسي)، لقد تجاوز ذلك كله ورجع إلى الأصل: إلى القرآن، وقرأ “الذين ءامنوا وعملوا الصالحات” ككل لا يتجزأ، ففهم الدين على أنه إيمان وعمل صالح”[8]. يعنينا هنا الإشارة إلى أن هناك علاقة بين القرآن والأحكام والأخلاق والمصلحة، إضافة إلى حاجة العقل الأخلاقي إلى الحرية باعتبارها شرط الإبداع.
هذا فيما يخص الأخلاق عموما، أما الأخلاق الكوكبية[9] فهي: “ذلك الضرب من الأخلاق الإنسانية التي ترعى مصلحة الإنسان بغض النظر عن أصله وفصله في إطار من التكافؤ والمساواة”[10]، فهي أخلاق كونية أو عالمية كما يسميها البعض، ويعتبرونها مدخلا لإنقاذ العالم من التردي الأخلاقي والانتحار الحضاري والوقوع الوشيك في الهاوية، فواقع “تلويث البيئة وظلم الإنسان وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء قضايا تحتاج أن تناقش وتُحل بأخلاق كوكبية تَزُمُّ النزوات الاستغلالية الرأسمالية وتنشر العدل والسلام، أخلاق لا تلدها رحم حقوق الإنسان المعلنة المُخْلَقَة، وإنما يلدها طموح عال لا تشغله قضايا الساعة وتطور العالم السريع المذهل عن الطموح للحق”[11]، هكذا تصورها الأستاذ عبد السلام ياسين، ليست أخلاقا براغماتية نفعية ضيقة تمييزية، وإنما هي: “مخرج منهجي في مواجهة النفاق الدولي المتلون”[12]، يعني أنها قبل أن تكون فعلا إجرائيا فهي مبدأ ثابت لا يتغير بتغير المواقع وتبدل الظروف والأحوال.
هذا النداء وهذه الصرخة وذاك الطموح لم ينفرد به الإمام عبد السلام ياسين بل شاركه في إعلانه عقلاء العالم وفضلاؤه مشرقا ومغربا، منهم عالِم اللاهوت الكاثوليكي هانز كونغ الذي دعا إلى إنشاء «برلمان أديان العالم » حيث تطلع إلى أن يكون العالم بمنزلة الأسرة الواحدة أو المجتمع العالمي الواحد، يعامل فيه الإنسان معاملة إنسانية بغض النظر عن لغته ودينه ولونه وعرقه، كما راهن على دور الأديان والشعور بالمسؤولية في تدعيم هذا التوجه الجديد من خلال بث ثقافة التسامح والسلم العالمي، وترسيخ روح التضامن الاجتماعي والاقتصادي والعيش المشترك بين بني البشر[13].
وممن تأثروا وتألموا للوضع العالمي المهدَّد بالدمار الكلي نذكر: الفيلسوف الأمريكي بول تايلور، والنرويجي آرني نايس، والفرنسي ميشيل سير، والألماني هانز يوناس، والأسترالي بيتر سانجر، والنمساوي فريتجوف كابرا، وغيرهم كثير[14]. وهؤلاء جميعهم يختلفون مرجعيةً دينية وعرقية ومذهبية، ونزعة فلسفية، وتوجها فكريا، لكنهم اتفقوا على توصيف الحالة بالمأساوية والوضع العالمي بالكارثي، وتفطنوا إلى أولوية المدخل الأخلاقي وراهنيته. وقد تناول هذه القضية بعمق، ونبش مرجعياتها المعرفية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية وغيرها الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه الإسلام والحداثة[15]، وفسح مجالا واسعا لكبار مفكري الغرب للتعبير عن آرائهم وخلاصاتهم ونظرتهم لواقع ومستقبل الغرب والحداثة والعالم أجمع، واحتفظ لنفسه بالتوضيح والمقابلة والتعليق، فتراه يقول: “أترك المجال للغربيين ذاتهم ليشرحوا لنا كيف يكون عصر ما بعد الحداثة، بل كيف لا يمكنه إلا أن يكون عصرا لما بعد الأخلاق”[16]، والمقصود بمجتمع ما بعد الأخلاق هو المجتمع الذي يدغدغ أكثر من سابقيه الرغبات والأنا والسعادة والرفاهية والفردية أكثر مما يقوي فضيلة التضحية وإنكار الذات، مجتمع يشتغل خارج دائرة الواجب، خارج نطاق الفريضة الأخلاقية الصارمة والمنضبطة، فمجتمعات ما بعد الأخلاق مجتمعات فقدت دعائمها الأخلاقية، مجتمعات بلغت منتهى التقدم التطوري الذي تجاوز كل خُلق ليقترب تدريجيا من السلوك الفرداني القَرْداني، هي مجتمعات تعبد اللذة والمنفعة، وتحرض على التمرد على المبادئ الخُلقية (وحتى الخَلقية)، وعصر ما بعد الحداثة يفرز فردانية لا يحكمها قانون، فردانية تائهة، متحللة، لا مستقبل لها[17]. هذا فيما يخص تقديرهم للواقع، أما عن مطلبهم فيقول: “ينهمك حكماء الغرب في البحث عن أخوة وتضامن إنسانيين كفيلين بإنقاذ البشرية من الكارثة”[18]. هذه الخلاصة وللقارئ الكريم العودة إلى الكتاب للوقوف على أقوالهم باللفظ، ومنهم: الفيلسوف وعالم الاجتماع: جيل ليبوفتسكي، وعالم الاجتماع والإناسة والأحياء الفيلسوف: إدوارد موران، وأستاذ السياسة: جون ماري جيهينو، وعدد يستعصي عن الحصر.
وخلاصة القول إن هذا التهديد بالدمار العالمي الكلي والشامل يستدعي حلولا عالمية متعددة المستويات، والسمة الضرورية التي يجب تأكيدها هي أن تتجاوز هذه الحلول النزعات القومية ضيقة الأفق، التي لا تفكر إلا في تحقيق المصالح الآنية والعاجلة لبعض الدول، وتغض الطرف عن النظرة المستقبلية المتعلقة بمصير كوكب الأرض وما عليه من كائنات، ولما كان الفعل الإنساني هو سبب كل هذه الأزمات والمشكلات والتحديات، فإن العلاج لن يتأتى إلا من خلال إعادة النظر في القيم الأخلاقية الموجهة للسلوك الإنساني داخل المجتمع الدولي والكوكب الأرضي، سمِّيها إن شئت أخلاقا عالمية أو كوكبية باعتبارها جسرا للتواصل والتفاهم والتعاون الأممي، وأرضية لممارسة التفكير المشترك في مستقبل الحياة على كوكبنا، وما ذاك إلا لأهمية الأخلاق في البناء الفردي والجماعي، وتحسين وترشيد السلوك الأدمي تجاه الإنسان والطبيعة، وهو ما سأتطرق إليه في الفقرة الموالية.
المطلب الثاني: مكانة الأخلاق وأولوية المدخل الأخلاقي
للأخلاق مكانة سَنية سامية في مشاريع الإنقاذ وبرامج الإصلاح يقررها كل عالم بتاريخ الأديان، خبير بعلم الاجتماع، فاحص بعمق للواقع مستندا على سلامة أجهزة النظر ومنطقية أدوات التحليل، وسأستشهد بكلام لخبراء في هذا الباب جمعوا المُكْنة العلمية والتجربة العملية، وهم العلامة الندوي، والإمام الطاهر بن عاشور ثم الأستاذ علال الفاسي.
-أما الندوي فقال: “سيحوا في الأرض وشاهدوا الأمم والشعوب، فإنكم سترون أن هذه الإنسانية –بمختلف الشعوب والأقطار في أنحاء العالم كله- تعاني أزمة واحدة، هي: أزمة الإيمان والأخلاق، هي كارثة الكوارث، وهي مصيبة المصائب”[19]، ويضيف: “كل مشكلة تَحَدَّث الناس عنها، واشتكوا منها ترجع إلى هذه الأزمة، والشيء الوحيد الذي فُقِدَ، وبفَقده وقعنا في هذه المصيبة العالمية هو الإيمان، والشيء الوحيد الذي اعتل، وباعتلاله أصبحنا نواجه هذه المشكلات كلها في نطاق الأفراد والمجتمعات والحكومات والأوضاع العالمية هو الاخلاق”[20]، لم يترك مجالا للاحتمال بل أعلنها بوضوح وبجرأة وبقوة أيضا، ولا تظنه كلاما عاطفيا يقتضيه التسليم الإيماني والانتماء العقدي، فإنما هو ثمرة التدقيق العلمي والمعايشة الميدانية، ولك أن تقرأ المجلدات الخمسة لكتابه: «رجال الفكر والإصلاح»، والألفي صفحة من كتابه: «محاضرات إسلامية في الفكر والدعوة »، وكتابه الذائع الصيت، الفريد في بابه: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟».
-أما ابن عاشور صاحب «التحرير والتنوير» و«مقاصد الشريعة» فقال: “لا يكاد ينتظم أمر الاجتماع كمال انتظامه، ولا ترى الأمة عقدها مأمونا من انفصامه، ما لم تكن مكارم الأخلاق غالبة على جمهورها، وسائدة في معظم تصاريفها وأمورها، لأن ملاك مكارم الأخلاق هو تزكية النفس الإنسانية”[21]، وبعد أن أسهب القول في التأصيل النقلي والعقلي لهذه الدعوة، وضرب الأمثلة عاد ليؤكد أن “الإسلام جعل الاتصاف بمكارم الأخلاق حقا على الولاة والهداة والرعايا كل فيما يخصه من الأفعال المتعلقة بالإسلام أو بمعاشرة المسلمين، أو بمعاشرة غير المسلمين من الأمم، أو بالصرف في الحيوان المسخر للبشر[22].
-أما الأستاذ علال الفاسي رائد السلفية الوطنية فقد خلُص إلى أن “مكارم الأخلاق مقياس كل مصلحة عامة وأساس كل مقصد من مقاصد الإسلام”[23]، لأنه يعتبر كما يرى جمهور العلماء أن الشريعة الإسلامية مبنية على مراعاة المصلحة العامة في جميع ما يرجع للمعاملات الإنسانية، لأن غايتها هي تحقيق السعادة الدنيوية والأخروية لسكان البسيطة عن طريق هدايتهم لوسائل المعاش وطرق الهناءة، ولتمييز المصالح الحقيقية من المصالح المتوهمة كان لا بد من مقاييس وضوابط، رأى العلامة علال أنها مكارم الأخلاق، ويشدد القول في شأنها ويؤكد على ضرورتها وإلزاميتها، وأن أي تقصير من حيث التنظير أو التطبيق لها يفضي لا محالة إلى كوارث إنسانية وخيمة، فيقول: “وعدم اعتبار هذه المقاييس الإسلامية (مكارم الأخلاق) هو الذي أوقع العالم اليوم في هذا الاصطدام الهائل في الميادين السياسية، سواء في الأفق الوطني أو في الأفق الدولي، لأن مصالح أمة أو جماعة من الأمم أو الأفراد كثيرا ما تتعارض مع مصالح غيرهم، وهو ما يؤدي إلى النزاع وتهديد العالم بحرب دائمة تجعلهم صفوفا متعارضة، يشتغل كل واحد منهم بالآخرين متجاهلين حقيقة الخير والشر، والمصلحة والمضرة”[24]، إذن هكذا تترتب عنده الأمور: حاجة البشر إلى تشريع ينظم حياتهم، والتشريع أحكام، وهذه الأخيرة تُبنى على مصالح، وضابط المصالح موافقتها للأخلاق الحميدة، راعى الإسلام هذه الحقيقة فبيَّن أن مقياس كل مصلحة هي الخلق المستمد من الفطرة، والقائم على أساس العمل لمرضاة مثلٍ أعلى، هو غاية الإنسان من الحياة والعمل[25].
وللإشارة فهو وحَّد بين الأخلاق الإسلامية وأخلاق الفطرة الإنسانية، ويُعرف هذه الأخيرة بأنها: “تلك الأسس الأخلاقية التي أقرتها جميع الديانات والمذاهب السابقة على اختلاف نزعاتها وطبيعتها”[26]، ويعلل ذلك بأن الشعور العام في مختلف الأمم والشعوب ما زال يحكم على بعض الصفات بالحسن، وعلى بعضها بالقبح اعتمادا على حاسة فطرية توارثتها الشعوب منذ أقدم العصور ولم تنفك عنها إلى الآن، ولا نعتقد أنها تنفك أبدا ما دامت تتصف بوصف الإنسانية الفطري[27].
هذه أمثلة فقط وإلا فاللائحة طويلة، وتزيد اتساعا مع الأيام، فالإنسان الحديث صنع أشياء بيده، ثم عظمها وقدسها، فاشتد عودها وتمكنت من قلبه وتلاعبت بهواه، صنعها ثم أمسى صنيعة لها، واليوم يكاد يعم الإحساس بأن هذه المادة –المادية- صارت عدوُّا شرسا للإنسان في كل لحظة تنال من إنسانيته، من راحته، من كرامته، من سعادته… ويتحسر على هذا الواقع الدكتور طه عبد الرحمن فيقول: “ما أشد غفلة الإنسان الحديث حتى كأنه على ظاهر تقدمه العلمي والتقني الهائل، إنسان جهول! ألا ترى أنه يقدم قليل النفع على كثيره… وهل بعد هذا نستغرب أن هذا الإنسان كلما استحدث شيئا سابغا عليه أوصاف الكمال، ما لبث أن تأذى منه بوجه من الوجوه، فيمضي إلى إصلاحه بنفس الطريق العقلاني الذي استحدثه به”[28]. هي حرب مستمرة مستعرة ضد الإنسان ولا سبيل لمقاومتها إلا بالتسلح الأخلاقي، ولكن أي أخلاق؟ وكيف نتحقق بها؟ ومدخل الجواب يمكن تلمسه في هذه الإشارات للأستاذ عبد السلام ياسين: “ثم إن الأخلاق العالية المؤهِّلة للمقامات السنية إما أن تتحقق بالإيمان فتقرب من الله عز وجل، وإما يبقى من له الأهلية قابعا في كفره كامنة فيه تلك الأهلية. ففي ميزان الإنسانية والمروءة والخلق يتفاضل الجاهليون فيما بينهم، ويفضلهم أهل لا إله إلا الله بالإسلام والإيمان، ولكن معالي الأمور التي يحبها الله تعالى هي إنسانية عالية وعقل راجح وخلق سَني زكاها الإيمان”[29].
لاحظ أنه ممكن أن يكون من الخَلق صاحب إيمان وأخلاق، ومنهم ذو أخلاق ولا إيمان، وفيهم صاحب إيمان بدون أخلاق، إنها نظرة موضوعية واقعية تفاؤلية نفيسة مفيدة، بدونها يُكدَّر الفهم، ويُعتم الفكر، وتتعثر الخطوات وتُبدد الجهود: “إنَّ تصورنا لأنفسنا بغرور أَخرجنا من حلبة التاريخ، كنا فيها فاعلين فأصبحنا بضاعة، وإنَّ تصورنا للعالم والناس وكأن العالم وساكنيه كومة من الفحم الغث تصور لا يطابق الحقيقة، فهو بالتالي يزيغ بتقديرنا للأمور وحكمنا عليها، ويعرض أعمالنا للفشل”[30]، وانظر إلى قمة التحلي بثقافة، بل بخُلق الاعتراف: “في هذه الجاهلية وأهلها مروآت كثيرة نحن المستضعفين أحوج الناس لتقديرها حق قدرها وللاستفادة منها وتعلمها”[31]، ولا تظن أن هذا القول شرود عن منهج الإسلام، ولا بدعة في دين الرحمن، يقول الدكتور مصطفى بن حمزة في معرض حديثه عن مستوى عناية الإسلام بالأخلاق، معلقا على حديث (إنما بعثت لأتمم حسن الأخلاق)[32]: “هذا الحديث فيه اعتراف من وجه آخر بأن الأخلاق الكريمة لم تنعدم بالمطلق في تاريخ الإنسانية، وإنما ظلت حاضرة في المجتمعات السابقة، لأنها ضرورة من ضرورات التعايش بين الناس”[33]، ويوضح مردَّ تلكم الأخلاق فيقول: “ولعل الأخلاق الفاضلة المتبقية في المجتمعات العربية قبل الإسلام أن تكون بقية من هدي النبوات السابقة، أو أنها كانت شيئا مما اهتدى الإنسان بمحض فطرته إلى ضرورته ولزومه المجتمعي”[34]، ولا يخفى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على عدة أخلاق وتصرفات كانت في الجاهلية.
وضحت في السطور السابقة الفكرةَ والشعار المتمثل في: «سلامة العالم مرهونة بأخلاق كوكبية»، لكن كيف يتم تحويل هذه الفكرة إلى مشروع إجرائي، وعلى أي أرضية ومرجعية يستند؟ وما هي مقاصده وأهدافه؟ ومن هم الفاعلون فيه وبه؟ هذا ما سأتناوله في المباحث الموالية.
المبحث الثاني: مرجعيات المشروع ومبرراته.
تتعدد بواعث ومرجعيات هذا المشروع، واكتفي بذكر أهمها في المطالب الأربعة التالية:
المطلب الأول: الإنسان كائن أخلاقي
الإنسان في جوهره كائن أخلاقي، بالمعنى القرآني للأخلاق[35]، ويكفي لتحديد هذا المفهوم قرآنيا أن الله عز وجل أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَيٰ خُلُقٍ عَظِيمٖۖ﴾[36]، ثم شرحت أمنا عائشة رضي الله عنها ذلك بقولها: «كان خلقه القرآن»، وترجع هذه الأخلاقية إلى الزمن الذي عهد الله فيه للإنسان بالخلافة، قبل أن يخلق الناس كأفراد، كما ترجع إلى ميلاد الإنسان، وقبل أن يتلقى تأثير المجتمع، كما هو مبيَّن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»، إذن فالانحراف العقدي والأخلاقي السلوكي طارئ من فعل المحيط الفاسد.
ولعلك تلحظ بدون أدنى تكلف أن الإنسان نزاع إلى الأخلاق الحسنة مطمئن إليها، فترى من خلقه الكذب ويميل للتعامل مع الصادق، بل يشدد الإنكار على من يكذب عليه، وتجد الخائن لا يثق بالخائن مثله، وإنما للمتصف بالأمانة، والمتكبر لا يجالس إلا من تواضع له، والظالم لا يقبل من يظلمه، والفاسق يطلب الزواج من العفيفة، والجبان يقدر الشجاع ويلازمه، والبخيل لا يفارق الكرماء، وهكذا، لذلك نقول إن بذور الأخلاق وأصولها مسكونة مركوزة في نفس وضمير كل واحد منا، يقول الدكتور راغب السرجاني: “إننا نعتقد أن كل إنسان بداخله ذلك الشيء الذي يسمى الضمير، وهو ذلك الشيء الذي يفيض جوًّا من الراحة والسعادة والفرح إذا ما أتى الإنسان عملا حسنا، وهو الذي يقلب النفس حزنا وكآبة بل وجحيما إذا أتى الإنسان عملا سيئا”[37]، ثم بعد مناقشة وتقليب النظر في المظاهر الأخلاقية لدى الشعوب والثقافات والأديان، قال: “فالخلاصة التي أردنا التأسيس لها أن الأخلاق من صميم الطبيعة الإنسانية، وقد وجدت عند كل البشر ابتداءً، ثم إن جوهرها واحد مهما اختلفت العادات والبيئات”[38]، يعني أن الأخلاق فطرة بشرية، وبعد تأكيد هذه الحقيقة جعل الأخلاق قسمين: الأول: أخلاق أساسية مشترك عام، وهي حد أدنى للاجتماع البشري مرتبة كالآتي: الصدق والأمانة والعدل، والقسم الثاني: مشتركات خاصة أي تختلف باختلاف الشعوب والأزمنة والأمكنة[39].
وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي أن في الإنسان أربع قُوى لا يستقيم حاله، ولا يرتاح ضميره إلا باعتدالها، وهذه القوى (القوات) هي: العلم والغضب والشهوة والعدل، واعتدالها إنما يكون بالتحلي بأخلاق أربعة، هي أم الأخلاق وأصولها: الحكمة الضابطة للعلم، والشجاعة الحاكمة للغضب، العفة الضابطة للشهوة، والعدل ليس له طرف زيادة أو نقصان، فليس بعد العدل إلا الجور[40]، ونستفيد من ذُكر أن أصول الأخلاق مغروسة في الإنسان ما عليه إلا العمل على اعتدالها واستقامتها والحرص على جمالها ونضارتها.
وقد دافع الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن بأسلوبه الحجاجي المتفرد على أخلاقية الإنسان، عندما استشكل القضية بطرحه سؤال: أيهما أخص بالإنسان: العقلانية أو الأخلاقية؟[41] نحن نؤمن أن الإنسان كائن عاقل، وأيضا كائن أخلاقي وليس في ذلك اشكال، ولكن الدكتور طه عبد الرحمن يدافع هنا ويرافع على أن الأخلاق أخص بالإنسان من العقل، نحاول فيما يلي اقتطاف بعض استدلالاته على دعواه.
سبق أن أشرنا إلى ما يصيب الإنسان من أذى كبير جراء ما يستحدثه هو بعقله، يعني أن الإنسان ضحية ما يصنع، واستشهدنا بكلام طه عبد الرحمن، ولمّا تَعْرِض هذا الواقع على أنصار العقلانية يجيبونك أن ميزة العقل الإنساني أنه لا يملك اليقين بنفع لا ضرر فيه، ولا بصواب لا خطأ معه، وإليك تعليق دكتورنا: “والحال أن هذا لا يصدق إلا على القوة العقلية من قوى الإنسان التي هي من جنس قوة الإدراك التي تتمتع بها البهيمة”[42]، إلى أن يقول: وكذلك الإنسان في ممارسته لعقله على مقتضى التصور المذكور، بل ما المانع من أن نسمي القوة الإدراكية الخاصة بالبهائم هي الأخرى عقلا”[43]، والنتيجة إذن: “إذا بطل أن تكون العقلانية هي الحد الفاصل بين الإنسانية والبهيمية، وجب أن يوجد هذا الحد الفاصل في شيء لا ينقلب بالضرر على الإنسان من حيث أراد الصلاح في الحال والفلاح في المآل، ولا يقع الشك في نفعه متى تقرر الأخذ به، ولا في حصول الضرر متى تقرر تركه، وليس هذا الشيء إلا مبدأ طلب الصلاح نفسه، وهو الذي نسميه باسم «الأخلاقية»”[44]، فالأخلاقية هي التي تجعل أفق الإنسان مستقلا عن أفق البهيمة، وهي الأصل الذي تتفرع عنه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تستحق أن تُنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي. وقبل الانتقال إلى المطلب الموالي أشير إلى مسلمتي النظرية الأخلاقية الإسلامية في نظر طه عبد الرحمان، أولاهما: لا إنسان بغير أخلاق، والثانية: لا أخلاق بغير دين[45]، فإن سَلِمت الأولى من شديد الاعتراض، فإن على الثانية علامات استفهام كثيرة، وسيأتي معنا مزيد بيان لهذه القضية في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: الدين رسالة أخلاقية بالأساس
القسمة العقلية المنطقية للعلاقة بين الدين والأخلاق تحصرها في أربعة: تبعية الأخلاق للدين، أو تبعية الدين للأخلاق، أو استقلال كل منهما عن الآخر، أو أن الدين هو الأخلاق، وهذا الذي يسميه المناطقة بعلاقات الاشتمال أو التضمن، والانفصال والتقاطع والانطباق، وقد لا يفيدنا كثيرا تحرير المسألة بهذا الشكل، لذلك سأنحو منحى آخر يناسب ما نحن بصدده، فأقول:
-من غايات رسالة الإسلام تكميل الأخلاق، وصقلها وتشذيبها مما علِق بها من انحرافات تصورية أفرزت انحرافات سلوكية، والحديث في هذا الباب صحيح مشهور متداول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
-النموذج العملي والقدوة الكاملة في مجال الأخلاق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بموجب قوله الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة).
-المصدر الأول للأخلاق الإسلامية هو القرآن لحديث عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فأجابت: (كان خلقه القرآن).
-اصطباغ الأخلاق الإسلامية بمعنى العبادة، التي هي الأمر الذي تجب الاستجابة له والتعامل معه بكل صدق وإخلاص، فالالتزام بها قربة والإخلال بها معصية ، وهذا من شأنه أن يضفي على الأخلاق سمات الثبات والرسوخ، في هذا يقول الدكتور بن حمزة: “إن انبثاق الأخلاق عن التصور الإيماني هو الذي جعلها أخلاقا قارة ثابتة راسخة غير متأثرة بحالات القوة أو الضعف، أو بأمزجة الناس عموما”[46].
-الأخلاق الحميدة من أهم مقاصد العبادات كلها، بل هي دعامة لها وشرط قبولها، في الصلاة: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، وفي الصيام: (لعلكم تتقون)، وحديث: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وحديث المفلس الشهير، وفي الحج: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، وفي الزكاة: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وغير ذلك كثير.
- كثافة النصوص التي تؤسس وتؤصل للأخلاق، باعتبارها مقوما ومكونا من مكونات الدين الإسلامي، إذ هو عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق، ويكفي تأمل وصايا لقمان لابنه، أو تدبر الآية الجامعة لمعاني البر في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن …الآية).
هذا ويبقى الإسلام مشروعا كبيرا متميزا وقادرا على غرس الأخلاق في السلوك الفردي والجماعي، فلذلك يكون كل دعم وتقوية لوجود الإسلام في حياة الناس في النهاية أسلوبا عمليا لتخليق الحياة الاجتماعية، “إن أي محاولة للفصل بين أثر الدين وحضور الأخلاق ليست إلا محاولة بئيسة أفرزت كل السلبيات المزمنة التي تعاني منها المجتمعات”[47]، فالأخلاق الإسلامية مظهر لإيمان وقر في القلب.
المطلب الثالث: حاجة البناء الاجتماعي للأخلاق
إن القاعدة الروحية الأخلاقية في أي مجتمع وعلى أي مستوى من مستويات بنائه هي التي تتحمل الثقال التي تتولد من طبيعة الحياة المادية والاجتماعية، فالطابع الروحي الأخلاقي هو الذي يسرْبِل كل الأنشطة الحضارية عبر التاريخ، فالدين يبني في الإنسان الفرد أخلاقا حسنة تؤهله للاندماج في المجتمع تأثيرا وتأثرا إيجابيا.
تحت عنوان المروءة والخلُق كتب الأستاذ عبد السلام ياسين صفحات منيرة يؤكد فيها “أن الخلُق والدين مقرونان في اعتبار الشرع، وأن المروءة إنسانية وخلق وعقل وحرفة”[48] يقول عن البناء الأسري: “الخلق عماد ثان في شخصية المومن والمؤمنة، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم تدل على أنه قد يكون في الرجل والمرأة بعض تدين، لكن نقصه في ميزان الأخلاق والمروءة لا يؤهله لصلاحية الحفاظ على الفطرة إنجابا وتربية، ومن أجل تحقيق هذين الهدفين شُرع الزواج بالجامع بين الدين والخلق والجامعة بينهما”[49]، بل يذهب أبعد من هذا مستدلا بأحاديث صحيحة حرص على تكثيرها لتفي بالمراد، فيقول: “إننا لن نكون مسلمين إن أبطلنا في حساب الرجولة خلُق الرجل والمرأة وعقلهما ومروءتهما، أي إنسانيتهما بما تعارفت عليه الإنسانية من شيم فاضلة، إن البكائين في المساجد العاكفين على التلاوة والذكر لن يكونوا هم أهل النور والربانية إن لم يكن سلوكهم العملي مع الناس، الأقرب فالأقرب، سلوكا أخلاقيا مروئيا، يزنون بميزان العقل واللياقة والكفاءة والجدوى وحسن الأداء كل أعمالهم”[50].
يقول أحد الباحثين: “قد آن لنا أن ندرك أنه لن يكون بإمكان أفضل النظم الاجتماعية، ولا في إمكان أقصى العقوبات الصارمة أن تقوم الاعوجاج، ولا أن تملأ الفراغ الناشئ من ذبول الروح وانحطاط القيم”[51]، ويضيف: “حين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقي فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسع، إلا أن إرادته الحضارية تكون مكبَّلة بالأهواء والشهوات والمطامع الشخصية”[52].
وذلك واضح في جميع التوجيهات الإسلامية التي تُعنى ببناء المؤسسات الاجتماعية، فالأسرة مثلا في حاجة إلى دعامات أخلاقية لإنشائها بالزواج، ولاستمرارها بالمعاشرة وحتى إن قُدِّر إنهاؤها بالطلاق، ومما جاء في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) والآية: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾[53]وأيضا: ﴿اِ۬لطَّلَٰقُ مَرَّتَٰنِۖ فَإِمْسَاكُۢ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحُۢ بِإِحْسَٰنٖۖ﴾[54]، وفي ما يخص بناء المجتمع المسلم فلا يستغني عن ركيزة التراحم والتواد والتعاون والتضامن، وفي مؤسسة الدولة الإسلامية أخلاق الرفق والتواضع وانكار الذات وحب الخير للجميع، يقول ربنا سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اَ۬للَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ اَ۬لْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ﴾[55]، وفي حق الأمة نقرأ التوجيه النبوي: (المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده)، وأيضا: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يُسلمه)، وللبشرية بلاغ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنث۪يٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ﴾[56]، ونداء: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناٗۖ﴾[57]، خلقان داعمان: التعارف والإحسان بالقول والفعل، ولضيق المجال المتاح أدعو إلى تناول سورة الأخلاق وهي سورة الحجرات بالتلاوة والتفسير والتدبر تقف على ما ألمحنا إليه في هذه العجالة.
المطلب الرابع: الوهن الأخلاقي في العالم المعاصر
لقد وُصف العالم المعاصر-وما يعتمل فيه من آثار للعولمة وسيادة النزعة الاستهلاكية والروح الفردية- بأوصاف مختلفة، تعبر عن عمق الأزمة الأخلاقية والانتكاسة القيمية، واستلاب الضمير الذي يعاني منه إنسان العصر، ويأمل التخلص منه.
من تلك الأوصاف[58] قول أحدهم: إنه عالم « منفلت » معبرا على اندهاشه من سرعة التغيير في العالم، ومتوجسا خيفة من الأضرار الناتجة عن استخدام التكنولوجيا والتغيرات المناخية، وفتح الآفاق أمام المخاطر، وقال آخر هو عالم «اللايقين» الذي عده الحقبة الأخيرة في تطور مجتمع العولمة التي يعجز فيها الإنسان عن ضبط مسيرة التطور، وأن ينظم العالم على نسق واحد، في حين وصفه ثالث[59] بأنه «أمبراطورية الفوضى» التي تحاول أمريكا أن تصنعها في العالم المعاصر، من خلال نشر الفوضى والعلاقات التي تقوم على المعايير المزدوجة، والحروب الصغيرة في كل مكان، وتكوين أشكال من الائتلافات الظرفية دون نظر للمعايير والمواثيق الدولية، ونعته رابع بأنه «مجتمع المخاطر» هذه الأوصاف كلها تنبئ عن وجود أزمة أخلاقية حقيقية، فالخطر محيط بالإنسان من كل جانب: من البيئة، من الطعام، من المعلومات والاتصال، من الأمراض الفتاكة، من الجرائم والحروب المدمرة، ويحاول الفرار من الخطر ولكن يقع في خطر أكبر، ضاقت على الناس الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، فهلا لجأوا إلى الله.. ﴿وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اَ۬للَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ هُوَ اَ۬لتَّوَّابُ اُ۬لرَّحِيمُۖ﴾[60]ومن مظاهر هذه الأزمة الأخلاقية يذكر الدكتور أحمد زايد بعضها[61]، وهي: تفكك الروابط الجمعية، السياسة وتبني نظرية الفوضى، التحول نحو القيم الفردية والمعنوية، الهروب إلى عالم الصورة وشبكات التواصل، نزول الدين إلى المعترك السياسي، والهلع الأخلاقي (قلق وجودي، قلق على المستقبل، قلق اللايقين…).
المبحث الثاني: أهداف المشروع ومقاصده
من أهم الأهداف والمقاصد الكبرى لمشروع إنقاذ البشرية أذكر ثلاثة، وهي: استعادة كرامة الإنسان، وبثُّ السلام بالعالم، ثم تحقيق العيش المشترك (أو التعايش)، وبيانها فيما يلي:
المطلب الاول: استعادة كرامة الإنسان
الإنسان أشرف خلق الله، وهو خليفته في الأرض، وهو أمين خزائنه، وسخر الله له جميع ما في الأرض لينتفع به، وكرمه الله تكريما، وقد نوزع الإنسان في هذا التكريم والتشريف وحسد عليه بداية من طرف إبليس[62]، واستمرارا من طرف أعوانه وإخوانه وجنده، فإذا كان آدم عليه السلام امتُحن فأثبت أحقيته بالتشريف والتكريم، فإن الامتحان مستمر يفرض على الإنسان في كل وقت وحين أن يثبت سيادته وريادته، وبالتالي يستعيد كرامته المسلوبة.
وحقيقة الكرامة بتعبير الدكتور عبد الله دراز صاحب أطروحة «دستور الأخلاق في القرآن» بجامعة السوربون بفرنسا “إنها قبل كل شيء سياج من الصيانة والحصانة، هي ظل ظليل، ينشره قانون الإسلام على كل فرد من البشر: ذكرا أو أنثى، أبيض أو أسود، ضعيفا أو قويا، فقيرا أو غنيا، من أي ملة أو نحلة… ظل ظليل يصون به دمه أن يُسفك، وعرضه أن ينتهك، وماله أن يغتصب، ومسكنه أن يقتحم، ونسبه أن يبدل، ووطنه أن يخرج منه أو يزاحم عليه، وضميره أن يتحكم فيه قسرا، وتعطل حريته خداعا ومكرا”[63]، فالكرامة إذن سيادة، بل سيادتان: واحدة على الأشياء “سيادة عالمية يسيطر بها على مختلف الأشياء في البر والبحر والهواء”[64]، والثانية سيادة ذاتية “لكل فرد فيما بينه وبين الناس، سيادة تسوي رأسه برؤوسهم ومنكبه بمناكبهم”[65] ومنهم تتألف كرامة الحرية والعزة التي تأبى بصاحبها أن يهون على نفسه، وأن يُذل لمخلوق كائنا من كان، وكائنا ما كان.
ومجالات هذا التكريم متعددة ومتنوعة، حيث إن قلت لا يخلو منها أي ميدان من ميادين الحياة ما جانبت الصواب، فالقرآن قرّر هذا التكريم في آية صريحة واضحة، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)[66]، فالله كرمه بالعقل والحواس باعتبارهما الطريق إلى المعرفة، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)[67]، وكرمه بأن أناط به مسؤولية الاستخلاف وعمارة الأرض، كما قال الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)[68]، وكرمه بتسخير الكون له، وجعل الطبيعة كلها تحت تصرفه، قال تعالى: (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعا منه إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[69]، يعلق الدكتور عبد الله ناصح علوان على هذه الآية بقوله: “وما دام أن هذا الكون مسخر للإنسان، ومذلل له.. فعليه أن يستخدمه لخدمة الإنسانية، ومصلحة الحضارة، وارتقاء الحياة”[70]، فمع هذا المستوى العالي من التقرير لا يبقى مجال لقبول التعطيل.
ولما كان الإنسان خُلق على هذا النحو، وتفضل الله عليه بتلكم المزية، كان لزاما على الناس أن يتبادلوا فيما بينهم الإكرام والاحترام.
المطلب الثاني: إحلال السلام في العالم
السلام حالة الهدوء والسكينة وغيبة القلاقل، وهو غيبة الاضطرابات العنيفة مثل الحروب وأعمال العنف، ولا يعني ذلك وجود الانسجام التام بين الشعوب، وكما أن تاريخ البشر يُسَم بأنه تاريخ نزاعات وحروب، ففي الوقت ذاته هو تاريخ بحث دائم عن السلام والهدنة، فقد سعى الإنسان منذ زمن بعيد إلى ترسيخ السلام على أسس مستقرة، وذلك بتوقيع معاهدات سلام تنهي النزاعات الدموية والاضطرابات الشائكة، جهود كبيرة كانت وما تزال وستبقى، وحتى إن اتحدت في المطلب فهي تتباين من حيث الخلفيات والمخلفات، ومن حيث درجة حضور النزعة الإنسانية، والوازع الأخلاقي صدق وعدالة[71].
لرفع ما قد يتبادر إلى الأذهان من سيء الأفهام لما يتعلق الأمر بالحديث عن الإنسان والإسلام والعالم والسلام، فالمخالف –وقد يكون عن جحود أو جهل- يرى أن تاريخ الإسلام تاريخ حروب في الغالب، ورسالة الإسلام إكراه بالسيف، فيتساءل عن أي سلام وفي أي عالم تتحدثون؟؟ ويكفي للإجابة عن هذا السؤال، وإبطال ذلك الادعاء الإشارة إلى تأطير فضيلة العدل والقسط للجهاد الإسلامي مبدأ ومنهجا وغاية.
-أما من حيث المبدأ: جاء الإسلام لعمارة الدنيا لا لخراب العالم، ولذلك لم يبادر النبي صلى الله عليه وسلم قط بقتال، وينبغي التنبيه هنا أن للقتال مقدمات قبل الإعلان، وأعمالا بعد الإعلان، وآثارا، فما علينا إلا العودة المنصفة للقرآن وتفسيره النظري السنة وتطبيقه العملي السيرة النبوية.
-من حيث المنهج: فقد كان للقتال ضوابط وأحكام تضمن للشعوب المغلوبة الكرامة وتقيهم العسف، وجاء في هذا تدقيق وصرامة كبيرة في تحديد من يُقاتل؟ ومن نُقاتل؟ وكيف نقاتل؟ ومتى ؟
-وأما من حيث الغاية[72]: فإن حروب وجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ضد الظلم الواقع أو المتوقع.
بعد هذا البيان الموجز يستقيم حديثنا عن سلامة العالم، والبداية بالإشارة إلى أن العلماء يقررون على أن إصلاح العالم وإزالة الفساد عنه مقصد من مقاصد الشريعة، يشهد لذلك الكثير من النصوص الشرعية في القرآن والسنة، ولا يتأتى ذلك إلا بالسلم والأمن، لذلك جاز للأستاذ عبد الحميد عشاق أن يقول: “إن السلم باعتبار تعلقه بحفظ النظام وتأمين معايش الناس هو أول مقاصد الشريعة على صعيد النظام الاجتماعي العام”[73]، وأنا أضيف حتى النظام الاجتماعي الخاص فلا تتصور حياة كريمة وتفاهم وتعاون بل حركة سليمة هادفة مفيدة سواء في الأسرة أو في المدرسة أو في المسجد إن فات الأمن وفُقد السلم، ولهذا الأخير ارتباط وثيق بالعدل، فكل منهما يخدم الآخر، فوجوده بوجوده وغيابه بغيابه.
وقد سلك المسلمون لهذا الغرض سبيل الصلح «صلح الحديبية مثلا»، والمواثيق والاتفاقيات «وثيقة المدينة» والعهود ومعاهدات السلام وغيرها[74]، وشعارهم «الصلح المجحف خير من الانتصار الدامي».
المطلب الثالث: تحقيق التعايش والتعارف بين الشعوب
يؤكد القرآن على انقسام البشر إلى مجموعات قومية تشكلت منها قبائل وشعوب، وهي قدر إلهي وسنة ربانية غير قابلة للتبديل ولا التعطيل، والهدف من هذا التنوع في إطار وحدة الأصل هو بث مناخ نفسي واجتماعي تنمو فيه قيم التعارف والتعايش والتعاون حتى يتحقق الاستخلاف على الوجه المطلوب، “فالمسلم يعيش في أسرة كبيرة خلقها الله تعالى ليتعايش ويتعارف أفرادها، وهذا نتيجة طبيعية عن إيمانه بمبدأ الوحدة الإنسانية، والخلق كلهم عيال الله”[75]، فالمرغوب شرعا وعقلا التعارف من أجل التعايش، وليس التناكر من أجل التناحر، خطاب القرآن إلى الناس جميعا بدون استثناء على ما يمكن أن يُتصور من اختلافهم وتنائي أقطارهم أن تعارفوا وتفاهموا وتعايشوا وتعاونوا على إنتاج المعروف (البر والتقوى، بالأول تتوطد العلاقة مع الخَلق، وبالثاني تقترب من الخالق).
لنترك المصطلح القرآني يفصح لنا عن مكنوناته ونذهب معه وبه إلى أبلغ مدى، لا نقصره على أحد معانيه فنقزمه ونُحرَم بالتالي سعة الفهم وعمقه، “إن ذلك التعارف لا يكون بمجرد اللقاء والتحية، ولكن ليعرف أهل كل إقليم ما عند أهل الإقليم الآخر ليتبادل الفريقان، ويستطيع ابن الأرض أن ينتفع بكل خيرات الأرض، فلا يحرم إقليم من خيرات الآخر، بل تتلاقى في كل إقليم خيرات الإنسانية كلها”[76]، بتعبير آخر: “التعارف وجهة أو اتجاه يختاره المرء بالحرية وبالطبيعة الإنسانية، ويتقصد من وراء ذلك التكامل في إنسانيته وصنع الخير، ولذلك فهو رسالة سلام إلى العالم”[77]، وبإيجاز شديد “التعارف هو عمل إنساني للتكامل وصنع الخيرات المشتركة”[78]، الخيرات المادية والمعنوية وما به يكون إسعاد البشرية.
أما التعايش فهو العيش المشترك وهو الحل الكفيل بتجنب مشاكل الصراع والتضارب في الرؤى والأفكار والمعتقدات بشتى أنواعها، ولا يعني القبول بنسق واحد من التفكير والسلوك، وصهر الجميع في بوتقة واحدة كما تفعل العولمة المتوحشة بإنسان اليوم، وأيضا لا يعني التنازل عن الحق أو توزيعه على المتعايشين بنسب متساوية، بل يعني “أن يحتفظ كل طرف بوضعه الخاص، ويمارس نشاطه الديني أو المذهبي أو الفكري والسياسي في إطار الحقوق والحريات العامة، والتي لا تسمح لأي طرف بسلب حقوق الآخرين أو الإخلال بأمن المجتمع”[79]، وهذا التعايش ليس على حال واحد، فقد يكون وديا أو حسنا، أو يشوبه قلق، أو متكلَّفا إلى غير ذلك.
وبالرجوع إلى معاجم اللغة نجد أن العيش يدل على حياة وبقاء، والعيش والمَعاش والمَعيش، والمعيشة تعني ما يُعاش به وما تكون به الحياة[80]، بمعنى أن هناك ارتباطا وثيقا- بدأ باللغة ويمتد إلى الحضارة- بين العيش والحياة، سواء عيش الأفراد وحياتهم، أم عيش الأمم وحياتها، وفي التعايش زيادة ألف وتاء المفيدة للمشاركة والتفاعل غالبا، وللمطاوعة أو التكلف أحيانا وللتظاهر مرات، وكل هذه حالات تعتري العلاقة بين البشر بعضهم بعضا.
وأما في الاصطلاح فيعرفه رشيد كهوس بقوله: “فالعيش الآمن (ومن تتبع سياق كلامه يتبين له أنه يقصد العيش المشترك، أو على الأقل مستوى من مستوياته) هو القبول بالتنوع والاختلاف واحترام الخصوصيات، بما يضمن وجود علاقة إيجابية مع الآخر، بغض النظر عن عرقه وعشيرته ودينه وهويته وغير ذلك، بما يحقق مجتمعا آمنا مطمئنا”[81]، والنموذج التاريخي لهذا العيش المشترك هو مجتمع المدينة الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم على قيم وأخلاق التسامح والتعاون وحسن الظن والحوار والاحترام المتبادل، والعدل والمساواة، والحرية وغير ذلك[82].
المبحث الثالث: مراحل المشروع ومحاوره
رأينا أن إحلال السلام في العالم وتفعيل واحترام كرامة الإنسان وتوفير دوافع العيش المشترك الآمن مطلب شرعي وضرورة حياتية وتطلع إنساني في ظل الاختــلاف الثقافــي والعرقــي والدينــي والمذهبي، فالاختلاف باق حتى قيام الساعة، والحكم فيه يومئذ لله، والتعامل مع بقائــه لا يكون بإلغائه ولا بتجاهله؛ بل بالتعرف إليه وتقبله وتفهمه واحترامه كسنة من سنن الكون دائمة، ولعل الوضع العالمي اليوم أكثر من أي وقت مضى أحوج إلى أخلاق التعارف والتصالح والتعاون، وسميته أخلاقا وهي كذلك، حتى تكتسي في حس المكلف طابع القداسة والإلزام والشمولية، وإن كانت هذه القيم الإنسانية تستمد أصلا قدسيتها وقوة إلزامها من مصدريها الوحي والفطرة.
المطلب الأول: خلق التعارف والاعتراف
لا يتناقض مطلب الاختلاف مع الوحدة الإنسانية في الأصل والمنشأ والمصير، فالعلاقة تكاملية، وتبرز من خلال مبادئ ثلاثة[83]:
-المبدأ الأول: التداول ﴿وَتِلْكَ اَ۬لَايَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ اَ۬لنَّاسِ﴾[84]، إذ لولا الاختلاف لما كان هناك معنى للتداول، وهو مبطل لمقولة نهاية التاريخ لأن هذا يعني تواصل الحياة واستمرار الإنسانية، فالتداول حياة والنهاية موات وفناء.
-المبدأ الثاني: التدافع ﴿وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّفَسَدَتِ اِ۬لَارْضُ﴾[85]، فالتدافع تنافس ارتقائي وتطويري للمجتمعات يفيد في تكثير الاختيارات والتسابق لعرض ما عندك وتقديمه في أحسن حلة، وليس الصراع والتصادم المؤدي إلى الهلاك والدمار، وإنه من مصلحة العالم أن يعمره أطياف مختلفة تتدافع من أجل تقديم الأنفع للناس، وتوفير موجبات الحياة السعيدة والعيش الكريم، والانتعاش والنمو والتقدم فالمجتمع كالمياه، إن ركدت أسنت، وإذا تحركت وتدافعت أمواجها تجددت وطهُرت.
-المبدأ الثالث: التغاير ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولٞۖ﴾[86] وهو الاختلاف المكمل للتعارف، وبدونهما لا سلام يرجى في العالم ولا استقرار.
ويتضمن التعارف الاعتراف والتفهم والتساوي في الحقوق والواجبات، والعمل معا على بناء العالم، في العملية التي يسميها القرآن الكريم استخلافا، “فالتعارف يقيم وحدة في إطار التنوع تعرف الآخر وتعترف به، وتبادله الاحترام والثقة والمحبة”[87]، ومن شأنه أيضا أن يبدد الصور النمطية السلبية، وأن يرسي أسسا صحيحة وسليمة للمعرفة والتعارف.
المطلب الثاني: خلق التصالح والتسامح
فلسفة التسامح الخروج من النزاعات بين الإخوة في الإنسانية باسم الدين أو العرق أو القومية، فهو العمل على إزاحة، أو إخماد نيران الحقد والعداوة لفسح المجال، وتهدئة الوضع حتى يسمح بالحوار المفضي إلى التفاهم، باعتبار هذا الأخير البيئة المناسبة للترقي إلى مستوى التعاون على البر والتقوى. ويرى البعض أن التسامح فعل سلبي يقتضي التنازل وغض الطرف، لا إحقاق حقوق ورد مظالم واعتذار واعتراف، لذلك عطفته بالتصالح يعني القبول والمطاوعة والتفاعل مع الآخر، لبيان الحقيقة وتعريف الحقوق ثم الإنصاف، والصلح خير.
ومعنى التسامح: “أن نتحمل عقائد غيرنا وآرائهم وأعمالهم، وإن كانت تخالفنا أو باطلة في نظرنا، ولا نطعن فيهم بما يؤلمهم رعاية لعواطفهم وأحاسيسهم، ولا نلجأ لأساليب الجبر والإكراه لصرفهم عن عقائدهم”[88]، ويكفي أن نتدبر الآية التي يحلو لبعض الدارسين وسْمَها بآية الموضوعية، وهي قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)[89]، وهذه شهادة بعض المنصفين يصورون مستوى تسامح الإسلام والمسلمين، وهي الصورة التي أضر بها أمران: أخطاء الأحفاد، وأحقاد الأنداد، يقول فانسان مونتيه: “إن من أسباب اعتناقي للإسلام تسامح الإسلام تجاه أبناء الديانات الأخرى”، وقال أولرش هيرمان: “إن الذي لفت نظري أثناء دراستي لفترة العصور الوسطى هو درجة التسامح التي يتمتع بها المسلمون” ولكن هذا لا يعني التفسخ والترهل والانسلاخ، إليك شهادة ثالثة تزيل الَّلبس وهي روبرتسون: “إن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم الأمة الوحيدة التي جمعت بين التحمس في الدين والتسامح فيه”[90]، بعد التعارف ثم التصالح والتسامح، نأتي إلى المرحلة الثالثة، وهي التعاون.
المطلب الثالث: خلق التفاهم والتعاون
التعاون هو الأساس الثالث الذي ينبغي أن يشتغل عليه مشروع إنقاذ البشرية من المخاطر الأخلاقية المحدقة، وبناء العلاقات الإنسانية بين الناس لمجرد إنسانيتهم فقط، يقول الله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ اَن صَدُّوكُمْ عَنِ اِ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْۖ وَتَعَاوَنُواْ عَلَي اَ۬لْبِرِّ وَالتَّقْو۪يٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَي اَ۬لِاثْمِ وَالْعُدْوَٰنِۖ﴾[91]، فالمهم هو المجال الذي نتعاون فيه، هل إلى البر أقرب أم إلى الإثم؟ يلحق بالتقوى أم بالعدوان؟ قال الماوردي: “ندب الله سبحانه إلى البر، وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس، فقد تمَّت سعادته وعمَّت نعمته”[92]، وكلمة البر والتقوى شاملة لكل عمل يفضي إلى الخير، أو يغلب خيره شره، سواء كان من مصالح الدنيا أو مصالح الآخرة.
المطلب الرابع: حتمية الحوار
من أبرز آليات التعارف والتصالح والتعاون لتحقيق المصلحة المشتركة الحوار، ولا نقصد به مجرد تبادل كلمات بين أناس، وإنما نقصد الحوار الإيجابي المثمر، وهو الذي لا يختلف العقلاء على قيمته وأهميته موضوعا ومنهجا، خُلُقا وفنّا، يقول الدكتور راغب السرجاني: “لم يبدأ مذهب من المذاهب، ولم تنتشر فكرة من الأفكار، في بادئ الأمر إلا عن طريق الحوار والإقناع، وبهذه الطريقة وحدها تجمع الفكرةُ الأتباعَ والمتحمسين والمعجبين ثم تبدأ رحلتها في عقول البشر”[93]، فالحوار سبيل الحكماء والمصلحين وفي مقدمتهم الأنبياء عليهم السلام في كل عصر ومصر[94]، وفي زمننا هذا يتغنى سكان العالم بضرورة الحوار والتواصل، وبحتميته لبناء صرح عالم أفضل، ولا سيما بعد ظهور نظريات تصادمية مثل نظرية “هنتنجتون”، ومن ثم كثر الحديث عن حوار الحضارات وتعايش الحضارات وتكامل الحضارات وما إلى ذلك.
بيد أن حتمية الحوار والتقاء الجميع على الدعوة إليه لا تعني أنه طريق ملكي مفروش بالورود لتحقيق المطلوب، فلا يخلو الأمر من مخاطر وتحديات، فقد يعتمده الغالب لفرض هيمنته على المغلوب، والفتك بثقافته وهويته، فينال بالحوار من الاستعلاء القهر والغلبة ما لم يحققه بالدبابة، وكيفما كان الحال فإما الحوار وإما خراب الديار، وليس بعدهما خيار، لذلك ينبغي الحرص على أن يتسم الحوار بسمات، وينضبط منهجيا بضوابط ، أذكر بعضها فيما يلي بإيجاز:
-أما السمات فثلاث: الهدفية والتواضع والاحترام، فالحوار وسيلة لغاية هي التماس الحقيقة عبر تفكير جماعي في قضية مشتركة، ودون ذلك قطع مسافة معنوية إلى الآخر متجاوزا الحواجز النفسية والترسبات التاريخية والأطماع الشخصية، وهو اعتراف بعدم امتلاك ناصية الحقيقة التامة والصواب المطلق، كما هو حُسْنُ ظنٍّ بالآخر -إن كان أهلا لذلك، وإلا فمن الحزم سوء الظن، ونتحاور- “إن من الخطأ البين أن تظن أن الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، …”[95]، فالتكبر واعتماد منطق «الأنا ضد الباقي» يؤجج الحقد والعداء ويعطل مسار تقدم التفاهم والتعارف، وبالتالي ما يُبنى عليهما من تعاون وتعايش وسلام وإخاء.
وأجدد هنا التأكيد على أن الحوار ليس تبادلا للرأي وأطراف الحديث فحسب، “وإنما هو سلوك يقوم على مقومات تجعل منه عملية أخلاقية وفكرية هادفة”[96]، حتى إن لم تنته بتبني رأي موحَّد فلا أقل من تحقيق تفاهم وتفهم أو فهم ثم تقدير أو عمل مشترك يحد من الانفعالات الحادة في ميادين الاحتكاك والمواقف المتصارعة.
وأما الضوابط المنهجية فأذكر ثلاثة أيضا[97]، وهي:
- الأولى: أن المنطق في إجراء أي حوار مع الغير هو الاعتراف بهذا الغير واحترامه، مما يقتضي قبوله كما هو.
- الثانية: أن أداة الحوار الأولى والأساسية هي المعرفة الصحيحة الثابتة التي يكون صاحبها مقتنعا بها وراغبا في توصيلها والإقناع بها.
- الثالثة: أن الأسلوب الناجع للحوار هو اللين، وما يرتبط به من سلوك حميد يتجلى في التأدب والصبر والحلم والتودد والنصح والهدوء والرفق والقول الحسن السديد، في غير غلو ولا عناد ولا عنف ولا تعصب ولا تشدد ولا تنطع ولا تطاول ولا كبر.
ولعل ما ذُكر يشترك في مساحة كبيرة مِلؤها الوعي والمعرفة، والوضوح، والموضوعية إضافة إلى اعتماد المشتركات كمنطلق وحافز.
المبحث الرابع: الفاعلون أو حملة المشروع.
تطرقت باقتضاب حسب المتاح إلى خطوط عريضة، وأفكار أولية تخص مشروع إنقاذ البشرية من التردي الأخلاقي، والفكرة لا قيمة لها إن لم تجد من يحملها ويعيش من أجلها، كما قيل: أفكارنا دمى لا تسري فيها الحياة إلا بدمائنا[98]، من يعيد في زماننا -حيث نذرت الفضيلة- تمثيل، بل تمثُّل مواقف رجال ونساء وهبوا حياتهم لمبادئ أخلاقية، وجدوا حرجا كبيرا واستشعروا مسؤولية كبرى، وخافوا واستحيوا أن يخلو المجتمع من الأخلاق، وتجف ينابيعها فيه، لا يريد أن يسمع أحدا يقول: ذهب الوفاء من الناس، ولا من يقول: ذهب الصدق من الناس، ولا يرتاح لسماع مقولة: ذهب التسامح من الناس،… ولا يخفى على أحد ما تلهج به أفواه بني الإنسان من تقرير وتأكيد لخلو هذا الزمان من الفضيلة والأخلاق، وهذا والله يؤرق كل فاضل ويستفز كل غيور، ويحثه على أن يتسربل بالمروءة ويتحلى بمكارم الأخلاق معرفة وممارسة وحماية لها ودعوة إليها.
يقول الندوي رحمه الله تعالى: “فالشيء المثير للتأمل والقلق، هو عدم وجود الأطباء الناصحين، المتألمين المستنكرين لهذه الأوضاع الفاسدة، الذين لا يطيب لهم طعام ولا شراب، ولا نوم في هذا الوضع، ويتعكر عليهم صفو الحياة، فالشيء الأساسي هو وجود أولي بقية، عندهم أثارة من شعور، وبقية من غيرة إنسانية، ومن حياة الضمير، ومن الوعي الصحيح الديني”[99]، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ اَ۬لْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمُۥٓ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْفَسَادِ فِے اِ۬لَارْضِ إِلَّا قَلِيلاٗ مِّمَّنَ اَنجَيْنَا مِنْهُمْۖ وَاتَّبَعَ اَ۬لذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَۖ﴾[100]، بقية من التألم والاهتمام بمصير الإنسانية. إذن من يحمل هذا المشروع؟ ومن المرشح لهذه المهمة؟ ومن يكون من أولي البقية يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة وينصح الأمة ويكشف الغمة ويمحو الظلمة؟
أولا: عقلاء العالم
وهم صنفان: صنف يمثله ذووا العقل المجرد لا يأبهون بالمقاصد النافعة، ولا بالوسائل الناجعة، وصنف يمثله أصحاب العقل المؤيد المسدد يلتمسون الوسائل الناجعة للمقاصد النافعة، على حد تعبير الدكتور طه عبد الرحمن، والعبرة هنا بالصنف الثاني ولقد سبق معنا الوقوف عند بعض آرائهم، ولعل ذاكرة الإنسانية تحتفظ بأسماء أعلام منهم وأعمالهم فهم عقول الشعوب، يشكلون الرؤى والقناعات التي يحولها السياسيون والعسكريون إلى تاريخ وواقع حقيقي.
وليكن حرص هؤلاء القادة الفكريين على تجنب نزاع له طابع ديني، أو يمثل اعتداء على الدين، فتلك النقطة التي يأخذ عندها الصراع أبعادا أخرى أشد خطورة[101]، إضافة إلى مقاومة روافد التربية العنيفة (بيت، مدرسة، إعلام، ثقافة، فن …)، ومحاولة القضاء على فكرة شيطنة الآخر، والسعي إلى دعوة الناس إلى التعارف.
وأختم بالنداء: “على عقلاء العالم إدراك أن الإنسانية واحدة، وأن النفس الإنسانية لها القيمة نفسها في الغرب والشرق والشمال والجنوب، وأن أي محاولة تفريق بين إنسان في الشرق أو في الغرب، إنما هي خطوة في طريق التقاتل والصراع”[102]، فالعمدة بعد الله عز وجل على هذا “الإنسان العاقل القادر على توجيه فعله المقصود في إطار عالم الإنس، والمؤمن الحامل لمنهج القيم، القادر على توجيه فعله المستقيم في عالم الإنس”[103].
ثانيا: المؤسسات والمنظمات غير الحكومية
تنشط في العالم منظمات وجمعيات تعنى بالإنسان، حيث تهدف إلى تكريس كرامة الإنسان، وصيانة وجوده، تحت أي مسمى، بما لا يتجاوز تلكم المقاصد، سواء كانت في بلاد الإسلام أو في غيرها، فالعالم شرقا وغربا يعج بعشرات الآلاف من الجمعيات المهتمة بدفع معانات الإنسان والوقوف بجانبه، والدفاع عن حقوقه، فهي تعتبر أملا للإنسانية في إيقاظ الهمم، والتبصير بالطريق إلى المشترك الإنساني، وتوحيد الجهود في التصدي لموجات الفساد العاتية.
ثالثا: الأمة المسلمة
يقول عبد العزيز بن عثمان التويجري الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي: “فالدور الحضاري للأمة الإسلامية رسالة مقدسة، وأمانة عظمى وواجب ديني في المقام الأول، ولا بد أن تنهض الأمة بهذه الرسالة لما فيه الخير للإنسانية جمعاء في يومها وغدها”[104]، ويضيف قائلا: “ولسوف تتعاظم حاجة البشرية إلى رسالة الإسلام في المستقبل لإنقاذ الأجيال المقبلة مما يتهددها من مخاطر شديدة لا سبيل إلى التغلب عليها ومواجهتها، إلا بالتشبع بالقيم الإيمانية والتمسك بالمبادئ الأخلاقية، وبالاهتداء إلى سبيل الرشاد الحضاري، الذي هو درجة عليا من النضج الفكري في دائرة الإيمان بالله”[105]، ولا يخفى علينا ما تعيشه هذه الأمة من واقع مأساوي بامتياز، وهذا لا يلغي ترشحها للقيام بتلكم المهمة التي تتطلب وقتا وجهدا ييسرهما الباري جل وعلا، والبداية بإصلاح الذات وصد الغزاة، وإثبات الوجود وتحقيق الشهود، لأن الخير إن لم يلزمك لن يتعداك.
خاتمة
سبق أن تطرقنا مع الغزالي لأصول الأخلاق الأربعة، وهي: الحكمة والعفة والشجاعة والعدل، ومع راغب السرجاني أشرنا إلى الأخلاق الأساسية الثلاثة التي توحد البشرية، وهي: الصدق والأمانة والعدل، ويمكن أن نضيف ثلاثية علال الفاسي والذي تبعه فيها طه عبد الرحمن، وهي: أخذ العفو والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين، وكلها تبقى أيضا أصولا ضابطة موجهة للثلاثية الأخلاقية، التي جعلناها منهجا للتعامل بين سكان المعمور، وهي التعارف والتصالح والتعاون، فإذا خلا تعارفنا من الحكمة والصدق، وتصالحنا من العدل والقسط، وتعاوننا من الإخلاص أمانة وبرا وإحسانا، فلن نأتي الناس بجديد ولا العالم بمفيد،. فهي أخلاق تستحضر كوكبية الانتماء، وتقصي العنف والاستغلال والطغيان، وترفع عن بني الإنسان ثلاثية المسخ: القردي المتمثل في التقليد، والخنزيري المتمثل في الدوابية، والطاغوتي المتجلي في الظلم، ولا سبيل إلى ذلك إلا عبر آلية الحوار بأبعادها الأخلاقية وضوابطها المنهجية والمعرفية.
مراجع ومصادر:
– أمين، أحمد، كتاب الأخلاق، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى، 2007م، بيروت.
– ابن حمزة، مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، دار الأمان، الرباط، 2019م.
– دراز، محمد عبد الله، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 2014م.
– الجابري، محمد عابد، العقل الأخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة السابعة، 2016م.
– ياسين، عبد السلام ، العدل الإسلاميون والحكم، مطبوعة الصفاء، الطبعة الأولى سنة 2000م.
– مقبول، إدريس، ما وراء السياسة: الفكر الأخلاقي في موقف عبد السلام ياسين، تقديم ماسيمو كومبنيني، إفريقيا الشرق، 2016م.
– وجدي خيري نسيم في مقال له تحت عنوان: «أزمة البيئة والتحديات الأخلاقية العالمية المعاصرة» بمجلة التفاهم، عدد 63، السنة 17، شتاء 2019م.
– ياسين عبد السلام، «Islamiser la modernité» وترجمه إلى العربية مجموعة من الأساتذة تحت عنوان: «الإسلام والحداثة»، مطبعة الهلال، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى مارس 2000م.
– الندوي، أبو الحسن علي الحسني، محاضرات إسلامية في الفكر والدعوة، جمعها وحققها وعلق عليها سيد عبد المجيد الغوري، الجزء الثاني، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط1، 2001م.
– ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار سحنون ودار السلام، الطبعة الثانية، 2006م.
– الفاسي، علال، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دراسة وتحقيق إسماعيل الحسني، دار السلام، القاهرة، الطبعة الثانية، 2013م.
– عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م.
– ياسين، عبد السلام، سنة الله، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الثانية، 2005م.
– أمالك بن أنس، الموطأ، رواية يحيى بن يحيى الليثي، دار النفائس، بيروت، ط4، 1980م.
– بن حمزة، مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، دار الأمان، الرباط، 2019م.
– محمد الحبيب التجكاني في كتابه الزكاة وتطبيقاتها المغربية حتى عام 1319هـ، منشورات عكاظ.
– السرجاني، راغب، المشترك الإنساني، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2011م.
– الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار إحياء الكتب العربية، مصر، الجزء الثالث،. بتصرف.
– المهدلي، محمد عقيل بن علي، الأخلاق عند الصوفية، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1996م.
– عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م.
– بكار، عبد الكريم، العيش في الزمن الصعب، دار القلم، دمشق، الطبعة السابعة، 2015م.
– زايد، أحمد، الأزمة الأخلاقية في مجتمع ما بعد الحداثة، مجلة التفاهم، العدد 48.
– علوان، عبد الله ناصح، الشباب المسلم في مواجهة التحديات، دار السلام، القاهرة، ط2، 2006م.
– عبد الحميد عشاق في مقال له بمجلة التفاهم، عدد 53، تحت عنوان: بذل السلام للعالم، رؤية فقهية مقاصدية.
– عماد حيدر الطيار المعاهدات الدولية شروطها وأحكامها في الشريعة والقانون، رسالة ماجستير بإشراف الدكتور مصطفى البُغا.
– الزمناكويي، محمود محمد علي أمين، العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م.
– السيد، رضوان، ما بعد الاضطراب الديني سلامة الدين وسلامة العالم، مجلة التفاهم، العدد 54، 2016م.
– التسخيري، محمد علي، قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية الإسلامية، مجلة الإسلام اليوم، تصدرها “الإيسيسكو”، العدد 18، سنة 2001م.
– كهوس، رشيد، التصور القرآني للعيش الآمن بين الآدميين وتطبيقاته النبوية، مجلة التفاهم، عدد مزدوج 59-60، سنة 2018م.
– محمد السماك في مقال له تحت عنوان: التعارف والتعدد والاختلاف في الإسلام: الغاية والمنهج، المنشور بمجلة التفاهم، العدد 49.
– الزمناكوبي، محمود محمد علي أمين، العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية، كتاب ناشرون، لبنان، الطبعة الأولى، 2010م.
– الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، أدب الدنيا والدين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1425هـ.
– العلواني، مصطفى جابر فياض، القيم السياسية العالمية في الخطاب القرآني، مدخل منهاجي لدراسة العلاقات الدولية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، سنة 2015م.
– التويجري، عبد العزيز بن عثمان، الدور الحضاري للأمة الإسلامية في عالم الغد، مجلة الإسلام اليوم.
[1] – انظر الفيومي، المصباح المنير، مادة خلق. والفيروزآباي في القاموس المحيط. وابن منظور في لسان العرب مادة خلق أيضا.
[2] – الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي، القاهرة، دار الفضيلة، ص101.
[3] – قد تكون هذه الوجوه الأربعة التي ذكرت أحوال البدايات ومقدمات رياضة وتربية على التخلق.
[4] – انظر: أمين، أحمد، كتاب الأخلاق، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى، 2007م، بيروت، ص8.
[5] – أرسطو، علم الأخلاق، ترجمة أحمد لطفي السيد، ص366، جزء2، وأنا نقلته عن أحمد أمين المرجع السابق، ص11.
[6] – انظر على سبيل المثال: بن حمزة، مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، دار الأمان، الرباط، 2019م.
[7] – انظر: دراز، محمد عبد الله، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 2014م، ص110 وما بعدها.
[8] – الجابري، محمد عابد، العقل الأخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة السابعة، 2016م. ص620.
[9] – التعبير للأستاذ عبد السلام ياسين، انظر كتابه: العدل الإسلاميون والحكم، مطبوعة الصفاء، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص381.
[10] – مقبول، إدريس، ما وراء السياسة: الفكر الأخلاقي في موقف عبد السلام ياسين، تقديم ماسيمو كومبنيني، إفريقيا الشرق، 2016م، ص405.
[11] – انظر: ياسين، عبد السلام، العدل، مرجع سابق، ص381.
[12] – مقبول، ما وراء السياسة، مرجع سابق، ص405.
[13] – انظر: مقبول، ما وراء السياسة، مرجع سابق، ص406.
[14] – ذكرهم وجدي خيري نسيم في مقال له تحت عنوان: «أزمة البيئة والتحديات الأخلاقية العالمية المعاصرة» بمجلة التفاهم، عدد 63،السنة 17، شتاء 2019م، ص190.
[15] – كُتِب بالفرنسية تحت عنوان: «Islamiser la modernité» وترجمه إلى العربية مجموعة من الأساتذة تحت عنوان: «الإسلام والحداثة»، مطبعة الهلال، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى مارس 2000م.
[16] – ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، مرجع سابق، ص219.
[17] – هي أوصاف لمجتمع ما بعد الحداثة وردت متفرقة في كتاب الإسلام والحداثة، وقد علق صاحب الكتاب على هذه الأوصاف بقوله: “وليس غرضنا أن نتعلل بمطالعة أمارات غروب حضارة كافرة، بل غرضنا أن نستخلص العبرة منها” ًص222.
[18] – ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، مرجع سابق، ص222.
[19] – الندوي، أبو الحسن علي الحسني، محاضرات إسلامية في الفكر والدعوة، جمعها وحققها وعلق عليها سيد عبد المجيد الغوري، الجزء الثاني، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط1، 2001م، ص97.
[20] – المرجع نفسه، ص97.
[21] – ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار سحنون ودار السلام، الطبعة الثانية، 2006م، ص116.
[22] – المرجع نفسه، ص122. بتصرف يسير جدا.
[23] انظر: الفاسي، علال، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دراسة وتحقيق إسماعيل الحسني، دار السلام، القاهرة، الطبعة الثانية، 2013م. ص301.
[24] – الفاسي، المرجع نفسه، ص301.
[25] – انظر: الفاسي، المرجع نفسه، ص302.
[26] – الفاسي، المرجع نفسه، ص302.
[27] – المرجع نفسه، ص302.
[28] – عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م. ص13.
[29] – ياسين، عبد السلام، سنة الله، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الثانية، 2005م. ص283.
[30] – المرجع نفسه، ص287.
[31] – المرجع نفسه، 286.
[32] – أخرجه مالك في الموطأ، باب ما جاء في حسن الأخلاق، رواية يحيى بن يحيى الليثي، دار النفائس، بيروت، ط4، 1980م.
[33] – بن حمزة، مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، دار الأمان، الرباط، 2019م. ص88.
[34] – بن حمزة، المرجع السابق، ص89.
[35] – هكذا عبر الدكتور محمد الحبيب التجكاني في كتابه الزكاة وتطبيقاتها المغربية حتى عام 1319هـ، منشورات عكاظ، ص21.
[36] القلم: 4.
[37] – السرجاني، راغب، المشترك الإنساني، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2011م. ص360.
[38] – السرجاني، المرجع نفسه، ص362.
[39] – السرجاني، مرجع سابق، ص362 وما بعدها.
[40] – انظر: الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار إحياء الكتب العربية، مصر، الجزء الثالث، ص52 وما بعدها. بتصرف.
[41] – عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م. ص13.
[42] – المرجع نفسه، ص13.
[43] – المرجع نفسه، ص14.
[44] – المرج نفسه، ص14.
[45] – المرجع نفسه، ص147-148
[46] – بن حمزة، مقاربات في المسألة الأخلاقية، مرجع سابق، ص95.
[47] – بن حمزة، مرجع سابق، ص105.
[48] – ياسين، سنة الله، ص280.
[49] – المرجع نفسه، ص280.
[50] – ياسين، سنة الله، مرجع سابق، ص281.
[51] – بكار، عبد الكريم، العيش في الزمن الصعب، دار القلم، دمشق، الطبعة السابعة، 2015م. ص206.
[52] – المرجع نفسه، ص207.
[53] – النساء: 19.
[54] – البقرة: 227.
[55] – آل عمران: 159.
[56] – الحجرات: 13.
[57] – البقرة: 82.
[58] – انظر، زايد، أحمد، الأزمة الأخلاقية في مجتمع ما بعد الحداثة، مجلة التفاهم، العدد 48، ص164 وما بعدها.
[59]– انظر أسماءهم ومؤلفاتهم في المرجع المشار إليه أعلاه، وللإشارة كلهم غربيون.
[60] التوبة: 119.
[61]– زايد، أحمد، المرجع السابق، ص268 وما بعدها.
[62] – ولم أقل الملائكة عليهم السلام، لأنهم ما نازعوا ولا اعترضوا، وإنما سألوا، في حين إبليس قال: أنا خير منه، يعني أولى بالتكريم والتشريف، وأوضح من ذلك قوله كما جاء في القرآن الكريم (قل آرايتك هذا الذي كرمت علي لأحتنكن ذريته إلا قليلا). واليوم الأشياء والمادة فرض نفسها سيدة على الإنسان، وتخضعه لإرادتها، إن كانت لها إرادة.
[63] – دراز، عبد الله، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، مرجع سابق، ص62-63. بتصرف يسير.
[64] – المرجع نفسه، ص64.
[65] – المرجع نفسه، ص64.
[66] – الإسراء، الآية 70.
[67] – النحل، الآية 78.
[68] – البقرة، الآية 30.
[69] – الجاثية، الآية 13.
[70] – علوان، عبد الله ناصح، الشباب المسلم في مواجهة التحديات، دار السلام، القاهرة، ط2، 2006م، ص191.
[71] – هذا على المستوى الجماعي الدولي أمما وشعوبا، وعلى المستوى الفردي أيضا يسجل التاريخ مبادرات في هذا المنوال، منها ما أقدم عليه ألفرد نوبل الذي اخترع الديناميت، ولما رأى ما أحدثه اختراعه من وفيات وضحايا وإصابات، شعر بالأسى فرصد في وصيته مبلغا من المال لجائزة سنوية تُعطى لصاحب العمل المميز الذي يسهم في تحقيق السلام العالمي، قد يكون تأنيب ضمير.
[72] – ذكر هذا الأستاذ عبد الحميد عشاق في مقال له بمجلة التفاهم، عدد 53، تحت عنوان: بذل السلام للعالم، رؤية فقهية مقاصدية. صفحات: من 241 إلى 268.
[73] – عشاق، عبد الحميد، المرجع السابق، ص251.
[74] – انظر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب المعاهدات الدولية شروطها وأحكامها في الشريعة والقانون، للدكتور عماد حيدر الطيار، رسالة ماجستير بإشراف الدكتور مصطفى البُغا.
[75] – الزمناكويي، محمود محمد علي أمين، العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م، ص49.
[76] – الزمناكويي، المرجع السابق، ص50.
[77] – السيد، رضوان، ما بعد الاضطراب الديني سلامة الدين وسلامة العالم، مجلة التفاهم، العدد 54، 2016م، ص67.
[78] – المرجع نفسه، ص66.
[79] – التسخيري، محمد علي، قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية الإسلامية، مجلة الإسلام اليوم، تصدرها “الإيسيسكو”، العدد 18، سنة 2001م، ص96.
[80] – انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة عيش، 6/321.
[81] – كهوس، رشيد، التصور القرآني للعيش الآمن بين الآدميين وتطبيقاته النبوية، مجلة التفاهم، عدد مزدوج 59-60، سنة 2018م، ص296.
[82] – تولى تأصيلها وتفصيلها الدكتور كهوس في المرجع السابق بدءا من الصفحة296 إلى الصفحة 318.
[83]– ذكرها الدكتور محمد السماك في مقال له تحت عنوان: التعارف والتعدد والاختلاف في الإسلام: الغاية والمنهج، المنشور بمجلة التفاهم، العدد 49، ص123 وما بعدها.
[84] آل عمران: 140.
[85] البقرة: 249.
[86] يونس: 47.
[87] – المرجع نفسه، ص125.
[88] – الزمناكوبي، محمود محمد علي أمين، العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في الشريعة الإسلامية، كتاب ناشرون، لبنان، الطبعة الأولى، 2010م. ص53.
[89] – الأنعام، 108.
[90] – شوقي أبو خليل وهاني مبارك، الإسلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب، دار الفكر، دمشق، ط1/1997، ص: 40، نقلا عن: شوقي أبو خليل، التسامح في الإسلام، ص: 123 و124.
انظر الشهادات الثلاث في المرجع السابق، هامش الصفحة 56، نقله عن الإسلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب، ص40.
[91] المائدة: 3.
[92] – الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، أدب الدنيا والدين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1425هـ. ص178.
[93] – السرجاني، المشترك الإنساني، مرجع سابق، ص589.
[94] – بلغ درجة قصوى في التطرف مع “هيجل” حيث اعتبر تاريخ البشرية هو سلسلة من الحوار والجدال بين الأفكار لا تنتهي.
[95] السرجاني، المرجع السابق، ص597-598، نقله عن صالح بن حميد، أصول الحوار، ص19.
[96] – السرجاني، نفس المرجع، ص598.
[97] – ذكرها الدكتور عباس الجراري مقال له تحت عنوان: الحوار من منظور إسلامي، مجلة الإسلام اليوم، مرجع سابق، ص50 وما بعدها.
[98] – مقولة مشهورة للسيد قطب رحمه الله، وهي تعني أن الأفكار تبقى مشلولة الحركة، عديمة التأثير ما لم ينبر أقوامٌ لتمثلها سلوكا وتخلقا في النفوس، ثم جهادا واجتهادا ودعوة لتمكينها وتثبيتها في المجتمع.
[99] – الندوي، محاضرات في الفكر والدعوة، مرجع سابق، الجزء الأول، ص169.
[100] هود: 116.
[101] – انظر: السرجاني، المرجع السابق، نداء إلى عقلاء العالم، جعله خاتمة لكتابه، ص754 وما بعدها.
[102] – السرجاني، مرجع سابق، ص766.
[103] – العلواني، مصطفى جابر فياض، القيم السياسية العالمية في الخطاب القرآني، مدخل منهاجي لدراسة العلاقات الدولية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، سنة 2015م، ص279-280.
[104] – التويجري، عبد العزيز بن عثمان، الدور الحضاري للأمة الإسلامية في عالم الغد، مجلة الإسلام اليوم، مرجع سابق، ص78.
[105] – التويجري، نفسه، ص78.
___________
*البشير قصري: باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، ومقاصد الشريعة.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.